ثقافة وأدب

القول الصحيح في وسائل الإعلام سلسلة مقالات تهدف إلى تقويم اللسان وتصحيح الأخطاء الشائعة في وسائل 55

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

             مفردات وتراكيب مُوَلّدة ودخيلة (14)

 بين الإخفاق والفشل

يقول بعضهم في وسائل الإعلام المختلفة: “فشل الطالب في الامتحان”، أو “فشلت الكتل السياسية في التوافق…” أو ” الفشل الأميركي في أفغانستان”، أو”مُنِي بالفشل”. وغيرها من الأمثلة.

 وهذه الاستعمالات غير صحيحة ولا فصيحة، لأنّ الفَشَل معناه في الأصل الضعف والجُبْن.

ففي لسان العرب: “الفَشِل: الرجل الضعيف الجبان، والجمع أَفشال. ابن سيده: فَشِل الرجل فَشَلاً، فهو فَشِل: كَسِلَ وضعُف وتراخَى وجَبُن”، وفي حديث عليّ يصِف أَبا بكر، رضوان الله عليهما: كنت للدِّين يَعْسُوباً أَولاً حين نفر الناسُ عنه، وآخِراً حين فَشِلوا؛ الفَشَل: الفزعُ والجُبْن والضَّعْف؛ ومنه حديث جابر: فينا نزلتْ: إِذ همَّت طائفتان منكم أَن تَفْشَلا؛ وفي حديث الاستسقاء: سِوى الحَنْظَل العاميّ والعِلْهِز الفَشْلِ أَي الضعيف يعني الفَشْل مُدَّخِرُه وآكله، وقد فَشِل يَفْشَل عند الحرب والشدة إِذا ضعُف وذهبت قُواه. وفي التنزيل العزيز: ولا تنازعوا فتَفْشَلوا وتذهب ريحكُم؛ قال الزجاج: أَي تَجْبُنوا عن عدوّكم إِذا اختلفتم، أَخبر أَن اختلافهم يضعفهم وأَن الأُلْفة تزيد في قوّتهم”.

يتّضح ممّا تقدّم أنّ معنى الفشل عند العرب هو الضعف والجُبْن، وهذا المعنى يخالف المعنى المراد المذكور في الأمثلة آنفًا.

لأنّ المعنى المراد هو الإخفاق أو عدم النجاح وليس الفشل!

وفضلًا عن ذلك يخطىء بعضهم في الضبط الصرفيّ للفعل فَشِلَ

فيقول: فَشَلَ بفتح الشين، وهذا الضبط غير صحيح

والقول الصحيح: فَشِلَ بكسر الشين.

وبعض الباحثين يرى أن الفعل “فَشِلَ” أصابه تطور دلالي فصار بمعنى خابَ وأَخْفَقَ ولم ينجح، فلا مانع من استعماله بهذا المعنى المجازي.

وأنا أرى خلاف ذلك، فهذه الاستعمالات ليست من صميم اللغة الصحيحة والفصيحة، ولا هي مما يُخرّج تخريجُا مجازيًّا مقبولًا، لأنّ التقارب المزعوم بين الإخفاق والضعف أو الجبن لا يتحقق في السياق، ولأنّ لفظ (الفشل) لم يتحول ولم يتطور.

 وصان هذا المعنى القرآن الكريم، ثم تنقّل في العصور هكذا، عصرًا بعد عصر، وأثبتته العرب في كلامها وهو مدوّن في المعجمات الرصينة والأصيلة المعتمدة في البحوث، حتى إذا كان عصرنا هذا أخطأ في فهمه الناس، وتناقلوا هذا الخطأ، وثبتوا عليه، ثم تلمّسوا له المعاذير!.

فيجب علينا أن نفهم لغة الفصحاء وكلام الله تعالى قبل ذاك على الوجه الصحيح.

 لذا فهناك مفردات أخرى – غير الفعل فشِل – مناسبة للسياق والمعنى المراد في تلك الأمثلة وما شابهها، نحو: أخفق ، لم ينجح.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أيُّما سَرِيَّةٍ غَزَتْ فأخفقَتْ كان لها أجرُها مَرَّتَين”.

وقال عنترة:

فيُخفِق مَرَّةً ويُفِيد أُخْرى    ويَفجَع ذا الضغائن بالأرِيبِ

فلا تقل، إذًا: “فشل الطالب في الامتحان”.

وقل: “أخفق الطالب في الامتحان”، أو لم ينجح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى