بحوث ودراسات

المعتَقد الدِّيني وتشكيل السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: جيمي كارتر نموذجًا 4من 7

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

كشف “مركز كارتر” تجاوزات الإسلاموفوبيا: دفاع عن الإسلام أو خدمة للتَّبشير؟

تعريفًا بمركز كارتر، فقد أسَّسه جيمي كارتر بمشاركة قرينته، عام 1982 ميلاديًّا، أي العام التالي لتركه رئاسة بلاده. في مايو من عام 2018 ميلاديًّا، أصدر مركز كارتر للسلام دليلًا من عدَّة دراسات تحت عنوان Countering Islamophobia Industry: Toward More Effective Strategies-مواجهة صناعة الإسلاموفوبيا: نحو استراتيجيَّات أكثر فعَّاليَّة، تتناول الحملة الدعائيَّة السلبيَّة عن الإسلام، متمثلةً في نشر خطاب الكراهية ضدَّ المسلمين، والتشجيع على نبذهم في المجتمعات التي يشكِّلون فيها أقليَّات. يعترف الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، في مقدِّمة الدليل بأنَّ المسلمين عانوا في السنوات الأخيرة من “ممارسات تمييزيَّة غير دستوريَّة”، في ظلِّ “زيادة غير مسبوقة لجرائم الكراهية ضدَّ المسلمين”، على حدِّ وصفه (ص4). اعتبر كارتر أنَّ القضاء على صور التمييز وتعزيز احترام حقوق الإنسان من بين أهم مقومات الدفع بالديموقراطيَّة والسلام في العالم، مشيرًا إلى أنَّ في التغاضي عن التمييز الذي يلاقيه المسلمون في المجتمعات غير المسلمين تقويض للحريَّة الدينيَّة، وعدم مراعاة للقيم المتوارثة.

يجد كارتر في الإسلاموفوبيا تحديًّا كبيرًا لبلاده؛ ولذلك حرص مركزه على عقد ندوة في سبتمبر 2017، حضرها علماء وصحافيُّون ورموز المجتمع المدني وزعماء دينيُّون، بغية تطوير آليَّة فعَّالة للاستجابة للإسلاموفوبيا. ولأنَّ هدف مركز كارتر هو نشر السلام، ومكافحة الأمراض، وزرع الأمل في نفوس الناس، يستهدف هذا الدليل استراتيجيَّات وممارسات وآليَّات لمكافحة الإسلاموفوبيا.

ارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضدَّ المسلمين

تقول هدي عبادي، وهي من العاملين في برنامج كارتر لتسوية النزاعات، في مقال عنوانه “The Carter Center Works to understand and Counter Islamophobia-جهود مركز كارتر لفهم الإسلاموفوبيا ومكافحته”، أنَّ جرائم الكراهية ضدَّ المسلمين في هذه الآونة هي الأكثر على الإطلاق، مشيرةً إلى عدد جماعات الكراهية ضدَّ المسلمين قد ارتفع في الولايات المتَّحدة بنسبة 197 بالمائة في الفترة ما بين عامي 2015 و2016، كما ارتفعت الجرائم ضدَّ المسلمين بنسبة 67 بالمائة. كان لأحداث 11/9 لعام 2001 الدور الأكبر في نشر صورة سلبيَّة عن الإسلام، نتج عنها تعرُّض شباب المسلمين للاضطهاد والتنمُّر بسبب دينهم. غير أنَّ الباحثة لم تخفِ حقيقة أنَّ نشر فِكر التعصُّب ضدَّ المسلمين يعتمد على “شبكة تمويل” تقدِّمه فئات تستفيد من نشر تلك الصورة المسيئة للإسلام والمسلمين (ص5). وترى عبادي أنَّ نشر رهاب الإسلام ليس عملًا عشوائيًّا أو غير واعٍ، إنَّما هو نتاج عمل شبكة جيدة التمويل ووثيقة الارتباط، من أشخاص ومؤسسات. تسمِّي الباحثة على وجه الخصوص American Freedom Law Center، أو المركز القانوني الأمريكي للحريَّات، وهو من تأسيس اليهودي الأرثوذكسي ديفيد يوروشالمي، ومدوَّنة Jihad Watch (جهاد ووتش).

تعترف الباحثة بأنَّ رهاب الإسلام تكتيك سياسي، من مخلَّفات الحركة الاستعماريَّة في العالم الإسلامي، يُستخدم في الخطاب العام لنشر مشاعر الكراهية ضدَّ المسلمين، خاصَّةً في فترات الانتخابات؛ بهدف إسكاتهم عند المطالبة بحقوقهم. ويتجاوز الإسلاموفوبيا حدود خطاب الكراهية، عندما يصير جزءً من سياسات الهياكل المدنيَّة والقضائيَّة للأنظمة الحاكمة، التي تتعمَّد تشويه صورة المسلمين بحجَّة الأمن القومي.

أوَّل ما يثير الاهتمام في دراسة أخرى يتضمَّنها الدليل، بعنوان Anti-Muslim Hate Groups: A Primer”-الجماعات المعادية للمسلمين: دليل تمهيدي”، أجرتها الباحثة هايدي بيريتش، التابعة للمركز القانوني الجنوبي للقضاء على الفقر (SPLC)، إشارة الباحثة إلى أنَّ الجماعات المعادية للمسلمين تضاعَف في أعقاب تفجير برجي التجارة في مدينة نيويورك في 11/9 من عام 2001، كما يوضح الرسم البياني التالي:

صورة 2-الجماعات المعادية للمسلمين 2010-2016-دليل مركز كارتر مايو 2018

لا تنفي الباحثة أنَّ التعصُّب تجاه المسلمين لم يُعرف في أمريكا قبل أحداث 11/9، بل انتشرت مشاعر العداء تجاه المسلمين، مثلهم في ذلك مثل اليهود والسود والكاثوليك والمهاجرين. تضيف الباحثة أنَّ الجماعات المعادية للمسلمين تُظهر أشدَّ العداء تجاه معتنقي الإسلام، وتُلحق بهم دائمًا صفات سلبيَّة، أبرزها “فقدان الرُّشد، وانعدام التسامح، والميل إلى العنف”، وتروِّج تلك الجماعات أنَّ شريعة المسلمين تسمح بالاعتداء الجنسي على الأطفال، بينما تنصَّ على ظُلم المرأة وتجرِّم المثليَّة الجنسيَّة (ص9). يوصم الإسلام بالدنو عن الثقافة الغربيَّة، وبالتزمُّت ونشر الفكر الرَّجعي، وتضرب الباحثة المثل على ذلك بما جاء على لسان بريجيت جابرييل، مؤسِّس جماعة ACT! for America-اعمل! من أجل أمريكا، المعادية للمسلمين، في تصريح أدلت به لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة، في 7 مارس 2007 “اختُرقت أمريكا على كافَّة المستويات من قِبل أفراد أرادوا إلحاق الضرر بها”، وهي تقصد بذلك أفرادًا يتعاونون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزيَّة ووزارة الدفاع، وغيرها من الأجهزة السياديَّة. ومن بين الأمثلة الواردة في دراسة هايدي بيريتش ما جاء على لسان جابرييل في خطاب وجَّهته إلى القس جون هاجي، مؤسس منظَّمة مسيحيون متَّحدون من أجل إسرائيل، في يوليو 2007، جاء فيه “الفرق، يا رفاق، بين إسرائيل والعالم العربي، هو الفرق بين الحضارة والهمجيَّة. إنَّه الفرق بين الخير والشرِّ، وهذا ما نشهده في العالم العربي والإسلامي…هم (العرب والمسلمون) بلا روح، هم أموات موجَّهون للقتل والتدمير”.

تنتقل الباحثة على نموذج آخر لنشر الكراهية تجاه المسلمين، وهو الخطاب العدائي لباميلا جيلر، رئيس منظَّمة American Freedom: Defense Initiative-مبادرة الدفاع عن الحريَّة الأمريكيَّة، وتُعرف كذلك باسم Stop Islamization of America، أو أوقفوا أسلمة أمريكا. صرَّحت جيلر لصحيفة فوكس بزنس في مقال عنوانه “Follow the Money”، نُشر في 10 مارس 2011 “الإسلام ليس عرقًا، بل أيديولوجيَّة تتسم بالتشدُّد، هي الأكثر تطرُّفًا وتشدُّدًا على وجه الأرض”. وفي ردٍّ لها على تساؤل إذا كان المسلم المتديِّن يمكن أن يصير سياسيًّا معتدلًا، قالت جيلر “كلَّا، كلَّا، لا يمكن…لا أعتقد أنَّ كثيرًا من المسلمين من متَّبعي سُنن الغرب يعرفون أنَّ بأدائهم الصلوات المفروضة 5 مرَّات في اليوم، هم يلعنون المسيحيين واليهود 5 مرَّات في اليوم…أؤمن بمفهوم المسلم المعتدل، ولكن أكفر بمفهوم الإسلام المعتدل. في رأيي، المسلم المعتدل هو المسلم العلماني”، كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 8 أكتوبر 2010، ونقلت الصحيفة عن لسانها في نفس التاريخ “في الحرب بين الإنسان المتحضِّر والهمجي، أنتَ تناصر المتحضِّر…إن لم ترقد وتموت بسبب العنصريَّة الإسلاميَّة، فأنت إذن عنصري متعصِّب كاره للإسلام”.

نموذج آخر تسلِّط الباحثة عليه الضوء، هو الكاتب والناشط السياسي المحافظ ديفيد هورويتز، مؤسس منظَّمة للدفاع عن الحريَّات تحمل اسمه. صرَّح الكاتب اليهودي لصحيفة كولومبيا سبكتاتور في 15 أكتوبر 2007 “تقدِّر بعض استطلاعات الرأي أنَّ 10 بالمائة من المسلمين يؤيِّدون أسامة بن لادن وتنظم القاعدة، وقد قدَّر استطلاع لشبكة الجزيرة نسبة هؤلاء بـ 50 بالمائة. بعبارة أخرى، يؤيِّد ما بين 150 مليون و750 مليون مسلم حربًا مقدَّسة على المسيحيِّين، واليهود، والمسلمين الآخرين ممَّن لا يصحُّ إيمانهم بالقرآن، وفق معيار بن لادن”. يدعم هورويتز العديد من الجماعات المعادية للإسلام، من بينها مدوَّنة جهاد ووتش، وهو لا يقبل مخالفته رأيه في الإسلام، ويعتقد أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تجسيد للإسلام الفاشي، وأنَّها المسيطر على المنظمات التي يؤسسها مسلمون، وعلى رأسها جماعات الطلاب المسلمين في الجامعات. ولديفيد هورويتز مؤلَّفات تعبِّر عن فكره، من بينها Unholy Alliance: Radical Islam and the American Left-التحالف المدنَّس: الإسلام الراديكالي واليسار الأمريكي (2004)، والذي يتَّهم فيه اليسار الأمريكي بدعم الإرهابيين المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى