مقالات

لماذا إدلب .. ولماذا قرداش؟

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

في الأعوام الخمسة الماضية حصل تباعدٌ بين هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة، وذهب كلٌّ منهما في سبيله إيديولوجياً .. واستراتيجيًا .. وتنظيميًا.
ففي نيسان/أبريل 2013، وخوفًا من نزعة الهيمنة لدى (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، أصبحت “جبهة النصرة” الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سورية. لكن في تموز/يوليو 2016، وبُعيد التدخّل العسكري الروسي المكثّف، غيّر “الجولاني” زعيم جبهة النصرة، اسم التنظيم إلى (جبهة فتح الشام) و لاحقاً (هيئة تحرير الشام) وأعلن الجولاني أن تلك الهيئة لن تعود فرعًا لتنظيم القاعدة.
ورداً على هذه الخطوة، أنشأت مجموعة من الجهاديين ما عرف حينها بتنظيم حراس الدين ليكون الفرع الجديد لتنظيم القاعدة في سورية.
استراتيجية البقاء التي اتبعتها هيئة تحرير الشام ومنذ مطلع العام  2017 قامت على التقارب مع المعارضة السورية والتعبير عن أجندتها المحلية الطابع لذلك كان لا بد من أن يحدث تصادم بين “هيئة تحرير الشام” وبين “حراس الدين”. ولكن سرعان ما اتضح أن هيئة تحرير الشام تتمتع بالقوة الكافية لاحتواء حراس الدين وجميع المتعاطفين مع تنظيم القاعدة في شمال غرب سورية. واليوم الواضح على السطح أنه ما من علاقة تربط هيئة تحرير الشام مع تنظيم القاعدة  -على العكس من تنظيم حراس الدين-   لأن أي تنسيق أو تعاون علني مع “القاعدة” قد يقضي على المحاولات التي تبذلها الهيئة لإظهار اعتدالها وانتمائها السوري والذي تهدف من خلاله إلى الحصول على اعتراف إقليمي ودولي بسلطتها في شمال غرب سورية.
في الآونة الأخيرة بدأت هيئة تحرير الشام باستنساخ ما حدث في أفغانستان في حملات التجنيد و بدعم القادة والدعاة وشيوخ القبائل والعشائر من خلال المقاربة التي اعتمدها الجولاني والتي تقوم على طمأنة الدول الاقليمية والغربية ونفي تهمة الإرهاب.
بالنسبة للنظام السوري فهو ما زال يعمل وبدعم من إيران وروسيا على تهجير جميع سكان إدلب باتجاه الحدود التركية مستهدفاً المدنيين والأحياء السكنية وواصفاً سكان إدلب بالإرهابيين -رغم أن معظمهم قام هو بتهجيره من مناطق أخرى حيث لجأوا بأرواحهم إلى إدلب وريفها.
أما إيران فهي مستمرة بتوجيه مجموعاتها الإرهابية المكونة من مرتزقة إيرانيين وأفغان وباكستانيين لاستهداف المدنيين ومهاجمة فصائل المعارضة السورية في إدلب.
ولا يخفى دور روسيا ومشاركة مقاتلاتها الحربية في الهجوم على إدلب ومخيماتها بين الفينة والأخرى
فما هو السر وراء كل ذلك التنسيق في الهجوم على إدلب .. ولماذا إدلب
قبل الإجابة على هذا التساؤل المشروع لا بد لنا من أن نستذكر بعض التمثيليات الأمريكية والتي شكلت إدلب خشبة المسرح لها.
عملية “كايلا مولر” وهي عملية عسكرية أمريكية قيل أنها  أدّت إلى قتل أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية فجر يوم الأحد 28 صفر 1441 هـ الموافق 27 أكتوبر 2019 في الريف الشمالي لمحافظة “إدلب” عبر عملية إنزال جوي أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ونفذتها قوات خاصة من الجيش الأمريكي.
حيث قُتل تسعة أشخاص بينهم 6 مقاتلين ينتمون إلى تنظيم “حراس الدين” الذي يعد ذراع تنظيم “القاعدة” في سوريا.
وقبل ذلك بشهر، أعلنت الولايات المتحدة عن قتل 40 متشدداً في ضربات أميركية قرب مدينة إدلب.
وفي العشرين من سبتمبر/ أيلول 2021 أعلنت الولايات المتحدة عن قتل قياديين من “فصيل مقرب من تنظيم القاعدة” في غارة شنّتها طائرة أميركية مسيّرة أيضاً في محافظة إدلب.
ومؤخراً صرح الرئيس الأميركي جو بايدن إن قوات أميركية قتلت فجر اليوم الخميس زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “عبد الله قرداش”(أبو إبراهيم الهاشمي القرشي) في عملية نفذتها في ريف إدلب شمال غربي سوريا، وأضاف بايدن أن عملية الجيش الأميركي “أزاحت زعيم تنظيم الدولة من ساحة المعركة”، مؤكداً أن هدف هذه العملية هو “حماية” الشعب الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة.
وإذا ما ربطنا كل تلك الأحداث والهجمات والتطورات و “برنامج المراحل” و “تصفية الأدوات” نستنتج أن هدفهم الحقيقي هو إدلب بذاتها كجغرافيا ، أما عملياتهم العسكرية “النوعية” والتي لا تفرّق بين مدنيّ ومسلح، وبين طفل وامرأة وشيخ مسن، فالغاية منها التهجير والتغيير الديموغرافي، والثابت أن أميركا وروسيا وإيران يفضلون سيطرة ميليشيات الأسد أو الميليشيات الإيرانية على تلك المنطقة الاستراتيجية بدلاً عن سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا.
نعم فالقضية لا تتعلق بالجولاني أو بالقرشي .. بل ربما تتعلق بتركيزهم الإعلامي على لقب “قرداش” التركي الذي وصفوا به قتيلهم الأخير والتي تعني بالعربية (الأخ) وتتعلق بإدلب كموقع استراتيجي هام وبوابة لربط الجنوب بالشمال.
ورحم الله الرصافي القائل
وكلُّ لبيبٍ بالأشارة يفهمُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى