مقالات

حركات التحرر العربية… أكاليل غار،أمْ لعنات عار؟

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

زيارة جبريل رجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح مع وفد من الحركة لدمشق اليوم،ولقائه بفيصل مقداد وزير خارجية النظام جاءت ضمن حملات إعلامية كثيرة قبيل القمة العربية التي ستسضيفها الجزائر العاصمة المزمع انعقادها في آذار المقبل، فقد جاءت هذه الزيارة من مسؤول عال المستوى في حركة فتح في أول زيارة لمسؤول في السلطة الفلسطينية لدمشق منذ سنين عدة.

زيارة رجوب لدمشق تأتي في مرحلة يعلو فيها أصوات من يطالب بعودة النظام لشغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، وتأتي ضمن الجهود التي يبذلها البعض لعودة التطبيع مع النظام في وقت ترفض فيه العديد من الدول العربية عودته لشغل المقعد في الجامعة العربية،وتقف بقوة في وجه من يريد التطبيع معه،ونذكر على رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية التي أوضحت موقفها من هذه المسائل بشكل لايدع مجالا للشك حول موقفها الذي أعلنه منذ فترة عبدالله المعلمي في الكلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة،وهو يناقش حقوق الإنسان في سوريا،وشاهدنا جميعنا وسمعنا الهجوم اللاذع غير المسبوق الذي شنه على النظام،وبه قطعت السعودية الشك بيقينٍ، فماقاله عبدالله المعلمي جاء لوضع حدٍ لكل من راهن ويراهن على موقف السعودية من مسألة التطبيع مع النظام ومسألة عودته للجامعة العربية.

تأتي زيارة رجوب لدمشق وسط ترحيب إسرائيلي بخطوات التطبيع التي قامت بها الإمارات وبعض دول الخليج لتطبيع علاقاتها مع نظام أسد خطوات اعتبرتها إسرائيل ضرورية لإبعاد إيران عن سوريا حسب وجهة النظر الإسرائيلية،فقد نقلت صحيفة”يديعوت أحرنوت”عن مسؤول إسرائيلي رفيع لم تكشف عن اسمه قوله:” إن إسرائيل تنظر بإيجابية إلى التقارب الأخير بين سورياودول الخليج”.
لا يخفى على أحد أن حركة فتح لها قنوات اتصال سرية مع إسرائيل في الماضي وعلنية الآن وربما تكون زيارةرجوب والزيارة التي سيقوم بها محمود عباس لدمشق لاحقا تأتي لتصب في هذا الاتجاه،اتجاه عين الرضا والإرتياح لهذه الخطوات لا بل من الممكن جدا أن تكون هذه الزيارات مبرمجة ومتفق عليها بين فتح وإسرائيل.

زيارة رجوب ولقائه بوزير خارجية النظام والتي سيعقبها لقائه برأس النظام جاء ليحمل رسالة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي عبّر عن نيته زيارة دمشق في الأيام القليلة القادمة، فكلا الزيارتين سواء أكانت زيارة رجوب أو محمود عباس ستصب في الجهود التي يبذلها البعض من الأنظمة الرسمية العربية للتطبيع مع النظام ما يؤكد هذا التصريح الذي أدلى به جبريل اليوم بأن وجود سوريا خارج الجامعة العربية عار على جميع العرب حسب قوله.
المدهش بزيارة جبريل رجوب لدمشق أنه توجها باحتفالية في مخيم اليرموك وذلك بمناسبةمرور52 عاما على انطلاقة وتأسيس حركة فتح.

حركة فتح ربما سبقت حركة سماح بخطوات في هذا الاتجاه فهي أي- حماس- حتى اللحظة لم تقم بمثل هذه الزيارات مكتفية بتصريحات أزعجت وتزعج كل من هو عربي،وذلك في معرض تأييدها لإيران في العديد من المناسبات، فهذا محمود الزهار منذ أيام وبمناسبة مرور عامان على مقتل قاسم سليماني وصف في خطاب له أنّ كل من فرح بمقتل سليماني هم من” شواذ الأمة” وقبله بعامان وبمناسبة تأبين قاسم سليماني في طهران وصف اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وصف قاسم سليماني ورددها ثلاثًا ” بأنه “شهيد الأقصى، ،شهيد الأقصى، شهيد الأقصى”.

الحركتان فتح وحماس تتنافاسان فيما بينهما للتقرب من كل من أوغل بدماء الشعب السوري، فرجوب اليوم بزيارته لدمشق تنكر ويتنكر لكل دماء السوريين التي أرهقت على مذبح الحرية طيلة عشر سنوات في وقت يدعي وسلطة رام الله أنهم طلاب حرية لفلسطين! .الأمر لم يتوقف عند هذا فقد أقام رجوب احتفالية انطلاق حركة فتح في مخيم اليرموك الذي جعله النظام أثرا بعد عين،وقتل نظام أسد من الفلسطينيين فيه مايزيد عن الأربعة آلاف فلسطيني وقام بنبش القبور للبحث عن رفات جنود إسرائيليين لإرسالهم إلى مشغلته إسرائيل لترضى عنه، ليأتي رجوب هذا ويطأ على جماجم وأجساد من استشهد في المخيم من فلسطينيين وسوريين،ثم يأتي ويقول أن ” وجود النظام خارج الجامعة العربية عار على العرب!!.

إسرائيل ومنذ قيامها عام 1948 وحتى اللحظة لم تقم بما قام به نظام أسد من قتل وتهجير،واغتصاب
،واعتقال،وتشريد للشعب السوري وجعله نازحا في أراضي سوريا،ولاجئا في دول الجوار والعالم ولاننسى الأسلحة الكيماوية،وغيرها من براميل متفجرة جاءت على رؤوس البشر ، ومن استخدامه لأسلحة ما حرِّم منها وما لم يحرم، ثم يأتي رجوب ليقول أنه من العار على العرب أن يبقى نظام أسد خارج الجامعة العربية،فمفهوم العار ومعاييره عنده وممن سيلحق به مفاهيم ومعايير مغلوطة جعلته لا يعرف على من تُطلق،فأحرار العالم وشرفائه يعرفون جيدا من الذي سيوصم بالعار، فنظام أسد ليس عار على العرب بل عار على الإنسانية ومن المعيب بل من العار أن يُتعامل معه على أنه من البشر لماسبق ذكره، فجبريل رجوب يرى أن من فعل كل هذه الأفاعيل بشعبه التي لم يفعلها طغاة العالم مجتمعين ليس بشعوبهم التي ينسبون إليها بل حتى لم يفعله محتل ببلد احتله،فهو يرى في نظام أسد أنه يستحق على جرائمه التي اقترفها بحق السوريين والفلسطنيين وبكل ماهو عربي أن يوضع على رأسه بدل لعنات العار التي يستحقها أكاليل غار!.

المفارقة هنا أن حركتا حماس وفتح بأفعالهما،وبأقوالهما لايسيئآن إلى الشعب السوري ،بل بالدرجة الأولى يسيئان إلى تضحيات الشعب الفلسطيني البطل التي ضحى ولازال يضحي بكل غال و نفيس لنيل حريته على أرضه،فحماس وفتح وهما تدعيان أنهما تقف في وجه العدو الإسرائيلي حري بها أن تقف في وجه من فعل أكثر بكيير مما فعلته إسرائيل بالفلسطينيبن أنفسهم وهو نظام أسد الذي يشكل عار وألف عار على كل من يقف إلى جانبه ويناصره ولو بشطر كلمة، فمن لم يناصر الثورة السورية ولو بكلمة لايستحق أن نطلق عليه ثائر أو حر ،البعض من الفصائل الفلسطينية لم تكتفي بعدم مناصرة السوريين بل جندت عناصرها كلواء القدس وقوات الجليل” حركة شباب العودة الفلسطينية”وغيرها من الذين وقفوا بوجه الثورة الثورة السورية واختاروا ليكونوا ظهيرا للنظام و رأس حربة في قتل الشعب السوري وزيادة أوجاعه، وآلامه فهل ينتظر جبريل رجوب ورفقاه أن يقف العرب والسوريين مستقبلا ومعهم أحرار العالم أن يقفوا معهم ضد قاتلتهم إسرائيل؟؟

حركة فتح ومعها حماس ذرية بعضها من بعض في تصرفاتهما وتصريحاتهما فهما يظنان أن لهما من أسباب القوة ما يجعلهما ذواتا تأثير في محيطها العربي في حين أن الحقيقة على أنهما ليسا على شيىء، وهما لا يعدوان أنهما منفعلين وليسا بفاعلين حتى في قضيتهما القضية الفلسطينية فما بالك في قضايا عربية أخرى كالقضية السورية التي بات اللاعبون فيها هم لاعبون لدول إقليمية ودولية هم من يقرر ما الذي يجب فعله وما الذي لا يجب فعله.

حركات التحرر العربية باتت تعصف فيها الأهواء والأنواء وبات من يتصدر المشهد فيها أبعد مايكون عن التحرر ومبادىء التحرر التي ذهبت مع الذين ذهبوا وباتت هذه الحركات مجرد حركات لبهلوانات باتت تنقصها الثوابت الوطنية، والقومية، والإسلامية، فقد أثبتت هذه الحركات بدليل قاطع وببرهان ساطع أنها حركات فقط لتثبيت بقاءهم في السلطة حتى ولو كانت هذا السلطة هزيلة، ضعيفة،مخترقة ،كسلطة حركة فتح في رام الله وكسلطة حماس في غزة..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سبق أن كتب الستاذ طعان خليل ،على موقع الرسالة:”ونظرة سريعة إلى تلك النتائج تُرينا مدى عقم وفشل تلك النظرية، أي نظرية “تقاطع المصالح” ووضعها في غير موضعها. ففي أفغانستان كان العمل “الجهادي” أداة بيد أمريكا في وجه الاتحاد السوفييتي، وكانت نظرية تقاطع المصالح منتجة سيطرة أمريكية على أفغانستان بدل سيطرة الاتحاد السوفييتي. وفي سوريا بررت الفصائل المسلحة تلقيها الدعم المادي من تركيا وقطر والسعودية ودول أخرى بتقاطع المصالح مع تلك الدول، ثم تبين أن تلك الفصائل مجرد أدوات بيد الدول الداعمة التي رفعت الغطاء عن تلك الفصائل وأَمَرَتْها بالانسحاب من كثير من المناطق التي كانت تسيطر عليها، وانتهى أمر الفصائل بشكل شبه كامل إلا تلك الموجودة في إدلب بسبب أن دورها لما ينته بعد، وفي ليبيا حصل ما يشبه الذي جرى في سوريا، وهكذا حصد أيضا أهل فلسطين بيع بلادهم بعد أن تاجرت فيهم وفي تضحياتهم تنظيمات مسلحة بررت العلاقة مع الدول التي دعمتها بالمال والسلاح بتقاطع مصالح وما كان تقاطع مصالح ولكن خدمة مصالح وأجندات الدول الداعمة.” https://resalapost.com/2021/03/19/تقاطع-مصالح-أم-خدمة-مصالح؟/ ما لم ينطلق العمل “التحرري” من زاوية مستقلة عن نواطير سايكس بيكو، فسينتهي في الحفاظ على الحظيرة، و تمتين أسوارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى