مقالات

ذكرى سقوط مبارك “الشعب يريد إسقاط النظام”

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

جاء هروب طاغية تونس زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني 2011 شرارة أمل ألهبت مشاعر الغاضبين على حكامهم في البلاد العربية،وهم الغالبية الساحقة بطبيعة الحال،  وأحيت الآمال بإمكانية تكرار “شعلة  محمد بوعزيزي” التونسي الذي أضرم النار في نفسه مشعلاً شرارة “الربيع العربي” في 17 كانون الأول 2010  ، فنزلت الجماهير إلى الميادين في مصر في 25  كانون الثاني/يناير 2011، استجابة لدعوة صفحة “كلنا خالد سعيد”، وخالد سعيد هو “بوعزيزي” مصر، فقد توفي نتيجة التعذيب بأيدي الشرطة المصرية في حزيران 2010، ووجد وائل غنيم فيه رمزاً يصلح لجعله أيقونة الثورة في مصر.

ولكن لم يكن بوعزيزي أول من أشعل النار في نفسه، كما لم يكن خالد سعيد أول معتقل يقتل تحت التعذيب بأيدي الشرطة المصرية، فكيف تحولت حادثة فردية إلى شرارة انتفاضات شعبية واسعة أدت إلى فرار بن علي من تونس و “تنحي” مبارك عن الحكم  في مصر في 11 شباط/ فبراير 2011؟

يصف أحمد عبدالعزيز، المستشار الإعلامي للدكتور محمد مرسي رحمه الله ، “ثورة يناير” بأنها كانت انتفاضة شعبية، سخرتها قيادة الجيش المصري للتخلص من حكم مبارك، و منعه من توريث الحكم لابنه جمال. و بعد مرحلة انتقالية “صورية” قامت قيادة الجيش بخلع الرئيس مرسي المنتخب شعبيا و ديمقراطيا بإنقلاب الجنرال السيسي وزير الدفاع، وقائد المخابرات الحربية في عهد مبارك، في 3 تموز 2013. وفي تغريدة له على التويتر قال عبدالعزيز:” “لم تكن ٢٥ يناير ثورة، بل كانت انتفاضة، خطط لها الجيش؛ لإقصاء مبارك، لإنجاز صفقة القرن، وإفشال سيناريو التوريث،والشعب استجاب (بكل إخلاص) لدعوة صفحة “كلنا خالد سعيد” على فيسبوك التي كان يديرها شوية سرسجية ثبت فيما بعد، بما يدع مجالا للشك، أنهم كانوا عملاء للمخابرات!”.

 علما أن آخر منشور لصفحة “كلنا خالد سعيد” كان بتاريخ الثالث من يوليو/تموز 2013، فقد انتهت المهمة المراد تحقيقها،ولم يكن سوى نص بيان انقلاب القوات المسلحة على الشرعية الدستورية، وإرادة الشعب.. هذا الشعب الذي ساقته هذه الصفحة إلى الخروج في 25 يناير/كانون الثاني 2011، لانتزاع الحرية، وإقامة “الدولة المدنية”! وإعادة “حق” خالد سعيد.

وكانت وكالة رويترز نقلت ، في 5 شباط/فبراير2011 [1]، أي قبل 13 يوما من “تنحي” مبارك، تصريحاً للبروفيسور في شؤون الأمن القومي في كلية  الدراسات العليا للبحرية الأمريكية روبرت سبرينغبورغ، قال فيه إن الجيش المصري كان يتعمد إطالة حل الأزمة حتى تستهلك “فورة” المظاهرات المستمرة منذ 12 يوما، في حينها. كما أن الجيش اتبع اسلوباً بحيث يتركز غضب المتظاهرين على شخص مبارك للمطالبة برحيله مع تحييد الجيش من غضب الثوار.

وهكذا انتشرت هتافات “الجيش والشعب يد واحدة”…علماً أن مبارك، شأنه شأن بقية ضباط الجيش، كان خلال حكمه لثلاثة عقود، مجرد “الواجهة” لدولة العسكر العميقة، تماما كما هو شأن خليفته سفّاح رابعة ، ربيب البنتاغون!

وجاء في كلام سبرينغبورغ ” يقوم أسلوب الجيش  على تهييج المتظاهرين وتحريضهم ضد شخص مبارك، مما يهيء الظرف لتدخل الجيش كقوة مناصرة للحراك الشعبي فيقوم بإزاحة مبارك( تلبية لمطالب المتظاهرين)”؛ وأضاف إن أمريكا وأوروبا يتقبلون استمرارية بقاء السلطة بأيدي الجيش، برغم أن هذا سيحبط آمال  المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، وذلك حرصا على ضمان الإستقرار في أكبر بلد عربي، إذ أن الغرب يخشى تداعيات الأحداث في مصر على سائر المنطقة.

 وقال” سيقوم الجيش بترتيب “خلافة” مبارك، بالتفاهم مع الغرب- أوروبا وأمريكا. نحن نعمل عن كثب مع الجيش لضمان استمرارية هيمنة الجيش في المجتمع و الاقتصاد والحكم في مصر. الغرب لا يطالب  بإبعاد الجيش من السلطة واستبداله بسلطة ديمقراطية مدنية، بل تنحصر مطالب  الغرب بتنظيم “نقل السلطة” من مبارك إلى خليفته من الجيش.”

 وشدد سبرينغبورغ على ضرورة بقاء السلطة بيد الجيش “الوحيد القادر على منع أي ملاحقة قانونية في المستقبل لمبارك وعائلته بعد تنحيته”. وقال سبرينغبورغ إن المتظاهرين بعضهم سيفرح لسقوط مبارك ويعدّ ذلك إنجازاً، بينما قد يرى أخرون أنهم خُدعوا في نهاية المطاف، وهذا سيؤدي إلى وقوع الخلاف في صفوف المتظاهرين ولفترة زمنية  طويلة قادمة، دون أن يؤثّر هذا على الوضع العام في مصر، إذ سيبقى الجيش ممسكاً بزمام الأمور.

و نقلت رويترز، في الخبر نفسه،  أن قادة المانيا وبريطانيا تحدثوا في مؤتمر ميونيخ السنوي( شباط 2011)  للأمن بأنهم يريدون تغيير القيادة في مصر (مبارك) بسرعة  ولكن بشكل منضبط، و البدء بعملية إصلاح سياسي، مع العمل المرحلي لإرساء قيم التسامح والعدالة للتمكن من التوصل الى نظام ديمقراطي، وكانوا يرون عدم التعجل بإجراء الانتخابات.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ذكرت في خطابها أمام المؤتمر (5 شباط 2011)[2] أنها اتفقت مع هيلاري كلينتون على ضرورة التعاون لضبط عملية التغييرالحتمي الجارية في مصر وتونس. ولكنها نبهت من “أن تصدير ديمقراطية ويستمينستر ( مقر الحكومة البريطانية في لندن، أي الديمقراطية البريطانية) وأنا أقول هذا في حضور رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) ، غير ممكن إلى البلاد الأخرى غير المهيئة بعد!! …فنحن لا نريد التدخل في خصوصيات الشعوب الأخرى”!!!

فقادة الغرب فقط يهمهم ضمان مصالحهم عبر البوط العسكري، مع التشدق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة والذي  لا يساوي الحبر الذي سُطّر به!

وهذا شبيه بما حصل في تونس حين تخلصت قيادات الجيش من بن علي، بعد أن أوهموه بأنهم لا يستطيعون حمايته من غضب الجماهير الثائرة، ونصحوه بالفرار للنجاة برقبته من مقصلة الثورة، فولى هاربا إلى جدى، قبل أن يدرك الخديعة التي حيكت ضده!

فلنتعظ مما جرى فلا نلدغ من الجحر نفسه مرتين!

إن الوعي على هذه الوقائع ضروري ومصيري لفهم واقع هذه الأنظمة وحقيقة كونها تستند إلى سند القوى الغربية الاستعمارية، المستعدة دوماً لحرق البلاد والعباد والدوس على الألفاظ المنمقة من حريات وحقوق الإنسان وما شاكل فهذه للاستهلاك المحلي لتضليل الرأي العام الغربي لا غير، لضرورة “مكافحة الإرهاب” حينا، وحيناً بزعم “نشر الديمقراطية” و “الدفاع عن حقوق الإنسان”، كما شددت ميركل في خطابها المذكور الذي يجعل منها “حمامة سلام” تنشر الخير والرحمة في أصقاع العالم وسط الشعوب “الهمجية المتوحشة”، حتى يكاد قلب المستمع يذوب من الأسى لدموع التماسيح التي ذرفتها، في الوقت نفسه الذي تصرح فيه أنها، بالتعاون مع الشريك الأمريكي، مصممان على “ضبط عملية التغيير” في بلادنا حتى لا تخرج عن السيطرة. وهذا ما يفسر جيدا حقيقة مواقف ضباع الإستعمار من الانتفاضات الشعبية التي عبرت عن مكنونات صدور الناس وهيجان براكين الغضب في نفوسهم من ممارسات حكام المنطلقة و جلاوزتهم.

فمقولة “الشعب يريد إسقاط النظام” ما لم تنطلق من وعي عميق على هذه الحقائق، ومتطلبات التغيير الجذري الصحيح، فإنها قد تودي بحماسة المتحمسين لتضييع تضحياتهم سدى في سوق نخاسة السياسة الدولية التي تنفذ عبر الأدوات المحلية ممن يحملون أسماء كأسمائنا ويتكلمون بلساننا من بني جلدتنا أو هكذا يفترض بهم!


[1]  وكالة رويترز،  الجيش المصري سيتخلص من مبارك ويحافظ على دوره (في السلطة)     Egypt army to dump Mubarak, retain role: expert          https://www.reuters.com/article/us-egypt-army-control-interview-idUKTRE7141PE20110205   5 شباط /فبراير 2011،

[2]    نص خطاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، 5 شباط 2011،        https://www.bundeskanzler.de/bk-en/news/speech-by-angela-merkel-at-the-47th-munich-security-conference-477578

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى