مقالات

البصائر الثلاث للدعوة إلى الله

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب


لقد لقّن الله حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم وهو في مقام الدعوة إلى الله؛ فقال له: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}، وقد وردت هذه الآية في سورة يوسف الذي كان داعية مصلحا للمصريين وكان نبيا رسولا لبني إسرائيل.
فالدعوة إلى الله ليست حرفة الذين لم يجدوا حرفة تليق بطموحاتهم في هذه الحياة، والداعية المؤمن لا يخبط في دعوته للناس خبط عشواء، وإنما يسير وفق منهج دعوي منضبط، يمكن تلخيص أبرز معالمه في ثلاث بصائر عامة:
الأولى: بصيرة التدبر لكلام الله، بحيث يتم الاهتداء بتوجيهاته الشاملة والاستبصار بأنواره الكاملة، ويتم فهم مفرداته الدقيقة وهضم مقاصده العامة والخاصة، مع استيعاب واضح لقيمه الحضارية التي تتوزع في كافة ميادين الحياة.

الثانية: بصيرة التفقه في الواقع الذي يعيش فيه هو ومن يود دعوتهم؛ بحيث يفهم طبيعة العصر وتياراته ومذاهبه ويحيط بمتغيراته السريعة، ويدرك الخصائص العامة للمجتمعات المحلية ويعرف عوائدها ومكوناتها المختلفة، ويفهم نفسيات الناس وطبائعهم وأمزجتهم وطرائق تفكيرهم وتأثير الظروف المحيطة بهم، ويدرك نقاط قوتهم ومواضع ضعفهم.

الثالثة: بصيرة التفكر في أنجع الطرائق لتنزيل النصوص القرآنية والمقاصد الشرعية على الحوادث اليومية والنوازل الحياتية، بحيث يتم ترتيب الأولويات، من قبيل البدء بالكلي قبل الجزئي والمعلوم قبل المجهول، وبالقطعي قبل الظني والمتفق عليه قبل المختلف فيه، وبالعلمي قبل العملي والتصوري قبل السلوكي، وبالعقدي قبل التشريعي، والفردي قبل الجماعي.
وفي هذا الإطار يحتاج الداعية إلى امتلاك مهارات الدخول من أبواب متفرقة، والتحلي بأساليب الخطاب المؤثر والتربية الواعية والتعليم الممنهج، ولابد له من التخطيط الذكي الذي ينطلق من معرفة دقيقة بالإمكانات المتوفرة والكامنة وبالمصاعب القائمة والمتوقعة، ويرسم الأهداف بواقعية بعيدا عن التضخيم أو التواضع، ويحدد الوسائل والأساليب المطلوبة، مع التحلي بمرونة عقلية تمكنه من اختيار الأفضل في كل موقع والأنجع مع كل شخص أو موقف على حدة.
وينبغي أن يتحلى الداعية بالخيال الخصب والمهارات المتجددة من أجل استشراف المستقبل واستبصار النتائج، وللتنبوء بالمآلات والعواقب، وصولا إلى التحلي بثقافة المراجعة الصارمة والنقد الذاتي، بما يكفل تقويم الاعوجاجات وردم الفجوات، وباستكمال النواقص وتجويد الأداء.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. من الممكن أن يقرأ شخص هذا المقال الجيد بعيني الناقد شديد المحاسبة فتلفت نظره الفقرة التالية التي تضرب أمثلة على البصيرة الثالثة فتقول (من قبيل “البدء بالكلي قبل الجزئي” والمعلوم قبل المجهول، وبالقطعي قبل الظني والمتفق عليه قبل المختلف فيه، وبالعلمي قبل العملي والتصوري قبل السلوكي، وبالعقدي قبل التشريعي، ” والفردي قبل الجماعي” .). في المثال الأول كان ” البدء بالكلي قبل الجزئي” و في المثال الأخير الإشارة إلى البدء ب ” الفردي قبل الجماعي ” و سيكون حكم الناقد وجود تناقض بين أول الفقرة و آخرها ، و حتى تنتظم الأمور فقد يكون الاقتراح قلب أول الفقرة ليصبح “البدء بالجزئي قبل الكلي” مع بقاء آخر القفرة كما هو أو يكون الاقتراح قلب آخر الفقرة ليصبح “الجماعي قبل الفردي” مع بقاء أول الفقرة كما هو . ما هو الأصح يا ترى : بقاء الفقرة كما هي أم تعديل أول الفقرة أم تعديل آخر الفقرة ؟
    في رأيي المتواضع أن الأصح تعديل أخر الفقرة لأن نفس الآية الكريمة محلَ الاستشهاد تتحدث – إلى جانب البصيرة – عن مفهوم الجماعة بقوله تعالى (أنا و من اتبعني) و باستعراض السيرة النبوية الكريمة نجد أن التركيز كان على بناء الجماعة التي تقوم بعمل جماعي متسق لتؤثر في الجماعة الأكبر منها ، أي المجتمع ، من أجل إحداث التغيير المطلوب . في خطوة بناء الجماعة ، كان رسول الله صلى الله عليه و سلَم ، يسعى لكسب نوعي لا كمَي ” أي لم يكن يريد في البداية تكثير عدد الأفراد بشكل كبير لأن هذا التكثير كانت سلبياته أكثر من إيجابياته ” . هذا الرسول الكريم – الذي علَمه الله جلَت قدرته فعلَمنا – أنتج خلال 23 عاماً من مكوثه في مكة المكرمة عدداً قليلاً من الرجال – ربما أقل من 100 – لكنهم كانوا صفوة الصفوة يستطيع أي واحد منهم القيام بالأعباء و بالمهمات الصعبة أي كانوا رجال دولة بمعنى الكلمة و صدقوا ما عاهدوا الله عليه في الدعوة إلى الله و في نصرة الحق و بذل الغالي و النفيس في ذلك رضوان الله عليهم.
    ثم إن الله عزَ و جلَ أخبر الرسول الكريم فأخبرنا في سورة النصر “المدنية” أن دخول الناس أفواجاً في دين الله لا يكون إلا بعد مجيء نصر الله و الفتح و ليس قبلهما .

  2. عفواً يوجد خطأ في قولي ( أنتج خلال 23 عاماً من مكوثه في مكة المكرمة) و الصحيح ( أنتج خلال 13 عاماً من مكوثه في مكة المكرمة) . أرجو المعذرة من القراء الكرام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى