مقالات

إخبار التحذير والتحريض في أحاديث النبي المستقبلية!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب


من يقرأ كتب السنة النبوية يجد فيها عدداً مقدراً من الأحاديث المستقبلية التي تمثل بشارات بأمور طيبة ومفرحة ستحدث للمسلمين بعد عصر النبوة أو تتحدث عن فتن ستحيق بهم في قادم الأعوام والقرون.
وقد وقع كثير منها خلال قرون خلت، بصورة تبرهن على نبوته صلى الله عليه وسلم وتؤكد عبقريته كمفكر ومصلح وقائد منقطع النظير في تاريخ البشر، وما زالت بعض التنبؤات لم تتحقق حتى الآن، مثل التبشير بانتشار الإسلام في مختلف أرجاء العالم وعودة المسلمين لاستئناف الحكم الراشد، ومثل الحديث عن تغير الأوضاع بصورة تؤدي إلى انتشار مختلف الشرور والمنكرات التي تملأ الدنيا قبل القيامة في جميع الميادين وبين مختلف الناس، لدرجة أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخَلق!

وبسبب الاختلال الفكري برزت صور مغلوطة في فهم حقيقة هذا الدين، ومنها ما يرتبط بسوء فهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبسبب مناهج الفهم المعتلة التي أنتجتها الأزمة الفكرية التي تعاني منها أمة المسلمين في العصر الحديث؛ فإن هذه الأحاديث لم تزد الواقع الإسلامي إلا رهقا بل وساعدت في توطين الكثير من مفردات التخلف، بدلا أن تسهم في تجفيف منابع الفتن وإشاعة مصابيح الرجاء التي تزيد من فاعلية العاملين لهذا الدين!
ويحكي واقع الحال بأن كثيرين من المحسوبين على العلم والدعوة، يجعلون من هذه الأحاديث سيفا مسلطا على المنهج السببي الذي يمثل العمود الفقري للصلاح الدنيوي والفاعلية الحضارية، حيث يفهمها هؤلاء بطريقة جبرية لا مناص من وقوعها مهما كان الأمر، وكأنها تحمل دعوة للتوقف عن معانقة الأسباب المسؤولة عن استجلاب الأمور المحبوبة ومدافعة الأمور المكروهة، وبسبب بروز هذه الآفة في أفكار وأفعال عامة المسلمين اندفع كثير من المستشرقين لاتهام الإسلام ذاته بأنه دين الفكر الجبري والغثائية العملية، لافتين الأنظار إلى ضعف الفاعلية حيث يوجد مسلمون!

ومن يعي نصوص الشريعة الإسلامية ويفقه مقاصدها العامة، ومن يتفكر في تلك الأحاديث بعمق على ضوء ما صح من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتصرفات خلفائه الراشدين؛ سيرى بوضوح أن أحاديث البشارات إنما تدخل ضمن الإخبار التحريضي الذي يقوي العزائم والهمم من أجل مضاعفة الجهود القادرة على تحويل تلك البشارات إلى وقائع تتجسد في الواقع، أي أنها وسيلة لإذكاء الفاعلية لا لإثخان جروحها وإطفاء وهجها!
أما أحاديث الفتن، فهي تدخل ضمن ما يمكن تسميته بالإخبار التحذيري، والذي يحث فيه صلى الله عليه وسلم أتباعه على اتقاء العوامل المشعلة للفتن والمُشيعة للفساد في البر والبحر، وتحض على المشاركة في تجفيف المنابع الداخلة في صناعة الفتن والفساد، من شبهات تشوه عقلانية الأمة المتميزة وتفقدها ائتلافها المعهود، إلى شهوات تعصف بالأخلاق الحميدة والقيم القويمة وتقوض أسس المجتمع المتسلح بالقيم والمتزين بالفضائل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى