صحافة

كيف يستفيد النظام السوري من المساعدات الإنسانية؟

عن الصحافة الألمانية. ترجمة: أسماء شلاش

(800 ألف لاجئ سوري في ألمانيا.. والحكومة الجديدة لا تبدي اهتماماً تجاه سورية)

لا يوجد صراع عالمي ألقى بظلاله على جمهورية ألمانيا الاتحادية بقدر- مايسميه الكاتب- (الحرب الأهلية السورية). فأزمة اللاجئين قسمت البلاد حتى يومنا هذا بين رافض ومؤيد – ولا يزال حوالي 800 ألف سوري يعيشون في ألمانيا. وبناء على ذلك، فإن استراتيجية الحكومة الألمانية الجديدة في سوريا  تبدو مقلقة حتى الآن.

كيف يستفيد النظام السوري من المساعدات الإنسانية؟ 

الحيلة بسيطة.  كل دولار يتقاضاه النظام السوري من الخارج يقابله بسعر صرف منخفض هو من يقوم بتحديده. وهناك ضعف أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في السوق السوداء. وهنا يقوم النظام بنهب أو اقتطاع “الفرق” لصالحه. وبهذه الطريقة، اقتطعت حكومة  بشار الأسد 51 سنتاً من كل دولار أمريكي من المساعدات عام 2020.  وتمكّن المصرف المركزي السوري وحده حتى الآن من توفير 60 مليون دولار.  في المجموع ، يقال إن ما لا يقل عن 100 مليون قد اختفوا من المساعدات.  هذا ما كشفه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بواشنطن.

الحكومة السورية في حاجة ماسة إلى المال خاصة بعد العقوبات الأمريكية والتي أثرت بشدة على التجارة الخارجية.  لقد قام النظام بالفعل ب “تأميم” عدد من الشركات الخاصة دفعة واحدة, كما أنه وجد في تجارة المخدرات مصدراً للمال بعد أن دخل بقوة فيها وبشكل مباشر.  ووكذلك مساعدات الأمم المتحدة – التي نتحدث عنها في المقال- هي دخل مباشر ومربح نسبياً للنظام.

(العسل من المساعدات)

(يسمي الكاتب استفادة النظام السوري من المساعدات الإنسانية بالعسل)

.يقول كارستن ويلاند( كاتب سياسي): “كل شيء له نظام”. بما في ذلك استفادة الأنظمة الديكتاتورية من المساعدات الإنسانية ويصف ذلك في كتابه “معضلات المساعدات الإنسانية من الأنظمة الاستبدادية” فيقول: “النظام لديه طريقة ذكية لاستخراج العسل من المساعدات الدولية”.  فبموجب القانون الدولي، من المعتاد أن تعمل منظمات الأمم المتحدة مع الحكومات, كتلك التي في دمشق.  يقول ويلاند: ” لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو, ما إذا كان  ذلك بالفعل مناسباً عندما تكون الدولة مسؤولة عن الكارثة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كالنظام السوري”.

أودت (الحرب الأهلية السورية) حتى الآن بحياة 500 ألف شخص.  نصف البلادد لاتزال في حالة خراب.  يعيش اثنا عشر مليون سوري في الخارج, و 6.2 مليون نازح داخلياً.  90 في المئة من السكان يعيشون في حالة فقر.  وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصفهم لن يحصلوا على ما يكفي من الغذاء أو الطعام بدون الدعم أو المساعدات.  يعتبر نظام الأسد ، أحد المسببين الرئيسيين للوضع المأساوي في سورية، ورغم ذلك يكسب الآن المال من الدمار الذي تسبب به بفضل نظام المساعدات الدولية التي ترسل عن طريقه.

ومن الموارد أو المساعدات التي تم إساءة استخدامها (الأموال الألمانية). فألمانيا هي ثاني أكبر دولة مانحة في سوريا بعد الولايات المتحدة الأمريكية.  منذ عام 2018 ، دفعت الحكومة الفيدرالية ما مجموعه 595 مليون يورو لبرامج الأمم المتحدة. أموال هذه المساعدات يتم التعامل مع غالبيتها عن طريق النظام في دمشق ، كما كشف مسؤول في البوندستاغ في يوليو الماضي هذا العام، تعهدت الحكومة الفيدرالية بمبلغ مجموعه 1.7 مليار يورو لتزويد السكان المدنيين. أكثر من120 مليون يورو من العام السابق.  فهل ستسمح وزيرة الخارجية الجديدة ( عن حزب الخضر) أنالينا بربوك والمستشار الاتحادي أولاف شولتز استمرار أموال الضرائب الألمانية في تمويل نظام الظلم للرئيس الأسد؟

هناك جملة واحدة فقط بهذا الخصوص جاءت في اتفاق الائتلاف الحكومي: تريد الحكومة الجديدة “احتواء الكارثة الإنسانية ومواصلة المساعدات الإنسانية على مستوى عالٍ”.  هذا كثير بالنسبة لألمانيا.!  يعيش الآن أكثر من 800000 لاجئ سوري في الجمهورية الاتحادية. وحتى الآن ، اتبعت ألمانيا هدفاً واضحاً من خلال مدفوعاتها.  قال مايكل براند المتحدث باسم سياسة حقوق الإنسان للمجموعة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بعد مؤتمر المانحين لسوريا في مارس, آذار: “بدلاً من تشجيع الهجرة إلى بلدان أخرى ، فإنهم يمكّنون الناس من البقاء على مقربة من منازلهم”.

 ينفي بسام القوتلي ذلك قائلاً بأن المساعدات الإنسانية للداخل السوري لن تمنع الهجرة.  بسام القوتلي يعمل في تركيا مع منظمات غير حكومية في قطاع المساعدات السورية منذ 2013. ويضيف:” من المؤكد أن الناس في مخيمات اللاجئين ليسوا أكثر سعادة لأنهم يحصلون على المساعدة ويعتمدون عليها. هذا لا يقلل من رغبتهم في الهجرة “.

كلما عزز الأسد حكمه الوحشي من خلال أموال المساعدات، زاد احتمال عودة اللاجئين الذين يعيشون بالفعل في ألمانيا إلى ديارهم.  بالنسبة للعديد من اللاجئين، لاينتظرهم من تلك العودة سوى السجن والتعذيب.

“دفع مساعدات لمنع الناس من الفرار” ، ينتقد توماس أوستن ساكن هذا التبرير ، وهو المدير الإداري لمنظمة الإغاثة wadi e.v ، التي تنشط في الشرق الأوسط منذ 30 عاماً. “يمكننا التحدث عن بيع “صكوك الغفران”. -بمعنى- رسوم مالية،  مقابل أن ينعم المرء في السلام والهدوء من اللاجئين. ويستغرب, كيف  تحولت الازمة السياسية الى مساعدات إنسانية فقط “.                                                         وفي رأيه ، أمام الحكومة الفيدرالية الجديدة خيارات قليلة في سوريا.  من ناحية أخرى، فإن هياكل أعمال المساعدات الدولية بشكل عام متراجعة للغاية ، كما يقول أوستن ساكن ، الذي كان ينتقد القطاع من الداخل لسنوات عديدة.  “لسوء الحظ ، هذا نظام فاسد إلى حد كبير يعتمد على مستويات متعددة من التبعيات ويفتقر إلى الشفافية والنزاهة, بالنسبة للأسد فإن المساعدة هي رأس مال لا يريد أن يفوته “.

دعوة أخرى أطلقها  قسطنطين ويتشل، منسق مشروع Welthungerhilfe في تركيا ، دعا فيها أيضاً إلى إعادة التفكير بنظام المساعدات: “يجب على الحكومة الفيدرالية أن تقوم بتحويل الأموال مع المانحين الإنسانيين الآخرين”. هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع سوء استخدام الأموال للمحتاجين.

وإذا لم يحدث ذلك ، فسوف تستمر منظمة Welthungerhilfe في عدم العمل في ظل نظام الأسد.  يقتصر نشاط التنظيم حالياً على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة.  المنطقة الواقعة في شمال غرب البلاد هي آخر معقل (للمسلحين) في سوريا ويحكمها (إسلاميون متطرفون).  يعيش هناك ثلاثة ملايين شخص، اضطر الكثير منهم إلى الفرار عدة مرات خلال (الحرب الأهلية).

إذا لم تعمل الحكومة الألمانية على إصلاح نظام المساعدة، فقد يوسع النظام السوري قريبًا وصوله ويكون المؤسسة الوحيدة التي يتم من خلالها معالجة جميع مساعدات الأمم المتحدة.  لا يزال المعبر الحدودي إلى تركيا مفتوحاً ويمكن التسليم من خلاله.  لكنه يمكن أن يغلق قريباً.  روسيا ، الحليف المهم للأسد ، عليها فقط استخدام حق النقض ضد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

يقال, إن اثنين من الاختبارات قد تم إجراؤها بالفعل هذا العام.  النظام قام بنقل مساعدات الإغاثة الأممية من دمشق إلى إدلب براً.  بالنسبة للنظام ، سيكون هذا الطريق بمثابة دخل إضافي مربح ووسيلة للضغط السياسي على المتمردين المكروهين بالنسبة له..

كاتب المقال: Alfred Hackensberger 

صحيفة” “Welt

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى