حقوق وحريات

من سيُحاسَب على مقتل الطفل ريان في بئر بشفشاون المغربية؟

د. هشام البواب

بيان حكومي نموذج لإعلانات الأنظمة الفاشلة التي لا تود تحمل أي مسؤولية

عجبت للبيان الذي أصدره رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بعد الإعلان من مقتل الطفل ريَّان أورام الذي سقط في بئر عمقه ثلاثين متراً واستُخرجت جثته بعد خمسة أيام من الإعلان عن سقوطه، حيث صرح الوزير قائلا: [أتوجه بالشكر لجلالة الملك نصره الله على الرعاية الخاصة التي أولاها لعملية إنقاذ الطفل ريان رحمة الله عليه. قد بذلت مختلف المصالح، محليا ووطنيا، مجهودات استثنائية وجبارة لإنقاذ الطفل ريان رحمة الله عليه، حيث استمرت عمليات الحفر لمدة 5 أيام، وسخرت لها جميع الإمكانيات الضرورية، لكن مشيئة الله كانت أكبر من الجميع] (ا.هـ).

هذا نموذج للإعلانات التي تصدرها الأنظمة الفاشلة في الدول العربية على الخصوص، حيث لا تبدي أبدا الاستعداد لتحمل المسؤولية في أي شيء، وتسَوِّق فشلها على أنه نجاح وأنه قدَرٌ من عند الله لا يد لها فيه، بل ويُمجَّد الرئيس أو الملك حتى في حالات الفشل!

عند وقوع حادث أو كارثة، الخطوة الأولى التي تقوم بها كل دولة مسؤولة، تحترم شعبها، ولديها إحساس بالمسؤولية تجاه كل فرد يقيم على أرضها بغض النظر عن دينه وجنسيته ومركزه الاجتماعي، بل ومجبرة دستوريا وقانونيا بتحمل مسؤولية رعاية كل فرد وحمايته، ولها (أي الدولة المسؤولة المحترمة) أجهزة مراقبة ومحاسبة قوية ومستقلة، … أول ما تقوم به مثل هذه الدول عند وقوع حادث أو كارثة، هو تعيين لجنة تحقيق تشمل خبراء مستقلين، متألفة في كثير من الأحيان من خبراء مدنيين من عدة دول لضمان درجة عالية من الاستقلالية ودرجة عالية من الخبرة، لتقوم بتحقيق عميق ودقيق في كل جزئيات الحادث من الألف الى الياء، فتحدد نقاط الخلل التي يجب على الدولة العمل فورا على إزالتها لكي لا يتكرر مثل ذلك الحادث، وتحدد الجهات والأفراد الذين تسببوا في وقوعه أو ساهموا فيه بشكل أو بآخر، أو لم يقوموا بالإجراءات والأعمال اللازمة، أو تأخروا في عمليات الإنقاذ، الخ، … ومحاسبة كل من ثبت تقصيره في القيام بالواجب وعلى الوجه الصحيح والسريع.

لكن من سيحاسب النظام الحاكم في المغرب على مقتل الطفل ريَّان؟ من سيحاسب نظاما يمنع مجرد التعليقات التي تقول بأن الطفل مات قبل إخراجه من البئر بأيام، ويتخذ إجراءات ضد من يصرح بها؟

من سيحاسب نظام حكمٍ، مثله مثل كل الأنظمة الفاشلة في العالم الإسلامي، يرى الحكم مجرد وسيلة لإشباع شهوة التسلط على الناس وتحقيق مصالح وشهوات ذاتية للحكام، لا يعير قيمة لحياة الناس وصحتهم وأمنهم وراحتهم وكرامتهم، لا يعتبر نفسه مسؤولا عن أي ضرر يلحق بالشعب، ويعتبر أي خدمة تُقدَّم للشعب منة من الملك وفضلا منه، وليست واجبا يفقد الحاكم مشروعيته إذا قصر في تحقيقها؟

من سيحاسب نظاما مغربيا حاول ركوب الموجة الإعلامية العالمية التي تابعت مأساة ريان، ليوهم للعالم أنه يهمه مصير الطفل ريان، وهو نفسه (أي النظام المغربي) الذي زج قبل بضعة أشهر فقط بأكثر من ألف طفل ليعبروا المياه سباحة للوصول إلى مدينة سبتة “الإسبانية”، مات منهم البعض، وذلك ضمن لعبة قذرة من النظام المغربي، لإزعاج إسبانيا بالمهاجرين، كرد فعل على استقبالها إبراهيم غالي، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو التي لا تعترف بها المغرب.

عن قناة فرنسا 24

النظام المغربي الذي يحاول تسويق نفسه اليوم وكأنه يهتم بالأطفال في المغرب، هو نفسه الذي أصدر عفوا ملكيا سنة 1434هـ (2013م) بحق المواطن الإسباني دانييل غالفان، الذي حُكم عليه بثلاثين سنة سجناً نافذة عام 1432هـ (2011م)، لاغتصابه عدة أطفال بمدينة القنيطرة المغربية (مثبتة بالتسجيلات المرئية التي قام بها المغتصب نفسه)، لم يقضِ منها المجرم المغتصب للأطفال إلا حوالي سنتين! ولائحة انتهاكات النظام المغربي لحقوق الانسان عموما، والأطفال خصوصا، طويلة.

تساؤلات تحتاج لأجوبة مقنعة من فريق تحقيق مستقل

فمن التساؤلات التي تستوجب إجابات واضحة مقنعة من قبل فريق تحقيق مستقل لا يخشى لومة لائم، والتي يجب أن يترتب عليها إحالة أشخاص وأجهزة للمحاسبة والمعاقبة:

  1. لماذا تُحفر آبار وتُترك بدون سياج حول مداخلها وغطاء مثبت قوي ثقيل يغطي فتحات الآبار؟ ولماذا يضطر الناس لحفر الآبار؟ لماذا لم توفر لهم الدولة الماء للشرب والسقي، لكي يستغنوا عن حفر الآبار؟ أو تمدهم بالمساعدات التقنية والاستشارية والمالية لحفر الآبار، وتلزمهم بالتقيد بمعايير الأمان المتعلقة بالآبار، وترسل دوريات مراقبة تتحرى ضمان أمان الآبار وعدم تعريضها حياة الناس للخطر؟
  • كل من حفر بئرا دون اتخاذ احتياطات الحماية والوقاية اللازمة، وترك البئر كفخ يمكن أن يقع فيه أي إنسان في أي لحظة، يجب محاسبته ومعاقبته، خصوصا إذا أدى ذلك لسقوط إنسان فيه. ويجب أن تشمل المحاسبة والد ريّان أيضا، الطفل الذي قُتل بسبب سقوطه في بئر حرفه أبوه دون أن يؤمِّنه.
  • متى سقط الطفل ريّان في البئر (اليوم والساعة)، ومتى وصل أول فريق إنقاذ مما يسمى الدفاع المدني أو الوقاية المدنية للبئر، ومتى بدأ في العمل لإنقاذ الطفل، وما هي كل الإجراءات والمحاولات التي قام بها الفريق؟
  • لماذا لم تُنزل أنابيب متصلة بشكل دائم ثابت مع الطفل في قاع البئر، لإيصال كل ما يخفف مأساته وآلامه ويشعره بشيء من الأمان والأمل، من بين ذلك:
  • إنزال أنبوب أوكسجين ثابت (وليس أسطوانة أوكسجين) ينقل بطريقة دائمة مستمرة كمية محددة من الأوكسجين من خزان فوق سطح الأرض الى قاع البئر الذي يقبع فيه الطفل (يحدد الأطباء والخبراء كمية الأوكسجين)، فيتم تأمين كمية دائمة للأوكسجين للطفل؟
  • لماذا لم يتم إنزال أنبوب ثابت ينقل هواء دافئا للطفل، لأن قاع البئر، 30 متراً تحت الأرض، وفي فصل الشتاء، سيكون باردا، برودة لن يتحملها الطفل لمدة طويلة حتى لو توفر له الأوكسجين والأكل والشراب ولم يكن به جروح؟
  • لماذا لم تُنزل إنارة لقاع البئر، تساعد الطفل على الرؤية فتخفف من الوحشة والخوف؟
  • لماذا لم يُنزل للطفل خط تواصل بالصوت والصورة، ويُسمح للأبوين وبعض افراد الأسرة (يُسمح للثابتين المتحكمين في مشاعرهم، بحيث لا يزيدون من خوف الطفل وقلقه ببكائهم مثلا أو تحدثهم بكلام لا يجوز في مثل ذلك الكرب والمقام)، ولطبيبين متخصصين في الطب النفسي والعضوي للتحدث باستمرار مع الطفل، ليطمئنوه، وينبهوا الوالدين والأسرة لما لا يجوز لهم قوله للطفل، فيحس الطفل بأنه ليس وحيداً وتُرفع معنوياته، ويشير عليه الأطباء بما يجب أن يفعل أو لا يفعل، ويسألونه عن نوع الآلام التي يحس بها، وهل اصطدم بحجر عند سقوطه، الخ؟
  • لماذا لم يتم إيصال أنبوب ثابت من فوق سطح الأرض إلى الطفل في قاع البئر، ينقل سوائل مغذية (سكريات، أملاح، بروتينات، فيتامينات، الخ)، وأدوية سائلة، خصوصا أدوية مهدئة للآلام، وأخرى تقاوم الخوف والقلق، الخ، … أدوية وتغذية يحددها الأطباء المختصين؟
  • هل لم يكن فعلا بالإمكان الوصول للطفل عبر نفس الخندق الذي سقط منه لقاع البئر؟ لأن هذه هي طريقة الإنقاذ الأسرع والأسهل!
عن قناة فرنسا 24

ولماذا لم تُستعمل وسائل إنزال آلية (تعمل بمحرك كهربائي أو بالوقود) سريعة ودقيقة في العمل، بدلا من وسائل إنزال بدائية تعتمد على حبال بدائية وجدوع الشجر وقوة بدنية لمن يمسكون بالحبال ليُنزلوا الشخص ببطء وصعوبة؟ سرعة إنزال المنقذ وإعادة إخراجه مهمة جدا، إذ كلما قصرت المدة الزمنية، كلما كان بإمكان المنقذ الصبر وتحمل الضيق، كمن يغطس من الغطاسين المدربين في البحر لبضعة دقائق دون أنبوب أوكسجين. آلة إنزال لن تستغرق أكثر من دقيقة أو دقيقتين للنزول 30 مترا ثم الصعود (مثلا يستغرق الانسان حوالي دقيقة واحدة وثلاثين ثانية لقطع مسافة 100 متر مشيا عاديا). ثم أليس بين أفراد الوقاية المدنية من هم مدربين على نزول آبار وحفر عميقة وضيقة؟ وأليس بينهم شخص نحيف يمكنه – على أقل تقدير – الوصول لأبعد نقطة في البئر؟ وألم يكن بالإمكان بعد الوصول لأبعد نقطة في البئر، تزويد الطفل بحزام إغاثة خاص، فيوجه المُنقذ الطفل ليضع الحزام حوله أو يمسك به بقوة بيديه، ليسحب الطفل إليه، فيمسك به ويأمر من على السطح برفعهما لفوق؟  … وبالتأكيد هناك العديد من الإمكانيات والوسائل التي كان بإمكان متخصصين في إنقاذ الإنسان والحيوان من الحفر والآبار أن يقترحونها وينفذوها.

  • لما قرر فريق الوقاية المدنية حفر بئر موازي للبئر الذي سقط فيه الطفل، ومن ثم ربط البئرين بممر عمودي، ومتى بدأوا بالحفر؟ ولماذا لم يُستمر بالتوازي الاستمرار في محاولة الوصول للطفل عبر نفس ممر البئر الذي سقط فيه؟ ولماذا استغرق حفر البئر الموازي خمسة أيام، مع أننا نتحدث عن عمق بمقدار ثلاثين متر فقط؟ فمثلا الاستعانة بحفارة واحدة متوسطة بقدرة 100000 وات (وات وحدة لقياس قدرة الآلات، نسبة للمهندس الاسكتلندي ’وات’)، يمكنها حفر حفرة بعمق 30 متر وعرضها حوالي ثلاث أمتار وطولها حوالي 8 أمتار، في حوالي 10 ساعات، أضف إلى ذلك بضعة ساعات لتأمين جدران الحفرة. وكلما كان عدد الجرافات وقدرتها أكبر، وكلما استُعملت أنواع أكثر تطورا من آلات الحفر، وكان عدد أكبر من العمال والمهندسين المحنكين، كلما كانت عملية الحفر أسرع وأسهل. فلماذا استغرق حفر البئر الموازي للوصول الى الطفل ريّان خمسة أيام؟ أهي قلة خبرة أفراد الوقاية المدنية؟ ألم يشارك مهندسون مختصين في الحفر في عملية الإنقاذ، أو كانت خبرتهم وقدراتهم الفنية والتقنية ضعيفة؟ هل استُعملت الآلات الخاطئة؟ هل كان الأمر يفتقد لقيادين ميدانيين لهم سرعة البديهة والجرأة والصلاحية لاتخاذ القرارات بعد استشارة المختصين، دون الرجوع لمن فوقهم؟ أم هي كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها؟

بين خندق غزوة الأحزاب وبئر الوقاية المدنية في شفشاون المغربية

أخيرا وليس آخرا، كيف يستغرق حفر 30 مترا خمسة أيام رغم التقنيات الحديثة والمتطورة، والأمن والأمان الذي يعمل فيه العمال، وفي المقابل حفر المسلمون في عهد الرسول بالأيادي والفؤوس فقط، خندقاً طوله نحو اثني عشر كيلو مترًا (12000 متر) وعمقه حوالي ثلاثة إلى خمسة أمتار وعرضه حوالي خمسة أمتار، في حوالي أسبوعين فقط. وكان حفر الخندق في مدينة الرسول على أرضية صخرية صعبة، وكان الجو بارداً، والجوع والخوف من هجوم الأحزاب مهيمنان! الفارق بين من حفروا الخندق في عهد الرسول بوسائل جد بدائية وتحت ظروف جد صعبة، وبين من حفروا البئر الموازي في قريةٍ بشفشاون المغربية اليوم، هو أن الصحابة في عهد الرسول كانت لديهم همة عالية والإخلاص في العمل، وكان توزيع العمل منظما تنظيما محكما، وكانت القيادة رشيدة وتتخذ القرارات بعد مشورة أهل المعرفة والخبرة، كل هذا نفتقده اليوم إلى حدّ كبير في العالم الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى