مقالات

بين الغاز الروسي والدم السوري.. من يوقف شهية القتل الروسية..؟

أسماء شلاش

كاتبة سورية
عرض مقالات الكاتب

يجب ألا تكون ذاكرتنا معطلة أو مثقوبة لمجرد تصريح استهلاكي جاء ضمن تصفية حسابات روسيا مع الغرب والتي تشهد توتراً متصاعداً. ( الإساءة للنبي محمد ليست حرية تعبير)، هذا نعلمه جيداً يا سيد بوتين، وما نعلمه أكثر أن سجل جرائمكم بحق البلدان المسلمة لا تسعه ذاكرة، كذلك في ذاكرتنا صورة بطريرك الأرثوذكس الروسي، كيريل الأول وهو يبارك دخول قوات بلاده إلى سوريا لقتل السوريين. كيف ننسى؟ منذ زمن القياصرة حتى عهد بوتين.. كانت روسيا ولاتزال.. طريق الدم.. والسلطة( المافيوية)..
بوتين مجرم حرب الشيشان ضحيته مليون شيشاني بين قتيل ومشرد ومفقود وأسير.. هو اليوم كما الأمس، مجرم الحرب في سورية.. وبالدم وحده تسلق سلم السلطة. رجل المخابرات الحاذق الذي يهندس ( الأزمة والتدخل). هو الذي فجر موسكو لأجل تبرير حربه على الشيشان..!
وكما في الشيشان، هو الحال في سورية.. شهية روسيا للقتل والدم لم تتوقف يوماً. اليوم بوتين وهناك كان بوتين وجيشه، وذلك التعطش للدم.. الأرض المحروقة.. القتل الجماعي.. تدمير البنية التحتية..
ولم تتوقف روسيا عن ممارسة الانتهاكات حتى في عصر من المفترض أن تنتهي فيه الحروب المباشرة قليلاً، أن ينتهي طحن الشعوب وانهاكها بالحروب وتجريب الأسلحة. ونعول عليه كعصر تحضَّر قليلاً، لكن الحال نحو انحدار..!
آنذاك صور التنكيل بالشعب الشيشاني التي تجاوزت حدود التوحش لم تحرك ضمير الغرب، كما لم تحركه جرائم روسيا في سورية، بل إن أهم أسباب استمرار تلك الهمجية هو صمت الغرب(الأوروبي) الذي لم يسكت فحسب، بل دعمها، وقال وقتها المستشار الألماني شرودر: (بالنسبة إلينا فإن التضامن مع روسيا ورئيسها في الحرب ضد الإرهاب أمر بديهي).
أما اليوم ما يزال السؤال كما الأمس: من يوقف وحشية روسيا.. ؟ من يوقفها في سورية؟
العالم لن يقدم إجابات, ولا حلول تلوح في الأفق. فكما أدت الهمجية الروسية لسحق ما يقارب مليون شيشاني, وصمتوا على ذلك. ها هم يكررون إثم الصمت في سورية بل التواطؤ . ولم يكتفوا بذلك بل صار الجسد السوري سلعة للعرض والطلب في مزادات السياسيين.. وعندما يُجرَّب عليه كل أنواع الموت.. كل أنواع السلاح الروسي.. سنعرف أن بموازاة مأساتنا تقبع مأساة أخرى أكثر عمقاً, هي مأساة الإنسان نفسه والصراع بين المصلحة وحقوق الإنسان.. بات واضحا -والأزمة السورية خير مقياس- أن الدول الكبرى لايهمها دم السوريين إنْ زاد أو نقص. المهم أنهم يتحفوننا بالشعارات والتنديدات علناً، وخلف الستار هناك كلام أخر مختلف تماماً . حتى في أزمة روسيا – الحالية- مع الغرب سنجد أنفسنا كسوريين في دائرة المساومات والصمت..
صَمَت الأوربيون على إجرام روسيا في سورية وكل شيء حدث أمام أعينهم، فجعلها ذلك تتمادى و تتصرف بعقلية الدولة العظمى المارقة، فمرحلة ما بعد الحرب الباردة انتهت، و روسيا لم تعد تلك المهزوزة المنهكة التي تصغي فقط . ففي ذلك الوقت صلاحيات تماديها تقلصت بعد تقليم أظافرها بانهيار الاتحاد.. اليوم يختلف كل شيء. روسيا تكاد تفعل ما تريد دون حسيب ، فهي تملك عوامل الابتزاز السياسي. وكسوريين، شاء القدر أن يكون لروسيا نصيب من دمنا، والتزم العالم المتحضر صاحب شعارات حقوق الإنسان الصمت حيالنا، فهناك مصالح أهم من ذلك الدم كله. وسائل حالم يسأل: لكنها دول كبرى مؤثرة على الساحة ومطلوب منها أن تحل قضيتنا، على الأقل كي يتوقف تدفق اللاجئين إليها ولا تجد في كل لحظة من يبتزها بهذه الورقة تحديداً، ويهددها بأنه سيغرق القارة الأوروبية باللاجئين، والمخدرات أيضاً؟! وبالمناسبة فإن آخر من هدد أوروبا باللاجئين ونفذ الوعيد هو دكتاتور أوروبا “الوحيد” وحليف روسيا في عمق أوروبا، (لوكاشينكو).الذي هدد ونفذ وجلب اللاجئين، ولسنا ندري إن كانت شحنات المخدرات تلك التي قيل إنها وصلت أوروبا قد وصلت عن طريقه قادمة من النظام السوري أم لا..؟! فهو كما كلف خاطره وجلب مهاجرين من مناطق النظام ثم أعادهم إليه محملين على طائرات رامي مخلوف، فلا بدَّ أن يفعل ذاك أيضاً. جرَّبت روسيا كل أنواع الأسلحة على أجساد السوريين ولم تحرك أوروبا ساكناً بسبب مصالحها مع موسكو . قصفت المدارس والبيوت والمخيمات والمشافي ولاذ سياسيو أوروبا بالصمت المطبق . وطالما كانت المأساة السورية مقياساً للضمير السياسي والإنساني، لكن الكل فشل بالامتحان . اليوم تقف روسيا على أعتاب أوروبا مهددة وبصوت أعلى من السابق، ولدى روسيا كل الأوراق التي تبتز بها أوروبا. استطاعت روسيا -والتي انكرت ذلك- أن تقلل ضخ الغاز إلى أوروبا وتوصل أسعار الغاز لدرجة قياسية في أوروبا وترفع التضخم لحدود عليا لم يسبق لها مثيل منذ عقود. روسيا تتصرف مع أوربا بعقلية “لا شيء تخسره”.. فهل فعلاً رقاب الأوربيين بيدها.. ؟ ربما تعرف جيداً نقاط ضعفهم، وبأن المصلحة والمال فوق اعتبارات حقوق الإنسان.. وأنبوب غازها إلى أوروبا أهم من كل الاعتبارات. وأنابيب أخرى جديدة مثل، ( السيل الشمالي2) الذي دشنته مع الألمان . وترى روسيا أن دولاً أوروبية كثيرة -وخصوصا دول الغرب الأوروبي- تزاود على بعضها لكي تكون أفضل شريك تجاري لها في داخل الاتحاد الأوروبي مقابل عدم التطرق لحقوق الإنسان. لذلك تبالغ في “زعرنتها” وهي واثقة أن أحداً لن يتكلم. كذلك لديها الفيتو في قلب مجلس الأمن الدولي.. وإلى جانب الغاز لديها بعض من بقايا “القطبية الثانية” وإرث الاتحاد السوفياتي والهوى القديم.. لديها السلاح.. وقوة عسكرية تنافس الغرب بقوة وتثير خوفه ورعبه، وفعلت ذلك في أوكرانيا. ومن هذه الدولة تنطلق أبرز نقاط قوتها لإمساك رقاب الأوربيين، فهي لا ترى في أوروبا صاحبة قرار سيادي، لأنها لاتزال تابعة للسياسة الأمريكية ولا تبادر دون إذن واشنطن.. غزت أوكرانيا أمام انظارهم في2014 ومدت جيشها على تخومها، ولها هناك موالين وأنصار تحركهم متى تشاء. استلبت القرم أمام أعينهم. ثم هددت أمنهم بالغاز، بل بالسلاح والغزو.. لها بيلاروسيا ولوكاشينكو الدكتاتور الأوروبي الوحيد الذي زرعته في قلب أوروبا، فهي لاتجلس دون أدوات من هذا القبيل، هي لاتفضل أن تدعم حليفها المستبد القاتل بشار الأسد وسواه بل يجب أن تجعل ديمقراطية أوروبا استثناء وتجعل لها حليفاً هناك، إلى جانب دعم المستبدين وتحريك الأدوات, لديها القرصنة، وهذه ميزة الدول المارقة في أعراف السياسة، والقرصنة لها حكاية أخرى، حيث التدخل في الانتخابات الأمريكية، واختراق البريد الإلكتروني لمستشارة ألمانيا ميركل وكذلك قرصنة ” البوندستاغ” البرلمان الألماني، وصمتت ألمانيا زعيمة أوروبا الاقتصادية.. ونددت بخجل واستمرت بحرصها على علاقاتها مع روسيا. وقال ترامب يوماً وهو المتهم بأنه وصل بكفاح وقرصنة روسية إلى سدة الحكم : (ألمانيا أسيرة عند روسيا، إنها تدفع لها المليارات وتعتمد عليها في توفير الطاقة). ألمانيا رأت في تصريحات ترامب إتهامات باطلة. لكن هل الواقع يطابق أقوال ترامب ذو الأصل الألماني؟ إضافة لذلك دعمت روسيا الأحزاب الشعبوية التي تعادي اللاجئين في ألمانيا، والصحافة الألمانية تعرف هذه الحقيقة جيداً ونشرت وثائق الدعم..
ثم دخلت على الخط بقوة مع حليفها الدكتاتور لوكاشينكو الذي هدد قبل شهور بإغراق أوروبا بالمهاجرين والمخدرات. روسيا ذهبت في” زعرتنتها” بعيداً فهي تدرك أن الرد سيكون كما تتوقع. أما أوروبا فلديها ميزة أن تدين وتثرثر كثيراً عن حقوق الانسان وتحمل عصا الوصاية على الشعوب، وفي أحسن الأحوال تدين روسيا بحذر عندما تتأزم الأمور بينهما، وهي المتأزمة دائماً، لكن أوروبا لاتستغني عن روسيا. تندد قليلاً ثم تعود لعقد الصفقات معها، فأمام بريق المال وسحره تضمحل تماماً نبرات الصوت العالية عن حقوق الإنسان، فهناك في العتمة وجه
آخر قبيح يشبه وجوه المستبدين، فالمال والغاز والمصالح أهم من دماء السوريين، فلا يمكن لأجل عيون السوريين أن ينقطع ذاك ” الرباط” بين روسيا وأوروبا، فالأولى تحتاج إلى تصديره، والثانية مضطرة إلى استيراده، رغم المحاولات العديدة والطويلة للخلاص من هذا الرباط ، فمنذ أمد طويل كانت أوروبا تسعى للاستغناء عن الغاز الروسي والتحول إلى مصادر أخرى للطاقة. لكن كل ذلك فشل.. وبهذا لم تتحرر أوروبا من الغاز الروسي كعامل سياسي ضاغط عليها، والتخلص من تحكم روسيا في الامدادات والتي بالفعل نجحت، و بسبب تقليص الامدادات ووصلت مخزونات الغاز في قارة أوروبا إلى أدنى مستوى خلال عقد و رافق ذلك ارتفاع التضخم والأسعار لمستوى عال. وربما نجحت أن تجعله أهم وسائل ابتزاز الأوروبيين وشراء صمتهم في قضايا كثيرة ملحة كالقضية السورية..
إن من يمتلك السيادة على مصادر الطاقة الموجودة لديه، يتحكم في قراره السياسي وهذا أثبتته العلاقات الدولية، كعلاقة روسيا وأوروبا, والذي جعل روسيا قادرة على ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي سياسياً استناداً إلى ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى