شروط جمع الصلاة في المطر والبرد الشديد

الشيخ د. عبد الرزاق السعدي

عرض مقالات الكاتب

جاء الإسلام بتشريعات مُيسرة من شأنها أن تصحح سلوك الإنسان في عبادة الخالق الله الواحد الأحد، قال الله تعالى:(يريد اللهُ بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة:185، وقال عزوجل:(وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج:78، وجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( يَسِّرُوا ولا تُعَسِّروا وبشِّرُوا ولا تنفروا)، وقد وضع التشريعُ الإسلاميُّ ضوابطَ وشروطاً للأخذ بالرخص حتى لا يخضع التيسيرفي التشريع الإسلامي للأهواء والرغبات ولا تكون فوضى في استعمال الحق المشروع لهذه الرخص، فإفطار الصائم في نهار رمضان ، واستعمال التراب في التيمم ، وهكذا قصرُ الصلاة والجمعُ بين صلاتين رخصٌ لها ضوابطها وشروطها.
وموضوعنا في هذه المقالة(جمع الصلاة في حالة المطر والبرد الشديد للمقيمين غيرالمسافرين) وذلك رخصة للمصلين إذا تحققت الضوابط والشروط التي تبيح الأخذ بهذه الرخصة وفيما يأتي بيانٌ لتلك الشروط:
1 – الجمع في المطر والبرد الشديد يكون جمع تقديم فقط، لا جمع تأخير، فيجمع العصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب تقديما ولا يجوز العكس، لما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما:(أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر جمعا والمغرب والعشاء جمعا) وزاد مسلم:(من غير خوف ولا سفر)، قال الإمام الشافعي:( أرى ذلك في المطر)، ومثله قال الإمام مالك في الموطأ، وهكذا يجوزجمع العصر مع الجمعة تقديما.
2 – يشترط الموالاة بين الصلاتين بدون فاصل طويل فيقوم للصلاة الثانية فورانتهائه من الصلاة الأولى ولا يتخللهما شيء إلا إقامة الصلاة للثانية.
3 – يشترط لهذا الجمع أن يكون المطرأوالبرد الشديد موجودا بشكل يقيني لا ظني ولا تقديري عند أول الصلاتين ، أي: أول الشروع في صلاة الظهر وأول الشروع في صلاة المغرب، ولا يكفي وجود المطر أثناء الصلاة الأولى ، كأن بدأ الصلاة الأولى بدون وجود مطر ثم حصل المطر أثناء هذه الصلاة فلا يصح الجمع.
4 – يشترط استمرارالمطرإلى السلام من الصلاة الأولى والشروع في الصلاة الثانية، حتى يكون المطر موجودا في أول الصلاتين، ولا يضرُّ انقطاع المطر أثناء الصلاة الثانية ، فلو انقطع المطر في أثناء الصلاة الثانية فإن الجمع صحيح.
5 – يشترط في المطرالذي يجوزبه الجمع أن يكون غزيرا بحيث يبلّ الثياب والنعال إذا توجه إلى المسجد لحضور الجماعة.
6 – ويختص الجمع في المطربالمصلي الذي يصلي في جماعة بمسجد أو في موضع تقام فيه الجماعة كمدرسة أو قاعة أو غيرهما إذا كانت بعيدة عن داره، بحيث إذا حضرإلى هذه الأماكن يحصل له أذى وضرر في جسمه أوثوبه، وبذلك فلايصح الجمع للمصلي الذي يصلي منفردا، ولا يصح الجمع للمقيم بالمسجد من إمام أو مؤذن أو خادم ممن يقيمون بهذه المواضع أوكان جيران هذه الأماكن،لأنه لا ضرريلحق بهم.
أما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر في المسجد النبوي مع أن بيوت أزواجه كانت بجنب المسجد فقد أجاب العلماء عنه: بأنَّ بيوتهن كانت مختلفة وأنَّ أكثرها كان بعيدا، فلعله حين جمع كان في الدارالبعيد، ومن العلماء من أجاب بأن للامام أن يجمع بالمأمومين إذا كان يسكن خارج المسجد ولم يكن داره بعيدا.
7 – يشترط نية الإمام الجماعة أو الإمامة في الصلاة الثانية، وإذا لم ينو ذلك لم تنعقد صلاته، وإن علم المأمومون أن الإمام لم ينو الجماعة أو الإمامة لم تنعقد صلاتهم أيضا، وإن لم يعلموا انعقدت صلاتهم.
8 – ومما ينبغي التنبيه إليه أنه في حالة توفر شروط الجمع في المطر فللمصلي أن يصلي الراتبة(السنة القبلية) قبل الصلاتين، ويصلي البعدية بعد الفراغ من الصلاتين، وهكذا يصلي الوتر بعد الثانية، أي بعد صلاة العشاء.
9 – مما تقدم ننصح الأخوة المصلين أن لا يتهاونوا في هذا الموضوع، فقد رأينا بعض المصلين – هداهم الله – يجمعون الصلاة لأدنى زخة مطر خفيفة، أو مع وجود غيم يحتمل المطر، أو مع برد محتمل، أوهو مقيم في المسجد، أو قريب من المسجد بحث لا يتضرر إذا حضر إلى المسجد، وكذلك من له سيارة يصل بها إلى المسجد من دون ضرر، فالحرص على العبادة بحضور الجماعة في المسجد فيه ثواب عظيم لا ينبغي التفريط به لأدنى سبب، ثم إن خُلوَّ وقتٍ من الصلاة من غيرتوفر شروط الجمع التي ذكرناها قد يؤدي إلى إثم كبير.

والله أعلم وأحكم