منوعات

اليمنيون وجائزة نوبل للجدارة!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب


إن من يمارس التفكير والكتابة والتأليف في اليمن، يتجرع مرارات معنوية لا حصر لها ويعاني من أوجاع مادية تجل عن الوصف، ولو علمها من يريدون خوض هذا المضمار لعرفوا أن أمانيهم أقرب إلى المنايا ولما تقدم أغلبهم خطوة إلى الأمام، ويعلم الله كم أشفق على من أراهم يتأهبون لخوض هذا الحقل المليئ بالأشواك دون أن يعلموا أنهم سيخوضونه بأقدام حافية بعد أن تقوم أوضاع التخلف بنزع الأحذية منهم، ولذلك لا ينبغي أن نتعجب من قلة السائرين في هذا الدرب في بلادنا، بل من وجود من يسيرون فيه رغم أثقال التخلف وغزارة المخاطر، ولا يصح أن نستغرب من تفوق حفاة العقول خارج اليمن على أهل الفكر داخل اليمن الذين يسيرون حفاة، حيث نجد دور نشر ووسائل توزيع وإعلام تتبنى طباعة وترويج أفكار سطحية هناك وتهمل أفكارا أصيلة ذات عمق إبداعي هنا؛ ذلك أن التنافس في هذه الحالة لا يحتدم بين العقول وإنما بين الوسائل والآليات التي يمتلكها الطرفان؛ بسبب الأوضاع المختلة وتسيّد المعايير السطحية!

ومع أن شعب اليمن موصوف من قبل من لا ينطق عن الهوى بالحكمة، إلا أنه في ظل التخلف الذي يجثم على صدره والحرب التي استلبت ما بقي معه من عقل؛ قد صار بيئة غير خصبة من كل النواحي لاستنبات الأفكار والمعاني أو لممارسة الإبداع الذي يثور على التقاليد الراكدة ويتمرد على القوالب الجامدة!
وبجانب ذلك يعاني كثير من أبناء اليمن من عقدة نقص جعلتهم يزدرون أبناء وطنهم ويبخسونهم حقوقهم ويزهدون بما عند صفوتهم من أفكار؛ نتيجة عوامل عديدة أهمها سياسة التجهيل والإفقار والإذلال التي اتخذها النظام الإمامي استراتيجية واجبة النفاذ طيلة قرون من حكمه الكهنوتي المجرم!
وتتضاعف المعاناة حينما يحاول الكاتب الوقوف في وجه رياح المصاعب الموضوعية والذاتية وحده، ومن دون أن يدعمه حزب أو تيار أو جمعية أو جماعة مانعا إياه من الانجراف إلى هاوية التطبيل والنفاق الرخيص!
وتصل معاناته إلى ذروة الوجع لدرجة يشعر معها بأنه يقبض على الجمر بيديه بل بشفتيه في بعض الأحيان؛ وذلك حينما يرفض قلمه أن يداهن باطلاً أو يبيع موقفا أو يتعايش مع وضع شاذ، وحينما يأبى لسانه السكوت عن المنكرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعج بها مجتمعاتنا، رغم التهاب عواطف التدين وامتلاء المساجد بالمصلّين، حيث يكثر الخصوم وتتضاعف العقبات التي تمارس الدأب من أجل جعْل عاقبة الكاتب خسرا!

وبالطبع فإن من كان هذا حاله ومآله؛ فإنه يصير من دون مبالغة مؤهلاً لنيل جائزة نوبل للجدارة، وأظن أن هذه الجائزة لو كانت موجودة في الواقع حقيقة، مع انطلاقها من معايير موضوعية صارمة، فإن أكثر فرسانها سيكونون من اليمن ما لم يغير اليمنيون ما بأنفسهم من أفكار تزدري المفكرين ومن ثقافة تزهد بأهل الثقافة، وفي الطليعة منهم قادة الأحزاب والنخب السياسية الذين يعطون للمفكرين كلاماً منمقاً ويمنحون الأوضاع المتخلفة سيوفا باترة!
والأغرب من ذلك أن من بيدهم الأموال والقرارات من المحسوبين على الثقافة، يتماهون مع هذه الأوضاع، لدرجة أن ترى بعضهم يمسحون على رؤوس نعاج الثقافة لكنهم يأكلون مع ذئاب التخلف !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى