بحوث ودراسات

الحروب واتفاقيات الحدود العراقية الإيرانية وأثرها في العلاقات بين البلدين 14

نزار فاضل السامرائي

عرض مقالات الكاتب


الحدود في العهد العثماني
الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين بلاد فارس والدولة العثمانية (1).
اتفاقية أماسية عام 1555م واتفاقية 1562م
ومعاهدة فرهاد باشا 1590م

في سنة 1554م جهز السلطان سليمان القانوني جيشا آخر وتوجه به نحو الشرق، وأراد سحب الشاه طهماسب إلى معركة فاصلة، ولكن الشاه فضل سحب جيشه وأخذ يطرح فكرة الصلح مع العثمانيين، الذين استجابوا في نهاية المطاف لهذه الدعوة، وتم توقيع اتفاقية (أماسية) عام 1555م، والتي تعد أول معاهدة يتم توقيعها بين الدولتين المتنافستين، وجاء في الأسباب الموجبة لعقد الاتفاقية، أنها عُقدت من أجل ترفيه رعايا الجانبين وإصلاح ذات البين، وتضمنت ثلاث مواد، وهي تخلّي فارس عن قارص وقلعتها للدولة العثمانية، وتحديد حدود شهرزور التي طالت المنازعات من أجلها، وتأمين سلامة الحجاج الإيرانيين.
لم يستمر الصفاء بين الدولتين بعد توقيع اتفاقية أماسية طويلا، فبعد ست سنوات لجأ الأمير بايزيد ابن السلطان سليمان القانوني، إلى شاه إيران طهماسب مع ثلة من الجنود في عام 1559م، ويعود سبب هرب بايزيد إلى أنه كان حاكما على (أماسية)، وأصدر أبوه السلطان سليمان القانوني، قرارا بأن يحل سليم خان حاكم ولاية (قونية) محل بايزيد في حكم (أماسية)، ويحل بايزيد محل سليم خان في حكم (قونية)، وأدى هذا القرار إلى غضب بايزيد، فنشبت الحرب بين حاكمي الولايتين انتصر فيها سليم خان، لأنه تلقى دعما من السلطان سليمان القانوني.
حاول الشاه استغلال وجود الأمير عنده في فرض شروطه ومطالبه على الدولة العثمانية، فطلب إعادة بغداد إلى ممتلكاته، بمقابل إعادة الأمير بايزيد إلى أبيه، ولكن السلطان العثماني رفض ذلك، وبدأ الشاه بتقديم طلبات بديلة، منها تشكيل إمارتين في كربلاء والنجف، وإيداع إدارتهما لأولاده، لكن السلطان العثماني رفض هذا الطلب أيضا، وأخيرا أذعن الشاه وأعاد الأمير بايزيد إلى أبيه سنة 1561م، مقابل موافقة السلطان على الطلب الرابع، الذي كان الشاه قد قدمه للسلطان وهذه هي الشروط الأربعة:-
1- المرور الحر لرعايا الدولة الصفوية في الأراضي العثمانية إلى مكة المكرمة.
2– السماح لشخص أراد الشاه مكوثه في القدس الشريف بقية حياته.
3– تقديم العون للدولة الصفوية في حروبها ضد التركمان والأوزبك.
4 – إعادة الأولاد الأربعة لخان بتليس والذين تمردوا على الشاه والتجأوا إلى بغداد.
وافق السلطان العثماني على الطلب الأخير فقط من المطالب التي تقدم بها الشاه، وذلك عندما وقّع الطرفان معاهدة جديدة في سنة 1562م، ونتيجة لتوقيع تلك المعاهدة استمر الهدوء بين العثمانيين والفرس مرة أخرى ولو لفترة ليست طويلة.
مرت بلاد فارس بعد مقتل الشاه طهماسب الأول سنة 1569م، بحالة طويلة من الفوضى، بعد أن اعتلى أولاده العرش على التوالي، حيدر ميرزا وإسماعيل ميرزا ومحمد ميرزا، ثم ابن محمد ميرزا الشاه عباس، واستغل السلطان العثماني مراد الثالث هذه الفوضى والارتباك التي مرت بها فارس، وسيّر جيشا للتقدم في الدولة الفارسية وتمكن العثمانيون في حركات استمرت حتى عام 1590م من الاستيلاء على مناطق واسعة من البلاد التي كانت واقعة تحت سلطة الدولة الفارسية، وفي نهاية هذه المعارك تم توقيع الصلح بين دولة فارس والدولة العثمانية في العام نفسه، وسميت المعاهدة بمعاهدة فرهاد باشا، وتم الاتفاق فيها على عدم الاستفزاز المتبادل، وفي هذه المعاهدة أضيف إقليم لورستان إلى العراق وأصبح جزءً من ممتلكات الدولة العثمانية.

معاهدة 1611م أو معاهدة نصوح باشا، ومعاهدة 1613 ومعاهدة 1618م

استمرت الأوضاع بين الدولتين العثمانية والفارسية بلا مفاجآت، ومن دون أن تعكرها أحداث كبيرة، فشعرت الدولة العثمانية أن حروبها في أوربا تأخذ مرتبة الأولوية، ولهذا وجهت جيوشها نحو أوربا، وأبقت حدودها مع الدولة الفارسية شبه خالية من القوات، في هذا الوقت كان الشاه عباس، يعيد تنظيم قواته وينتظر الفرصة المواتية لبدء حرب جديدة، من أجل استرداد تبريز ومريوان، وحقق هذا الهدف عام 1602م، لكنه بعد أن لم يجد أمامه قوة تصده، نتيجة انشغال القوات العثمانية في حروب أوربا، فقد تمكن عام 1602م من استعادة تبريز ومريوان ومدن أخرى، كانت القوات العثمانية قد استولت عليها في حروب سابقة، ولم يتوقف الشاه عباس عند هذا الحد، بل واصل تقدمه وفتوحاته، ونجح عام 1603م حتى وصل إلى جوار (وان)، ولم تسكت الدولة العثمانية على هذه العمليات الحربية الواسعة، غير أن الجيش العثماني الذي كان يقوده أحمد باشا، والي شيروانة والذي تقدم بعيدا حتى وصل بحيرة تبريز، لم يواجه جيشا فارسيا، لأن الشاه عباس لم يشأ خوض معركة مع العثمانيين، إلا في الظرف الذي يحدده هو بنفسه، ولهذا أمر قواته بالتراجع أمام العثمانيين، مما شجعهم على تعقب فلول الجيش الفارسي الذي كان يقوده صفر باشا، والذي فاجئ الجيش العثماني بهجوم مباغت أدى إلى هزيمته، ودبت الفوضى بين رجاله، وأضطر للانسحاب إلى منطقة وان، ولكن العثمانيين أعادوا تنظيم قواتهم، واستأنفوا الحرب ضد الصفويين، وتمكنوا من تخريب تبريز.
كان الشاه عباس يراقب الوضع عن كثب، فلما وجد أن العثمانيين متفوقون، أرسل وفدا لطلب الصلح وعقد معاهدة جديدة، على أن تكون المعاهدة التي عقدت بين السلطان سليمان القانوني والشاه طهماسب، أساسا للمعاهدة الجديدة، ولكن العثمانيين أرادوا معاهدة فرهاد باشا أساسا للمعاهدة الجديدة، وبالنتيجة فقد استجابت الدولة العثمانية ووافقت على اقتراح الشاه عباس، وأعادت إلى الدولة الفارسية تبريز وشيروان، مقابل أن يدفع الشاه إلى الدولة العثمانية 200 حمل حرير سنويا، وتم عقد معاهدة عام 1611م والتي سميت بمعاهدة نصوح باشا.
كما هو شأن بلاد في فارس في تحيّن الفرص مع أعدائها، لم تدم اتفاقية نصوح باشا طويلا، فقد نشبت الحرب بين الجانبين مرة أخرى، ولكن تم التوصل إلى صلح جديد بسرعة وتم عقد معاهدة عام 1613م والتي نصت على عدم التدخل من جانب الدولة الفارسية في شؤون العراق.
واندلعت الحرب بعد عامين فقط من توقيع تلك الاتفاقية، إذ بدأت القوات العثمانية حركاتها في بلاد فارس، لأن الشاه عباس لم يلتزم بتأدية ضريبة الحرير ، التي تعهد بتقديمها للدولة العثمانية في الاتفاقيات السابقة، وشارك في الحرب جيش من العراق ووصل إلى نهاوند، وبعد معارك سجال بين الطرفين، تم التوصل إلى اتفاق جديد، وعقدت بعد ذلك معاهدة سراو لسنة 1618م، فالحروب كانت تنشب بدوافع تبدو وكأنها استهتار بأرواح الجنود وسلامة السكان ومدنهم، جراء ما يلحق بها من دمار ناتج عن تلك الحروب، ولعوامل غير مقنعة أحياناً.
ويمكن الاستدلال من كل هذه الحروب بين الدولتين العثمانية والفارسية، على أن معظمها كان يقع لانتزاع السيطرة على العراق من الطرف الاخر، وضمه إلى ممتلكات الطرف البادئ بالحرب، وكأن أرض العراق مالا مشاعا بلا سكان، ولم يكن حتى الأمس القريب دولة قادت العالم القديم، ولكن تم بيع كثير من المدن والأراضي العراقية، بصفقات مقابل أثمان تافهة وأسعار تثير السخرية، ثمن يحصل عليها السلطان العثماني مثل الحرير والذهب مقابل الأرض ومن فوقها، من بشر وثروات وتاريخ موغل بالقدم، وكأن العراق جارية يتبادلها المحتلون فيما بينهم، ولقد انتقلت السيادة على تبريز أو كرمنشاه أو همدان أكثر من مرة بين الدولة العثمانية وبلاد فارس، مقابل أعطيات كان شاه بلاد فارس يدفعها للسلطان العثماني، مما يؤكد أن بلاد فارس كانت على استعداد لدفع كل شيء من أجل السيطرة على الأراضي العراقية وضمها إلى ممتلكاتها.

معاهدة زهاب لسنة 1639م

مع أن معاهدة زهاب لسنة 1639م لم تكن أول معاهدة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية، إلا أنها تستمد أهمية استثنائية، من أن إيران اعترفت بموجبها للمرة الأولى بعائدية العراق للدولة العثمانية بصورة نهائية، وعلى الرغم من أن مثل هذا الاعتراف لا يغير شيئا من السلوك الإيراني تجاه قضية العراق والأطماع به، فقد تكرر لفظ (بصورة نهائية) في معظم الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التي وقعتها بلاد فارس مع الدولة العثمانية حينما كان العراق جزءا منها، أو مع الدولة العراقية المستقلة بعد استقلال العراق عن الدولة العثمانية، إلا أن كلمة نهائية لم تكن أكثر من لفظ من دون مدلول قانوني أو أخلاقي حقيقي لا بالنوايا ولا بالتطبيق، غير أن النص عليها في اتفاقية ثنائية باتت من الوثائق التاريخية المهمة يمثل انجازا قانونيا مهما، ولكن هذا الانجاز لم يكن لصالح العراق وإنما اعتراف فارسي على كراهة وضعف بأن هذا البلد الذي لم يتمكنوا من السيطرة عليه، تبرعوا به لغيرهم.
ويرجع توقيع الاتفاقية كما قلنا إلى أن الشاه عباس نجح في احتلال بغداد بعد فتنة داخلية تمرد فيها قائد قوات بغداد المقدم محمد بكر صوباشي على واليها يوسف باشا، بعد تمرد آخر قاده ضده ضابط من القوات التي بإمرة صوباشي لجأ إلى الوالي بعد فشل تمرده، وعندما طلب من الوالي تسليمه له رفض الوالي ووقعت معركة بين قوات صوباشي التي تتكون من اثني عشر ألف مقاتل والقوات الموالية لوالي بغداد2، ووقعت خسائر كبيرة وكلفت الدولة العثمانية كثيرا في علاقاتها مع الدولة الفارسية، يقول لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، إن سبب الاحتلال الثاني لبغداد بعد مرور سبع وثمانين سنة على فتح سليمان القانوني لها، يجب أن يبحث عنه في الولاية (بغداد) نفسها نتيجة الخيانة3، وعندما طلب صوباشي من السلطان العثماني تعيينه واليا على بغداد رفض الباب العالي هذا الطلب، فما كان من صوباشي إلا أن يراسل الشاه عباس الصفوي فطلب مساعدته في إبعاد العثمانيين عن بغداد وإذا نجح فسيسلمه مفاتيح بغداد ، فما كان من العثمانيين إلا أن عينوا صوباشي واليا على بغداد مقابل أخذ تعهد منه بالبقاء على ولائه للدولة العثمانية، ولكن الشاه عباس الصفوي تقدم في عام 1623م واحتل بغداد كما أرسل قوات أخرى فاستولت على كركوك والموصل، وحصلت بعد ذلك محاولات عثمانية لاسترجاع بغداد ولكنها لم تنجح، ولم يقبل السلطان العثماني بكل محاولات الشاه عباس بتهدئة الأمور بين الدولتين، وأقسم أن يستعيد بغداد من الصفويين، وخلت الساحة للعثمانيين بوفاة الشاه عباس عام 1628م وبدأت الدولة العثمانية بإعداد العدة لاستعادة بغداد مرة أخرى، إذ كانت الامبراطورية تعيش ازدواجية بين قوتها وبقاء بغداد تحت سيطرة الفرس، فتقدم السلطان مراد الرابع وهو السلطان الذي أعاد للدولة العثمانية الصحة والحياة والشباب، على رأس جيش كبير عام 1637م، وتمكن من طرد الصفويين منها عام 1638م ، وجرت مذاكرات ومداولات بين الجانبين لعقد صلح بينمها وبالنتيجة تقرر عقد معاهدة عام 1639م والاتي سميت بمعاهدة زهاب، والتي وقعها في العراق قرة مصطفى وهو الصدر الأعظم في العشرين من أيار/مايو ، والتي تضمنت تفصيلات واسعة حول المناطق التي ستكون تحت سيطرة كل منهما، وجاء في المعاهدة أيضا تعهد من الدولة الفارسية، بالامتناع عن التدخل والتعرض لجميع الصحارى والقلاع والجبال والتلال الواقعة ضمن حدود (اخسخة وقارص ووان وشهرزور وبغداد والبصرة)، وباقي المناطق الحدودية، كما تعهدت الدولة الفارسية بأن تمتنع (عن إطالة اللسان واستعمال الكلمات غير اللائقة بحق الصحابة والخلفاء الراشدين).
أصبحت معاهدة زهاب لسنة 1639م نافذة المفعول وكان يؤمل بعدها أن يخيم الهدوء الدائم بين الدولتين، وتصبح كل دولة آمنة داخل حدودها فتنصرف إلى البناء والتطوير، ذلك أن الحروب بينهما قد طال أمدها وعظمت ويلاتها ووخمت نتائجها، ولكن الشاه (صفي بهادر) ما أن وجد أن الجيش العثماني يتراجع من العراق إلى الأناضول، إلا وصدر منه خرق للمعاهدة أدى إلى صدور الأوامر للجيش العثماني بالبقاء في ديار بكر، انتظارا لأوامر السلطان، فجاء مندوب من الشاه طالبا ترصين الصلح وتم له ما أراد.
كانت هذه المعاهدة حجر الأساس في رسم الحدود بين العراق وإيران ولا تختلف كثيرا عن وصف الحدود القائمة حاليا، ولكن الدولة الصفوية بدأت بالتدهور والتراجع في زمن الشاه حسين بن سليمان، فقد استغل الأفغان هذا الظرف وثاروا على الدولة الفارسية، واستقل مير محمود في قندهار وتركها بداية عام 1722م، وتقدم باتجاه أصفهان عاصمة الصفويين وحاصرها ونجح في احتلالها في السنة نفسها، وتمكن مير محمود من أسر الشاه حسين وأفراد أسرته ما عدا ابنه طهماسب، وعند وصول هذه الأخبار إلى الإستانة، أعلنت الدولة العثمانية الحرب خشية من تدخل أطراف خارجية في شأن بلاد فارس الداخلي، في حال سقوط الدولة الصفوية، فتقدمت الجيوش العثمانية عبر الحدود واستولت على غربي إيران، ولم تقف روسيا من دون رد، فقد أرسلت قوة عبر بحر الخزر (قزوين) واستولت على السواحل الجنوبية له، وسيطرت على باكو وداغستان، وعقدت معاهدة مع طهماسب الثاني ابن الشاه حسين، ونصت الاتفاقية على إقرار روسيا لطهماسب الثاني بالملك، مقابل بقاء الأراضي التي استولت عليها القوات الروسية تحت سيطرتها، أما فيما يتعلق بالدولة العثمانية فقد رات بالتصرفات الروسية، مسّاً بمصالحها، وكادت الحرب أن تندلع بين الطرفين لولا خشية روسيا من تحرك المسلمين التتار في القرم، وطلبت الدولة العثمانية من السفير الفرنسي التوسط مع الدولة الفارسية لعقد صلح جديد، وتم توقيع معاهدة المقاسمة بين بلاد فارس والدولة العثمانية عام 1724م، وتقدمت الجيوش العثمانية لاحتلال المدن التي صارت من حصتها، على حين تقدم جيش من العراق بقيادة والي بغداد فاحتل كرمنشاه وهمدان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. وانت ما الداعي لجعل الفرس محتليين وهم بالاصل اتراك وليسوا فرس للمعلومه فالصفويين جدهم الاردبيلي من اصول اذربيجان يعني اتراك الاصل وليسوا فرس كما تدعي ثانيا لماذا تدافع عن الاحتلال العثماني فكلا الطامتين مصيبه سواء العثمانين ام الصفويين فكلاهما احتلال لجعل العراق بقره حلوب من اجل الثروات فلكونك من طائفه سنيه تدير التاريخ كما يحلو لك المفروض تقرا التاريخ من منظور ماذا كسب العراق من الاحتلاليين فقط المصائب وسرقه الثروات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى