مقالات

في أوكرانيا إذا كنت تريد السلم فعليك الاستعداد للحرب!

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

ما يجري في أوكرانيا من حشودٍ عسكريةٍ تُلوّح بنذر حرب في أفقها سواء من الجانب الروسي،أو من جانب الولايات المتحدة ودول حلف النيتو، ووصول العلاقات نتيجة ذلك بين روسيا وأمريكا خاصة والناتو عامة” للحضيض” كما ذكر الكرملين. فكل يوم يمر دون أن تُؤتي المساعي الدبلوماسية أُكلها وتأتي بثمارها لخفض التوتر فإن شبح الحرب يقترب أكثر من اليوم الذي قبله.

الاستعداد للحرب،ولعب جميع الأوراق فيها يتمثل كما هو ملاحظ في جعل خصمك يعيد حساباته بأنه إن كان قادرا على فتح جبهة عسكرية فإنه لن يكون قادرا على إغلاقها على الشكل الذي هو يأمل، سيما إن أشعرته وبشكل ملموس أن بوسعك فتح جبهات معه على كافة الصعد وفي جميع الاتجاهات ما يجعله يعيد النظر في اتخاذه لخطوة حربٍ أنت لاتريدها إن من حيث الزمان أو حتى المكان.

فتحشدات الأطراف العسكرية المرشحة تتصاعد وبوتيرة عالية وصل عديد القوات الروسيةإلى ما يقارب من 130 ألف مقاتل ناهيك عن العُدد الأخرى يضاف إليها نفير عام على كافة المستويات العسكرية الأخرى من بحرية وجوية.
فمن الجبهات التي ستفتح على روسيا فيما لو فكرت بمغامرةٍ تصل لحد المقامرة أنّ مجموعة السبع الكبار اليوم على استعداد بلادها لفرض عقوبات اقتصادية ،ومالية، وصفتها بأنها عواقب” هائلة وفورية” على الاقتصاد الروسي وسيجري فرضها خلال مهلة قصيرة جدا فيما لو أقدمت روسيا على شن هجوم عسكري على أوكرانيا.

روسيا تتمسك بالضمانات الأمنية لتخفيف حدة التصعيد في أوكرانيا، مطالبٌ أحدها يتعلق بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعدم قيام الغرب بمناورات في هذه الدول التي تراها روسيا أنها حديقة خلفية وفضاء لهاو لا يمكن لها أن تسمح لأحد أن يقترب منه، وأن يكون لروسيا رأي في الدول التي يمكن أن تنضم إلى النيتو من الدول التي لا يمكنها ذلك، وفوق هذا وذاك روسيا تريد لهذه الضمانات أن تكون”مكتوبة” كي لا تلدغ من ذات الجحر الذي لُدغ منه الاتحاد السوفيتي السابق و التي تعتبر روسيا نفسها الوريثة الشرعيةله، ففي عام 1989 إبان سقوط جدار برلين والمفاوضات التي أعقبته بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب ورئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بشأن توحيد الألمانيتين والذي رأى الاتحاد السوفيتي وقتذاك وترى روسيا الآن أن الاتحاد السوفيتي خُذع في ذلك الوقت بنكث أمريكا والنيتو لوعوده بعدم التوسع شرقا وهي لاتريد أن تخدع هي الأخرى وتلدغ من ذات الجحر الذي لدغ منه الاتحاد السوفيتي السابق والسماح للناتو من الاقتراب أكثر من حدودها ولذلك تصر روسيا على الضمانات الأمنية وأن تكون هذه الضمانات مكتوبة.

من جهته الجانب للأمريكي والغربي يرى أن مطالب روسيا هذه غير واقعية،وهي شروط ومطالب لا يشترطها إلا من يرى نفسه أنه منتصرُ بحرب خرج منها ويملي شروط إذعان على الطرف الخاسر، شروطا يراها الغرب وأمريكا كفيلة بإعادة هيمنة روسيا على أوربا الشرقية، كما كان الاتحاد السوفييتي يهيمن عليها قبل سقوطه، وبالتالي هذه الشروط تنسف بالكلية أحد أهم أسباب وجود النيتو الذي تمثل وجوده بالدرجة الأولى في الماضي احتواء الاتحاد السوفيتي والآن يتمثل وجوده باحتواء روسيا، فأنّى للناتو أن يقبل بها؟

في خضم هذه التصريحات والضمانات التي تتحدث روسيا عنها بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو فقد صرح اليوم سفير أوكرانيافي لندن ردا على ضمانات روسيا بعد انضمام أوكرانيا للناتو فقد قال إن “بلاده سوف لن تعيد النظر في مساعيها للانضمام للناتو.

الولايات المتحدة أكدت أن روسيا لديها النية لمهاجمة أوكرانيا بعد فشل الجهود الدبلوماسية الأخيرة ما دفع المستشار الألماني أولاف شولتز لزيارة لأوكرانيا اليوم والتي سيعقبها زيارة أخرى له لموسكو وذلك في محاولة من المستشار الألماني كي لا تصل الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود، الطريق المسدود الذي يريد فتحه الرئيس الأوكراني زيلينسكي والذي دعا من خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي على مواصلة الجهود الدبلوماسية،و الردع وذلك من خلال الدعوة التي وجهها للرئيس الأمريكي بايدن لزيارة أوكرانيا لإبداء دعمه لبلاده بمواجهة موسكو.

ألمانيا من جهتها ولدفع التهم عنها أنها متساهلة مع روسيا رأى مستشارهاأن الأوضاع تنحو لمنحى “خطير جدا جدا” وغير مسبوق، وتوعد روسيا أنها أمام فرض عقوبات أعلنها وزراء مالية السبع الكبار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان وذلك ببيان قالوا فيه ” أولويتنا الآن دعم الجهود الرامية إلى نزع فتيل الأزمة ودعت مجموعة السبع الكبرى التي تترأسها المانيا لهذه السنة أن أي عدوان على أوكرانيا سيقابل برد عليها.

فتيل الأزمة المرشح لان يكون حربًا جعل من رئيس الوزراء البريطاني يتحرك،كما تحرك ويتحرك غيره من زعماء أوربا وقيام بيريس جونسون في جولة أوربية هذا الإسبوع لمواصلة الجهود الدبلوماسية لتهدئة الأزمة المتعلقة بالملف الأوكراني.

الجميع في هذه الأزمة يدرك تماما أن مكاسبهم في أي مفاوضات قادمة لنزع فتيل الأزمة الأوكرانية مرتبطة ارتباطا عضويًّا بقدرة مدافعهم على الوصول إلى أهدافها على الأرض، ربما يكون الغاية من استعراض العضلات هذه التي نراها من حشود عسكرية والكم الهائل من التصريحات لكلا الجانبين المرشحين للصراع قد يكون كل هذا يندرج ضمن الحرب النفسية التي يمارسها كل طرف على الآخر والتي ربما قد تؤدي في نهاية النفق إلى الجلوس على مائدة المفاوضات، الذي يريد كل طرف أن يحسّن من شروط تفاوضه للحصول على مكاسب على الأرض تجعله قريب من فرض شروطه عل طاولة المفاوضات.

فما يجري في أوكرانيا جرى في التاريخ، فقد جرى إلى حد كبير وبشكل متطابق بما جرى في معاهدة واتفاقية ميونيخ، بين ألمانيا النازية هتلر،وبين بريطانيا وفرنسا بشأن تيشكوسلوفاكيافي اوكتوبر عام 1938،وما جرى فيها من مفاوضات انتهت وباختصار إلى إجبار تشيكوسلوفاكيا التي كانت تنعم بديمقراطيتها ومناوئة لأفكار هتلر ولعقيدته، والحليفة لفرنسا والقريبة من بريطانيا، فقد أُجبرت تشيكسلوفاكيا بهذه الاتفاقية للتنازل عن الأراضي التيشكية المتاخمة لألمانيا والتي تضم ألمان “السوديتن”والتي تذرع هتلر بأن ألمان السوديتن يتعرضون للاضطهاد العرقي فيها،وأن انضمام ألمان السودتين إلى ألمانيا سوف يجعلهم آمنين بالانضمام إلى ألمانيا،وهذا ما حصل، وتبنت هذه النظرة وهذا الموقف فرنسا وبريطانيا، إذ أُجبِرت تشيكوسلوفاكيا عن التنازل عن “السوديتن ” تحت طائلة- إن لم تفعل وتتنازل- تحميلها مسؤولية الحرب التي ستقع بينها وبين ألمانيا، وبأنهما أي- فرنسا وبريطانيا-لن تتدخلا قي الحرب إن و قعت بين ألمانيا وتيشكسلوفاكيا وأنهما أي الدولتين تعمل جاهدة على عدم نشوب حرب في أوروبا وهذا ماأذعنت إليه تشيكسلوفاكيا وضمت بموجب اتفاق ميونيخ ” السودتين “إلى ألمانيا باعتبار أن فرنسا وبريطانيا لم تكن تريد اندلاع حرب شاملة في أوروبا،غير أن ضم السوديتين لألمانيا بموجب هذه الاتفاقية لم يمنع هتلر من اجتياح تشيكوسلوفيا هذا ودخوله براغ ويخشى البعض أن يتكرر هذا السيناريو مع روسيا، م

سياسة استرضاء الأقوياء حاضرة في التاريخ،وكثيرون استحضروا اتفاقية ميونيح اوإسقاطها على ما يحدث في أوكرانيا؛ فاليوم أعلن وزير خارجية روسيا سيرجي لافاروف أن” نرى حقائق فاضحة وظواهر نازية عنصرية ضد بعض القوميات في أوكرانيا” وهذه التصريحات هي ذاتها التي استند عليها هتلر بشأن الاضطهاد العرقي الذي قال وقتها إن الألمان السوديتين في تشيكوسلواكيا يتعرضون فيها للاضطهاد ما أدى لضمها إلى المانيا وفق مفاوضات اتفاقية ميونيخ والتي كانت مدخلا لهتلر لاحتلال براغ . جميع شروط وعوامل نسخها ثانيةً لاتفاقية ميونيخ متوفرة، ولكن السؤال على حساب من سوف يكون الاسترضاء فهل سيكون في أوكرانيا للاعتراف لروسيا بانفصال إقليم دونباس وسلخه عن التراب الأوكراني كما حدث في اتفاقية ميونيخ بسلخ “السودتين” عن تشيكسلوفاكيا وضمه لألمانيا، أم أن استرضاء روسيا لوقف التصعيد سيكون في بقعة أخرى بعيدة عن أوكرانيا ليكون مصير أشخاص وأقاليم أخرى في العالم على مائدة المفاوضات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى