مقالات

أنور رسلان.. وقارئة الفنجان

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

بعد محاكمة استمرت لعامين،وجلسات بلغت ١٠٨ جلسة لقرارٍ استمرت تلاوته لأكثر من خمس ساعات متواصلة، أصدرت المحكمة الإقليمية العليا بمدينة كوبلنز اليوم 13 كانون الثاني
قرارها بإدانة أنور رسلان (58) العقيد السابق في مخابرات النظام، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في ارتكاب جرائم حرب،وجرائم ضد الإنسانية قام بها نظام أسد، في القضية التي عُرفت باسم “فرع الخطيب”نسبة للفرع الذي عمل أنور رسلان فيه رئيسًاللتحقيق،وقد تضمنت التهم التي أدين فيها إشرافه وبشكل مباشر على مقتل 58 شخصا،وتعذيب الآلاف أثناء خدمته في الفرع ٢٥١ لدى إدارة المخابرات العامة في العاصمة دمشق.
جلسات محاكمة رسلان ال108 جلسة استمعت المحكمة خلالها إلى ما يربو على 100شاهد ومدعي من رجال ونساء ممن نجوا من الموت، ومنشقين عن النظام جاؤوا من أنحاء أوربا ليدلوا بشهاداتهم. وتضمنت شهادات الشهود التعذيب الذي تعرضوا له على أيدي عناصر فرع الخطيب تحت إشراف أنور رسلان شخصيا، ووصف الشهود حجم التعذيب والتنكيل الذي تعرضوا خلاله بأشكال لاتخطر على قلب بشر واحتجازهم بزنازين لاتصلح حتى للفئران إضافة إلى عمليات الاغتصاب والانتهاك الجنسي.

المحكمة وضعت يدها على قضية”فرع الخطيب” ومحاكمة أنور رسلان بموجب المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة الأشخاص في دول كألمانيا على جرائم ضد الإنسانية ارتكبوها حتى لو كانت أماكن وقوع الجرائم المرتكبة في دول أخرى.

القاضية التي نطقت بالحكم سردت وبإسهاب وقائع التهم التي نسبت لمجرم الحرب أنور رسلان فقد جرمته ب٢٧ حالة قتل مباشر،وقضيتي اغتصاب، وأربعة عشر حالة سلب حرية، وغيرها فقد سردت القاضية مصدرة القرار أسماء الشهود والمدعين الذين شاركوا بهذه المحاكمة.

القاضية مصدرة القرار لم تتحدث عن جرائم أنور رسلان فحسب بل قرارها جاء شاملا أيضا للمنظومة المخابراتية التي تعمل عليها الأجهزة الأمنية في نظام أسد،وكيف تعاملت هذه الأجهزة مع المظاهرات منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011،وسردت وبشكل مفصل طريقة تغول وتنمر قوات النظام على أطفال درعا،واعتقال الأطفال فيها وأتت على ذكر المجازر التي تعرض لها المتظاهرين والمنهجية التي اتبعها النظام في مواجهة الشعب.

محاكمة المجرم أنور رسلان لم تكن محاكمة شخصية له فحسب بل محاكمة لنظام قتل وشرد واغتصب وانتهك مالم ينتهكه طغاة العالم مجتمعين على مدى عصور ناسفا بأبسط مبسّطات حقوق الإنسان ليس فقط بسني الثورة بل منذ اغتصاب الأسد.الأب للسلطة في السبيعينيات من القرن المنصرم وحتى اليوم.

قرار محكمة كبولنز اليوم ذو أهمية كبيرة وتمثل حدثا استثنائيا لمسار الثورة،ومنعطفا خطيرا ومهما للمزاج الأوروبي والغربي على حد سواء،فأهمية قرار المحكمة اليوم كونه الأول من نوعه لمحاكمة ضابط سابق في نظام أسد وتمتد أهميته أن المحكمةالألمانية العليا بولايو كوبلز تمثل القضاء الأوروبي الذي يعرف عنه نزاهته وضمانات عدالته وما يمثله من مصداقية لاتشوبها شائبة في الأحكام الذي تصدر عنه،والتي تعتبر عنوانًا للحقيقة في الأحكام التي تصدرها، فالقضية التي نطقت بها القاضية اليوم لاتمثل جريمة ارتكبها شخص أو عدة أشخاص كأي جريمة من الجرائم التي نسمع عنها بل تعتبر القضية وحكم المحكمة تجريم لنظام كامل بمؤساساته وأجهزته الأمنية التي تحكم بالحديد وبالنار على كل من يخالفها الرأي، المثير في حكم المحكمة اليوم أنها حاكمت نظاما وجرمته وحكمت عليه من خلال حكمها على المجرم أنور رسلان الذي يعتبر مجرد مجرم صغير أمام عتاة المجرمين الذين يعملون تحت إمرة النظام، فأنور رسلان وبقية جلاوزة النظام وزبانيته لا يحركون ساكنا ولا يسكنون متحركا إلا من خلال أوامر تأتيهم من خلال المنظومة الأمنية المجرمة التي يأتي على يرأسها بشار أسد رأس النظام.

أهمية وخطورة القرار كذلك تتمثل بأن المحكمة مصدرة القرار استأنست واعتمدت على صور ملف “قيصر”في القضية التي أصدرت قرارها فيها فقد عرضت المحكمة صورا من هذا الملف للضحايا الذين وثقهم قيصر والطرق الوحشية لمعاملتهم وتعرضهم لشتى صنوف التعذيب وللمقابر الجماعية التي كانت تطمر فيها الجثث.

محاكمة اليوم تمثل محاكمة وإدانة لعصابة عمِل لديها أنور رسلان بهيكلية منظومة إجرامية معقدة التركيب الذي لاتخطئها عين لتأتي هذه المحاكمة وهذا القرار ليضيف فضيحة أخرى للنظام وجلاوزته وجلادي الشعب السوري وتكشف سوأته وعورته أمام العالم، و لتشرح ولتبين هذه المحكمة ما الذي جرى في سوريا من انتهاكات ومجازر منذ انطلاقة الثورة السورية المباركة وحتى اليوم كاشفة ماالذي حدث للمعتقلين وقتذاك ومالذي يحدث ويدور لمئات الالآف من المعتقلين في معتقلاتهم وزنازينهم اليوم.

لاريب أن هذه القضية وهذا الحكم جاء في زمانه ومكانه نظرا لما يدور من أحاديث عن نية بعض الدول للتطبيع مع النظام سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه الحديث عن نية البعض الدول وخاصة العربية عن نيتهالمحاولات تأهيله،وعودته للجامعة العربية،وشغله لمقعد سوريا في القمة العربية التي من المزمع أن تجري في الجزائر في آذار المقبل.

قرار المحكمة خطوة في طريق طويل وفي الاتجاه الصحيح لمحاكمة نظام أسد ورموزه،وأركانه، ومجرميه،وهي خطوة لاشك محمودة لجميع من تلطخت آياديهم بدم الشعب السوري البريىء، وهي رسالة لكل من يحاول تعويم وإعادة تأهيل هذا النظام المجرم وإغلاق الأبواب أمام محاولات المحاولون لتبرأته من الجرائم التي ارتكبها، وهذه رسالة لضباط الأسد وأزلامه أن من وطأت قدماه أوربا فسيكون مصيره كمصير المجرم أنور رسلان، أما من لم يسعفه حظه للمغادرة فسيكون أمام أمرين اثنين لا ثالث لهما أولاهما: إما أن يُقتل بظروف غامضة كالتي عودنا عليه النظام تحت مسميات كثيرة مثل ” كورونا، أو ذبحة قلبية، أو حادث مروري أو.. أو.. إلخ.. كماجرت عليه عادة النظام بالتخلص من أدواته التي خدمته في مرحلة ما، أما ثانيهما فسيكون مصير من نجامن جلاوزة النظام والمجرمين من الظروف الغامضة التي يتعرضون لها سيكون بانتظاره الشعب الحر انتقاما لما اقترفت أياديهم ففي كلا الحالتين سيكون مصير هؤلاء المجرمين الموت، وكما قال نزار في قصيدته قارئة الفنجان” يا ولدي مفقود مفقود مفقوود …
اليوم يقبع أنور رسلان في السجن مدى الحياة بما كسبت يداه ليذوق وبال أمره، في وقت كان حلما راود من قتلهم هذا المجرم أن يقبعوا مدى الحياة في سجون النظام على أن يموتوا على أمل ألا يكونوا سببا لألام وأوجاع من ينتظرهم من أحباب.

قرار محكمة كوبلنز بإدانة المجرم أنور رسلان فتح الباب على مصراعيه أمام محاكمات أخرى لمجرمين أشباه المجرم أنور رسلان ففي الأيام القليلة القادمة ستنطلق في مدينة فرانكفورت الألمانية محاكمة أخرى على صلة وثيقة بنظام أسد في قضية طبيب سوري متهم بتعذيب وقتل معتقلين أثناء عمله في مشفى حمص العسكري قبل لجوئه إلى ألمانيا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كنت أتمنى أن تتم محاكمة أكابر المجرمين من أمثال الهالك قاسم سليماني الذي قتلوه من أجل دفن الأسرار التي كانت عنده ، و هي أسرار جرائم فظيعة جرى ارتكابها في سوريا و العراق بأوامر و بتحريض منه مقابل مليارات الدولارات التي قبضها و التي تزيد عن ثروة خامنئي البالغة 195 مليار دولار . انتهى المطاف بملياراته في بنوك أمريكا حيث تعيش ابنته هناك ، فلا هو استفاد منها و لا شعوب إيران ستستفيد منها لأنها ببساطة ذهبت للثقب الأسود في البلد الذي لا يشبع (كما يقول بعض الأوروبيين العارفين بدهاليز السياسة) .
    طبعاً الكثيرون في سوريا يتمنون اصطياد بشار ابن أنيسة و تقديمه لمحاكمة ، لكن هذا “الأهبل” يوجد من هو أخطر منه مثل الماسوني رفعت الأسد و أشخاص مثل علي مملوك و رؤساء أجهزة المخابرات المتعددة في سوريا و هؤلاء أخطر من السفهاء الذين جرى إبرازهم كقادة في ما تبقى مما كان يسمى “الجيش العربي السوري” . فخامة رئيس سوريا “روبرت فورد” عاد إلى أمريكا ليدير سوريا بالريموت كونترول بتعاون مع الطاقم المخصص لسوريا في مجلس الأمن القومي هناك .
    لن يوجد عدل ما دام “نوري المالكي” حرَاً طليقاً فهو مسئول إلى جانب ضباط من مخابرات إيران و ضباط مخابرات سورية و أمريكية عن صناعة داعش و تمكينها في الموصل و الرقة من أجل تدمير هاتين المدينتين المسلمتين و قتل أهلهما و تهجير جزء كبير من سكانهما بالإضافة لتشويه صورة الإسلام و لتبرير قمع ثورات شعوب العرب .
    في سيناريوهات تطبيع العلاقات مع المتحكمين في العراق و سوريا ، أمر بديهي في السياسة الدولية أن أي طرطور ناطور في أي قطر عربي هو ليس صاحب قرار أو مبادرة . تأتي لأحدهم الأوامر فيقوم بالتنفيذ لا أكثر و لا أقل من دون أدنى اعتراض . من يريد إعادة تسويق “الأهبل” في سوريا هي القيادة العليا للاستعمار الفرعوني و لا يوجد محلل سياسي معتبر في الدنيا لا يعرف ذلك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى