مقالات

انهيار الاتّفاق النَّووي: هل يُشعل جبهة الخليج في الحرب العالميَّة الثَّالثة؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


تتناقل وسائل الإعلام العالميَّة بعض الأقاويل عن تعذُّر الوصول إلى اتّفاق نهائي وحاسم بين إيران والولايات المتَّحدة الأمريكيًّة إلى الاتّفاق النَّووي، الَّذي انسحبت منه إدارة الرَّئيس الأمريكي دونالد ترامب (يناير 2017-يناير 2021م)، في مايو 2018م، متّهمًا نظام ملالي الرَّافضة بعدم الالتزام ببنود الاتّفاق، المُبرم في الأصل عام 2015م، وبتطوير أسلحة نوويَّة. بدأت الجولة الثَّامنة من المفاوضات، المنعقدة في العاصمة النَّمساويَّة فيينا، في 27 ديسمبر 2021م، على أمل أن تتوصَّل الأطراف المعنيَّة إلى صيغة مُلزِمة لكلٍ من إيران والولايات المتَّحدة، ولكن يبدو أنَّ تلك الجولة، الَّتي ربَّما ستكون الأخيرة، لن تثمر عن نتائج إيجابيَّة. فقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانيَّة تقريرًا من إعداد مراسل الشُّؤون الدّبلوماسيَّة باتريك وينتور، تحت عنوان “طهران تواجه الضَّغط، مع وصول المفاوضات النَّوويَّة إلى نقطة حرجة”، أوضح أنَّ إيران كعادتها تتلاعب بالوقت، وتركن إلى المماطلة، ادّعاءً منها حسن النّيَّة والرَّغبة في إنهاء الصّراع الدَّائر بشأن برنامجها النَّووي منذ عقود، لكنَّ زمن المماطلة قد انتهى، على نظام الملالي إمَّا قبول الاتّفاق الَّذي “لقي بالفعل قبولًا من الصّين وروسيا والقوى الأوروبيَّة”، أو رفْضه. وأضاف تقرير وينتور أنَّ وزير الخارجيَّة الفرنسي شدَّد على أنَّ إيران برفضها الاتّفاق في صيغته الجديدة تضع نفسها في موقف حرج؛ لأنَّ تلك الصّيغة نالت استحسان روسيا والصّين، الدَّولتين المتحالفتين مع إيران والدَّاعمتين لها في مواجهة الخصم الأمريكي. غير أنَّ المفاوضين الإيرانيين رفضوا قبول تلك الصّيغة، على الأقل إلى الآن، برغم أنَّه لا ينصُّ على إنهاء عمليَّات تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النَّوويَّة الإيرانيَّة، إنَّما على الحدّ منها، بما ينهي المخاوف الإسرائيليَّة من تطوير نظام ملالي الرَّافضة سلاحًا نوويًّا يهدّد أمن الكيان الصُّهيوني، في مقابل رفْع العقوبات الأمريكيَّة.
ويبرّر المفاوضون الإيرانيون تعنُّتهم في قبول الاتّفاق الجديد بأنَّ بلادهم ترغب في الحصول على ضمان كافٍ بعدم انسحاب الولايات المتَّحدة من جديد من الاتّفاق، من خلال تصويت مجلس النُّوَّاب الأمريكي، الكونغرس، على قرار يُلزم الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة بعدم الانسحاب. ونقلًا عن موقع France 24، صرَّح وزير الخارجَّية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز أُجريت معه في 16 فبراير 2022م، نًشرت على موقع وزارة الخارجيَّة الإلكتروني بقوله “لا يمكن للرَّأي العام في إيران قبول تصريح رئيس دولة كضمانة، لا سيّما من رئيس الولايات المتَّحدة الَّتي انسحبت من الاتّفاق النَّووي”. وأضاف وزير الخارجيَّة الإيراني ” ما ينبغي أن نقوم به وكيف سيتم التحقق من هذه الإجراءات من قبل الوكالة الدُّولية للطَّاقة الذَّريَّة، واضح تمامًا؛ لذلك لا داعي للقلق عند الطرف الآخر…لكنَّنا ما زلنا قلقين تجاه الضَّمانات بشأن عدم انسحاب أمريكا من الاتّفاق، ونواجه مشاكل في هذه الفترة لأنَّ الجانب الآخر يفتقر إلى مبادرة جادَّة”.
وردًّا على مطالبة أمير عبداللهيان بضمان من الكونغرس الأمريكي يمنح بلاده الثّقة في التزام الولايات المتَّحدة بالاتّفاق الجديد، فحسب ما نشرته شبكة Fox News الأمريكيَّة، أعلن 200 من أعضاء الكونجرس، من المنتمين إلى الحزب الجمهوري المناوئ للحزب الدّيموقراطي الَّذي تنتمي إليه إدارة الرَّئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، إرسالهم تحذيرًا للرَّئيس بايدن من إبرام اتّفاق جديد مع إيران دون موافقة المشرّعين؛ لأنَّ مصيره سيكون نفس مصير اتّفاق 2015م، الَّذي أبرمته إدارة باراك أوباما (يناير 2009-يناير 2017م)، وقتئذ كان بايدن نائبًا للرَّئيس. تعهَّد أعضاء الكونجرس الموقّعون على ذلك التَّحذير بعدم قبول الاتّفاق المزمع إبرامه، إن احتفظ بالقصور الَّذي اعترى اتّفاق عام 2015م، كما أكَّدوا على نيَّتهم إطلاع الرَّأي العام الأمريكي على نقاط الضَّعف في الاتّفاق؛ لحشد الرَّأي العام ضدَّ إدارة بايدن، إن أصرَّت على إبرام اتّفاق جديد مع إيران لا يلزمها بالحدّ من تخصيب اليورانيوم. من ناحية أخرى، فقد شدَّدت نانسي بيلوسي، رئيس الكونغرس الأمريكي، خلال زيارتها لدولة الاحتلال الصُّهيوني، في مراسم أقيمت في الكنيست يوم الأربعاء 16 فبراير 2022م، على أنَّ بلادها ملتزمة بحفظ أمْن دولة الاحتلال وبالتَّحالف معها في مواجهة الإرهاب الإيراني. فقد قال بيلوسي، نقلًا عن صحيفة Times of Israel في نسختها العربيَّة، “نحن معًا في الحرب ضدَّ الإرهاب الَّذي تمثّله إيران، سواءً في المنطقة أو في تطويرها النَّووي. التَّهديد النَّووي من قِبل إيران هو تهديد للعالم”. وتترأَّس بيلوسي وفدًا يضمُّ أعضاء من الحزبين الجمهوري والدّيموقراطي يزور إسرائيل في محاولة للتَّأكيد على الالتزام الأمريكي تجاه دولة الاحتلال، مصرّحةً بأنَّ تلك الزَّيارة تأتي “التزامًا من الحزبين برابط غير قابل للكسر بين إسرائيل والولايات المتَّحدة مبنيّ على الأمن المتبادل ومصالحنا الاقتصاديَّة وقيمنا المشتركة والتزامنا بالدّيمقراطيَّة”.
هذا، وقد نشرت صحيفة السّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، Foreign Policy، في 17 فبراير 2022م، مقالًا تحت عنوان
” A New Iran Deal Means Old Chaos “، أو اتّفاق جديد مع إيراني يعني الفوضى القديمة، تناول مساعي الولايات المتَّحدة لإحياء الاتّفاق النَّووي مع إيران منذ منتصف عام 2021م، معتبرًا أنَّ إدارة بايدن بذلك “تكرّر أكبر أخطاء” الرَّئيس الأسبق، أوباما، الَّذي، وبرغم سعيه إلى تطويق الطُّموح النَّووي الإيراني، منَحَ نظام ملالي الرَّافضة فرصة ذهبيَّة للالتفاف على بنود الاتّفاق واستغلاله في تطوير قدراتها إلى إنتاج سلاح فتَّاك. يحذّر مقال Foreign Policy من تداعيات إحياء إدارة بايدن اتّفاق 2015م مع إيران، وعلى رأس رفْع العقوبات الاقتصاديَّة عن إيران، الَّذي قد تستغلَّه في جمْع عائدات تُستثمر في تطوير قدارتها النَّوويَّة، كما تخشى إسرائيل ومعها دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربيَّة السَّعوديَّة والإمارات العربيَّة المتَّحدة، اللتان تتعرَّضان لهجمات صاروخيَّة من قِبل جماعة الحوثيين الشّيعيَّة الموالية لإيران والمدعومة منها، واللتان تشاركان إسرائيل في خوفها من أن يكون الاتّفاق النَّووي الجديد مع إيران بمثابة تصريح أمريكي باستمرار هجمات الحوثيين. وقد وأعرب الوفد الإيراني في مفاوضات فيينا عن استيائه من تدخُّل إسرائيل في سير المفوضات النَّوويَّة في فيينا، بأن أرسلت دولة الاحتلال الصُّهيوني وفدًا لمتابعة مستجدَّات الأمور في المفوضات، بحسب ما نشَره موقع “والا” الإسرائيلي في 15 فبراير 2022م. جدير بالذّكر أنَّ الولايات المتَّحدة تُجري تدريبات عسكريَّة، بمشاركة إسرائيل وبعض دول الخليج، تحاكي الهجوم على المفاعلات النَّوويَّة الإيرانيَّة، وهنا نتساءل: هل إدارة بايدن على ثقة من فشل مفاوضات فيينا؛ لذلك تستعدُّ للهجوم على إيران؟ أم أنَّ المفاوضات هي في الأصل محاولة عبثيَّة لإقناع الرَّأي العام العالمي بإجراء محاولات دبلوماسيَّة للتَّصدّي للخطر النَّووي الإيراني، قبل دخول دول الخليج في تحالُف عسكري مع إسرائيل لمواجهة ذلك الخطر المزعوم؟ وهل يسبق تطبيع السَّعوديَّة مع دولة الاحتلال تدشين ذلك التَّحالف؟ وهل يكون انهيار الاتّفاق النَّووي مع إيران سببًا في اشتعال جبهة الخليج في حرب عالميَّة يُقال أنَّ طبولها تُقرع في هذه الآونة؟!

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. أرى من واجبي أن أجيب على سؤال العنوان تبرئة لذمتي أمام الله . الجواب المباشر : لا يمكن أن تقوم أمريكا بإشعال حرب حقيقية ضد إيران إلا إذا أصيبت الدولة العميقة – التي تتحكم في أمريكا – بالجنون .
    في سنة 1979 و نتيجة للانقلاب الذي دبَره الجنرال الأمريكي “روبرت هايزر” و طرده شخصياً لشاه إيران في قصره طالباً منه وجهاً لوجه مغادرة إيران بسرعة ، صارت إيران خالصة تماماً لأمريكا فأذنت للخميني بمغادرة الشقة في فرنسا – التي كان الأمريكان يستضيفونه فيها – و طار على متن “إير فرانس” من باريس إلى طهران و صار هو الزعيم بدلاً من الشاه .
    لم يذنب شاه إيران “العلماني ” تجاه أمريكا حتى تطرده من بلده و ترفض سفره إليها بقصد العلاج من بدايات سرطان ، و إنما لأن إيران صار مطلوباً منها دوراً وظيفياً أوسع من دور “البعبع” الذي يخيف العائلات الحاكمة في الجزيرة العربية فتحلب أمريكا الأموال منهم بحجة حمايتهم .
    الخميني “الكهنوتي” كان دوره ، باختصار ، فيما يلي : 1) تعزيز القومية الفارسية العنصرية التي تحقد على و تحتقر العرب المسلمين الذين هدموا الإمبراطورية الفارسية في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه . 2) إعلان ما تسمى ” ولاية الفقيه ” و بموجبها يكون هذا “الولي السفيه ، و هذه من عندي” معصوماً و أقواله كإمام شرع لا يجوز الاعتراض عليه حتى لقد قال في كتابه المشهور قولاً في غاية الضلال “إن من أئمتنا من لا يضاهيهم ملك مقرب أو نبي مرسل” و هذا دين جديد.
    3) رفع شعار “تصدير الثورة” و هو في حقيقته “تصدير الخراب و التخريب و نشر التشيع الفارسي” مع رصد 16 مليار دولار سنوياً لذلك منذ 1979 من أجل ذلك . هذا التصدير كان يخدم مشروع “الفوضى الخلاقة” الذي ينتهي بإيجاد “شرق أوسط جديد” يكون شبه خالي من الأغلبية الإسلامية و تتحكم فيه الأقليات .
    يقول سياسيون في أوروبا عن إيران “الكهنوت” أنها درة تاج الإمبراطورية الأمريكية كما كانت الهند درة تاج الإمبراطورية البريطانية ، و يقول بعضهم عن إيران الحالية ” هي الدجاجة التي تبيض لأمريكا ذهباً” . بحثت طويلاً ، فوجدت دلائل منها أن أموال كبار القوم ، و منهم سليماني، و هي بالمليارات مودعة في بنوك أمريكية .
    فقط مجرد تذكير ، ألم تزود أمريكا إيران بالأسلحة أثناء حربها على العراق بما أسموه فضيحة “إيران جيت” أو “إيران كونترا” ؟
    أي عملية عسكرية ، تشترك فيها أمريكا ، ضد إيران ستكون مسرحية أو فيلم بحاجة إلى خبرات هوليوود السينمائية و خبرات من يتقنون العمل في برامج الفوتو شوب !

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو البحث عن مقال تحت عنوان “الاشتباك الأمريكي-الإيراني في خليج عُمان: نذير حرب أم زوبعة جديدة؟” على الموقع، نُشؤ قبل ما يرقب من 6 أشهر، ستجدون فيه ما يتشابه مع تعليقكم. أثابكم الله، كاتب المقال

  3. أنهيت للتو قراءة مقالك الرائع المنشور في 3 نوفمبر 2021 ، راجياً أن يجزيك الله خير الجزاء عليه و على مقالك الأخير.
    الذي افترى على جعفر الصادق – رضي الله عنه – فذكر أنه قال ” التقية ديني ودين آبائي ” أجرم في حق الرجل و من زعم و يزعم أنه تابع له . بل إن الخميني ” الهندي الأصل” زاد عليه في الرسائل (2/153) فأورد ما اعتبره سنداً صحيحاً عن جعفر فقال :”عن معلى بن خنيس قال : قال لي أبو عبد الله : يا معلى اكتم أمرنا (إلى أن قال) : يا معلى إن التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، والمذيع لأمرنا كالجاحد له”.
    واضح أن التقية هي صك مفتوح للكذب يتعارض تماماً مع أمر الله تعالى الصريح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) و عن إثبات الجزاء الأوفى لأهل الصدق (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) . إن الصادق الأمين صلى الله عليه و سلَم كانت منه أحاديث كثيرة صحيحة في الحث على الصدق مثل (اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، و أحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم) و مشهور حديث (آية المنافق ثلاث: إذا حدَث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان) و قريب منه الحديث الذي رواه البخاري و مسلم (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا حدَث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر) ، و مصير المنافقين محسوم بنص القرآن الكريم قطعي الدلالة ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
    الكذاب الأشر لا يمكن أن يخدم الإسلام بل بالعكس هو يهدم و لم تنتشر دعوة الإسلام على أيدي دجالين بل لا أبالغ إذا ما قلت أن الباطنية الكذابين المتكتمين هم ضمن أعداء الأمة و كانوا أعواناً للغزاة من تتار و صليبين ، و في العصر الحالي تبجح مسئولون فرس – منهم أبطحي- فقالوا “لقد ساعدنا الأمريكان على احتلال أفغانستان و العراق ” بل إن ما أسموه “فيلق القدس الإيراني” كان حرباً على مسلمي العراق و سوريا فقط لا غير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى