فنجان سياسي

التصحّر السياسي والتصحّر الأخلاقي

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


التصحر هو فقدان التربة لمقوماتها الطبيعية ، وتحول الأرض الزراعية إلى أراضي عقيمة غير منتجة ، ومن هنا اجتهد البعض و اطلق مصطلح التصحٌّر السياسي.
التصحّر السياسي إذا لا يعني عدم وجود الأحزاب او الجمعيات فحسب ، وإنما يعني عدم وجود أفراداً أو جماعات يحملون فكرا أو ثقافة او رؤى سياسية فهؤلاء هم أساس وخامة صناعة الوعي السياسي وحامله ، وعدم وجود أو عدم إمكانية تأطيرهم في مؤسسات أو أحزاب تنقل او تنشر هذا الوعي لا يعني التصحّر .
فالتصحّر الحقيقي يكون في عقم العقول و هزيمة النفوس ، وانصياعها وتسليمها للمستبّد أو مشاركته في استبداده تحت أي ذريعة ، وهذا ما أثبتته الثورة ، فكثير ممن يكيل تهمة التصحّر السياسي ” للثورة وليس للنظام” هم من أحزاب و تيارات فكرية و سياسية شاركت أو التقت مع النظام بطريقة أو بأخرى سابقا أو لاحقا في ما وصلنا إليه عند اندلاع الثورة ، فلو عدنا الى أحزاب الجبهة الوطنية و البعث و بمقارنة بسيطة بينها وبين أفكار و طروحات كثير من المتصدرين منصات التنظير نجد أن أيديولوجياتهم هي ذات الأيدولوجيات المنصهرة مع البعث في الجبهة الوطنية ” اشتراكيون – ديموقراطيون – شيوعيون – ناصريون – يمينيون – يساريون …..” ولم يخرجوا عنها إلا بمقدار ما ينتصروا به على رفاقهم الذين انشقّوا عنهم قبل الثورة لأسباب حزبية داخلية او شخصية ومع الذين آثروا التحالف مع النظام .
وظهور رجال فكرٍ وسياسة وحملة مبادئ وحُماة قيم راسخون يذوذون عن الثورة ويرسمون مستقبلها ، ويصنون عهدها ، ونراهم في كلِ معتركٍ هم سادة الميدان .
من هنا أرى وقد أكون مصيباً او مخطئاً بأن مصطلح التصحّر الحزبي هو الأصح أو على الأقل هو التوصيف الحقيقي للواقع الذي كان قبل الثورة ، لسبب بسيط أن أغلبيه الشعب السوري لم يكن منخرطاً أو لم يرتضِ الانخراط في هذه الأحزاب لذلك لم تخرج الثورة من رحم تلك الأحزاب أو رحم غيرها من الحزبيات غير المؤطرة ، و إنما خرجت من رحم الشعب الذي انجب شباباً ورجالا كانت شجاعتهم هي بوّابة الخلاص و وطريقهم ومنهجهم العمل على إسقاط النظام وهذا برأيي هو قمة الوعي السياسي ” حين تجتمع السياسة والثورة ” ، و التصحّر الحقيقي هو النظر بعين الحزبية و الحكم بمعايير المصلحة التصحّر الذي يقوم ” الحزبية و المصلحة ” الذي يقود حُكماً الى التشاركية مع النظام.
الغريب أن بعض “”””” النُخب “””” تنظر الى السوريين وخاصة السوريين الأحرار بأنهم يعانون من التصحّر السياسي ، لذلك يتعاملون مع الثورة والثوار بعنجهيّة ” النخبوي الحنكليسي ” لخوفهم على انهيار أيدولوجياتهم مع سقوط النظام السوري القائم على ثلاثية الأسد و البعث و الجبهة الوطنية التقدمية ، فيصورنهم وكأنهم مجرد رِعاع ، أو رعاة بقرٍ ، ونسي هؤلاء أنه لولا فيض هؤلاء في فقه السياسة و الأخلاق لما كان هناك ثورة ولا كان هناك ” نخب حنكليسية ” تُنظّر عليهم وتستجلّب ما عفى عليه الزمن من الأيديولوجيات السياسية والفكرية لتستقوي بها عليهم و على ثورتم .
الثورة السورية واحة فكرية سياسية أخلاقية فريدة في النوع والكم ، لا تُقاس بمعايير غيرها من النظريات السياسية ، فهم عصيّة على التطييف و التحزيب و التشريق والتغريب ، والماديّة والرأسمالية ، بل هي المعيار في تقييم وقياس فكر وآداء الغير ، فهي واقع جديد لا يشبهه شيء لا من قبله ولا من بعده فمن أراد التعاطي معه فليُقرّ لهؤلاء الثوار الأحرار بوعيهم السياسي العميق الذي فجّروا من خلاله اعظم ثورة في التاريخ في وجه اعتى نظام استبدادي وحشيِ وعلى كل أشرار العالم الذين وقفوا معه في وجه هذا الشعب ، وكل من يتهمّهم بالتصحّر السياسي فهو حقيقةً ” متصحّرٌ أخلاقي “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى