مقالات

سيرجي شويغو في دمشق.. الدلائل والرسائل ..والتوقيت!

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

لم تكن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بالأمس إلى دمشق ولقائه رأس النظام بشار الأسد في خضم الأزمة الأوكرانية وتصاعد نذر الحرب بين روسيا من جهة وأمريكا ومعها الغرب- أقول لم تكن خطوتها غير خطوة تكتيكية من جانب روسيا وذلك للتأكيد أن سوريا ستكون أحد الملاعب الرحبة التي تريد روسيا أن تلعب لعبتها عليها فيما لو أقدمت أمريكا والغرب على مواجهتها في أوكرانيا.

فأن يغادر وزير الدفاع الروسي في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها روسيا وذلك للإشراف على مناورات عسكرية روسية في شرق المتوسط والتي ستكون قاعدة حميميم في اللاذقية غرفة عملياتها وتفقده لميناء طرطوس فهذا فيه مافيه في هذا التوقيت من حيث الزمان والمكان.

فوِفق بيان لوزارة الدفاع الروسية أن أكثر من ١٥ سفينة حربية،وسفن لأساطيل المحيط الهادىء، والبحر الأسود ستشارك في هذه التدريبات غايتها البحث عن غواصات للدول المعادية وفرض السيطرة على الملاحة في البحر المتوسط وعلى مرور الطائرات في المنطقة.

تصاعد نذر الحرب والحشود العسكرية التي تحشدها روسياعلى حدودها الغربية والجنوبية، والمناورات التي أجرتها موسكو مع بلاروسيا ،والحرب الإعلامية المتصاعدة كل هذا وغيره لم يمنع شويغو لأن يقوم بمثل هذه الزيارة لسوريا وبمثل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلاده ،فهذا إن دل فإنه يدل و يعني شيئا واحدا وهو أنه يريد أن يوصل رسائل إلى من يهمه الأمر في سوريا،رسائل إلى المرسل إليهما واشنطن والغرب بأن يتفهما مضمون زيارته ورسالته التي يريد إيصالها.

ولكن ما هي دلالات زيارة شويغو التي أرادت روسيا أن تدل عليها،والرسائل التي أرادت أن توصلها من زيارة وزير دفاعها لسوريا وفي توقيت كهذا؟

ربما أولى رسائل موسكو أنها أرادت من هذه الزيارة وفي الوقت الذي تحشد جنودها على حدود أوكرانيا أن تري خصومها أمريكا والغرب أن ساحة المعارك ليست محصورة في أوكرانيا،بل هي تمتلك وتستطيع أن توسع وتفتح أجنحتها في كل مكان تتواجد فيه، إن في أوكرانيا ، أو في سوريا وذلك من خلال قاعدتها البحرية في طرطوس أو قاعدتها الجوية في حميميم، وقواعدها الأخرى المنتشرة في كل مكان تتواجد فيه قوات نظام أسد.

ثاني الرسائل التي تريد روسيا إيصالها أن قواعد اللعبة ستتغير، وأن نشوب حرب في أوكرانيا التي تعمل روسيامن خلال تصعيدها للوقوف بوجه أمريكا والغرب و منعهما أن يصلا بالناتو إلى مايريد أن يصل إليه. فروسيا بزيارة شويغو تعزف على وتر المسائل الاستراتيجية المرتبطة بسوريا،وبزيارة شويغو قد تتغير أولوية هذه المسائل الاستراتيجية والتفاهمات بينها وبين أمربكا والغرب،ومعها أيضا إسرائيل، كل هذه التفاهمات تريدها روسيا أن ترتبط وجودا وعدما بتفجر الأوضاع في اوكرانيا والتي ستنعكس حتما على الوضع في سوريا.

الرسائل التي تريد موسكو إيصالها إلى من يهمه الأمر في سوريا أن قواعد الاشتباك ستتغير في سوريا وستتغير معها قواعد اللعبة اتجاه إيران إن حدث ما لاتريده روسيا من تصعيد في أوكرانيا،وهذا ما سيقيد أيضًا وربما يمنع حرية عمل الكيان الصهيوني في سوريا وطيرانه الذي يفعل ماشاء الله له أن يفعل في الاجواء السورية في ظل غياب منظومة الدفاع الجوي التي قالت روسيا غير مرة أننا نصبتها ولكن دون أن تُفعِّلها حتى اللحظة، يأتي هذا في ظل سعي تل أبيب الحثيث على فصم عرى التعاون الإيراني والنظام وشل أذرع إيران في سوريا وهذا لن يحدث إلاعبر روسيا ومعرفتها وأمرا كهذا لن يحدث بكل تأكيد فيما لو قامت الحرب في أوكرانيا.

رسالة مهمةذات قيمة تريد روسيا إيصالها من خلال هذه الزيارة أن روسيا قد تغير من موقفها المتسامح من الغارات الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا التي تتكرر يوميا أو بشكل شبه يومي،فقد احتجت موسكو مؤخرا ولأول مرةعلى هذه الغارات التي وقعت في سوريا والتي من المرجح أن يتصاعد هذا الاحتجاج ولا أحد يدري ماالذي سيكون عليه الأمر بعد هذه الاحتجاجات والتي سيتسبب في تطورها- أي الاحتجاجات الروسية على القصف الإسرائيلي- موقف الغرب وأمريكا المناهض لأهداف روسيا في أوكرانيا. الرسائل التي تريد موسكو إيصالها للغرب ولأمربكا من زيارة شويغو أن اندلاع الحرب في أوكرانيا سيجعل من إيران أحد الرابحين سواء في سوريا أو فيما يخص برنامجها النووي الذي يحاول الغرب عرقلته،و ما سيساعد إيران على تجاوز عراقيله الحرب في أوكرانيا إن وقعت وستمضي وبسرعة ببرنامجها النووي إلى حيث تريد يساعدها عبى ذلك انشغال إدارة بايدن في الأزمة الأوكرانية وستستغلها أكثر في حال وقعت الحرب.

فبالأمس صرحت روسيا أنها قامت بسحب جزء من قواتها على الحبهات الغربية والجنوبية مع الحدود مع أوكرانيا الأمر الذي رحبت به أوكرانيا و أمريكا والغرب و اعتبروه خطوة بالاتجاه الصحيح نحو خفض التصعيد، بيد أن هذا التصريح من روسيا مالبثت أمريكا أن شككت به فقد قالت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون” لازلنا نرى حشودا عسكرية روسية على الحدود الأوكرانية واحتمالية غزو روسيا لأوكرانيا لازال قائما، وأن روسيا تحضّر ذرائع وهمية للتدخل” من جهته قال الرئيس الأوكراني” لادليل واضح على انسحاب القوات الروسية من الحدود” وهذا ما أكده المتحدث باسم وزارة الدفاع” إيغور كوناشينيكوف”فقد قال إن بعض الوحدات العسكرية في الجنوب وبالغرب عادث إلى ثكناتها بعد أن أنهت تدريباتها وبين أن التدريبات الرئيسة لباقي الوحدات العسكرية لما تنهي تدريباتها بعد.
البعض يرى في انسحاب القوات الروسية من الحدود مع أوكرانيا شبيه بالتصريحات التي أطلقتها في سوريا فقد صرحت غير مرة أنها ستنسحب منها غير أن واقع الحال ناقض هذا، وربما هذا مادفع بالبنتاغون وبالرئيس الأوكراني أن يشككا في انسحاب روسيا من الحدود الأوكرانية ولازالا يريان أن احتمالية غزو روسيا لأوكرانيا مازال قائما.

زيارة شويغو وزير الدفاع الروسي لسوريا لا يمكن أن تُقرأ إلا في سياق بحث روسيا عن التصعيد في أوكرانيا فنظرة شويغو العسكرية ومعه روسيا على أن حيث تصل قذائف مدافعك ستصل مطالبك على مائدة المفاوضات، مفاوضات لابد منها عقب كل أزمة عسكرية تحدث بين دولتين أو طرفين، والتي يأمل كل طرف أن يحقق بها نا يرومه، ولعل هذا مايبرر تحشيد روسيا لقواتها واستعراض ما يمكن استعراضه من أسباب قوتها من قاذفات استراتيجية ومقذوفات لم نسمع بها من قبل وتلذي تأمل منها أن تربح حربها التي ُتلّوح بها فإن لم يكن انتصارا بجولةقاضية وهذا ما لايمكن تحقيقه فبالنقاط وهذا أضعف الإيمان الذي تؤمن به

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى