محبة الله لرسوله ودفاعه عنه في القرآن الكريم 9 من 35

عظمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
أولاً- هو أعظم شخصية في التاريخ:
فلو استعرضنا عظماء التاريخ, من الأنبياء والرسل, وحتى مشاهير عصرنا الحاضر المعاصر, لوجدنا أن كل واحد منهم تميز بلون واحد, وشيء واحد, وعمل واحد, وشكل واحد من أشكال التميز, وتفوقه في ميدان واحد من ميادين التفوق والعظمة, فغاندي مثلا تميز في ميدان الرياسة, وشكسبير مثلاً تميز في ميدان الأدب والشعر, ونابليون في ميدان العسكرية والقتال, وفولتير في مجال الفلسفة والفكر, وكذلك أرسطو وأفلاطون, وغيرهم، ولكن الوحيد الذي جمع كل أشكال التميز والعظمة, هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, فهو عظيم في كل شيء, في أخلاقه, ما غضب رسول الله لنفسه قط, وما انتقم رسول الله لنفسه قط, ولا ضرب امرأة قط, وما أخلف وعداً, وما غدر, وما كذب قط.
جاءه يوماً عبد الله بن أبي السرح يعلن إسلامه وهو يبطن الغدر, فقبل منه النبي ذلك, وبعد أن خرج قال لأصحابه: (لماذا تركتموه يدخل علي), فقالوا: لو أومأت لنا يا رسول الله بطرف عينك, فقال: (ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين)، لا يمكن لنبي أن يفعل مثل هذا, فكيف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم . كان عظيماً في رؤيته السياسية, في هجرته, وفي مؤآخاته بين المهاجرين والأنصار, وفي وثيقته مع اليهود, وفي مراسلاته مع الملوك والزعماء والرؤساء والسادة والقادة وزعماء العشائر والقبائل, في مفاوضاته في صلح الحديبية.. كان عظيماً في رؤيته العسكرية, في غزوة الخندق كان يقول لأصحابه مشجعاً مثبتاً: اليوم نعزوهم ولا يعزونا. وفي غزوة أحد, وفي يوم مؤتة, وتعامله مع سيدنا خالد ـ سيف الله المسلول ـ ومع غيره من القادة..
كان عظيماً بعفوه عن أعدائه, في يوم فتح مكة, لم ينتقم ويثأر, وقد أصبحوا جميعاً بين يديه خاضعين مطأطئين, قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء), عظيم في شجاعته, قال فيه الإمام علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس, واحمرت الحدق, اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم. عظيم مع الشباب وهو يربيهم ويدربهم ويعدُّهم للمعارك القادمة, كان يقسمهم فرقتين, فرقة ترمي النبل, وفرقة تحمي نفسها بالترس, ويقول: (أنا مع فلان وفلان) ويرمي معهم على الفرقة الثانية, ويشجعهم على الرمي, ويقول: (رم فقد كان أبوك رامياً), فإذا انتهوا, وجاءت نوبة الفرقة الثانية بالرمي, والرسول ومن معه من فرقته يتصدون للسهام, فالرماة لا يرمون, فيقول لهم: (مالكم لا ترمون؟) قالوا: ما كان لنا أن نرمي وأنت معهم, فقال: (ارموا وأنا معكم جميعاً) هو يحتضنهم ويقبلهم, ويضمهم إلى صدره..
عظيم حتى في عيون أعدائه, في مكة أمضى أربعين سنة قبل البعثة, وثلاث عشرة بعدها, لم يجدوا له عيباً واحداً, ولم يقولوا عليه كلمة واحدة, ولم يسجلوا عليه نقطة ضعف واحدة, لا في أخلاقه, ولا في تصرفاته, ولا قدراته الشخصية, ولا في قيمه الروحية, ولا في شمائله.. كانوا قبل البعثة ينادونه بالصادق الأمين, وبعد البعثة كان خلقه القرآن, وكان قرآناً يمشي على الأرض.. عظيم في زهده في الدنيا, وقد عرضت عليه مغرياتها, وراودته الجبال أن تكون له ذهباً, يقول: (مالي وللدنيا؟ وما للدنيا وما لي؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل مشى في يوم شديد الحر فاستظل بشجرة ثم راح وتركها)..
عظيم في عبادته كان يصلى حتى تتورم قدماه, ويمضي الليل ساجدا ً عابداً, والنهار صائماً مسبحاً, عظيم في روحانياته, وهو خاشع يقول لربه: (خشع لك سمعي وبصري وقلبي وعقلي وفكري وجسدي وروحي وجوارحي ويبكي ويبكي.. فتقول له سيدتنا عائشة رضي الله عنها, هون عليك يا رسول وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
عظيم كإنسان؛ كأب, وكزوج, وكصديق, هو محارب, وهو مسالم, في البيع وفي الشراء, في العمل, وفي السفر, في النزهة والمتعة، كان يشارك أصحابه في كل شيء, في بناء المسجد, وفي جمع الحطب, وكان يسابق عائشة فيسبقها مرة, وتسبقه مرة, فيقول لها: (مرة بمرة).. كان عظيماً في كل شيء, وفي كل ميدان, وفي كل مجال، وأينما بحثت عن العظمة, في أي مجال من مجالات الحياة, وجدت محمداً على رأسها, صلى الله عليك وسلم, يا سيدي يا رسول لله. {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4.
ثانياً: هو الأسوة الحسنة, والقدوة الصالحة:
لكي تنجح في حياتك, وتحقق أمانيك, وتصل إلى ما تريد, تجعل لنفسك قدوات معينه, في كل مجال من المجالات التي تستهويك في حياتك, وتتمنى الوصول إليها في مستقبلك, فعمر في العدل, وعثمان بالتجارة والمال, وأيوب في الصبر, وحاتم في الكرم, وعنترة في الشجاعة, والمتنبي في الشعر, وغير ذلك, ولكنك لن تجد رجلاً واحداً, قدوة لك في كل شيء, إلا الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم, فلا أكمل ولا أتم ولا أعم ولا أفضل منه صلى الله عليه وسلم, وفي كل شيء، ولا يوجد أحد في التاريخ, جمع الله له في حياته, كل ما يحتاجه ابن آدم, إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد جمع الله له في مدة بعثته البالغة ثلاثة وعشرين عاماً, في تجربته, وفي شخصه, وفي فكره, وفي سيرته, كل ما يحتاجه الإنسان الناجح, منذ ولادته إلى وفاته, وما عليك إلا أن تتبع خطواته, وتتأسى به, وتقتدي به, لتكون إنساناً ناجحاً متميزاً, في المجال الذي تريد..
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, مجمع الفضائل كلها, والقدوة الصالحة, والمثل الأعلى, في كل شيء، صحيح أن هناك أنبياء ورسل وأشخاص تميزوا بأشياء, وتفردوا بها, ويمكنك أن تقتدي بهم في هذه فقط, ولكنك لن تجد شخصاً واحداً, جمع كل هذه الخصائص, وكل هذه الصفات, وتميز بها كلها, إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، آدم عليه السلام تميز بحسن توبته, وثباته على الإيمان, ولم يعرف له غيرها, ونوح عليه السلام تميز بدعوته, وتحمله واستمراره على الدعوة كل هذه السنين الطويلة, ولكنه لم ينجح في نشر رسالته, وما آمن معه إلا قليل.
أيوب عليه السلام تميز بصبره على البلوى, ولم يعرف له غيرها, إبراهيم عليه السلام تميز بشجاعته وتحديه وتصديه للكفر, وصلابته وثباته, ولكنه لم يصنع دولة, وكذلك موسى عليه السلام, استطاع أن يتصدى للفرعون ويغلبه وينتصر عليه, ولكنه لم يصنع شعباً مؤمناً, أميناً على الرسالة, مضحياً من أجلها.
عيسى عليه السلام يمكنك أن تقتدي به كفقير زاهد, وكمحكوم صابر, وكشاب أعزب تقي لله ورع مؤمن, ولكنك لا تستطيع أن تقتدي به كأب أو كزوج أو كجد لماذا؟ لأنه لم يتزوج أصلا, ولا تستطيع أن تقتدي به كحاكم, لأنه لم يحكم, ولم يصبح زعيماً.
سليمان عليه السلام, تستطيع أن تقتدي به كحاكم عادل, وكنبي شاكر, لكن هل تستطيع أن تقتدي به كمحكوم ضعيف؟ كفقير جائع مضطهد؟ لا, لماذا؟ لأنه لم يحصل له مثل هذا. أمضى حياته كلها حاكماً غنياً, ورث الحكم والغنى والنبوة عن أبيه وجده.
الوحيد في تاريخ البشرية الذي عاش هذه الحالات كلها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقط , فقد عاش غنياً وفقيراً, وعاش قوياً وضيعاً, عاش حاكماً ومحكوماً, عاش محارباً منتصراً, ومعاهداً مسالماً, عاش أعزبا, متزوجاً, وعاش أباً وجداً, وعاش يتيماً وحيداً, وعاش غنيا زعيماً مكثراً في كل شيء..
تعامل مع كل أطياف المجتمع, وفي كل المجالات, وبنجاح منقطع النظير, تعامل مع العرب بنجاح, ومع اليهود بنجاح, ومع النصارى بنجاح, ومع الفرس ومع الروم ونجح, تعامل مع أهله وعشيرته ونجح, مع قبائل العرب المتصارعة, مع الأوس ومع الخزرج, ووحد كلمتها, وجمع صفها..
تعامل مع الغني والفقير, ومع الحضر والبدو, ومع العبيد والجواري, ومع السادة والقادة, ونجح، إن كنت غنياً تستطيع أن تقتدي به, وقد جاءته أموال وأنعام بين جبلين, ففرقها في سبيل الله, وإن كنت فقيراً تستطيع أن تقتدي به هو يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع, ويفترش الحصير, ويأكل التمر واللبن, ويقول: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}التكاثر8.
إن كنت فاتحاً عظيماً منتصراً, تستطيع أن تقتدي به يوم دخل مكة فاتحاً متواضعاً منحياً على ناقته, مسبحاً ومكبراً, وعفواً كريماً, مواسياً مجيراً، وإن كنت مهزوما تستطيع أن تقتدي به في يوم أحد, يوم أثخن هو وأصحابه بالجراح, وقتل حمزة وعدد كبير من أصحابه, وأصيب وشج وجهه, وكسرت رباعيته.
هو الوحيد الذي عاش قوياً وضعياً, غنياً وفقيراً, جائعاً ومالكاً للأموال الكثيرة, عاش شاباً أعزباً, وعاش متزوجاً بامرأة واحدة أكبر منه بخمس عشرة سنة, وبفتاه صغيرة أصغر منه بأربعين سنه, وما بينهما كل واحدة لها درس وعبرة ومثل..
عاش عنده أولاده, وعاش وهو يراهم يموتون, وكان عظيماً في كل شيء, عندما مات إبراهيم قال: ( كله من عند الله, هو يعطي وهو يأخذ)، إن كنت معلماً تستطيع أن تقتدي به, وهو جالس في المسجد النبوي يعلم أصحابه, وإن كنت متعلماً تستطيع أن تقتدي به وهو يتلقى الوحي من جبريل عليه السلام.
إن كنت قاضياَ تستطيع أن تقتدي به وهو يجمع زعماء القبائل, ويمسك كل واحد منهم بطرف, ويرفع الحجر الأسود, وإن كنت ملكاً تستطيع أن تقتدي به, وهو يملك أمر وأمراء العرب, وإن كنت ضعيفاً تستطيع أن تقتدي به وهو محاصر في شعب بني طالب.
إن كنت صحيحاً قوياً تستطيع أن تقتدي به, وإن كنت مريضاً على فراش الموت, تستطيع أن تقتدي به، إنك تستطيع أن تقتدي به في كل شيء, وفي كل لحظة من حياتك, منذ أن تصحو من نومك, إلى أن تعود إلى نومك, في الليل وفي النهار, وفي السفر وفي الإقامة, حيثما ذهبت, وأنى توجهت, ستجد النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أمامك, له موقف وكلام وتجربه ودرس وعبرة, وقدوة صالحة ترسم لك طريق النجاح, توصلك إلى ما تريد.