بحوث ودراسات

الحروب واتفاقيات الحدود العراقية الإيرانية وأثرها في العلاقات بين البلدين 31

نزار فاضل السامرائي

عرض مقالات الكاتب

العلاقات الثنائية بعد استقلال العراق

موقف القانون الدولي من عدم اعتراف الحكم الجديد في إيران بالاتفاقية

نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1968م، في مادتها 25 على تنفيذ المعاهدة، أو جزء منها بصفة مؤقتة، لحين دخولها دور النفاذ ويكون ذلك على النحو التالي:
1 – إذا نصت المعاهدة على ذلك.
2 – اذا اتفقت الأطراف المتعاهدة على ذلك بطريقة أخرى.
ولما كانت اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران لعام 1975م، قد نصت في الفقرة (أولا) من بيان الجزائر الصادر في 6 آذار 1975، على إجراء تخطيط نهائي لحدودهما البرية بناء على بروتوكول القسطنطينية لسنة 1913م، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914م، على حين حسمت موضوع الحدود النهرية باعتراف العراق لإيران، بأن خط الحدود في شط العرب يمر عند خط التالوك، ولما كان ترسيم الحدود البرية يتطلب بعض الوقت نتيجة لطابعها الفني، والذي يتطلب تنقلا ميدانيا في مناطق الحدود، لكل هذه العوامل، حصلت إيران على هدفها كاملا بحصولها عن نصف شط العرب، من نقطة الحدود المشتركة بين البلدين إلى نقطة المصب في الخليج العربي، ولكن خطوات ترسيم الحدود البرية تعثرت وتلكأت كثيرا، بسبب عدم جدية الحكومة الإيرانية، في تنفيذ ما ترتب عليها من التزامات بموجب الاتفاقية، وبعد سقوط نظام حكم الشاه، تعمدت الحكومة الجديدة، الغموض في التعامل مع هذا الملف المزمن، مما أعطى العراق الحق، في تفسير ذلك على انه عدم التزام بالقواعد الدولية المنظمة لتوقيتات دخول المعاهدة مرحلة التنفيذ.
كانت اتفاقية الجزائر لعام 1975م، الاتفاقية الوحيدة التي عقدت بين العراق وإيران في ظل النظام الدولي ثنائي القطبية، والذي ظل سائدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وحتى سقوط جدار برلين عام 1989م، والذي كان إيذانا بانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، وبروز الولايات المتحدة كمركز استقطاب وحيد في العالم، وعندما عُقدت الاتفاقية، كان العالم قد وصل مرحلة متقدمة في القواعد المنظمة للعلاقات الدولية، لاسيما دور الأمم المتحدة المفترض والمقبول، في حل المنازعات الدولية استنادا إلى ميثاقها، ووجود سلطة مجلس الأمن الدولي، باعتباره الجهة الدولية الوحيدة المخولة باتخاذ قرارات ملزمة للدول الأعضاء، بموجب الفصل السابع من الميثاق، إضافة إلى وجود محكمة العدل الدولية التي ورثتها الأمم المتحدة عن عصبة الأمم، وعلى الرغم من وجود هذا العدد الكبير من المنظمات الدولية، وعلى الرغم من أن الإشهار هو الصفة التي باتت سمة الاتفاقيات الحديثة، فإن عالم اليوم الذي تسود فيه قيم المصلحة على حساب القيم الدينية والأخلاقية، وأصبحت فيه مبادئ ميكافيلي بوصلة لمعظم حكومات العالم، فإن التنصل من قبل الدول الكبرى من التعهدات التي تقطعها على نفسها، بات سمة القرن الواحد والعشرين.
وبقدر ما يحقق الإنسان من انجازات في مجال التكنولوجيا في مختلف الميادين، فإن تمسكه بالقيم الدينية والأخلاقية والقانونية، يشهد تراجعا سريعا ومحزنا، لا يدع للبلدان الصغيرة ثقة بالعيش بأمن واستقرار، في عالم تسوده تقاليد الحيتان الكبيرة التي تفترس الصغير من الأسماك.
والدول الكبرى عندما ترى أن الدول الصغيرة تتحرك من دون إذنها، حتى في نطاق مصالحها الوطنية التي لا غبار عليها، فإنها تواجه ذلك بردود فعل تتسم بالبرودة في ظاهرها، ولكنها تضع من الخطط ما يكفل لها الإمساك بنهايات خيوط اللعبة السياسية.
رأت بعض الأوساط المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة أخذت تنظر في المرحلة الأخيرة من عمر نظام الشاه بعين السخط عليه، لأنه بدأ يتصرف بمعزل عما تخطط الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، وخاصة ما يتصل بالسياسة النفطية، أو الاحساس المبالغ فيه من قبل الشاه بالثقة بالنفس، بحيث بدأ يتصرف بمعزل عن التشاور مع الولايات المتحدة، (يقول محمد حسنين هيكل في كتابه، مدافع آية الله، كان الشاه يقابل مندوب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في طهران مرة كل اسبوع، وكان الوقت المخصص لذلك هو يوم السبت الساعة التاسعة صباحا ولمدة ساعتين، ولكن حينما ازدادت ثقة الشاه في نفسه، أخذت العلاقات بينه وبين السفارة في التغير، إذ أنه كان يشعر أن الأمريكيين يحتاجون إليه أكثر مما هو يحتاج إليهم، بينما بدأ الأمريكيون يشعرون أن الأداة التي اختاروها للسيطرة على المنطقة، بدأت تبدو عليها مظاهر روح تمجيد الذات، الأمر الذي كانت له نتائج بالغة الازعاج إلى درجة أن وليم سايمون وزير الخزانة في حكومة نيكسون وصف الشاه أمام لجنة العلاقات الخارجية، بأنه مهووس ومصاب بجنون العظمة وهكذا لم تعد مصالح الشاه والأمريكيين متماثلة).
وعلى الرغم من أن اتفاقية الجزائر ألحقت ضررا كبيرا بمصالح العراق، وحققت مكسبا استراتيجيا كبيرا لإيران بحصولها على نصف شط العرب، إلا أننا نستطيع تلّمس مدى الغضب الذي انتاب الإسرائيليين، لأن الاتفاقية قطعت على إسرائيل طرق التسلل الاستخباري إلى شمال العراق، ويمكن أن نستدل على ذلك بما قاله شلومو نكديمون مؤلف كتاب (الموساد في العراق ودول الجوار) من أن الاتفاقية كانت مثل ملك الموت الذي قضى على عمل الموساد في العراق، وربما ظن الإسرائيليون أن الشاه حينما منحهم التسهيلات للتحرك في شمال العراق، كان يفعل من دون أهداف خاصة به، ولم يكن يدور بخلدهم أن الشاه إذا حقق أهدافه في شط العرب سوف يقطع الدعم المقدم للتمرد، بما في ذلك وجود الموساد الصهيوني في المنطقة الكردية.
بالمقابل كان العراق يرتبط بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وكما كانت الولايات المتحدة، تنظر بغير ارتياح إلى سلوك شاه إيران بمعزل عن التنسيق مع واشنطن، فإن موسكو كانت تشاطر الولايات المتحدة، موقفها فيما يتصل بنظرتها إلى تفرد العراق باتخاذ مواقفه السياسية، من دون التشاور مع الزعامة السوفيتية، ذلك أنهما لا يريدان أصدقاء، بقدر ما يريدان أطرافا تابعة، عليها أن تتحرك على ضوء مصالح الدول الكبرى، وليس مصالحها الخاصة، وبالتالي فإن واشنطن وموسكو كانتا تريدان من بغداد وطهران، أخذ رأيهما في إمكان عقد اتفاقية عام 1975م من عدمه.
في ظل هذه الظروف المتشابكة، بدأت الاتصالات بين العراق وإيران لتوقيع اتفاقية الجزائر، ويمكن أن تكون الاتصالات بينهما تحت الرصد المباشر، من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والسوفيتية، ومن بعثاتهما الدبلوماسية، ومن المؤكد أن الدولتين الكبريين لم تقابلا هذه الاتصالات بارتياح، ولأن الموقف الأمريكي تجاه شاه إيران قد تغير، فقد تركته منفردا ليواجه مصيره المحتوم، بعد أن خرجت الاحتجاجات الشعبية عن السيطرة عام 1978م، وبعد أن تأكد للمراقبين بأن كبار ضباط الجيش الإيراني تلقوا نصائح أمريكية، بعدم استخدام القوة لفض تلك الاحتجاجات، وربما كان الشاه سيتمكن من قمع التظاهرات والحفاظ على عرشه، لو كانت الولايات المتحدة لم تتدخل لمنعه من المضي في طريق استخدام القوة ضد المتظاهرين، لأنها توصلت إلى استنتاج بأن الشاه أصبح أداة غير نافعة، في رعاية المصالح الأمريكية في المنطقة.
في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1974م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعريفا للعدوان بموجب قرارها المرقم 3314 لسنة 1974م، هذا القرار عرّف العدوان بأنه (استخدام القوة المسلحة لدولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة تتناقض وميثاق الأمم المتحدة وفقا لنص هذا التعريف).
وحددت المادة 3 من القرار المذكور سبع حالات متى ما توفرت إحداها أو أكثر عُدّ ذلك عملاً عدوانيا، سواء تم ذلك بإعلان حالة الحرب أم بدون ذلك والحالات هي: –
أ – قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري، مهما كان مؤقتا ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه جراء استخدام القوة المسلحة.
ب – قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو باستخدام أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.
ت – ضرب الحصار على موانئ أو سواحل دولة ما من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى.
ث – قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البحرية أو الجوية أو الأساطيل التجارية البحرية أو الجوية لدولة أخرى.
ج – قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة على إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض والشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها على الإقليم المذكور.
ح – قيام دولة ما باستخدام إقليمها الذي وضعته تحت تصرف دولة أخرى للعدوان على دولة ثالثة.
خ – إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها وقيامهم بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة أخرى وبمستوى الأعمال المذكورة أو مشاركة الدولة في ذلك على نحو ملموس.
كما أن المادتين الأولى والثانية والفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة، تلزم جميع الدول بفض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر، وأن (يمتنع أعضاء الهيئة العامة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى