بحوث ودراسات

محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 11 من 35

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

ثالثاً: أعظم أثر، وأنجح تجربة:

ترك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم أثر في تاريخ البشرية, وتجربته أنجح تجربة في الحياة كلها, ونهضته التي قام بها, أعظم نهضة في الدنيا, لقد استطاع أن يغير الدنيا كلها, والبشرية كلها, والحياة كلها في الماضي والحاضر والمستقبل, وترك بصماته واضحة, على معالم الحياة كلها, في الماضي والحاضر والمستقبل..

       لقد كان الرسول محمد نقطة فارقة في التاريخ, فالتاريخ قبل محمد شيء, والتاريخ بعد محمد شيء آخر, لقد كان نقطة تحول كبرى, وقفزة نوعية في كل شيء, فالحياة قبله شيء, والحياة بعه شيء آخر.

         يتيم الأب والأم, يولد في مكة, ويعيش في صحراء العرب, ويتعلم الفصاحة والشجاعة, والقيم النبيلة العظيمة.. مقطوع من فوق, لا أب ولا أم, ومقطوع من تحت, لا أولاد ذكور, ومقطوع الوسط, لا إخوة, ولا أخوات, وحيداً ولد, ووحيداً عاش, ولكنه استطاع أن يكون أمة, وأن ينشى أمة, ويبني أمة, بل أعظم أمة على وجه الأرض..

       أمي لا يقرأ ولا يكتب, يبعث إلى أمة مشتتة ممزقة, مجموعة من القبائل المتصارعة, فيحولها في فترة قياسية, لا تزيد على عشرين عاماً, إلى أعظم أمة في تاريخ البشرية كلها.. أمة لم تكن موجودة كأمة, فأوجدها, ونقلها من آخر رقم في ذيل قائمة الدول, كما هي اليوم, إلى أول رقم في التسلسل, وأعظم أمة في الوجود, خلال عشرين عاماً فقط, وستبقى كذلك, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

       عشرون عاماً فقط, كانت كافية لتحويل هذه الأمة, من أمة ترعى الأغنام, إلى أمة ترعى الأمم, من أمة ليس لها زعيم يقودها, بسبب كونها قبائل متصارعة, متعددة الزعامات, أو بسبب ضعف زعاماتها الكبيرة, ورؤيتها التي لا تتجاوز حدود القبيلة, إلى زعيم يقود العالم, حياً وميتاً, وتتفق البشرية كلها, على أنه أعظم رجل مشى على الأرض..

        التاريخ قبل محمد صلى الله عليه وسلم شيء, والتاريخ بعده شيء آخر, والذي يدرس التاريخ, ولا يدرس تاريخ محمد, وما فعله وأحدثه في الدنيا, فكأنه لم يدرس التاريخ أبداً, ولا يعرف منه شيئاً.. العالم العربي تغير شكله, مصر والشام والعراق والمغرب والأندلس والجزيرة..

        آسيا الصغرى والكبرى تغير شكلها, إمبراطوريات عظمى سقطت (الفرس, والروم) ونشأت إمبراطورية جديدة, علمّت أوربا والعالم كله آنذاك العلم, وكانت نهضة أوربا الحديثة بسبب اكتشاف المسلمين لرأس الرجاء الصالح, واكتشاف أمريكا كان بفضل البحارة العرب المسلمين.

         قيم الحق والعدل والمساواة والحرية, أخذها الأوربيون من العرب المسلمين, حق المرأة, وحق العبيد, وحق الأطفال, تعلمها العالم من العرب المسلمين ..

         أذان يصدح, ومآذن تكبر, ومساجد تملأ العالم, ومصلين يملؤنها في شرق الأرض وغربها, بفضل محمد صلى الله عليه وسلم, مصلون بالملايين, في كل وقت, وبوقت واحد, وصيام في رمضان يجمع كل المسلمين, في العالم كله, على مائدة واحدة, وبوقت محدد, وعيد بوقت واحد, على مدى آلاف السنين, وكأنهم أسرة واحدة صغيرة, في حين أن الأسرة الصغيرة غير المسلمة, في أوربا الغربية والشرقية, وأمريكا الشمالية والجنوبية, لا تعرف كيف تجتمع, لا بالسنة, ولا بالسنتين, ولا أحد يعرف أحداً..

         العظماء تبقى آثارهم محدودة ومحصورة, في مجال معين, وزمن معين, وأناس معينين, وبعد موتهم ينتهي أثرهم, أو يكاد, إلا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, فإن أثره باق منذ أكثر من 1400 سنة, وسيظل إلى أن تقوم الساعة, لماذا؟ لأنه استطاع أن يستكمل لدعوته كل أسباب النجاح والاستمرار, وكلما ضعفت ووهنت, تذكرت فنهضت من جديد..

         دعوة فيها كل أسباب القوة والديمومة, فيها العلم والعمل, وفيها القوة الاقتصادية, والقوة العسكرية, والسياسية, والتخطيط السليم, والسلام والعدل فيها, والتوازن بين المادة والروح موجود فيها, وبين الدنيا والآخرة.

         أوروبا وأمريكا فيها نهضة عظيمة, ولكنها نهضة مادية, مجردة من القيم الروحية النبيلة السامية, فهي نهضة عرجاء, تحمل بذور فسادها وانهيارها معها.

         التجربة الوحيدة في التاريخ, التي نجحت نجاحاً باهراً, أو حافظت على نجاحها, ولو بالحد الأدنى أحياناً, هي تجربة محمد صلى الله عليه وسلم, فلا تجربة قبلها, ولا تجربة بعدها نجحت, وحافظت على نجاحها مثلها, لا التجربة الفرعونية, ولا التجربة الرومانية, ولا التجربة الأوربية الحديثة, ولا غيرها من التجارب نجحت, مثل تجربة محمد صلى الله عليه وسلم.

        لذا من الواجب علينا أن ندرس هذه التجربة, ونقف عليها, ونتعرف عليها عن قرب, ونحفظ دروسها, ونطبقها في حياتنا, لننجح كما نجحت..

        علينا أن نعيش دائماً مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة, ونقتدي به, ونتعلم منه كل شيء, علينا أن نحبه, ونحب أصحابه, ونقلده ونسير على خطاه, خطوة خطوة, ونطبق دروسه درساً درساً, لنعرف كيف نغير أنفسنا, ونغير العالم حولنا, ولنعرف عظمة المسؤولية الملقاة على عاتقنا, ونكتشف قدراتنا الكبيرة, في العطاء والبناء والتغيير, ولنتعلم منه ومنها الدروس, في الأخلاق والقيم, والتضحية والبذل والعطاء, من أجل سعادة البشرية..

         نتعلم منها قيم السيادة والقيادة والريادة, وحسن التخطيط, وفن الإدارة, وفن التعامل مع كل مشاكل الحياة, تعاملاً راقياً, يكسبك حب كل من حولك وما حولك, ويجعل منك إنساناً ناضجاً ناصحا ناجحا في كل شيء,  في حياتك الخاصة, مع زوجك وأطفالك وأهلك, مع أصدقائك وزملائك, مع مجتمعك كله, بكل تفاصيله, ومع مشاكل الحياة كلها, الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والفنية, وكل ما فهيا, من صغيرة, أو كبيرة..

        لهذا فإن حب محمد صلى الله عيه وسلم واجب علينا وفريضة, وحب أصحابه وأتباعه وآل بيته واجب وفريضة, والتأسي به, والتمسك بسنته والسير على خطاه, هو الطريق الوحيد, الموصل إلى بر الأمان, والمنقذ مما تتخبط به البشرية, فما أحوج البشرية كلها اليوم, إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, وما أكثر وأكبر التقصير الذي يقع فيه أتباع محمد اليوم, حملة رسالته العظيمة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى