مقالات

قلع الشوك مصيبة الثورة السورية

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب


من طرائف مصائب الثَّورة السُّوريَّة اليوم تسليط الضَّوء علىٰ ما يجب التَّعتيم عليه والتَّعتيم علىٰ ما يجب تسليط الضَّوء عليه. تلكم مسألة لها وقفة خاصَّةـ ولٰكنِّ آثرت الاستهلال بها لأنَّ مشكلة قلع الشوك ما زالت قيد التعتيم والتطنيش… الكل يهرب من مواجهتها ومواجهة مفاعليها وآثارها… مثلها مثل كثير من مصائب الثَّورة السُّوريَّة.
من عظم مصائب الثَّورة أنَّنا كلما وقفنا عند مصيبة منها انتابنا إحساس بأنَّ هٰذه المصيبة هي التي دمرت الثَّورة السُّوريَّة، وأَنَّهَا أكثر ما أثر في الثَّورة وأخطر ما تعرَّضت له الثَّورة. وهٰذه مصيبة مضافة فوق المصائب. تخيَّل أَنَّهُ إذا كانت كلُّ واحدة منها هكذا فكيف سيكون مجموعها معاً؟
انهزمت الثَّورة السُّوريَّة في عز انتصاراتها وكتبت نهايتها بأنها مهزومة حتماً عندما تَمَّ رفع شعار: «ليقلع كلُّ واحد شوكه بيده».
قلت هٰذا والثَّورة في ذروة انتصاراتها وتقدمها وهيمنتها وهٰذه هي الحقيقة. بدأ ذٰلك في أواخر عام 2013م مع مجموعات الشَّمال وتحديداً في إدلب، واستشرت علىٰ السَّريع في أرجاء سوريا استشراء السَّرطان الفوراني في الجسم القوي فأحاله في ظرف سنة أو أقل إلىٰ بنية متهاكلة: تبدو قويَّةً متماسكةً، ولٰكنَّهَا في الدَّاخل متهالكةٌ مهترئةٌ. ولذٰلك قلت منذ ذٰلك الحين إنَّ الثَّورة انهزمت، ونشرت ذٰلك حَتَّىٰ لا يقولن أحد إنَّك تقول هٰذا الكلام بعد فوات الأوان، لقد قلته مراراً وبأساليب عديدة… ولٰكن هيهات من يدرك أو يقبل الاقتناع أو حَتَّىٰ يريد أن يقبل بشيء من ذٰلك.
من المؤسف أنَّك ستجد حَتَّىٰ الآن من يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة. في عام 2013م بدأ حصار المدن، وبدأت المدن بالاستنجاد لفك الحصار. وكان الجواب من كل المهتمين والواجب عليهم تلبية النداء هو: ليقلع كل واحد شوكه بيده. وكان ثَمَّةَ من يقول لهم: غداً عندما (يهفي) الشوك أجسامكم لن تجدوا من يقلع لكم شوككم. وكان الجواب: لا نريد من أحد أن يلقع شوكنا. هكذا كان الجواب غالباً.
مخاطر هٰذا الشِّعار تجلَّت في تحول المناطق المحررة إلىٰ كانتونات مغلقة وكل قاعد مجموعة في هٰذه الكانتونات يحسب نفسه حاكماً عسكريًّا لها، حاكمها الأوحد، وقد شهدنا في تلك الفترة من الممارسات تحت ظل هٰذا الوهم… ومن شدَّة بلاهاتهم أجمعين أنَّ كلَّ واحدٍ كان يظنُّ نفسه أَنَّهُ فعلاً وحقًّا وحقيقة هو رئيس جمهوريَّة كانتونته المغلقة، والأشد بلاهة وشناعة من ذٰلك أنَّ كلَّ واحدٍ منهم كان يظنُّ أنَّ سيبقى هكذا إلىٰ الأبد: رئيس جمهورية قرية ما فيها غير مئات من الناس أو حَتَّىٰ عشرات الآلاف بل مئات الآلاف. قصور في التَّفكير يشيب له الولدان، وخيانة منقطعة النظير. ناهيك عن السَّرقات والنهب من أملاك الناس وأموال الدعم.
عقيدة اقلع شوك بيدك عقيدة ضلالية بأصلها حَتَّىٰ من دون وجود عوال أو ظروف استثنائية فكيف إذا تمت ممارستها في ظل ثورة، وكل فريق يقول للفريق الآخر: لا دخل لي بمأساتك، اقلع شوكك بيدك؟
إنَّهَا مسألة لافتة ومثيرة جدًّا للانتباه. من الممكن والمحتمل أن يمارسها فريق أو اثنان من بَيْنَ عشرات الفرق، وأن يكون هٰذا الاحتمال قائماً فهو مفهوم ولٰكنَّهُ غير مقبول، وسيظل مدمراً وتجب محاربته. ولٰكنَّ المصيبة الكبيرة أن أكثر الفرق إن لم تكن كلها قد مارست هٰذه العقيدة الضلالية التدميرية. إنَّهَا تدميرية لما يمارسها قبل أن تكون تدميرية للأطراف أو الفرق التيهي بحاجته في تلك الأزم أو اللحظة. إنَّهَا لا تفترق عمن يطلق النَّار علىٰ رأسه لا عليه قدميه. كلُّ الفرقِ أطلقت النَّار علىٰ رؤوسها وهي تبتسم وتضحك بمحبة وتقدير وإعجاب ورضى… وانتهت إلىٰ ما انتهت إليه.
بقيت درعا وحيدة في الأخير، وعندما بدأت المعركة عليها راحت تستنجد ولٰكن لم يعد يوجد أحد يمكن أن يساعدها في قلع شوكها. وقال لهم الكثيرون: ماذا كنتم تقولون لمن يستنجد بكم من المناطق المحاصرة؟؟ كان جوابهم الذي قد لا يعترفون به: اقلعوا شوككم بأيديكم.
لو ساهم كلُّ فريقٍ بقلع شوك جاره لما وصل إلىٰ أن لا يجد من لا يقلع لهم شوكه الذي يدميه. ولٰكن، علىٰ الرَّغمِ من بداهة النَّتيجة، فقد آثر الجميع ركوب الكبر والعناد والغباء والأنانيَّة انتظار دورهم تحت المقصلة بفرح ورضى. القواد هربوا بما نهبوا أو صالحوا وتمالحوا لينعموا بما غنموا من السلب والنهب والمال الحرام.
قلت وكررت مراراً منذ عام 2012م: الثَّورة التي لا قائد لها لن تكون إلا عصابات لصوص وقطاع طرق. وهٰذا ما كان.
من المحتمل أن تكون الدول الزَّاعمة أَنَّهَا تدعم الثَّورة هي التي طالبتهم بذلك أو أوحت لهم به. سواء أكان ذٰلك صحيحاً أم لا فإن النتيجة واحدة والحقيقة واحدة ويقلل ذٰلك من خيانتهم التامة الأركان. مهما كانت الأسباب فإنَّ هٰذه الممارسة خيانة تامة الأركان والأوصاف، بل من أبشع الخيانات التي لا تجوز المسامحة عليها بحال من الأحوال.
هٰذه واحدة من مصائب كثيرة. تكفي وحدها لهزيمة الثَّورة، وكذٰلك كل واحدة من مصائب الثَّورة السُّوريَّة تكفي لكسر ظهرها وهزيمتها.
والشَّيء بالشَّيء يذكر، وحَتَّىٰ لا يقول قائل إن ذٰلك كان ضرورة لحماية المحرر، أو خوف من ضياع المحرر، أو تأمين المحرر، أو عدم وجود سلاح أو غير ذٰلك من أيِّ نوع من أنواع الذرائع… فإنَّ هٰذه العقيدة الضلالية كانت عن ضلالة ولصوصية وأنانية غبية ولم تكن أبداً بأي نوع من أنواع حسن النية. وكل من يحاول التماس حسن النية لهٰذه العقيدة الضلالية فهو حتماً وحقًّا وبالتأكيد إمَّا شريك أو أَنَّهُ ما زال أعمى يصر علىٰ أن يرشد المبصرين في قطع الطَّريق السَّريع المكتظ بالسيارات المسرعة.
لقد أخذتهم العزة بالنفس، وأعماهم الكبر، وغرتهم الأموال المنهالة عليهم وأعمتهم عن الحق وظنوا أَنَّهُ لن يلاقوا ربهم رب العالمين.

اللوحة للفنان العالمي أسعد فرزات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أصبت يا دكتور عزت – حفظك الله – كبد الحقيقة في هذا المقال الممتاز . هذا التعليق المتواضع لا يراد منه إبداء فصاحة إطلاقاً فما حدث في سوريا كان خطباً جللاً و شراً مستطيراً بما كسبت أيدي من تصدوا للعمل المسلح من أجل تحقيق مكاسب شخصية لن تنفعهم في الحساب أمام رب العالمين ( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ).
    مثل الدكتور عزت تماماً ، أدركت تماماً في أواخر عام 2013 و بداية 2014 أن الثورة قد بدأت بالانهيار لسبب بسيط يرشد إليه قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) و الشاهد في الآية الكريمة أن التنازع أو التخاصم له نتيجتان فوريتان ” الفشل و ذهاب القوة ” و هذا قانون من الله لا يجامل أو لا يحابي أحداً من الناس . ثم إن “قواد” الفصائل الذين تبنوا مقولة ” ليقلع كل واحد شوكه بيده ” قد خالفوا أمر الله الصريح (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) الداعي إلى عدم التفرق .
    كانت هنالك مواقع تزعم أنها في صلب الثورة أو مؤيدة لها و كتبت فيها الكثير و لم أبخل – و أنا البعيد عن سوريا – بتقديم النصائح للفصائل رغم أن استخبارات دولة كبرى قد آذتني كثيراً بشكل شخصي . في وقت بداية الانهيار ، قامت مخابرات إحدى الدويلات الإقليمية بالسيطرة على أحد أهم مواقع الثورة و اشترت الجمل بما حمل و بصفتي أنني كنت ناشطاً فيه ، صار القائمون عليه يضايقونني و يعملون على طردي من الموقع و تحقق لهم ذلك من خلال لعبة سخيفة زعموا فيها أنه قد جرى السطو على بياناتهم ثم بمجرد إعلانهم عن استعادة بياناتهم ، وجدت أنهم قد حذفوا حسابي و جميع مساهماتي التي تزيد عن الألف و بعبارة أخرى ، كان واضحاً أنه قد جرى اختراق ذلك الموقع بالبترودولارات. ثم إن المواقع الثورية (؟) الأخرى صارت لا تقبل تعليقاتي و كأنهم جميعاً قد أتتهم تعليمات من تلك الدولة الكبرى .
    من يقرأ سورة نوح – عليه السلام – التي عدد آياتها 28 ، يجد أن فيها استعراض النبي لما فعل و ما بذل من جهد و كيف أن أفعاله و جهوده لاقت ما قاله الشاعر “لقد أسمعت لو ناديت حياً ** و لكن لا حياة لمن تنادي” و كانت آخر 3 آيات مقتصرة على الدعاء القوي . هذا نموذج متكرر عبر الزمن ، و لكل منا أن يدعو على – من خانوا الثورة و ركبوا رؤوسهم و باعوا أنفسهم و أمتهم و بلادهم بثمن بخس- بأية طريقة يشاء. اللهم لا تبارك لهؤلاء بأية أموال نالوها واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. آمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى