مقالات

الأنظمة العربية والإعلام المضلل

د. مصطفى عبد القادر

أديب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب


لا الراعي بمنته عن غيه وتعسفه واستعلائه،ولاالرعية قانعة بالاستحمار الممنهج الممارس عليها طيلة عقود وعقود. فالحاكم المستبد مطلق اليد في كل مامن شأنه إطالة عمر تنصيبه واستحواذه وإشباع رغباته المنفلتة من عقالها،ووفقا لذلك هو يتبع كل السبل مهما كانت درجة انحطاطها الأخلاقي التي تفضي إليها. مايهمه هو أن يبقى في دائرة الضوء والسطوع (الأبدي)،وإرواء أناه المتعطشة للبروز والتلميع،فيعمد إلى تجيير إعلامه المضلل للإكثار من ذكر مآثره، والتحدث عن بطولاته(الدون كيشوتية)، وتزيين صورته(السوبرمانية).
لقد ابتليت أمتنا بصنفين من الحكام في الأغلب الأعم. إما عسكر نصبوا أنفسهم بقوة السلاح،أو متعسكرون ورثوا الحكم بالتناسل لأنهم من عظام الرقبة. فالعسكر فكرهم لايتجاوز نهاية حافة (البسطار) الذي أتى بهم إلى السلطة،وهم يعتبرون أنفسهم(حماة الديار) وأصحابها الشرعين.تقلقهم الكلمة الحرة، ويرعبهم التفكير بصوت عال،ولايطربون إلا للثناء والتأليه. فالحاكم بأمره يجب أن تبقى صوره معلقة على الحيطان،وتماثيله منصوبة في الساحات العامة والشوارع وفي كل الأركان،واسمه دائم التردد والتكرار كي يبقى محفورا في الأذهان. إذا مشى فمشيته (مرش عسكري)يطغى على كل النغمات والألوان،وإذا تكلم فمنطقه يرشح فلسفة ويقطر حكمة دون بهتان،وإذا ابتسم فابتسامته في عز الليل البهيم تجود باللمعان، وإذا عطس فعطسته لها دوي رجولي يخيف الأعداء ويوقظ كل وسنان.
أما المتعسكرون فهم ليسوا أقل شأنا من العسكر في تجبرهم وتسلطهم وحداثة نعمتهم. غرتهم الأموال التي استأثروا بها فراحوا يدسون أنوفهم خارج (مزارعهم) لوأد كل حراك في أرضه كي لاتصلهم رياحه وتقتلعهم من جذورهم…
لذلك.من شدة القمع الممارس على المواطن العربي نراه يلجأ إلى أية وسيلة قادرة على التنفيس عما يحترب في صدره،والتكلم بلسان حاله سواء وجد ذلك في كتاب يقرأه،أو في حديث بجلسة خاصة مؤتمنة يبثه، أو عبر مشاهدة برامج تلفزيونية تشعره بتلمس معاناته،والتفوه بما يود هو قوله،وفي مقدمتها برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي تابعناه منذ أكثر من نصف قرن ومازلنا، لأننا وجدنا فيه رئة نتنفس من خلالها ونحن في ذروة الاختناق،مثلما وجدنا فيه مساحة واسعة من حرية الرأي والرأي الآخر،على عكس ماهو سائد في إعلامنا العربي الرسمي الهابط شكلا ومضمونا. فالاتجاه المعاكس استطاع هدم كل حواجز العزل والانعزال،وتعبيد جسور الوصل والاتصال، قال وسيقول كل مالايقال إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
فأي خير يرتجى من أنظمة ميؤوس منها ومن إصلاحها طالما أنها منتهية الصلاحية،فاسدة،متعامية،متغابية،لم تتعظ ولاتريد الاتعاظ لأنها لم تقرأ التاريخ،تعيش خارج نطاقه،تريد أن تكتبه بالدم،بل توقن أنها التاريخ ذاته؟!.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اسمح لي يا دكنور مصطفى بهذا التعليق المتواضع على مقالك الرائع :
    وجدت مفردات جرى تداولها منذ زمان خضوع بلادنا للاستعمار – القديم منه و الجديد – و لأدوات الاستعمار و كان سعي لترسيخ أو لإدامة استعمالها مع أنها لا تنطبق على الوقائع الفعلية ، فمن باب الصدق و إتباع الحق أنصح بتجنب استعمالها فيما يتعلق بأولئك المفروضين على أمتنا . بدلاً من لفظ “حكام ” الذي شرطه و دلالته التحلي بالحكمة ، الأنسب أن نقول “متحكمين” و بدلاً من القول ” نظام أو أنظمة” التي تؤشر لترتيب أو لترتيبات عقلانية و منطقية ، الأجدر أن نقول “عصابة أو عصابات ” فعصابات المتحكمين تمَ فرضها بالقهر من دون السماح بأن تمارس الأمة حقها في اختيار و تنصيب سلطانها .
    يقول مثل ألماني ” البضاعة الجيدة تعلن عن نفسها بنفسها” و بالتالي فإن البضاعة التي تكون متدنية الجودة تحتاج إلى تسويق متواصل مصحوب بكمية كبيرة من الكذب . مع ذلك فإن الجهد المبذول في التسويق هو محض عبث لأن الواقع المرير المعايش سيصطدم حتماً بالوهم المسموع الممتلئ بلحن القول .
    وردت من علماءنا الأفاضل عبارة عميقة بعيدة المرمى و هي أن “الغباء أحد جنود الله” أي حين يكون عدو الله عدو الأمة محروماً من الذكاء و بعد النظر و سعة الأفق فإنه سيخدم الحق في نهاية المطاف رغماً عنه . الطراطير النواطير في كل قمعستان “كلمة من إنشاء الراحل نزار قباني و تعني الأقطار الممتدة من الخليج النائم إلى المحيط الهائم ” كلهم مطايا لأغبى و أحمق استعمار فرعوني عرفه التاريخ أي أنه استعمار يستحق أن يسمى “الأحمق المطاع ” لدى أذنابه ، و كل ذيل منهم أحمق يسعى لأن يكون مطاعاً في الرعية ممدوحاً بما ليس فيه .
    بما أن الرعية المبتلاة ، بأحمق تابع لأحمق، تدرك سوء الحال و درك الهبوط و غياب الأمل في صلاح رأس العصابة و من حوله ، كان أمر الأحمق المطاع الأول تعزيز القبضة بممارسة أقصى درجات القمع و الترهيب و البطش و تكميم الأفواه و ببث دجل إعلامي حول فخامة (!) الرئيس فاشل ابن خاسر و يكون دور هذا أن يتظاهر بأنه فصيح زمانه و وحيد عصره وفلتة دهره مع أن كلامه المرتجل هذيان من تافه سطحي العلم والتفكير و الثقافة يتكلم بما لا يعرف.
    جرت سنة التداول على أمتنا كما جرت على غيرها من الأمم من دون مجاملة و محاباة . في هذا العصر الشاذ ، أمتنا موجودة حيث لا ينبغي أن توجد لكن كل هذا مؤقت بإذن الله و سيكون هنالك فرج بعد الشدة بعون الله . الكرة في ملعبنا و التغيير يبدأ بنا و قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ …) هو قانون ساري علينا . على أهل العلم المخلصين في أمتنا إيضاح كيفية تغيير ما بالأنفس بالاستناد إلى السيرة النبوية الشريفة التي أوضحت كيفية بناء رجال – لا ذكور و لا أشباه رجال – قال عنهم رب العالمين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). من دون رجال أفذاذ صادقين ثابتين ، لا يمكن لأمتنا أن تصعد نحو معالي العلى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى