تحقيقات

حاس بين الصمود و النزوح ….!

فيصل عكلة

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

بلدة حاس .. ساعات قبل الإحتلال ..!
حاس … بلدة وادعة من ريف ادلب الجنوبي تغفو على سفح جبل الزاوية وتتكئ على مدينة كفرنبل من الغرب وكفروما من الشرق وتحيط بها الكثير من الأوابد التاريخية كآثارالربيعة وشنشراخ من الشمال وخربة فارس الأثرية من الشرق الشمالي إضافة إلى مدينة الهناجاك الأثرية في الجنوب الشرقي ، وتنتشر أشجارالتين والزيتون في بساتينها وتزين دوالي العنب مداخل منازلها، وكان يعيش فيها ما يزيد عن خمسة وعشرين الف نسمة من أهلها اضافة الى ما يقرب من عشرة آلاف نسمة من المهجرين قسريا من محافظات الجنوب..
يعتمد اهالي البلدة في معيشتهم على الزراعة وخاصة الزيتون والتين وزراعة الحبوب ونتيجة لضعف الموارد وقلة الماء اتجه ابناؤها نحو الدراسة لتأمين مستقبلهم حيث وجد فيها المئات من حملة الشهادات الجامعية والدراسات العليا ومن كافة الاختصاصات.



وفي الفترة التي سبقت انطلاق الثورة ظهر في البلدة توجه نحو الصناعة حيث تم افتتاح عدد من معامل البرادات وتدوير البلاستيك ومواد البناء الأمر الذي منح ابناء البلدة تحسنا في مستوى المعيشة .
شاركت بلدة حاس اخواتها في جبل الزاوية الحراك السلمي منذ بدايات الثورة وقدمت العديد من الشهداء حينئذ وكان شباب البلدة يحملون اغصان الزيتون واللافتات الملونة والمعبرة ويتوجهون الى المظاهرة المركزية كل جمعة في معرة النعمان …
دخل جيش النظام البلدة في الشهر السابع من عام 2011 وبدأت عمليات الملاحقة والاعتقال الامر الذي سبب هروب الكثير من الشباب وهو النزوح الأول من البلدة وبعد تحريرالبلدة بعد سنة تقريبا من دخول الجيش بدأ قصف الطيران اضافة الى الصواريخ التي انهالت عليها من وادي الضيف قرب معرة النعمان ومن الحامدية حيث مقر كتائب النظام وهو الأمر الذي سبب تدمير بعض البيوت واستشهاد العديد من أبناء البلدة ومزيد من النزوح نحو المخيمات وتركيا ..


تعرضت البلدة إلى العديد من الغارات الجوية اضافة إلى صواريخ المدفعية عبر سنوات الثورة وهو ما سبب الكثير من الدمار وأرغم الآلاف من أهلها على النزوح وأكبر تلك المجازر مجزرة الاقلام في الشهر العاشر من عام 2016 و التي راح ضحيتها ما يقرب 40 شهيداً بين تلميذ و ولي أمر و مسعف حيث استهدف طيران النظام بسبعة صواريخ محملة بالمظلات مدارس البلدة والطرق المؤدية لها أثناء الدوام والطلاب على مقاعد الدرس
في الحملة الشرسة الأخيرة التي انطلقت أواخر الشهر الرابع من عام ٢٠٢٠والتي تصادفت مع بداية شهر رمضان تعرضت البلدة كباقي ريف ادلب الجنوبي إلى موجة قصف طيران النظام وطيران العدوان الروسي وكانت هي الأكثف خلال سنوات الثورة اضافة إلى قصف مدفعي من حواجز النظام القريبة والذي لا يكاد يخلو يوم من القصف مع تواجد طيران الرشاش على مدار الساعة الأمر الذي أرغم معظم أهالي البلدة على النزوح ..
في مطلع الشهر الثاني من عام ٢٠٢٠ احتلت قوات النظام المدعومة من الطيران الروسي مدينة معرة النعمان، وكثفت قصفها على بلدات حاس و كفرنبل و بسقلا، الأمر الذي أرغم ما بقي من أهلها على مغادرتها هائمين على وجوههم نحو مخيمات و مدن الشمال تاركين خلفهم منازلهم وكل ما فيها من ذكريات وحاملين ما خفّ وزنه وغلا ثمنه، يسترقون ساعات الصباح الأولى عندما يغفو المجرمون وليتسللوا عبر دروب جبلية ضيقة قاصدين الشمال .
عبد الكريم الزيدان عضو لجنة الطوارئ في البلدة قال لنا :
في البداية توجه اغلب اهالي البلدة إلى مخيمات الشمال في اطمة وقاح وانضموا الى ذويهم في الخيم حيث اجتمع ثلاث أو اربع عائلات في خيمة واحدة مما دعا إلى تشكيل لجنة طوارئ للبلدة استأجرت أرضاً بالقرب من سرمدا و أنشأت مخيم فيها وصل عدد العوائل فيه الى سبعمائة عائلة تم تأمينها اضافة الى الخيم بالخبز والماء عبر تواصل مع المنظات الانسانية وما زال المخيم بانتظار المدرسة والنقطة الطبية .
تابع الزيدان :
باع العديد من أهل البلدة و النازحين إليها_ و قد وصل العدد إلى 00 15 عائلة _ متاعهم واشتروا امتارا قليلة في منطقة دير حسان و بنوا عليها غرفة ومنافعها مع سقف من النايلون والشادر، أما من يملك بعض المال من ابناء البلدة فقد توجه إلى مدن الشمال مثل سلقين و حارم و كبتا ومنهم من سكن شققا على العضم وغير مجهزة.. !
أما القسم الذي اضطر البقاء في البلدة قبل وصول قوات النظام فقد عاشوا حياة قاسية وخطرة، وعانوا من ظروف لا تخطر على بال ، وللتذكير بتلك الأيام سألنا الأستاذ حسن الأحمد من مكتب الخدمات في المجلس المحلي :
بقي في البلدة تلك الأيام حوالي 100 عائلة من اهالي البلدة اضافة الى ما يقرب من 30 عائلة نازحة أثروا البقاء لاسباب متعددة منها الفقر وغياب البديل كما بقي عدد من شباب البلدة لحراستها من السرقة بعد أن أودعوا عوائلهم في مناطق الشمال
وأضاف الحسن :
كانت البلدة تتعرض وبشكل يومي تقريبا الى غارات من الطيران اضافة الى قصف مدفعي متكرر من حاجز النمر شمال خان شيخون الامر الذي كان يلزم الناس البقاء في الملاجئ حيث فقدت البلدة ما يزيد عن عشرين شهيدا و عشرات المصابين و تدمير خمسين منزل اضافة الى المشفى في تلك الآونة وتوقفت حركة الحياة بشكل كامل ..
في تجوالنا في أزقة البلدة الخالية من المارة في تلك الأثناء لاحظنا انتشار القطط التي كانت تموء خلف كل عابر تبحث عن من يطعمها وقد تجمعت حول الحاج (ابو يوسف ٥٠ عاما ) قرب منطقة الجبل البعيدة نسبيا عن وسط البلدة وراح يشرح لنا عن طرق تقديمه الطعام للقطط وقال أنه يشتري يوميا اللبن لإطعام سبعة من القطط التي تجمعت حوله …
البعض ممن بقي في البلدة آنئذ من مربي الماشية شكا لنا سبب بقائه وهو صعوبة توفر المكان لعائلته ولأغنامه وللاعلاف وهو أمر فوق طاقته وعليه فقد سلم أمره لله ..


في ظهيرة احد الايام وفي فترة غياب الطيران طلب مني احد شباب البلدة اقناع والده العجوز النزوح خوفا على حياته وعندما دخلنا اليه قرأت في عينيه رجاءا وأملا مني وكأني به يطلب ان أقول له ان الوضع يميل نحو الهدوء ولا حاجة للنزوح وعندما سمع ذلك مني رأيت دموع الفرح في عينيه وكأن الروح قدعادت آليه .. !
سيارات النزوح كانت تحضر في وقت مبكر كل يوم وقبل ان يظهر حربي الرشاش لتنقل ما تبقى من الاغراض الى المخيمات وكم هو مؤثرعندما تشاهد جيرانك يضعون في صندوق السيارة قطة البيت اوسطل الحبق الى جانب العاب الأطفال وترمس الماء
قبل تلك الفترة وفي أيام موسم الخضار الصيفية في بلدة حاس حيث ينطلق من تبقى من أهالي البلدة في الصباح الباكر الى المقاتي لقطف العجور والبندورة اضافة الى التين والعنب واحضارها الى ساحة البلدة لبيعها للتجار في الصباح قبل سماع هدير الطيران .حركة الناس تهدأ في الليل إلا مشيا في الظلام أوعلى دراجاتهم النارية دون استخدام الانواروهو ما سبب االعديد من الحوادث الأليمة مع غياب مشفى البلدة الوحيد الذي تعرض للتدمير الكلي عبر الطيران الروسي ، حتى أطباء البلدة والصيادلة نزحوا ايضا وبقي طبيب وحيد رفض النزوح و أخبرمن حوله انه أخر رجل يغادر حاس، وغابت الخدمات عن البلدة و فرن البلدة كان يحضر الخبز من الافران المجاورة كما أن هناك دكان الخضاركان يفتح أبوابه فترة الصباح الباكر..وقد شاهدنا احد الشب شاهدنا احد الشباب يجلس على حجر صغيرو بيده عود يرسم على الارض بعض الخطوط رغم صوت الطيران و بعد ان سلمت عليه قال :
(كما تعرف أبي وأمي واقعين بالأرض -عاجزين -، وين بدي روح فيهن )؟؟
مظاهر التألف الاجتماعي ذادت في هذه الايام الصعبة وتجلت في اندفاع الناس اثناء القصف رغم الخطورة بمعاودة القصف الى اسعاف المصابين واستخراج الشهداء من تحت الانقاض ..
في فترة اعداد هذا التقرير عن بلدة حاس تواردت انباء عن احتمال توقيع هدنة ذلك ما انعكس فورا راحة على وجوه الناس وفي المخيمات و في الشتات و راحوا يتبادلون رسائل التهنئة و المباركة و لكن صباح الخامس و العشرين من الشهر الثاني كان يوما حزينا وفيه دخلت جحافل قوات الأسد مدعومة من روسيا و إيران لتنام حاس ليلتها الأولى حزينة وثكلى على أهلها وقد سكنها الأغراب تنتظر يوما تشرق شمسه وقد عادت إليها رايات الحرية والكرامة وما ذلك على الله بعزيز ..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى