سياسة

هل يرتبط أمن الخليج بثامن جولات مفاوضات إيران النَّوويَّة؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

استُأنفت الاثنين 27 ديسمبر 2021م مفاوضات فيينا بشأن الاتّفاق النَّووي، حيث بدأت الجولة الثَّامنة من المفاوضات بعد تعثُّر الوصول إلى اتّفاق جديد مُلزم لإيران في الجولة السَّابقة، الَّتي اختُتمت أعمالها في 18 ديسمبر الجاري. وكانت الجولة السَّابقة قد انطلقت في نوفمبر 2021م، بعد ست جولات أُجريت في الفترة ما بين أبريل ويونيو من العام الجاري، دون تقدُّم يُذكر. وبرغم إجماع الأطراف المشاركة في الجولة السَّابقة من المفاوضات على تعنُّت إيران في قبول الشُّروط المقترَحة لحلّ الأزمة، وسعيها إلى كسْب الوقت لإحراز مزيد من التَّقدُّم في برنامجها النَّووي، وتعمُّدها إلهاء المراقبين بالدُّخول في مثل تلك المفاوضات لإيهام المجتمع الدُّولي باستعدادها للتَّفاوض وتجنُّبها الصّدام مع الأطراف الأخرى، فقد صرَّح وزير الخارجيةَّ الإيراني، حسين أمير عبد الَّلهيان، بأنَّ الجولة السَّابعة انتهت بإحراز “تقدُّم جيّد”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانيَّة الرَّسميَّة. وكانت مفاوضات الجولة السَّابعة قد توقَّفت استجابة لطلب رئيس الوفد الإيراني، عليّ باقري، الَّذي أصرَّ على العودة إلى طهران لكي يُطلع نظام ملالي قُم، بزعامة إبراهيم رئيسي، على سير المفاوضات.

وبحسب ما نشره موقع France 24 في 18 ديسمبر 2021م عن انسحاب باقري من المفاوضات وتعليقها حتَّى نهاية ديسمبر الجاري، فإنَّ مفاوضي بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد رأوا أنَّ تعليق المفاوضات “مخيّب للآمال”، مستبعدين إنقاذ الاتّفاق النَّووي المُبرم عام 2015م، محذّرين من أنَّ الجولة الثَّامنة قد تكون “نهاية الطَّريق فيه هذه المفاوضات”. ومن ناحيته، علَّق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جايك سوليفان، على مفاوضات فيينا بقوله إنَّها “لا تسير بشكل جيد؛ بمعنى أنَّنا لم نجد بَعد سبيلًا للعودة إلى الاتّفاق النَّووي”. وكان الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب (يناير 2017-يناير 2021م)، قد انسحب في مايو 2018م من الاتّفاق النَّووي الَّذي أبرمه سابقه، باراك أوباما (يناير 2009-يناير 2017م)، عام 2015م تحت إشراف جو بايدن، الرَّئيس الأمريكي الحالي (يناير 2021م-إلى الآن)، وقتئذ كان نائب الرَّئيس. وادَّعى ترامب، الَّذي نال قراره ذلك تأييدًا من إسرائيل وبعض دول الخليج، حينها أنَّ سبب انسحابه هو عدم التزام إيران ببنود الاتّفاق، وتخصيبها مادَّة اليورانيوم المشعّ بكميَّات كبيرة وبدرجة تركيز عالية، بما يخوّلها لإنتاج قنبلة أو صواريخ يمكنها أن تحمل رؤوسًا نوويَّة. فرَض ترامب حينها على إيران سلسلة من العقوبات، على رأسها منْعها من تصدير النّفط والمنتجات من مشتقَّاته؛ الأمر الَّذي انعكس سلبًا على الاقتصاد الإيراني وفاقَم من حالة التردّي المعيشي.

وقد أعلن وزير الخارجيَّة الإيراني أنَّ الجولة الثَّامنة، وربَّما الأخيرة، في مفاوضات فيينا ستركّز على رفْع العقوبات الأمريكيَّة عن إيران، وإيجاد ضمانات لعدم انسحاب أمريكا من الاتّفاق النَّووي، في حال إحيائه. وبحسب ما نشرته وكالة إرنا الإخباريَّة الإيرانيَّة، قال عبد الَّلهيان “الأهم بالنّسبة إلينا هو الوصول إلى نقطة يمكننا من خلالها التحقق من أنَّ النَّفط الإيراني سيباع بسهولة ومن دون أي حدود، وأنَّ الأموال لقاء هذا النَّفط ستحوَّل بالعملات الأجنبيَّة إلى حسابات مصرفيَّة تابعة لإيران، وأنَّه ستمكننا الاستفادة من كل العوائد الاقتصاديَّة في قطاعات مختلفة”. في حين صرَّح المنسّق الأوروبي لمحادثات فيينا حول الاتّفاق النَّووي الإيراني، إنريكي مورا، بأنَّ الوقت لا يسمح بالوصول إلى اتّفاق مع إيران، وبأنَّ كلَّ ما يُأمل في تحقيقه هو الوصول إلى نصّ عملي لإعادة إيران إلى اتّفاق 2015م. هذا، وقد أجرت كلٌّ روسيا والصّين مع إيران اجتماعًا تنسيقيًّا لمناقشة آخر ما توصَّلت إليه جلسات الجولة السَّابعة من المفاوضات مع الجانب الأوروبّي، قبل الشُّروع في الجولة الجديدة، الَّتي يأمل المفاوضون الأوروبيون أن تكون الأخيرة بإتمام المفاوضات بحلول فبراير 2022م.

من جانبها، دعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى اتّخاذ موقف صارم من إيران، حيث صرَّح رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، في حوار إذاعي بقوله “بالطَّبع يمكن أن يكون هناك اتّفاق جيد. بالطَّبع. نحن نعرف المعايير. هل من المتوقع أن يحدث ذلك الآن في الظروف الحالية؟ لا، لأنَّه يجب أن يكون هناك موقف أكثر حزمًا”. وكما نقلت وكالة رويترز للأنباء، أضاف بينيت إيران تتفاوض من موقف ضعيف، لكنَّ العالم يتعامل معها خلاف ذلك. يأتي تصريح بينيت بالتَّزامن مع تحذير يائيير لابيد، نائبه ووزير الخارجيَّة في حكومته، من مغبَّة التَّهاون الدُّولي في مواجهة الخطر النَّووي الإيراني بأنَّ قد يدفع إسرائيل إلى تنفيذ عمل منفرد ضدَّ إيران، حيث نقلت عنه صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيليَّة قوله “بالطَّبع، نحن نفضّل العمل في إطار تعاون دولي، ولكن إذا لزم الأمر، سنتصرف بمفردنا”. أضاف لابيد أنَّ دولة ملالي الرَّافضة تخادع العالم بالدُّخول في مفاوضات شكليَّة، موضحًا أنَّ كلَّ همَّها “رفْع العقوبات وضخ مليارات الدُّولارات في برنامجها النَّووي ولحزب الله ولسوريا والعراق والشَّبكة الإرهابيَّة الَّتي نشروها في أنحاء العالم”. وكان الرَّئيس الأمريكي قد حذَّر إسرائيل من قبل من الإقدام على شنّ هجوم يستهدف مواقع نوويَّة إيرانيَّة، دون مشاورة أمريكا.

ويفتح حديث لابيد عن تمويل إيران لعناصر إرهابيَّة في أنحاء متفرّقة من العالم العربي المجال لتناوُل آخر مستجدَّات الحرب السَّعوديَّة على تنظيم الحوثيين الشّيعي، الَّذي يتلقَّى المال والعتاد من إيران. فقد نقلت شبكة CNN الإخباريَّة، عن قيادة الفيلق الخامس الأمريكي، في 22 ديسمبر 2021م، أنَّ البحريَّة الأمريكيَّة ضبطت شحنة أسلحة إيرانيَّة، تتضمَّن 1400 بندقيَّة (AK-47) و226 ألف ذخيرة، كانت في طريقها إلى اليمن عبر سفينة صيد لا تحمل علم لأيّ دولة، في شمال بحر العرب. وقد أعلن المتحدث باسم التَّحالف العربي، العميد الرُّكن تركي المالكي، في مؤتمر صحافي عُقد الأحد 26 ديسمبر 2021م، بحسب ما نشرته وكالة رويترز، أنَّ الحوثيين أطلقوا على السَّعوديَّة منذ بداية الحرب عام 2015م 430 صاروخًا باليستيَّا و851 طائرة مسيَّرة مسلَّحة. وأضاف المالكي أنَّ لدى قوَّات التَّحالف ما يثبت مشاركة حزب الله الُّلبناني، الشّيعي المدعوم من إيران، في تدريب الحوثيين على شنّ الهجمات على السَّعوديَّة، قائلًا: “حزب الله يدرّب الحوثيين على تفخيخ واستخدام الطَّائرات المسيَّرة في المطار”.

ونتساءل: هل تكون دول الخليج، وعلى رأسها السَّعوديَّة، هي الهدف الجديد لملالي الرَّافضة، بعد العراق وسوريا واليمن، لتقسيمها ضمن مخطَّط تقسيم العالم العربي على أساس طائفي وعِرقي؟ وهل في موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على بيع صواريخ للسَّعودية بقيمة 650 مليون دولار ما يشير إلى تأييد إدارة بايدن لتسليح المملكة في مواجهة عدوان إيراني محتمل، في حال فشلت الجولة الثَّامنة من مفاوضات فيينا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى