بحوث ودراسات

الحروب واتفاقيات الحدود العراقية الإيرانية وأثرها في العلاقات بين البلدين 30

نزار فاضل السامرائي

عرض مقالات الكاتب


العلاقات الثنائية بعد
استقلال العراق (12)

عدم تطبيق إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاقية

حشّدت إيران جهد مؤسساتِها الدينية والرسمية بعد 11 شباط 1979، وأجهزة إعلام كانت تنتظر فرصتها لتفريغ شحنات الحقد على العرب، وتحويل الانتباه عن جرائم النظام السابق وسياسات الشاه الاقتصادية، التي حذفت الطبقة الوسطى من التسلسل الاجتماعي، وشجعت على زيادة إثراء الأغنياء غنى، وسحق الطبقات الفقيرة التي كان يمكن مشاهدة معالم فقرها في أحياء طهران الجنوبية.
فشنت حملة كراهية وتحريض ضد الحكومة العراقية، وأصدر رجال دين إيرانيون من وجوه معروفة يسعون للزحف على الأدوار السياسية إضافة إلى أدوارهم التخديرية في المجتمع، أو من المغمورين الذين أرادوا ركوب عربة الشهرة، فلم يجدوا غير العراق هدفا للتحريض العدائي، مُنفسين بذلك عن موروث مكبوت من أحقاد التاريخ، أصدروا بياناتٍ تُحرض على العراق، وتدعو لغزوه وضمه إلى ممتلكات إيران، فانضم عدد كبير ممن كان يرتدي عمامة أو ارتداها لاحقا، ممن يحق لهم إصدار الفتاوى أو لا يحق لهم ذلك، فأصدروا فتاوى سياسية مغلفة بمساحيق الدين، فأهدروا دماء المسؤولين العراقيين السياسيين، ومنتسبي الدولة بمن فيهم منتسبو الجيش والأجهزة الأمنية.
وقد تم تسجيل الممارسات التالية التي تدين الزعامة الإيرانية الجديدة، والتي أدت إلى تأزيم الأوضاع بين البلدين على نحو ينذر بتفجر الوضع على جانبي الحدود ويهدد المنطقة بأخطار جدية:
1 – تضمنت خطب الجمعة وخاصة خطبة طهران، مقطعا باللغة العربية، وهو مخصص للهجوم على العراق حصرا، وتحريض المواطنين على مواصلة ثورتهم ولكن ضد العراق، حتى صار العراق هو البضاعة الرائجة في سوق المزايدات السياسية، فنُسيَ الشاه الذي ثارت عليه الجماهير الإيرانية، ونُسيت أيامه وتحولت بوصلة الشارع إلى الجهة الغربية بدلا من ارث الشاه الثقيل، حتى ليخيّل للمراقب، أن الإيرانيين لم يثوروا على نظام الحكم في بلدهم وعلى تعسفه وظلمه، بل ثاروا على حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته وعلى النظام العراقي.
2- كانت السلطات تسيّر التظاهرات اليومية أمام السفارة العراقية، وتهتف بشعارات معادية لقيادة العراق وتهدد باقتحام المبنى، وعلى الرغم من طابعها التلقائي، إلا أنها بتوجيه من الزمرة التي عادت مع خميني من باريس، وتحكمت بما يصدر من مكتبه من توجيهات.
3 – قدّم النظام الجديد في إيران، وقبل أن يستجمع أوراقه، ويُنظّم عمل الأجهزة الحكومية، قدّم الدعم السياسي والمالي والإعلامي، للحركات السياسية والمنظمات الطائفية المتطرفة والإرهابية، التي تعمل في العراق، ودفعها لتنفيذ أعمال مسلحة داخل الأراضي العراقية، لإثارة أسباب التأزم وإجبار الحكومة العراقية على إعادة النظر بجدول أولويات عمل أجهزتها الأمنية، وفرّغ النظام الإيراني الجديد، عدة أجهزة لاستيلاد حركات ومنظمات جديدة ذات طابع مسلح للعمل في الساحة العراقية، وبدأ بجمع الأموال لنصرة “الثورة الإسلامية في العراق”.
4- إصرار بني صدر رئيس الجمهورية المعزول لاحقا، على مواصلة تهديداته، بمناسبة ومن دون مناسبة ضد العراق، حتى أنه قال مرة بأن “العراق جزء من إيران”، كما أن رئيس الأركان الإيراني قال إن جيشه يستطيع اجتياح العراق وأن العراقيين سيرحبون بذلك.
5- قال صادق قطب زادة وزير خارجية إيران الذي أعدم فيما بعد، في بيان أذاعه الراديو الإيراني، إنه يتعين على الشعب الإيراني مساندة الشعب العراقي، الذي يعاني من القمع والاضطهاد.
ومن الثالث والعشرين من شباط 1979م حتى السادس والعشرين من أيار 1980م، قامت الطائرات الإيرانية بالاعتداء على حرمة الأجواء العراقية، لمدة أربعة وخمسين يوما، في حين أن القوات البرية الإيرانية قامت بقصف الأراضي العراقية بخمس عشرة حادثة بالأسلحة المختلفة، للفترة من 26/8/1979م إلى 3/6/1980م، وقامت الجهات الإيرانية بمضايقة السفن والزوارق العراقية والأجنبية، المارة في شط العرب، لأحد عشر يوما بين 14/4/1979م و 26/6/1979م.
نحن نعرف أن أي نظام حكم جديد، يقوم على أنقاض حكم سابق، بثورة شعبية مثل الذي حصل في ايران، وتخللها استخدام السلاح، وتكبد الثوار فيها مئات القتلى، يجب أن يركز بالدرجة الأولى على فضح أخطاء النظام الساقط وسلبياته، وأسباب الثورة وأهدافها والطموحات المعلقة عليها، وبعد ذلك يسعى لتهدئة الخواطر والانصراف إلى تثبيت أقدام التجربة الجديدة، بالبناء والعمل بعيدا عن الفوضى والانفلات في كل زوايا المجتمع، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل أبدا، إذ انصرف النظام الجمهوري في إيران في حملة كراهية ضد العراق أولا وأخيرا.
ومع كل ذلك فعلينا أن نفرق بين النتيجة العملية التي وصلت إليها الاتفاقية في النهاية، وبين الصيغ القانونية الواجبة الاتباع في حال توفر الرغبة من الطرفين بإلغاء الاتفاقية، وعادة فإن الاتفاقيات المنظِمة للحدود، ليست كمعاهدات الصداقة بين الدول التي يُنص فيها على طريقة إنهائها، فاتفاقيات الحدود يجب أن تكون من أكثر الاتفاقيات في العالم جمودا وثباتا، بسبب طبيعة الثبات في الحدود نفسها، وما صدر من إيران بعد مجيء الخميني للسلطة في إيران، يعكس حقدا مزمنا لدى خميني شخصيا، وطبقة المعممين المتحكمين بسلطة القرار الإيراني السياسي، على العراق ونظام الحكم فيه، كما أن هذه السياسات تعكس درجة عالية من الفوضى والتخبط وانعدام الرؤية الموضوعية، لالتزامات الدول مع بعضها، وربما كان طبيعيا أن تصدر مثل هذه التصرفات من نظام خرج حديثا إلى المجتمع الدولي، من دون أن يتسلح بأدواته القانونية، ويتزود بخبرة التعاطي مع القانون الدولي وما يفرضه من التزامات بين دول العالم.
كانت الأسرة الدولية ترى في خبرة العراق الطويلة في التعامل مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، ما يمنع انجراره برد فعل غاضب على السلوك الإيراني، على الرغم من أن العراق كان يخسر في كل اتفاقية جديدة كان يوقعها مع إيران جزءً من أرضه، إلا أن القبول بالعمل تحت خيمة الأمم المتحدة يقتضي القبول بآلياتها وقواعدها المحققة لمقاصدها، من الطرف أو الأطراف الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى