تحقيقات

الأمراض النفسية تنضم لقافلة (قَتََلةِ السوريين)!

فيصل عكلة

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب


في حادثة مرعبة هزّت الشمال السوري مؤخرًا، قضى طفلان بعمر الزهور خنقًا بدعوى أن القاتلة مريضة نفسيًّا، وقد رمت جثمانهما على باب خيمة ذويهما مع رسالة تهديد ووعيد، والعجيب أيضًا أن أهل الطفلين أسقطا حقهما عن الجانية!
تجتاح الناس هذه الأيام أوضاع صعبة من ظروف أمنية واقتصادية واجتماعية متردية؟ الأمرالذي انعكس على المزاج العام وأصبح الكثير منهم يعاني أمراضًا نفسية وعصبية مختلفة من توتر واكتئاب وآلام في الرأس والأطراف عجزت المسكنات الطبية عن تهدئتها.
الأمر الذي أرغمهم على استخدام الأدوية النفسية شديدة التأثير وقد تصل بهم الحالة إلى استخدام الأدوية المخدرة والتي تستخدم في العمليات الجراحية!
التقى مراسل “رسالة بوست” الطبيبَ محمد العلي، (طبيب مختص في الأمراض النفسية)، وسأله عن دواعي تخوف المرضى النفسيين من الذهاب إلى الطبيب النفسي.. وهل ذلك يعتبر عيباً أو فيه حرج أمام الأهل والجيران.. وهل يمكن للمريض إعادة صرف الدواء من تلقاء نفسه دون العودة للطبيب، وهل من نصائح للتخفيف من الإصابات بالمرض وكيف يعرف المريض أنّ مرضه نفسي.. وهل من علاقة بين الأمراض النفسية والعضوية؟
فأجابنا الدكتور:
نعم، هناك تخوف وهواجس لدى مرضى الاضطراب النفسي من مراجعة العيادات النفسية خوفًا من الوصمة أو ما يعتبر عيبًا حسب ثقافة المجتمع المحيط وخاصة في وسط النساء وبدورنا نحاول تثقيف المريض ومن حوله والمجتمع على أن المرض النفسي هو مرض يحتاج العلاج وليس ضعفًا في شخص المريض أو تقليل من إمكانياته وهو أمر خارج عن إرادته كما نحاول أن نوصل الفكرة لمن معه بأن هذا الإضطراب النفسي شائع بين الناس ويمكن الشفاء منه وبذلك يتقبل المريض مراجعة العيادة بشكل منتظم، كما أنه لا يمكن صرف الدواء من قبل المريض أو الصيدلاني دون مراجعة الطبيب لأن صرف الدواء يتبع تطورات الحالة فقد يتم زيادة الجرعة أو تبديل الدواء ولا يصرف الدواء إلا بوصفة موقعة وممهورة من قبل الطبيب المختص ولا ننصح المريض بأخذ أي دواء حتى لو صرفه له الصيدلاني لأن المتابعة المنتظمة عند الطبيب ضرورية جدا للشفاء من الإضطراب النفسي، والعلاقة بين المرض العضوي والمرض النفسي قائمة ويمكن للآلام العضوية وخاصة عند ذوي الأمراض المزمنة أن تصيب المريض بحالة من اليأس والإحباط وعدم الرغبة بمواصلة الحياة وتمني الموت نتيجة الآلام المبرحة التي يعانيها!


وعن النصائح التي يرغب بتوجيهها للمرضى؟ لخصها لنا الدكتور محمد بقوله:
“ننصح المريض بمتابعة الأنشطة الاجتماعية المعتادة ومشاركة الوسط المحيط في الأفراح والأحزان وزيارة الأقارب والجيران وتنظيم النوم وأخذ قسطٍ وافٍ منه وممارسة الرياضة بشكل يومي وتناول وجبات الطعام بشكل منتظم والابتعاد عن المشاكل والتخفيف من الضغوطات النفسية التي يتعرض لها المريض من الوسط المحيط والابتعاد عن كل ما يزعجه أو يسبب له ضغط، والأهم زيارة العيادة النفسية ومتابعة الطبيب ليوضح له أن هذا المرض شائع وقابل للشفاء وليس نتيجة ضعف من المريض.


وعن توفر مراكز العلاج النفسي في المحرر أجاب الدكتور محمد:
هناك فجوة كبيرة بين ما هو مطلوب وما هو موجود ومتوفر، لأن عدد المراجعين كبير جدًا وعدد الأطباء قليل جدًا ولا يوجد في المحرر سوى طبيبين مختصين في الطب النفسي، ويوجد مركز علاج (النفس المطمئنة) في مدينة الدانا، ومشفى (سرور) في سرمدا الذي يعمل كعيادة خارجية، ومركز في خربة الجوز، وعيادة في ادلب، ومشفى في إعزاز، وآخر في الباب، ولا يوجد عيادات خاصة بسبب قلة الاختصاصيين أو الأطباء المقيمين النفسيين!

الدكتور محمد العلي

يلجأ المرضى النفسيون هنا إلى عيادات الأمراض العصبية لغياب العيادات النفسية التخصصية وعلى أبواب إحدى العيادات التقى مراسل رسالة بوست أحد المراجعين (رجل خمسيني) فضّل عدم ذكر اسمه، سألناه عن دواعي حضوره إلى هذه العيادة فقال:
إنها “الظروف القاسية التي نعيشها أرخت بظلالها على نفسيتي، حيثما ذهبت أرى المرض والموت والفقر والكثير ممن كنت أراهم في زهوة شبابهم أراهم الآن وقد شحبت وجوههم وشاب شعرهم ومنهم من أمسى طريح الفراش، ذلك ما سبب لي الخوف من الموت وأصابني الأرق وجافاني النوم وبتّ أمضي ليلي بين الهواجس والكوابيس، لا أريد أن يأتي المساء وأخاف من الليل ويضيق نَفَسي في الغرف المغلقة وأتمنى أن أبقى في الهواء الطلق!

كثيرة ومتشعبة هي الأمراض التي نتجت عن الحرب التي نعيش والتي أصابت شرائح متعددة من الناس القاطنين في الشمال الغربي من سوريا، وتفاقمت تلك الحالات مع موجات النزوح المستمرة وارتفاع الأسعارالذي أدى إلى إنهيار الوضع المعيشي.

في ظل حياتنا اليومية وما نعيشهُ من فقدّ ومعاناة وضغوطات، وما خلفتهُ الحرب من هشاشة نفسية، لا بد أن يتعرض البعض لاضطرابات وسوء في الصحة النفسية، التي هي عبارة عن نمط سلوكي ينتج عنهُ الشعور بالضيق، والانزعاج الذي يؤثر بشكل كبير على التفكير والسلوك.

الشيخ حسان الشيخ نجيب، يعمل في مجال الرقية الشرعية منذ فترة طويلة وما زال، شرح لرسالة بوست عن تجربته في هذا المجال، فقال:
الرقية الشرعية لا شك أنها تفيد في مثل هذه الأمراض، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم (وننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة) وقال: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) وبما أننا نعلم ثبوتها عن الله عزّوجل فنحن نأخذ بقطعية حكمهما ، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه)،
أي: في الرقية، وهو حديث صحيح.


وأضاف الشيخ نجيب:
ولكن وإن كانت الرقية تفيد في الأمراض النفسية، ولكنها لا تلغي التخصص والطبيب النفسي يفيد.
وحسب رأيي الشخصي يتوجب أن يجتمع في العيادة النفسية الراقي الشرعي مع الطبيب النفسي، لأن كليهما يكمل الآخر، أما إخراج الجن الذي يتلبس المريض فهذا الأمر له ضوابط وشروط كثيرة ولا يتم اللجوء إليه إلا في النهايات، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية، كما نقل عنه ابن القيّم في الطب النووي: “كان شيخنا يضرب المريض حتى نظن أنه قد مات وحين يفيق يسألونه هل ضربك الشيخ فيقول وماذا فعلتُ حتى يضربني”!
و استطرد الشيخ حسان بقوله :
ولكن في الآونة الأخيرة أضحت المسألة مصلحة، وأنا من خلال عملي لا أسمح لأي إنسان تدرب عندي وأذنْت له بالرقية أن يضرب المريض، ولكني أسمح لنفسي فقط لأني كما قلت هناك ضوابط وشروط، خاصة إذا كان المريض صاحيًا، أما المصروع فيحتاج إلى ذلك العلاج!


وبعد التطور العلمي وتوفر وسائل التواصل الإجتماعي، والانفتاح على ثقافات مختلفة وتشابك العادات من خلال موجات التهجير والنزوح، أضحى موضوع زيارة العيادات النفسية أمرًا مطلوبا وضروريًا.

الشيخ حسان الشيخ نجيب

رسالة بوست التقت الأستاذ “عامر خطاب”، (باحث في التربية الإسلامية) وسألناه عن نظرة الدين الإسلامي للمرض النفسي وكيف عالجه.. وهل يغني ذلك عن زيارة الطبيب المختص؟
فأجاب الأستاذ عامر:
الأمراض النفسية هي من جملة الأمراض التي يصاب بها الإنسان، وهناك كلام لابن القيم، يشير إلى أن الإنسان قد يصاب بمرض عضوي ويكون سببه نفسي والعكس صحيح، أي: أن هناك علاقة مباشرة ما بين المرض النفسي و المرض العضوي، أي إذا تخلص الإنسان من المرض النفسي قد يشفى أيضا من المرض العضوي، فالأرق والقلق تورث أمراضًا عضوية، وليس هناك أي مانع من أن يأخذ الإنسان العلاج للمرض النفسي كما يأخذ علاجا للمرض العضوي، والرقية ليست للشفاء من المرض النفسي فحسب، بل للشفاء من المرض العضوي أيضًا، لأنها شفاء من الأشفية التي يتخذها الإنسان، وأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام عندما مرّوا على أمير قبيلة مريض، وسألهم: هل لديكم من دواء أو رقية؟
قالوا: نعم، ولكن بشرط أن تعطونا طعاماً ، فرقاه من مرض عضوي وليس من مرض نفسي، وبذلك الرقية تكون لمرض نفسي أو عضوي، ولا يمنع ذلك من العلاج، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: “تداووا عباد الله فإنّ الله لم يخلق داءً إلا جعل له دواء”.


وسألنا الأستاذَ عامر عن “المسّ والتلبس” فأجاب:
“في المسّ وغيره في الحقيقة هناك أقوال، بعض علماء النفس اليوم يعتبرونه غير موجود، وإنما هو مرض نفسي، وأصل هذا قول الله عزّ وجلّ:” الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ”، وهذا المعنى يدلّ على أنّ الإنسان قد يمسّه الشيطان، والواقع يدلّ على أنّ الإنسان قد يصاب بهذا وهناك أناس يتلبسهم الجن وعندما يُقرأ عليهم القرآن يذهب عنهم وهذا يحصل كل يوم، وليس هناك من شك من أن الجن قد يسببون الضرر للإنسان، وللحماية هناك الأذكار التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تقرأ في الصباح والمساء، وهناك قول ( من قرأ آية الكرسيّ في الصباح كان في حفظ الله حتى يمسي ومن قرأها في المساء كان في حفظ الله حتى يصبح) فهي نوع من الحماية، هذه الآية الكريمة ومعها أذكار الصباح والمساء بجملتها فيها من الأسرار والخصوصيات ما يحمي الإنسان من أن يمسّه أو يقربه شيء من الجن!

الأستاذ عامر خطاب

لا شك أن ظروف القتل والتهجير التي مارسها نظام الأسد وبمساعدة حليفيه روسيا وإيران قد أرخت بظلالها القاتمة على الناس هنا وأفرزت الكثير من العلل والأمراض ومن جملتها الأمراض النفسية، والمطلوب من المسؤولين في القطاع الصحي والمتظمات المهتمة بالشأن الصحي الاهتمام بالمرضى النفسيين وتوفير مراكز العلاج مع كوادر مختصة بالأمراض النفسية بغية التخفيف من عذابات شعب ذاق كل أصناف القهر والتشرد والمرض!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى