بحوث ودراسات

التقرير الإستراتيجي السوري (93) حصاد عام 2021

المرصد الاستراتيجي

الإثنين 20 ديسمبر 2021

1- موسكو: تحضيرات لمرحلة جديدة

عمل الكرملين خلال عام 2021 على تشييد أسس أمنية وعسكرية لحقبة جديدة، حيث تم إحداث تغييرات واسعة في الهياكل الأمنية الروسية، تضمنت: تعيين ألكسندر إيفانوفيتش قائداً للوحدة العسكرية (61643)، والتي تمثل الغطاء العملياتي للمخابرات الخارجية الروسية (SVR)، وتعزيز فرق المهام الخاصة التابعة للاستخبارات العسكرية الخارجية، وإعادة ضخ الدماء في الفريق الأمني المخضرم من خلال إشراك مجموعة من الشباب في تولي الشؤون الاستراتيجية  الروسية بالشرق الأوسط، أبرزهم: أليكساندر وفورنيكوف (59 عاماً)، وديميتريميرنوف (53 عاماً)، وإيفاغيني زينشييف (54 عاماً).

كما منح بوتين (11 يونيو 2021) رتباً جديدة لعدد من كبار ضباط القوات المسلحة الروسية، من بينها رتبة فريق أول لكل من: ألكسندر تشايكو، الذي قاد مجموعة القوات الروسية في سوريا، وكل من؛ يوري نيكولايفيتش غريخوف، وألكسندر يوريفيتش تشايكو، وترقية قائد أسطول البحر الأسود الروسي، إيغور أوسيبوف، لرتبة أميرال، فيما حصل 23 موظفاً آخرون في هيئات الشؤون الداخلية، والخدمة الداخلية، والعدل على رتبة لواء شرطة. 

ومثلت العمليات العسكرية في سوريا رأس حربة الإستراتيجية الروسية؛ حيث أرسلت البحرية الروسية تعزيزات تضمنت؛ السفينة “ديمتري روغاتشيف”، والسفينة “روغاتشيف”، وهي الثانية من ثلاثة سفن “شبحية” (لا تظهر على الرادار) بهدف دعم سلاح البحرية الروسي في السواحل السورية.

كما عكفت القيادة العسكرية الروسية -خلال عام 2021- على توسيع قاعدة “حميميم” الجوية تمهيداً لاستقبال قاذفات نووية إستراتيجية، وتضمنت أعمال التوسعة؛ إعادة بناء المدرج لاستقبال طائرات إستراتيجية بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية، وذلك بهدف توسيع النفوذ العسكري الروسي ليشمل البحر الأبيض المتوسط بأكمله، خاصة وأن القاذفات المزودة بصواريخ مجنحة تمتلك القدرة على استهداف القارة الأوروبية انطلاقاً من قاعدة “حميميم”.

وكان النظام السوري قد منح القوات الروسية مساحة إضافية لتوسيع القاعدة، تتضمن إنشاء منطقة نفوذ برية وبحرية للقوات الروسية بالقرب من محافظة اللاذقية تصل قواتها في “حميميم” بالرصيف البحري في طرطوس.

وأظهرت صور أقمار صناعية (7 فبراير 2021) عمليات توسعة لأحد المدارج الرئيسة في قاعدة “حميميم”، بهدف توفير مساحات أكبر لنشر طائرات الشحن الكبيرة والرافعات الجوية الثقيلة والقاذفات بعيدة المدى، وتتضمن زيادة 300 متر للمدرج الغربي، وإنشاء ممر للطائرات لربط الأطراف الشمالية لمدرجي القاعدة.

وحطت في شهر يونيو، لأول مرة، ثلاث قاذفات جوية من طراز توبوليف (22M3) “ذات قدرات نووية”، في قاعدة حميميم، لتنضم إلى سرب الطائرات الروسية المقاتلة في سوريا، وذلك بالتزامن مع إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع جيش النظام تحاكي هجوماً من البحر الأبيض المتوسط. وأعقبت تلك المناورة؛ تدريبات أخرى (13 يونيو) على إسقاط الطائرات المسيّرة.

ونظراً لأهمية الملف السوري في السياسة الخارجية والأمنية الروسية؛ فقد عزز بوتين “الفريق السوري” بعدد من الخبراء المخضرمين الذين خدموا سابقاً في الأجهزة الأمنية والعسكرية، أبرزهم:

1- سيرغي فيرشينين (66 عاماً) نائب وزير الخارجية، الذي احتفظ به بوتين على الرغم من اقترابه من سن التقاعد، وهو سياسي خبير في شؤون المغرب العربي والشرق الأدنى، ويركز في الوقت الحالي على سوريا.

2- ميخائيل بوغدانوف (69 عاماً) والذي احتفظ به بوتين كمساعد لوزير الخارجية لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط وكممثل خاص للرئيس لشؤون الشرق الأدنى وأفريقيا.

3- ألكسندر لافرنتييف، الممثل الخاص للرئيس لحل الأزمة السورية.

4- ألكسندر إيفيموف (62 عاماً)، الذي انتقل من السفارة الروسية في الإمارات إلى السفارة الروسية في دمشق عام 2018.

5- سيرغيو أفاناسييف، أحد كبار مسؤولي الاستخبارات  العسكرية الروسية، والضليع في الملف السوري.

6- سيرغي فيازالوف (64) عاماً، الأمين العام لوزارة الخارجية، والذي يُعتبر عين الرئيس بوتين في الوزارة.

وعمل هذا الفريق على الترويج لعهد جديد في سوريا عقب الانتخابات الرئاسية، حيث تفاوض مع الإسرائيليين لتنسيق غاراتهم الجوية، مقابل تعهد إيران بإعادة نشر قواتها بعيداً عن مناطق الاحتكاك.

وعلى الرغم من كثافة نشاطهم في شهر سبتمبر الماضي؛ إلا أن الدبلوماسيين الروس لم يحققوا أية إنجازات تُذكر في الملف السوري، حيث استمر التصعيد العسكري في إدلب عقب قمة بوتين-أردوغان (29 سبتمبر)، ولم تسفر لقاءات سابقة مع الملك عبدالله الثاني (28 أغسطس)، ووزير الدفاع الإسرائيلي، يائير لابيد (9 سبتمبر)، وبشار الأسد (15 سبتمبر)، ووفد “الإدارة الذاتية” الكردية لموسكو (19 سبتمبر) عن النتائج المأمولة، والمتمثلة في عودة دمشق إلى الجامعة العربية وتدفق المساعدات الخليجية لإعادة الإعمار.

وتردد الحديث في الكرملين عن ضعف كفاءة الدبلوماسية الروسية، وعجزها عن استثمار “الانتصار” الذي حققه العسكريون، إذ لا تزال حظوظ موسكو في تحقيق أية جدوى سياسية أو اقتصادية من عمليتها العسكرية محدودة للغاية. 

وتكمن العقبة الرئيسة لدى روسيا في عدم اعتراف واشنطن بمصالح موسكو في مقاربتها الجديدة، وسعيها لإفساد الترتيبات الروسية شمال شرقي سوريا، ما عرقل جهود التوصل إلى “خارطة للطريق”، إذ تظل الملفات الأساسية في الشأن السوري عالقة دون أي إنجاز، وعلى رأسها: مستقبل الإدارة الذاتية الكردية، وإعادة نشر القوات الإيرانية، ومشاريع الدعم الاقتصادي، والتصعيد في إدلب، وأعمال اللجنة الدستورية.

ورأى الكاتبان فريدريك ويري وأندرو وايس، في تقرير نشره موقع “فورين أفيرز”، ضرورة عدم المبالغة في تضخيم منجزات موسكو، وخاصة في العالم العربي، حيث تتجاوز تطلعات موسكو الكبيرة نفوذها الفعلي، معتبرين أن التأثير الإستراتيجي للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط أكثر تواضعاً مما يظنُّه كثيرون، وذلك نتيجة محدودية الأدوات السياسة المتاحة، إذ ظهرت محدودية الدور الروسي جليةً في سوريا (التي تعتبر بأنها حجر الزاوية لعودة موسكو إلى الشرق الأوسط) متمثلة في عجز الدبلوماسية الروسية عن تحقيق انفراج في تخفيف العقوبات أو ضخ الأموال لمشاريع إعادة الإعمار بدمشق، ناهيك عن فشل موسكو في تقليص انخراط دول خارجية قوية مثل تركيا والولايات المتحدة في الشمال السوري. 

2- طهران: تراجع عسكري ونتائج مخيبة

سحبت القوات الإيرانية، خلال عام 2021، نحو سبعة آلاف عنصر باكستاني من ميلشيا: “زينبيون” نتيجة انحسار العمليات القتالية من سوريا، في حين يجري التخطيط لسحب عدد مماثل من المقاتلين الأفغان بلواء “فاطميون” وإرسالهم إلى الحدود مع أفغانستان عقب انسحاب القوات الأمريكية من كابل، فيما انحسر الجزء الأكبر من عناصر الميلشيات العراقية نحو المناطق الحدودية بين سوريا والعراق.

واتجهت أنظار الحرس الثوري الإيراني نحو تعزيز نفوذه وسط آسيا، لتغيير الموازين في المنطقة عقب انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان (أغسطس 2021)، ويدعم هذا التوجه إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس”، وهو الذي ظل مسؤولاً لسنوات عن تجنيد مقاتلين للفيلق من أفغانستان وباكستان، ولا يزال يولي اهتماماً خاصاً بتغذية النزاعات الطائفية في وسط آسيا.

ويعمل “قاآني” على خطة طموحة تتضمن تغطية أفغانستان بشبكة “شيعية” من مقاتلي الميلشيات الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية كالأوزبك والطاجيك في مواجهة الأغلبية السنية من البشتون الذين يفضلون التعامل مع الاستخبارات الباكستانية.

وأثار سحب إيران مقاتلي “زينبيون” من سوريا، قلق الاستخبارات الباكستانية، ما دفع بإسلام آباد إلى إرسال وفد من وزارة الداخلية الباكستانية وجهاز الاستخبارات (ISI) لطهران، للتباحث مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شامخاني، الذي طمأن الوفد الباكستاني أنه سيعمل على: “إيجاد حل مناسب بهدف عدم تقويض العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان”، مقترحاً نقل العدد الأكبر منهم إلى اليمن للقتال إلى جانب المتمردين الحوثيين، وإعادة جزء من عناصر الميلشيا إلى مراكزهم التي تدربوا فيها بإيران، وضمهم فيما بعد إلى قوات “الباسيج” أو إلى قوات حرس الحدود.

إلا أن تلك التطمينات لم تكن كافية لتهدئة مخاوف إسلام آباد، حيث لوحظ عودة نحو ألف عنصر من سوريا إلى باكستان بطرق غير قانونية، وذلك بعد تراجع الطلب على خدماتهم في دمشق، ما دفع بالأجهزة الأمنية الباكستانية لشن حملة مداهمة واسعة، أسفرت عن اعتقال نحو ثلاثمائة عنصر. 

وللتعامل مع تلك المعطيات؛ كشف تقرير أمني غربي (14 سبتمبر 2021) عن تصميم إسلام آباد على الاحتفاظ بدورها المركزي في الشؤون الأفغانية عقب الانسحاب الأمريكي، حيث تعمل الاستخبارات الباكستانية على تشكيل جهاز أمن جديد في كابول، ومساعدة طالبان في إنشاء جيش نظامي لحماية الحدود وسلامة الأراضي ومكافحة الإرهاب.

في هذه الأثناء؛ يتنامى قلق طهران من التحالف القائم بين تركيا وأذربيجان وباكستان، حيث ردت القوات الإيرانية على المناورات التركية-الأذربيجانية بالقرب من ممر “لاتشين”، الذي يربط أرمينيا بناغورني قره باغ، بإجراء مناورات عسكرية على حدودها مع أذربيجان لتوجه بذلك رسائل إلى أذربيجان وتركيا.

وكانت السلطات التركية قد أعلنت (14 أكتوبر) إلقاء القبض على عنصرين بمخابرات النظام الإيراني بعد محاولتهما اختطاف معارضين إيرانيين على الأراضي التركية بالاشتراك مع ستّة مواطنين أتراك، ووجهت لهم تهمة التجسس والمشاركة في خطة خطف عسكري إيراني سابق.

أما في سوريا؛ فيمكن ملاحظة تحول السياسة الإيرانية باتجاه “القوة الناعمة”، حيث يتزامن سحب عناصر الميلشيات مع عملية إعادة انتشار واسعة النطاق، وانشغال السفارة الإيرانية بتعزيز أذرعها “الدينية” و”الثقافية” بمختلف المحافظات، بالتزامن مع حركة نشطة لشراء عقارات في مواقع حيوية بدمشق وحلب، وتعزيز حركة التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات الطاقة والاتصالات.

ففي مدينة البوكمال؛ يقوم “اللواء 47” التابع لكتائب “حزب الله” بتقديم  الدعم للجمعيات الإيرانية التي تنشط في صفوف طلاب المدارس والروضات بمحافظة دير الزور، مستغلة حالة الفقر الشديد الذي يسود المنطقة.

وعلى رأس هذه الجمعيات تقف “منظمة الجهاد والبناء” الإيرانية، التي تقدم وجبات غذائية في روضة للأطفال تابعة لمنظمة “اليونيسف” بحي الكتف في مدينة البوكمال، إلى جانب القرطاسية للأطفال، مقابل تخصيص حصة دراسية يومية لتدريس الأطفال المناهج الدينية وفق المذهب الشيعي.

كما تخصص المنظمة منحاً دراسية قيمتها 75 ألف ليرة سورية شهرياً، لطلاب الثانوية، فيما تشرف “مؤسسة الشهيد” على توزيع القرطاسية واللباس المدرسي على عائلات عناصر الميلشيات، وذلك بالتعاون مع المركز الثقافي الإيراني، الذي يتولى توزيع المستلزمات المدرسية على الأهالي، ويشرف المركز الثقافي على مدرسة للأطفال بمدينة الميادين، إلى جانب عدد من  الحسينيات والمزارات في المنطقة.

وتأتي تلك الأنشطة “الثقافية” للتغطية على الخسائر الميدانية للقوات الإيرانية، حيث تحدث تقرير نشره موقع “ستراتيجي بيج” (7 نوفمبر 2021) عن نتائج مخيبة للآمال مُنيت بها القوات الإيرانية في محاولة تنظيم ميلشيا شيعية في سوريا على غرار “حزب الله” في لبنان، وذلك نتيجة لتراجع عدد السوريين الذين يرغبون في الانخراط بتنظيم “حزب الله” السوري، أو الخدمة في أية ميلشيا جديدة تمولها إيران، خاصة وأن التمويل الإيراني آخذ في التراجع، فيما تتضاعف الخسائر البشرية في صفوف عناصر الميلشيات في سوريا، والذين يتم الزج بهم في جبهات القتال، بينما تعاني أسرهم من أكبر ضائقة اقتصادية تشهدها البلاد. 

كما تسهم الغارات الجوية الإسرائيلية في إضعاف تلك الميلشيات، حيث تحدثت مصادر محلية عن فرار عناصر الميلشيات، جراء التصعيد الإسرائيلي، الذي أدى إلى مقتل عدد من زملائهم في عمليات القصف، فضلاً عن تقلص الراتب الذي لا يكفي العنصر للإنفاق على أسرته مدة أسبوعين.

وتحدث المصدر نفسه عن تنامي رغبة العناصر السوريين في الميلشيات الإيرانية بترك المجموعات التي يقاتلون فيها لعدة أسباب، منها: الراتب القليل، وعدم حصولهم على مخصصات الطعام، على غرار العناصر من الجنسيات الأخرى، وتعرضهم للاشتباكات والهجمات المستمرة، وخشيتهم من القصف الإسرائيلي المستمر للمواقع الإيرانية، فضلاً عن الإجازات القصيرة التي يمنحها الإيرانيون مقارنة بالروس.

وعبر المدير العام للمكتب العربي والإفريقي لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية، فرزاد بيلتن، (17 نوفمبر) عن قلقه من أن حصة إيران في السوق السورية لا تتعدى 3٪ من إجمالي السوق، وأنها لا تتمتع بأيِّ نصيبٍ تقريباً في سوق مواد البناء والتشييد، فيما تنشط تركيا في مشاريع الإسكان وبناء المدن في البلاد، حيث أعدّت الحكومة التركية خطة شاملة لإعادة إعمار حلب على ثلاث مراحل، بدءاً من تشييد شبكة المياه والكهرباء في المحافظة والبنية التحتية لها”.

ويمكن ملاحظة تحول السياسة الإيرانية نحو شراء عقارات في مواقع حيوية بدمشق وحلب، وتعزيز حركة التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات الطاقة والاتصالات، فيما أعلن رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، علي رضا رشيديان (16 نوفمبر)، توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة النظام السوري، تقضي بإرسال 100 ألف “حاج” إيراني إلى سوريا سنوياً، وذلك بعد توقفه بسبب تفشي جائحة فيروس “كورونا”.

3- أنقرة: توجه نحو التصعيد

ترجح توقعات عسكرية غربية احتمال ندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري مطلع العام المقبل، خاصة وأن أنقرة لا تُخفي رغبتها بإنهاء وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر 2019، بهدف طرد القوات الكردية من شمال شرق سوريا، فيما تعزز روسيا قواتها في المراكز الثلاثة الجديدة التي أنشأتها في “عين عيسى”، وترعى مفاوضات “هشة” تهدف إلى حمل “قسد” على تسليم المنطقة لسلطة دمشق، لتثبت للأكراد أن واشنطن لا تملك القدرة على حمايتهم.

وكانت القوات التركية قد نفذت عملية انتشار غير مسبوقة بإدلب، على طرفي الطريق الدولي (M4)، حيث تم إدخال أكثر من 100 آلية ثقيلة بين دبابات ومدافع ومجنزرات، بالإضافة إلى آليات حفر وناقلات جند تم نشرها في النقاط المثبتة حديثاً بجبل الزاوية، وعلى الجسور الرئيسة وفي عدة مواقع على خط التماس مع قوات النظام، ليرتفع عدد القوات التركية في الجبهات الجنوبية لمدينة إدلب إلى أكثر من ستة آلاف جندي تركي.

وجاء الرد الروسي على تلك الحشود من خلال تصعيد عمليات القصف في إدلب، حيث استهدفت مقاتلات “سوخوي” الروسية “منطقة التصعيد الرابعة” في إدلب ومحيطها بعدد من الغارات (سبتمبر 2021)، شملت محيط بلدة “البارة”، ومحيط النقطة العسكرية التركية المتمركزة على أطراف البلدة في منطقة جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، بالإضافة إلى محيط بلدة “مجدليا” التي تتواجد على أطرافها القوات التركية. 

ودفع ذلك التصعيد بالقوات التركية لإطلاق أربعة صواريخ بالقرب من مقاتلات روسية لإجبارها على مغادرة أجواء المنطقة، فيما قُتل ثلاثة جنود أتراك خلال عملية تمشيط (11 سبتمبر)، ما دفع بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاتهام تركيا بأنها: “لا تنفذ الاتفاقيات بشأن الجماعات الإرهابية في إدلب”، ورد عليه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بالقول إن: “هناك اتفاقيات تم توقيعها بعد محادثاتنا مع روسيا، نحن نلتزم بها وأوفينا ونفي بمسؤولياتنا، وننتظر من محاورينا الالتزام بهذه الاتفاقيات وبمسؤولياتهم”.

وجاء استدعاء الرئيس الروسي بشار الأسد (13 سبتمبر) كرسالة تحمل في طياتها رسائل تهديد موجهة إلى تركيا، حيث تنامت وتيرة الهجمات الجوية للقوات الروسية في شهر أكتوبر.

وتزامن ذلك التصعيد مع إقرار البرلمان تمديد الصلاحية الممنوحة للرئيس التركي، لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق عامين آخرين، وسط استعدادات تركية لشن عملية عسكرية محتملة ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية بشمال سوريا بعد سلسلة هجمات صاروخية تسببت بمقتل عدد من الجنود الأتراك.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي، قوله: “من الضروري تطهير المناطق، لا سيما منطقة تل رفعت، التي تنطلق منها الهجمات ضدنا باستمرار”. ولم يحدد توقيت وطبيعة العمل العسكري، إلّا أن الجيش التركي وجهاز الاستخبارات الوطني التركي يجرون الاستعدادات اللازمة لذلك.

وتوقعت مصادر مطلعة أن تستهدف العمليات التركية المرتقبة منطقة “تل رفعت”، وأن توسع شريط “تل أبيض-رأس العين”، تمهيداً لعودة مئات آلاف اللاجئين السوريين، وربما تمتد إلى محور “المالكية” بالقرب من الحدود العراقية لقطع خطوط إمداد الوحدات الكردية بين العراق وسوريا.

وأكدت مصادر مقربة من دمشق أن جيش النظام قد عزز قواته بريف إدلب الجنوبي خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث وجه أرتالاً عسكرية من ناحية “السفيرة” بريف حلب الشرقي الجنوبي، بالتزامن مع تحريك آليات عسكرية ثقيلة أخرى من “أكاديمية الأسد” العسكرية بحي “الحمدانية” غربي مدينة حلب إلى نفس المنطقة. وأكدت وكالة “سبوتنيك” إرسال جيش النظام تعزيزات ضخمة ونوعية إلى جبهات ريف إدلب الجنوبي، شملت دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وجنوداً.

وأكد تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (4 نوفمبر)، أن تركيا تتجه نحو تصعيد الموقف شمال سوريا، حيث تعمل المخابرات التركية على نطاق واسع في المنطقة للإشراف على العمليات العسكرية ضد “قسد” في الشمال السوري، وقد كثفت عملياتها عقب مقتل جنديين تركيين في مارع (10 أكتوبر)، وتم إرسال تعزيزات (26 أكتوبر) للقوات التركية المنتشرة في إدلب. 

وأكد موقع “المونيتور” بأن تركيا بدأت في حشد حلفائها من الفصائل السورية، حيث استدعت بعض قادتهم إلى أنقرة، تمهيداً لشن عملية ضد “قسد”، ما دفع بقوات النظام لإرسال تعزيزات إلى مدينة “تل رفعت” التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية بمحافظة حلب لردع هجوم تركي محتمل.

وأرسل الجيش التركي، في نهاية شهر أكتوبر الماضي، رتلاً مؤلفاً من عربات عسكرية وشاحنات نقل ثقيلة، تحمل كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد اللوجستي لتعزيز قواعده في منطقة “رأس العين” بالريف الشمالي الغربي لمدينة الحسكة، وضم الرتل أسلحة نوعية من بينها: مدفعية ثقيلة، ومضادات دروع، وكميات كبيرة من الذخائر المتنوعة.

كما وصلت حشود عسكرية تركية، إلى منطقة “تل أبيض”، بالتزامن مع حديث تركي عن اقتراب انطلاق معركة، تستهدف مناطق سيطرة “قسد”، فيما أفادت وكالة “بلومبيرغ” بأن تركيا نشرت مئات الجنود الإضافيين في شمال سوريا، استعداداً لهجوم ضد القوات الكردية، مؤكدة رغبة تركيا في إغلاق أكثر من ثلثي حدودها مع سوريا (البالغ طولها 910 كيلومترات)، والسيطرة على مناطق جنوب بلدة “عين العرب”، لربط المناطق الواقعة تحت سيطرتها شرق نهر الفرات وغربه.

وفي مقابل التعزيزات التركية؛ بادرت القوات الروسية إلى استهداف عدد من مقار “الجيش الوطني السوري” في منطقة “عفرين”، كما نشرت أربع طائرات (Su-35) في مطار القامشلي، في إشارة إلى معارضتها للعملية التركية المحتملة دون ترتيبات مسبقة.

4- واشنطن: لغط وتساؤلات

تزامن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان (أغسطس 2021) مع قرار بسحب عدد من منظومات الدفاع الجوية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط، ما تسبب بموجة غضب عارمة ضد السياسة الأمريكية في المنطقة، فيما تضاءلت الآمال بإمكانية تبني الإدارة الأمريكية سياسة حازمة في سوريا.

وجاءت سلسلة التعيينات التي أجراها البيت الأبيض في الملف السوري مخيبة لحلفائها، فعلى إثر مغادرة كل من جيمس جيفري وجويل رايبرن؛ تحدثت مصادر أمنية مقربة من واشنطن عن توجه الرئيس الأمريكي جو بايدن  لسحب جزء كبير من الصلاحيات التي مُنحت للقيادة المركزية بالشرق الأوسط (CENTCOM) منذ عام 2017، لصالح فريق من الدبلوماسيين والمستشارين الذين خدموا سابقاً في الملف السوري، أبرزهم: بريت مكغورك: منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي، والذي يعتبر من أشد المتحمسين لتسليح الميلشيات الكردية وإكسابها صفة رسمية وشرعية دولية، وزهرة هرجي بيل: رئيسة مكتب سوريا بمجلس الأمن القومي، والتي شكلت فريق عمل بالبيت الأبيض، خلافاً للطريقة التي كان يُدار بها الملف السوري سابقاً من قبل مبعوث خاص ومن وزارة الخارجية.

وعكف الفريق الجديد على صياغة إستراتيجية سورية جديدة، أثارت تساؤلات كثيرة، خاصة وأنها لم تتضمن إخراج إيران من سوريا، بل اكتفت بالحديث عن “دعم استقرار الدول المجاورة لسوريا”، وذلك بالتوازي مع المفاوضات الجارية مع إيران لاستئناف العمل بالاتفاق النووي، وعدم اتخاذ خطوات تصعيدية ضد إيران، حيث رفعت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتها عن ثلاث مسؤولين حكوميين إيرانيين سابقين وشركتين إيرانيتين، بعد إدراجهم سابقاً بقائمة العقوبات بسبب دورهم في التجارة النفطية لإيران.

كما أجرت وزارة الخزانة الأمريكية تعديلات على “قانون قيصر”، سهلت عمل الجمعيات المؤيدة للنظام من خلال اقتراح تعديل على البندين (884) و(885)، فيما اعُتبر أنه “انصياع” للمنتقدين الذين يتهمونها بمفاقمة الوضع الإنساني المنهار أصلاً في سوريا، وتزامن ذلك الإجراء مع رفع العقوبات عن شركتين تابعتين لسامر الفوز (10 يونيو 2021)، وسط مطالبات من أعضاء الكونغرس، إلى الرئيس الأمريكي، بتقديم توضيحات بهذا الخصوص. 

وتعالت في واشنطن أصوات المطالبين بتوضيح طبيعة موقف الإدارة الأمريكية من تقارب حلفائها العرب مع نظام بشار الأسد، حيث رأى مسؤولون أمريكيون سابقون أن التطبيع العربي مع النظام يمثل نكسة لمصالح الولايات المتحدة، التي هدفت سياستها إلى حرمان الأسد من النصر، وربطت الاعتراف الرسمي بنتائج العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لتشكيل قيادة انتقالية في سوريا، خاصة وأن الإدارة الأمريكية قد آثرت غض الطرف إزاء خرق التشريع الأمريكي.

وعلق ديفيد شينكر، الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة دونالد ترامب: “من السذاجة التفكير أن يكون إعلان ملك الأردن عن مكالمته مع الأسد لو اعترض بايدن أو إدارته على هذا التواصل”، وحذر من أن الاعتراف الكامل بنظام الأسد يعد خرقاً لقرارات مجلس الأمن.

ورأى الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية، جوش روجين، أنه على الرغم من معارضة الإدارة العلنية للتطبيع مع نظام الأسد؛ إلا إنها في حقيقة الأمر تنظر نحو الاتجاه الآخر، ولا شك في أنها تؤيد -بشكل ضمني- الإجراءات التي تتخذها بعض الدول العربية تجاه الأسد، وخاصة وأن عملية التطبيع قد بدأت عقب لقاء العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بالرئيس بايدن في شهر يوليو الماضي، ولم تتحرك الإدارة الأمريكية ضد هذه الأنشطة المخالفة لسياساتها المعلنة، وخرقها لقانون “قيصر”، بل إن وزارة الخارجية الأميركية رحبت -في بادئ الأمر- بإعلان فتح الحدود بين الأردن وسوريا، لكنها لم تعلق على المكالمة الهاتفية بين الملك عبد الله والأسد.

وصرح جيم جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب، لرويترز بالقول: “أنا واثق تمام الثقة أن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم”، وأضاف: “يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمّة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره”.

ورأى آرون ستاين، مدير البحوث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، أن إدارة بايدن: “ليست مهتمة باستهلاك رصيدها الدبلوماسي في منع حكومات بالمنطقة من القيام بما تعتقد أنه الأفضل فيما يتعلق بالنظام”. 

وأثارت طريقة تطبيق قانون قيصر، شكاوى عدد من السياسيين الجمهوريين، بمن فيهم؛ بريان ستيل، وجو ويلسون، وجيم بانكس، وإيفيت هيريل، وخاصة فيما يتعلق باختيار وزارة الخارجية للمواطنين السوريين المسموح لهم بدخول الولايات المتحدة، وعلى رأسهم علي مخلوف، ابن رامي مخلوف، الذي شوهد يقود سيارته الفيراري بلوس أنجلوس في 14 أكتوبر الماضي.

وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، النائب جو ويلسون،  إن “صورة علي مخلوف، ابن خال الديكتاتور المتوحش بشار الأسد، وهو يقود سيارة فيراري بقيمة 300 ألف دولار في شوارع لوس أنجلوس، مثيرة للاشمئزاز”، مؤكداً أن رامي مخلوف، يدير شبكة من الشركات الوهمية التي تمول القتل والتعذيب والتهجير التي ترتكب ضد الشعب السوري من قبل نظام الأسد، بالإضافة إلى إدراجه على قوائم العقوبات الأمريكية”.

وأكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جويل ريبورن” (19 نوفمبر) أنه يشعر بالخيبة حيال تعامل الولايات المتحدة مع الملف السوري، قائلاً: “لا ألوم الشعب السوري على شعوره بالخيبة وفقدانه الأمل بالحل، أنا نفسي أشعر بالخيبة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، رغم كوني جزءاً سابقاً منه”.

وللتعامل مع حالة الغموض المستمرة، أقر مجلس النواب الأميركي في الكونغرس (9 ديسمبر) قانون الكشف عن مصادر ثروة بشار الأسد، وعائلته والدائرة المقربة منه، وطالب بإعلان إستراتيجية الإدارة لسوريا، بما في ذلك وصف الأهداف الدبلوماسية المرغوبة لتعزيز المصالح الوطنية للولايات المتحدة في سوريا، والأهداف النهائية المرجوة، ووصف الدبلوماسية الأمريكية المقصودة هناك.

5- تل أبيب: ضوء أخضر جديد

شهدت الأسابيع الستة الأولى من عام 2021 تكثيف حملة القصف الإسرائيلي على مواقع تابعة لإيران في محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، وذلك ضمن إستراتيجية تنفذها الاستخبارات العسكرية، حيث شن سلاح الجو الإسرائيلي 30 غارة جوية في شهر يناير، وصفت بأنها الأعنف ضد مواقع الميلشيات الإيرانية، واستهدفت: ثلاث مواقع للحرس الثوري الإيراني في “تلة معيزيلة” ومنطقة “الثلاثات” و”المصلخة” في ريف البوكمال، وموقعين لميلشيا “فاطميون” بالقرب من بلدة “صبيخان”، ومستودعات “عياش” العسكرية غربي دير الزور، ومقر “اللواء 137” جنوبي المحافظة، ومبنى كلية التربية وسط مدينة دير الزور، ومبنى الأمن العسكري، ومقراً للحرس الثوري قرب الفرن الآلي في الأحياء الشرقية للمدينة، وموقع “النبي هابيل” غربي دمشق، وكتائب الدفاع الجوي المنتشرة على طريق “الديماس” و”يعفور”، والطريق الدولي بين سوريا ولبنان.

وتحدثت مصادر أمنية إسرائيلية عن “معركة سرية” تشنها تل أبيب لمنع طهران من إنشاء المزيد من القواعد العسكرية في الجنوب السوري، حيث نُقل عن رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، الجنرال تامير هايمان، قوله: “إن المحور الإيراني مستمر في ترسيخ نفسه للإضرار بإسرائيل عبر الجولان”.

وأكد قائد المنطقة الشمالية، الجنرال أمير برعام، أن: “هضبة الجولان لن تكون نموذجاً لجنوب لبنان، حيث ينطلق حزب الله من اللواء الأول السوري، محاولاً مد نفوذه وقدراته، وإنشاء جبهة ثانية ضد إسرائيل”.

وأسفر القصف الإسرائيلي في شهر، فبراير، عن مقتل تسعة مسلحين موالين لإيران في مواقع عدة قرب دمشق، جراء غارات استهدفت مستودعات أسلحة وصواريخ تابعة لإيران.

واستمرت العمليات بصورة متقطعة حتى شهر أغسطس، حيث قُتل أربعة عناصر من “حزب الله” اللبناني في غارات إسرائيلية (19 أغسطس) على منطقة “قارة” القريبة من الحدود اللبنانية، وذلك عقب يومين من هجوم جوي-مدفعي مزدوج (17 أغسطس) على أطراف بلدة “حضر” في القنيطرة بالجولان.

ووضع لقاء بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت (22 أكتوبر 2021) الحد لشائعات تحدثت عن تراجع التنسيق الروسي-الإسرائيلي، حيث اتفق الزعيمان على استمرار سياسة إسرائيل تجاه سورية، بما في ذلك غاراتها الجوية، مقابل؛ عدم استهداف البنى التحتية والمرافق الأساسية في سوريا، وتقديم تحذيرات مسبقة بالضربات الجوية أكثر مما كانت تفعله، وتعهد بينيت باحترام الاتفاقات المبرمة بين نتنياهو وبوتين حول سوريا.

وفي مقابل استمرار غض موسكو الطرف عن العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية؛ طلب بوتين من بينيت تشجيع إدارة بايدن على تخفيف بعض عقوباتها على سوريا من أجل السماح للشركات الروسية بالمشاركة في عمليات إعادة الإعمار.

ونُقل عن مسؤولين إسرائيليين القول؛ إن بوتين يريد من الشركات الروسية الحصول على معظم مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة في سوريا، لتعزيز الإيرادات والنفوذ الروسي في الاقتصاد السوري، مؤكدين حرصه على عقد اجتماع ثلاثي لمستشاري الأمن القومي لروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة لمناقشة سبل المضي قدماً في العملية السياسية بسوريا.

وبادر بينيت، فور عودته من روسيا، إلى تصعيد الموقف ضد المواقع الإيرانية في سوريا، حيث نفذ سلاح الجو الإسرائيلي (26 أكتوبر) هجمات على أهداف عسكرية، وشهدت العمليات الإسرائيلية تطوراً جديداً، تمثل في استخدام صواريخ أرض-أرض لأول مرة، بدلاً من الغارات الجوية.

وأكد مصدر عسكري أن موسكو باركت العملية ضمناً، لأن الإيرانيين قدموا لنظام الأسد بطاريات صواريخ إيرانية تنافس الصواريخ الروسية من حيث الجودة، إضافة لتقديمهم تدريبات عملية لقوات الأسد في أساليب الرد السريع على الغارات الإسرائيلية.

وصعدت تل أبيب من نطاق هجماتها، فيما بعد، حيث استهدف صاروخين جنوب العاصمة دمشق، تبعهما قصف جوي (15 نوفمبر) استهدف مواقع ومستودعات للسلاح تابعة للميلشيات الإيرانية في مدينة “البوكمال” غرب الفرات.

ومثّل القصف الإسرائيلي لميناء اللاذقية (7 ديسمبر 2021) التطور الأبرز، خاصة وأنه يبعد بضعة كيلومترات من قاعدة “حميميم” التي تستضيف منظومتي “إس 300″، و”إس 400″، ما يؤكد موافقة موسكو الضمنية على العملية التي قيل إنها جاءت كرد غير مباشر من بوتين على منح النظام إدارة ميناء اللاذقية إلى إيران.

ويبدو أن تل أبيب تُعدّ العدة لتصعيد حملتها في الفترة المقبلة، حيث أكد مصدر عسكري أن الجيش الإسرائيلي يخطط لاستثمار مليار شيكل (324 مليون دولار) كجزء من الاستعداد لعملية عسكرية ضد إيران والفصائل الموالية لها في سوريا ولبنان.

6- الحظيرة العربية: خطوات… مقابل لاخطوة

دشنت المملكة الأردنية الهاشمية أولى خطوات التطبيع الاقتصادي مع النظام، وذلك بعد أن حصل الملك عبد الله الثاني على موافقة الرئيس الأمريكي بمنح لبنان استثناءً لاستجرار الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، وإمكانية تشكيل فريق عمل يجمع كلاً من: الولايات المتحدة، وروسيا، وإسرائيل، والأردن، ومصر، ولبنان، والعراق، للاتفاق على خارطة طريق لاستعادة “سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.

ورأت مصادر مطلعة أن خطة مد شبكة أنابيب الغاز والكهرباء ستكون بمثابة فرصة ذهبية لدمشق، لأنها ستمكنها من إصلاح وتحديث كل من خط أنابيب الغاز وشبكة الكهرباء الخاصة بها، ولا يمكنها فعل ذلك إلا بدعم مالي من البنك الدولي بموافقة واشنطن، وستُمكن النظام من فرض رسوم للسماح بمرور الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، كما أنها ستساعد دمشق على إعادة الاندماج في الحظيرة العربية.

ورأى الباحث الأمريكي، جوشوا لانديس، أن العامل الإسرائيلي كان وثيق الصلة بحسابات فريق “بايدن”، نظراً لأن الغاز الطبيعي الإسرائيلي سينتهي به الأمر إلى لبنان عبر مصر والأردن، معتبراً أن: “حقيقة احتمال تصدير الغاز الإسرائيلي عبر خط الأنابيب هي أيضا من الاعتبارات المهمة في واشنطن”.

وجاءت الإشارة التالية من لبنان، حيث استقبل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام، فيصل المقداد، وفداً من حكومة تصريف الأعمال اللبنانية (4 سبتمبر 2021) في زيارة هي الأولى لوفد حكومي لبناني رفيع المستوى إلى سوريا منذ اندلاع الثورة فيها قبل عشر سنوات. تلاها استقبال بشار الأسد (5 سبتمبر 2021) وفداً لبنانياً ضم شيخ الطائفة الدرزية في لبنان، طلال أرسلان، ورئيس حزب “التوحيد العربي”، وئام وهاب، وأعقبها حديث رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (10 سبتمبر) عن إمكانية: “إقامة علاقات مع أي بلد، بما في ذلك سوريا، من أجل مصلحة لبنان”.

وبعد اتصال العاهل الأردني ببشار الأسد (3 أكتوبر)، بحث وزير اقتصاد النظام في معرض “إكسبو 2020″ مع نظيره الإماراتي سبل تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين، وأعقب ذلك إعلان وكالة أنباء الإمارات (20 أكتوبر)، أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تلقى اتصالاً هاتفياً من بشار الأسد، وأنهما بحثا الأوضاع في سوريا والشرق الأوسط، و”سبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة”. 

وتحدث تقرير أمني غربي (1 نوفمبر 2021) عن احتدام التنافس بين شركات نفطية خاصة  على العطاء الشهري الثالث لتوريد الوقود من العراق إلى لبنان (أُطلق في 28 أكتوبر) عبر الأراضي السورية، ما يعود بدوره على دمشق بفائدتين: الأولى، موارد الترانزيت، والثانية، تزويده بكميات من النفط والبضائع التي يحتاجها مقابل السماح بعملية النقل. 

أما في تل أبيب؛ فقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” (16 نوفمبر) عن وجود: “جناح لا بأس به في هيئة الأركان الإسرائيلية يدعو إلى دعم نظام بشار الأسد لبسط سيطرته على كامل سوريا، بهدف التخلص من الإيرانيين وتقليص نفوذهم في حدود إسرائيل الشمالية”.

ويرى هذا الجناح أنه يجب اتخاذ إجراءات غير مباشرة لمساعدة الأسد في بسط حكمه على كامل سوريا، حيث أكد مراسل الصحيفة، بن يشاي، أن هناك جهداً سياسياً من قبل إسرائيل لمحاولة تعبئة واشنطن لدعم الأسد في إعادة إعمار سوريا، وذلك بحجة: “استياء الأسد من الوجود الإيراني الذي يعرقل الخطط المستقبلية لنظامه ولحلفائه الروس”.

وأشار بن يشاي إلى أن المصالح بدأت تتقاطع بين الأسد وبوتين وإسرائيل في الآونة الأخيرة حول تقليص النفوذ الإيراني، مؤكداً أن: “أنشطة إيران العسكرية في سوريا باتت تثير استياء نظام الأسد لأنها تقوض سعيه لفرض سيطرته على كامل سوريا، كما أن بوتين بات يدرك أهمية الضربات الإسرائيلية لكبح الإيرانيين، الذين ينافسون الروس اقتصادياً في سوريا”.

وفي القاهرة؛ توقع وزير البترول المصري طارق الملا (16 نوفمبر) أن تبدأ مصر تصدير 60-65 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً إلى لبنان بحلول أوائل العام المقبل، وذلك بموجب خطة تدعمها الولايات المتحدة للمساعدة في تخفيف أزمة الكهرباء، وتتضمن تزويد لبنان بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب يمر عبر الأردن وسوريا.

وكان تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (21 أكتوبر) قد أكد أن ميناء طرابلس، شمال لبنان، قد أصبح مركزاً رئيساً للاستثمارات الصينية في سوريا، حيث افتتحت شركة (كوسكو شيبنغ لاين) مؤخراً مكتباً لها في الميناء، ودشنت شركة “شنغهاي” لشحن الحاويات خطاً إلى طرابلس (تديره شركة جلفتينر الإماراتية)، فيما تخطط شركة هندسة الموانئ الصينية للعمل في ميناء طرابلس. 

ووفقاً للتقرير فإن الحكومة الصينية ترغب في استثمار نحو 55 مليون دولار في ميناء طرابلس، ليس باعتباره نقطة وصول بحرية جديدة في البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل لأنه وسيلة للوصول إلى سوريا المجاورة، والتي تخطط السلطات الصينية لممارسة دور كبير في عملية إعادة الإعمار فيها، حيث انتقلت العديد من شركات العقار الصينية إلى طرابلس  في شهر سبتمبر الماضي، وقامت -عبر وكالات عقارات محلية- بزيارة مدينتي حمص وحماة. ويتوقع أن يمثل “المجلس-السوري الصيني” برئاسة محمد حمشو مفتاح التواصل للشركات الصينية في سوريا خلال الفترة المقبلة.

في هذه الأثناء؛ تبذل العديد من أجهزة الاستخبارات العربية جهوداً حثيثة -خلف الكواليس- للتطبيع الأمني مع النظام، حيث تحدث تقرير نشره موقع “إنتلجنس أون لاين” (13 سبتمبر) عن تولي المخابرات اللبنانية مهمة ترتيب أول اجتماع رسمي للجارتين بدمشق (4 سبتمبر)، حيث التقط مدير الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، الذي يعتبر عراب العلاقات غير الرسمية بين البلدين، إشارة سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، دوروثي شيا، بتشجيع لبنان للتعاون مع سوريا وجيرانها لإيجاد حل عاجل لأزمة المحروقات التي يعاني منها.

وكشفت مصادر أمنية غربية عن زيارة قام بها “إبراهيم” إلى موسكو للتباحث مع نائب وزير الخارجية الروسي “سيرجي فيرشنين”، الذي يمثل موسكو في دورات مجلس الأمن الدولي، بشأن مسألة عودة اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليم المساعدات الإنسانية عن طريق النظام.

وأشار تقرير أمني غربي إلى إجراء الاتصالات بين جهازي المخابرات العامة المصرية والاستخبارات الإيرانية، بوساطة من مدير مكتب الأمن القومي في دمشق اللواء علي مملوك، حيث سافر إلى القاهرة مرتين لإقناع كامل بالدخول في محادثات مباشرة مع إيران.

وأكد تقرير أمني (16 نوفمبر) أن مشاركة مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا كضيف خاص في “المنتدى العربي  الاستخباري” بالقاهرة (9 نوفمبر) تمت بموافقة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وذلك بهدف إدماج النظام السوري بالمنظومة الأمنية العربية، حيث ترغب واشنطن في تحقيق قدر من التقارب بين الدول العربية وإيران عبر ملف التنسيق الأمني في سوريا، والعراق، ولبنان.

وتحدثت تقارير أمنية عن جهود يبذلها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي (رئيس جهاز المخابرات الوطنية العراقية سابقاً) عبر فريق يتضمن ضباط استخبارات عراقيين كبار للتعامل مع ملف التطبيع مع النظام السوري (خارج وصاية الحشد الشعبي)، وعلى رأسهم؛ عبد الأمير الشمري، الذي رقاه الكاظمي إلى أعلى رتبة عسكرية، وأحمد طه أبو رغيد، الذي تمت ترقيته كذلك، وكان مسؤولاً عن عمليات “وحدة خلية الصقور” لمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى قائد جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي. وذلك في مقابل إضعاف مجلس الأمن القومي، برئاسة قاسم الأعرجي، العضو البارز في ميلشيا “الحشد الشعبي” ووزير الداخلية سابقاً.

وتتمثل المهمة الأولى للفريق الأمني الجديد في إدماج أجهزة الاستخبارات العراقية بالمنظومة الأمنية العربية، وتنسيق المواقف الأمنية مع الدول العربية الأخرى للتطبيع مع النظام السوري، حيث أكد وزير الخارجية العراقية، فؤاد حسين، أن: “علاقات العراق الدبلوماسية مع النظام لم تنقطع أبداً، ولطالما شجعنا الدول العربية على أن تكون لها علاقات طبيعية مع دمشق”، لافتاً إلى أن: “استقرار الأوضاع في سوريا يعود بالنفع على العراق”، وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد تلقى اتصالاً من بشار الأسد لمناقشة: “العلاقات الثنائية والتعاون في مكافحة الإرهاب بين البلدين”.

وقال وزير الخارجية العراقي في حديث مع قناة “سي إن إن” الأمريكية (17 نوفمبر): “أعتقد أن معظم الدول العربية هذه الأيام بدأت في إقامة علاقات مع النظام، بعضها أعلن ذلك والبعض الآخر لم يعلن”، مؤكداً أنه “في غضون فترة قصيرة، ستكون هناك علاقات طبيعية بين العديد من الدول العربية والنظام”.

ووفقاً لتقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (13 أكتوبر) فإن مديرية المخابرات العامة الأردنية بذلت جهوداً حثيثة لتطبيع العلاقات مع دمشق، حيث عمل مدير جهاز المخابرات العامة الأردني، اللواء أحمد حسني -خلف الكواليس- على إعادة تأهيل النظام إقليمياً، والتقى عدة مرات مع  رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، في دمشق وعمان و إربد، ومع رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية وتأمين الإجماع العربي لدعوتها للقمة المقبلة في الجزائر.

وأكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة من طرفه (9 نوفمبر)، أن: “الأوان قد آن لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وأن كرسي سوريا يجب أن يعود إليها من دون التدخل في سياساتها وفي من يحكمها”.

وعلى الرغم من الجهود العربية الحثيثة لإعادة سوريا إلى الحظيرة العربية؛ إلا أن عملية التطبيع لم تؤتِ ثمارها بعد، ففي 17 نوفمبر أكد لعمامرة، أن الاتصالات التي أجراها أسفرت عن: “قرار بعدم الاستعجال وضرورة قيام دمشق بخطوات محددة وتوفير إجماع عربي لعودتها للجامعة”، وذلك في إشارة إلى اشتراط دول عربية تجاوباً من طرف النظام فيما يتعلق بملفات: اللاجئين، والتسوية السياسية، وتقليص الوجود الإيراني، والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة وتهريب المخدرات.

وتأتي تصريحات وزير الخارجية الجزائري لخفض السقف المرتفع الذي كانت الدول المطبعة مع النظام تطمح إليه، فعلى الرغم من الاستقبالات التي حظي بها ممثلو النظام في الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي بعض العواصم العربية؛ إلا أن الحديث يدور في كواليس الدول المطبعة عن تعنّت فريق بشار الأسد، وعدم قدرتهم على الإنصات لحديث مضيفيهم حول ضرورة التعاون في عملية الانتقال السياسي وتوفير البيئة الآمنة لعودة اللاجئين، خاصة بعد أن رد فيصل المقداد على المبادرة العربية، التي عُرضت عليه في مسقط، بالقول: “إن الإصلاح السياسي سيأتي بالوتيرة والعمق الذي تحدده دمشق”.

ومن خلال تتبع موجة التصريحات، والتسريبات، التي صاحبت الحراك الدبلوماسي الدولي حول سوريا، يمكن القول أنه لا توجد حتى الآن مبادرة شاملة لإخراج سوريا من أزماتها الاقتصادية والإنسانية، إذ تنحصر جهود التطبيع في مجموعة من الدول العربية التي لا تملك أية قوات عسكرية أو تأثير فعلي على الأرض، بل ينحصر دورها في محاولة الوساطة بين الدول الفاعلة، ومحاولة التطبيع مع نظام الأسد دون القدرة على إعادة تعويمه في المشهد الدولي.

7- الأمم المتحدة: وساطة فاشلة وخروقات مستمرة  

أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا غير بيدرسون (22 أكتوبر 2021) أن الجولة السادسة لاجتماع اللجنة الدستورية السورية كانت “محبطة للغاية”، ولم تصل إلى تفاهم لصياغة مسودة دستور جديد أو الاتفاق على موعد الجولة المقبلة.

ويأتي إخفاق الوسيط الأممي الرابع في تحقيق أي تقدم يذكر بالتزامن مع كشف سلسلة من الخروقات التي ارتكبتها الأمم المتحدة في تعاملها مع النظام، حيث كشفت “منظمة الصحة العالمية” في ليبيا عن اعتمادها على شركة “أجنحة الشام” الخاضعة للعقوبات الأمريكية.

وذكر حساب المنظمة في “تويتر” (11 يناير) أن أكثر من 16 طناً من الأدوية والإمدادات والمعدات الطبية، أُرسلت من مستودعات منظمة الصحة العالمية من دبي إلى بنغازي، وظهرت في الصور المرفقة طائرة تابعة لشركة “أجنحة الشام”، ما أثار موجة انتقادات للأمم المتحدة نتيجة تعاملها مع شركة متورطة بنقل المرتزقة الروس والمقاتلين التابعين للنظام إلى مدينة “بنغازي”. 

وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قد أدرج “أجنحة الشام” ضمن قائمة العقوبات الأمريكية (2016)، لتقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي للنظام السوري، ولتعاونها مع مسؤولي الحكومة السورية لنقل المسلحين إلى ليبيا للقتال، ومساعدة المخابرات العسكرية في نقل الأسلحة والمعدات للنظام، مؤكدة أن رحلات “أجنحة الشام” من دمشق إلى دبي قد مثلت في الأعوام الماضية إحدى الطرق الرئيسة التي استخدمتها المخابرات العسكرية السورية لغسيل الأموال.

وأكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة تورط “أجنحة الشام” في تسيير عدد من الرحلات لنقل مقاتلين سوريين، وعناصر من شركة “فاغنر” الروسية إلى ليبيا لدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلا أن ذلك لم يمنع منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة من التعاون مع الشركة، ما أثار تساؤلات حول دور المسؤولة بالمنظمة الصحة العالمية “إليزابيث هوف” التي عملت كممثلة للمنظمة في سوريا خلال الفترة 2012-2019، وحول ما يتم تسريبه من تجاوزات لعدد من موظفي الأمم المتحدة بدمشق لصالح النظام. 

وفي 25 أكتوبر: أشار تقرير أمني غربي إلى أن مؤسسات الأمم المتحدة قامت بأدوار متناقضة إزاء سوريا، فبالتزامن مع انطلاق الدورة السادسة للجنة الدستورية السورية (18 أكتوبر) في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف؛ كانت الهيئة الدولية تسير في اتجاه معاكس تماماً، حيث  ذهب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الإيطالي فيليبو غراندي، إلى دمشق (15 أكتوبر) للتفاوض مع نظام الأسد، غير عابئ بالمفاوضات الجارية بين وفدي النظام والمعارضة.

وبينما كان الوسيط الأممي غير بيدرسن، يُمنّي وفد المعارضة بإمكانية تغيير موقف النظام في مسألة المعتقلين واللاجئين؛ رأى التقرير أن التوصيف الدقيق لموقف المنظمة الأممية هو: “الاستهزاء”، بالمعارضة السورية، حيث ناقش الإيطالي غراندي مع فيصل المقداد، سبل تعزيز التعاون بين الأمم المتحدة والنظام بشأن قضية اللاجئين، ما يُعتبر تشجيعاً ضمنياً للنظام بالمواصلة في نهجه الحالي، والتفاوض معه على هذا الأساس.

كما قام المبعوث الخاص للأمم المتحدة بزيارة مدينة “تلبيسة”، التي تم تدميرها بالكامل عام 2012، ولم يتم السماح لسكانها بالعودة إليها حتى اليوم، ما يؤكد على النهج المتناقض الذي تتبعه الأمم المتحدة.

وتزامنت تلك الزيارة مع نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) دراسة أكدت حصول النظام على ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية عبر قيام وكالات الأمم المتحدة باستخدام سعر صرف أقل، ما مكنه من تحقيق نحو 60 مليون دولار من المساعدات الأممية المرسلة إلى سوريا، وجعلت الأموال التي يحصل عليها النظام من عقود الأمم المتحدة واحدة من أكبر السبل لكسب المال.

وقالت الزميلة في برنامج الشرق الأوسط بالمركز، ناتاشا هول، لصحيفة “غادريان” البريطانية (21 أكتوبر 2021): “إذا كان الهدف من العقوبات هو حرمان النظام من الموارد اللازمة لارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين، وكان الهدف من المساعدات الإنسانية الوصول إلى المحتاجين، فلدينا هذه الحالة… حيث تتعارض المساعدات تماماً مع هذين الهدفين”.

وأكد تقرير صادر عن “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” (FDD)، من طرفه، أن وكالات الأمم المتحدة أنفقت نحو 15 مليون دولار في العام الماضي كمصاريف في فندق “فورسيزونز” بدمشق، فيما بلغ مجموع نفقات الأمم المتحدة في الفندق منذ عام 2014 أكثر من 70 مليون دولار، بحسب التقرير الإحصائي السنوي لمشتريات الأمم المتحدة، حيث اشترت ما قيمته 244,5 مليون دولار من السلع والخدمات في سوريا خلال العام الماضي.

وكان تحقيق لصحيفة “غارديان” البريطانية (أغسطس 2016) قد أكد أن الأمم المتحدة منحت عقوداً بقيمة عشرات الملايين من الدولارات لأشخاص مرتبطين ارتباطاً وثيقاً ببشار الأسد، كجزء من برنامج المساعدات.

8- دمشق: تنامي التدهور الاقتصادي

في مؤتمر صحافي عقده بمناسبة الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب في سوريا؛ دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش (10 مارس 2021) إلى بذل مزيد من الجهود من أجل “إتاحة الوصول للمساعدات الإنسانية” في سوريا، واصفاً الوضع في سوريا بأنه “كابوس”، ومؤكداً تعرض “نحو 60% من السوريين لخطر الجوع هذا العام”.

وأكد تقرير صادر عن نقابة عمال المصارف (29 يناير 2021) أن خسائر الاقتصاد السوري بلغت أكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9,7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010، فيما قدّر تقرير أممي، صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “اسكوا” بالتعاون مع جامعة “سانت أندروز” البريطانية، خسائر الاقتصاد السوري بنحو 442 مليار دولار، مضيفاً أنه: “على الرغم من ضخامة هذا الرقم، إلا أنه لا يلخص حجم معاناة السكان الذين تم تسجيل 5,6 مليون شخص منهم كلاجئين، و6,4 مليون كنازحين داخلياً، و6,5 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و11, 7 مليون لا يزالون بحاجة إلى شكل واحد على الأقل من أشكال المساعدة الإنسانية”.

وأشار تقرير أعده برنامج الأغذية العالمي  (WFP)التابع للأمم المتحدة (13 فبراير 2021) إلى أن أكثر من 12,4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، معتبراً أن البلاد تعيش “أسوأ حالة أمن غذائي في تاريخها”. 

ووفقاً للتقرير؛ فإن 1,3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% عن العام الماضي، بالإضافة إلى تعرض 1,8 مليون مواطن سوري آخرين لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي، فيما بلغت زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي نسبة 57%، أي بمقدار 4,5 مليون شخص في عام واحد فقط.

واعتبر مدير الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة، أحمد حيدر (7 مارس 2021) أن ضعف القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار سبّبا مشكلة الأمن الغذائي، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن وزير الاقتصاد، محمد سامر الخليل، قوله؛ إن سوريا بحاجة إلى استيراد ما بين 180 ألفاً و200 ألف طن من القمح شهرياً، بتكلفة 400 مليون دولار أمريكي.

وكانت سوريا قد احتلت المرتبة 101 على مؤشر الأمن الغذائي التابع لمجلة “إيكونوميست” البريطانية (25 فبراير 2021)، فيما أكد أمين سر جميعة حماية المستهلك التابعة للنظام في دمشق عبد الرزاق حبزة (9 مارس 2021)، أن الارتفاع الحاصل في أسعار جميع المنتجات الغذائية غير مسبوق، حيث بلغت نسبة الارتفاع الأخيرة نحو 40-50 بالمئة.

وأثار قرار محافظ دمشق، عادل العلبي (12 أغسطس)، جدلاً في دمشق، بعدما قرر إقفال الأسواق التجارية عند الساعة الثامنة ليلاً، وذلك نتيجة أزمة الكهرباء، ما دفع بالتجار لتقديم عريضة عبر غرفة تجارة العاصمة السورية، للاعتراض على القرار دون تلقي أي رد. 

وتزامنت تلك الإجراءات مع إصدار وزارة الصحة قراراً برفع أسعار الأدوية بنسب وصلت إلى نحو 50 بالمئة، ونقل عن “مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة السورية” قولها إن: “اللجنة الفنية العليا للدواء قررت في جلستها اليوم تعديل أسعار الدواء، حيث أرفقت قوائم تضم 11,819 صنفاً دوائياً تم رفع سعره”.

وأصدرت كل من؛ وزارة الداخلية، وحماية المستهلك، ومحافظة دمشق، قرارات برفع أسعار الخبز السياحي والصمون والكعك وخبز النخالة في مدينة دمشق، حيث ارتفع سعر كيلو خبز السمون القاسي 50 ليرة سورية، تحت ذريعة “الحصار الأمريكي” وما سببه من صعوبات في توفير المواد الغذائية الأساسية وشحنها وتسديد قيمتها وارتفاع تكاليفها.

وكشفت دراسة مسحية أعدها “مركز السياسات وبحوث العمليات الاقتصادية” أن أكثر من نصف سكان العاصمة دمشق يعيشون تحت خط الفقر، وأن الغالبية منهم تعتمد على مصدرين أو ثلاثة مصادر للدخل حتى يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم الرئيسة، بالتزامن مع تنامي اعتماد السكان على مساعدات الآخرين، حيث تمثل التحويلات من الأصدقاء والأقارب في الخارج مصدراً رئيساً للدخل.

وفي شهر سبتمبر الماضي؛ أعلن عضو اتحاد غرف الصناعة وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب، المهندس مجد شاشمان، مغادرة نحو 47 ألف صناعي سوري مدينتي دمشق وحلب إلى خارج سوريا، لأسباب مرتبطة بالوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أن: واقع الكهرباء، وارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وصعوبة تأهيل المعامل، التي كبّدت المنتجين أعباءً كبيرة وأثرت على تنافسية المنتج السوري خارجياً، والقرارات الرسمية التي عرقلت حركة الاستيراد والتصدير؛ جعلت أصحاب المشاريع يفقدون الأمل من تحسن الأوضاع والمغادرة، لا سيما مع توافر فرص استثمارية جيدة في أماكن أخرى كمصر وأربيل.

وعلى الرغم من اضطرار شاشمان لنفي تصريحه فيما بعد؛ إلا أن عدداً من التجار المحليين قد حذروا من إمكانية تعرض السوق السورية لانقطاع مواد أساسية، بسبب عزوف المستوردين عن الاستيراد، جراء ارتفاع تكاليف الشحن، حيث أعلن عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، أنطوان بيتنجانة، أنه لا يوجد خيار أمام التجار حالياً إلا الاستيراد مجتمعين عبر بواخر ضخمة.

وفي شهر نوفمبر الماضي؛ تداول ناشطون صورة تظهر مجموعة من الطلاب يتشبثون بسيارة نفايات للوصول إلى مدارسهم في دمشق، في ظل أزمة المحروقات التي تعيشها البلاد، حيث تعاني مناطق سيطرة النظام من أزمة مواصلات حادة، وسط ارتفاع أجور النقل، فيما حذّر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي (13 نوفمبر) من التدابير القاسية التي يضطر الأهالي إلى اتخاذها بسبب الجوع والفقر في سوريا، مؤكداً أن الصراع والتغيّر المناخي وجائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وارتفاع تكاليف المعيشة، تدفع الناس إلى ما وراء قدرتهم على التحمل.

وفي مطلع شهر ديسمبر الجاري؛ تحولت أزمة المواصلات في مدينة دمشق، إلى مستوى مخيف مع إعلان الجهات الرسمية (7 ديسمبر)، عدم قدرتها على تزويد كل القطاعات بالمحروقات التي تحتاجها، مشيرة إلى أن الأولوية بالنسبة لها هي للمستشفيات والأفران، وبعض المرافق الحيوية داخل العاصمة دمشق، وعلى رأسها الدوائر الحكومية، وذلك بالتزامن مع تراجع عدد الباصات العاملة على خطوط النقل في دمشق إلى أقل من النصف، مع إعلان أصحابها عدم تسلمهم لمخصصاتهم من المازوت منذ أكثر من عشرة أيام.

ونتيجة لذلك التدهور فقد تصدرت سوريا (بالاشتراك مع اليمن والصومال) قائمة الدول الأكثر هشاشة عالمياً، وفق تصنيف منظمة “Fund For Peace” لعام 2021، من بين 179 دولة شملها التقرير.

9- الانفلات الأمني في مناطق سيطرة النظام 

تشهد المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام تردٍ غير مسبوق في الأوضاع الأمنية، حيث تنتشر جرائم السرقة نتيجة قلة دوريات الشرطة، التي نادراً ما تسيّر دوريات ليلية في الشوارع.

ويبدي السكان تذمرهم من إفراج السلطات الأمنية عن موقوفي عصابات السرقة المنظمة مقابل كفالة مالية، أو من خلال استعانة بعضهم بوساطات تأمر بإخلاء سبيلهم “على ذمة التحقيق”، ما يتيح لهم العودة إلى السرقة مرة أخرى، علماً بأن معظم رجال تلك العصابات هم من عناصر “اللجان الشعبية”، أو “المخابرات الجوية”.

وفي 7 أغسطس؛ اندلعت اشتباكات عنيفة بين “الدفاع الوطني” وميلشيات كفريا والفوعة من جهة، وبين ميلشيات “حزب الله” و”فاطميون” من جهة أخرى في بلدة “الواحة” بريف حلب الشرقي، وذلك عقب وصول جثامين لعناصر من “حزب الله”، كانوا قد قُتلوا في المعارك مع ثوار درعا، وخلال استقبال الجثامين التي كانت في طريقها إلى مطار حلب الدولي، تم توجيه الاتهام للميلشيات المحلية بالتقاعس عن القتال خلال معارك درعا، واندلعت مشادات كلامية تطورت إلى مواجهات بالرشاشات الخفيفة والمتوسطة، ما أدى إلى سقوط قتيلين وسبعة جرحى من “الدفاع الوطني”، وسقوط قتيل وثلاثة جرحى من “حزب الله”.

وتأتي تلك الحادثة عقب مواجهات سابقة وقعت في نهاية شهر يوليو الماضي في بلدتي نبل والزهراء بين “لواء القدس” و”الدفاع الوطني” من جهة، وبين ميلشيات “فاطميون” و”زينبيون” وسائر الميلشيات الشيعية الأجنبية الأخرى في البلدة، وأسفرت عن سقوط 6 قتلى وأكثر من 10 جرحى.

وكشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في تقرير تحت عنوان “تهريب البنزين يزيد الفوضى في لبنان” (17 أغسطس)، أن عمليات تهريب المنتجات البترولية من لبنان إلى مناطق سيطرة النظام السوري تتم عبر شاحنات تنقل المحروقات وتعود بحبوب “الكبتاغون”، مؤكدة أن: “المافيا الحزبية في لبنان  تقوم بتهريب الوقود إلى سوريا”، وأن: “عشرات الشاحنات تعبر الحدود كل يوم على اعتبار أنها تنقل الحصى بشكل رسمي، لكن خزانات الوقود مخبأة في الأسفل وتمر إلى سوريا”.

وفي 17 أغسطس؛ أعلن الجيش الأردني أن المنطقة العسكرية الشرقية أحبطت محاولة تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والسلاح، قادمة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية. كما أعلنت في وقت سابق (6 أغسطس) عن إفشال محاولة تسلل وتهريب كمية كبيرة من الحبوب المخدرة، عبر معبر “جابر” المقابل لمعبر “نصيب” الحدودي مع سوريا.

وفي 7 سبتمبر؛ اعتقل “حزب الله” اللبناني عنصرين تابعين لميلشيا “الدفاع الوطني” على أطراف بلدة “تلفيتا” بالقلمون الغربي في ريف دمشق أثناء مرورهما بدراجة نارية على أحد الحواجز العسكرية التابعة للحزب، إثر شجار بينهما وعناصر الحاجز، وتطور إلى عراك انتهى باعتقال عناصر الحاجز لهما ونقلهما إلى أحد المقرات العسكرية في محيط البلدة. ودفعت تلك الحادثة بميلشيا “الدفاع الوطني” لاستنفار عناصرها في المنطقة وإقامة حواجز مؤقتة في الأحياء السكنية، فيما استقدم “حزب الله” تعزيزات عسكرية من منطقة “حلبون”.

وتزامنت تلك الحادثة مع قيام عناصر من “الفرقة الرابعة” التابعة لماهر الأسد، والمتمركزة على حاجز “البانوراما” في دير الزور، بإيقاف باصات مبيت تابعة “للحرس الجمهوري” وتفتيش عناصرها، و”تشليح” (سرقة) المواد الغذائيات و”كروزات” الدخان من العناصر بعد إهانتهم وشتمهم، ومصادرة هوياتهم.

وتحدثت مصادر محلية في شهر سبتمبر عن وقوع عدد كبير من جرائم القتل في مناطق سيطرة النظام، أبرزها العثور على جثة سيدة مفصولة الرأس والأطراف في بلدة صحنايا بريف دمشق الغربي. إضافة إلى عشرات الجرائم المتعلقة بالسرقة، أبرزها حادثة اكتشاف جثة تعود لشاب في منطقة الراموسة بحلب، تم استدراجه من قبل أصدقائه إلى مبنى مهجور وقتله بهدف سرقة هاتفه المحمول ومبلغ 700 دولار أمريكي كانت بحوزته.

وأشارت مصادر موالية للنظام أن الشكاوى المقدمة عن سرقة هواتف جوالة خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت 14800، بمعدل يصل إلى 82 عملية في اليوم الواحد.

في هذه الأثناء؛ تُعاني فرق النظام من عدم التحاق العناصر بثكناتهم خوفاً من إرسالهم إلى الجبهات، وخاصة إلى إدلب، ففي ريف دير الزور الغربي، انسحبت القوات الروسية من المناطق القريبة من النفوذ الأمريكي، تاركة عناصر النظام في ظروف مزرية، حيث تم الزج بهم في جبهات مشتعلة، وضمن نطاق القصف المستمر، فضلاً عن تعرضهم لكمائن تنظيم “داعش” في المناطق الممتدة بين مدينتي السخنة وتدمر شرقي حمص.

ويدور الحديث في حلب عن قيام الفرقة الرابعة بتنظيم عمليات تهريب الراغبين بمغادرة البلاد مقابل 800 دولار للشخص الواحد، حيث يتم تجميعهم في مقرات تابعة للفرقة الرابعة أو في منازل استولت عليها الفرقة في الأحياء الطرفية للمدينة ومن ثم نقلهم بالمركبات العسكرية إلى مناطق التماس مع المعارضة.

كما ينافس عناصر “الفرقة الرابعة” المهربين المحليين على تجارة الدخان في محافظة حمص، حيث يصل الدخان المهرب إلى الداخل السوري عبر “الطريق الغربي”. ويجري التهريب من لبنان، من خلال 136 معبر غير شرعي بين لبنان وسوريا.

وفي شهر نوفمبر؛ كشف شرطي موالٍ عن تغوّل عصابات السلاح في مناطق سيطرة النظام بدرعا، وارتباطها بالأجهزة الأمنية، ودورها في عمليات الخطف، مؤكداً أن أجهزة الأمن لم تجرؤ على مدى عامين على اعتقال تاجر سلاح اعتدى عليه وذلك بسبب الحصانة التي يوفرها له ضباط وعناصر في الأجهزة الأمنية، وبدلاً من اعتقال التاجر، تم اعتقال الشرطي ذاته لمدة عشرين يوماً والتحقيق معه، فيما حاول فرع الأمن السياسي دفعه للتنازل عن الشكوى التي قدمها.

وأشار الشرطي إلى أن وقوف جهات متنفذة، بينهم ضابطان برتبة لواء، خلف التستر عن التاجر مقابل المال، متسائلاً عما إذا كان ذلك بسبب أنه ينحدر من منطقة الأتارب، في إشارة إلى أن الظلم الذي تعرض له سببه أنه سني وليس علوياً.

وشهد شهر نوفمبر الماضي تدهوراً أمنياً غير مسبوق في مناطق سيطرة النظام، حيث نعت مصادر موالية مقتل نحو 20 عنصراً من قوات النظام، بينهم ضابطان وقيادي، إثر هجمات متفرقة طالت مواقع وعناصر تابعين لها في أنحاء متفرقة من البلاد، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل عنصرين من قوات النظام على جبهة “سراقب” بريف إدلب، وذلك بالتزامن مع انفجارات ضخمة شهدتها مدينة البوكمال، إثر غارات “مجهولة” استهدفت مواقع الميلشيات الإيرانية، وأدت إلى خسائر غير محددة في صفوفها.

وفي حلب؛ اندلعت اشتباكات بالرشاشات المتوسطة والثقيلة بين أهالي “نبل” و”الزهراء” مع عناصر “الفرقة الرابعة” على خلفية تعرض حاجز تابع للفرقة للسكان المحليين والتحرش بنساء البلدتين، ما دفع بمُسلحي نبل والزهراء للتهديد بتدمير الحاجز بمن فيه، وذلك قبل أن تصل تعزيزات عسكرية من أبناء البلدتين، والاشتباك مع عناصر الحاجز عدة ساعات. 

10- الجنوب: معركة لم تحسم

شهد الأسبوع الأول من عام 2021 اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، والمخابرات الجوية، وذلك نتيجة مهاجمة عناصر اللواء حاجزاً عسكرياً يتبع للمخابرات الجوية على طريق “درعا-دمشق” بعد إطلاق النار على سيارة تابعة للواء.

وعُقدت عدة اجتماعات في مدينة درعا، بين جنرال روسي، ووجهاء وقادة سابقين في الفصائل المحلية، من العاملين ضمن لجان التفاوض وضباط من اللجنة الأمنية بمدينة درعا، حيث عبر الضابط الروسي عن انزعاج القيادة الروسية من حالة الانفلات الأمني في عموم محافظة درعا، وضرورة التهدئة وتسيير دوريات روسية، مؤكداً على ضرورة احترام اتفاقيات التسوية التي تم إبرامها مؤخراً في درعا.

وتم إبرام تسوية في منتصف فبراير تقضي بقيام الفرقة الرابعة وعناصر التسويات بتفتيش مزارع بلدة “طفس” برفقة عناصر يتبعون للجنة المركزية، والتعهد بتسليم السلاح المتوسط، وإفراغ المقار الحكومية وتسليم إدارتها بالكامل للنظام، وخاصة منها محطات الري ومركز الزراعة والإسمنت، وإعادة تفعيل ناحية الشرطة في “طفس”، مقابل إنهاء الحملة العسكرية التي بدأتها الفرقة الرابعة قبل شهر.

إلا أن المحافظة شهدت تصاعداً في عمليات الاغتيال بعد اتفاق “التسوية”، حيث سُجلت خمس حوادث قتل في يوم واحد، ووثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” نحو 66 عملية ومحاولة اغتيال في المحافظة خلال شهر مايو الماضي، قُتل فيها 41 شخصاً، وأُصيب 13، ونجا 12 آخرون، ما دفع بأجهزة الأمن إلى تشديد قبضتها على مداخل مدينة درعا، وتضييق حركة مرور المدنيين منذ انتهاء الانتخابات (26 مايو)، وتنفيذ حملة اعتقالات (6 يونيو).

وفي شهر يوليو حشدت “الفرقة الرابعة” قواتها على مشارف “درعا البلد” بمشاركة مجموعة من الميلشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها: “اللواء 313″ التابع للحرس الثوري الإيراني، و”كتائب الرضوان” التابعة لميلشيا “حزب الله”، ومتطوعين من ميلشيات؛ “لواء الـباقر”، و”قوات أسود العراق”، و”قوات الحرس القومي”، و”كتيبة الفوعة”، و”كتيبة الزهراء”، و”كتيبة العباس”، و”كتيبة شهيد المحراب”، و”حزب الله السوري”، إضافة لنحو خمسة عشر ميلشيا محلية من محافظتي حلب ودير الزور، فيما نقل الحرس الثوري الإيراني شحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر والعديد من الصواريخ من منطقة جنوب دمشق باتجاه محافظة درعا.

وأتت الحملة العسكرية على درعا (29 يوليو) بنتائج عكسية، حيث أطلق أهالي حوران “معركة الكرامة”، ما أسفر عن سيطرة الأهالي على نقاط عسكرية في ريفي درعا، الشرقي والغربي، وقطع طريق دمشق-عمّان الدولي، ومقتل 27 عنصراً، بينهم ضابطان، وأسر 83 عنصراً، والسيطرة على 33 حاجزاً، وأربع معسكرات، وإعطاب دبابة، واغتنام أخرى. 

وعملت موسكو في هذه الأثناء على إدارة مفاوضات طويلة الأمد بين مختلف الأطراف، محجمة عن استخدام سلاح الطيران، وتم التوصل إلى اتفاق تسوية أنهت أكبر تصعيد عسكري منذ سنوات. 

ودخل الاتفاق الذي تم إبرامه برعاية القوات الروسية بين اللجنة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام مع وجهاء درعا حيز التنفيذ (1 سبتمبر)، حيث دخلت قوات تابعة للشرطة العسكرية الروسية بمرافقة من اللواء الثامن، وأقامت نقطة عسكرية مؤقتة جنوب درعا البلد، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، فيما تمركزت قوات النظام في أربعة مواقع.

إلا أن ذلك الاتفاق لم يُنهِ حالة الانفلات الأمني في المحافظة، حيث حاصرت قوات النظام (18 أكتوبر) بلدة “ناحتة” بريف درعا الشرقي، وأحرقت منازل يملكها مدنيون، وشابت عمليات التسوية الكثير من التجاوزات، حيث فرضت قوات النظام إتاوات مالية على الأهالي، واقتحمت عدداً من البيوت، وأحرقت بعضها، واعتقلت عدداً من الأشخاص الذين وافقوا على إجراء التسوية، وتزامنت تلك التجاوزات مع قيام القوات الروسية بتفكيك اللواء الثامن وإلحاق عناصره بشعبة المخابرات العسكرية، بعد فرض التسويات على مختلف مناطق حوران.

إلا أن تلك الإجراءات الوحشية لم تكن كفيلة بتهدئة الوضع، حيث عادت ظاهرة الاغتيالات لتتصدر الأخبار، وتم توثيق نحو 50 محاولة اغتيال منذ انتهاء التسويات بدرعا البلد في 6 سبتمبر الماضي.

ولا تقتصر حالة التدهور الأمني على محافظة درعا، بل تمتد لتشمل محافظتي القنيطرة والسويداء، حيث تحدثت مصادر محلية عن تنامي ظاهرة هجرة شباب القنيطرة من المحافظة نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، والخشية من الملاحقات الأمنية، والسوق للخدمة العسكرية، والتضييق الذي تمارسه حواجز النظام، بالإضافة إلى ما يسببه انتشار العناصر الإيرانية وميلشيا “حزب الله” في المناطق الحدودية من ضربات جوية ومدفعية من جهة “إسرائيل”.

وتحدث السكان المحليون عن تكرر اعتداءات عناصر النظام على الأهالي، وسرقتهم للمنازل، والمحاصيل الزراعية، والتحرش بالنساء، وفرض إتاوات على المارة، بالإضافة إلى قيامهم بعمليات مداهمة للبيوت واعتقال الشباب.

وعانت محافظة السويداء، طوال عام 2021، من تنامي ظاهرة خطف مواطنين من قبل عصابات مسلحة طمعاً بالفدية المالية، فيما يُحمّل أهالي المحافظة الأجهزة الأمنية مسؤولية استمرار عمليات الخطف، خاصة وأن جميع أفراد العصابات معروفون لهذه الأجهزة، ويتمتع العديد منهم بامتيازات كحصولهم على بطاقات أمنية، ويتنقلون بكل حرية على نقاط التفتيش الأمنية.

كما عانت المحافظة من سلسلة حرائق طالت نحو 400 دونم من الأراضي الزراعية، فيما دعا “حزب اللواء السوري”، الذي قيل إنه يحظى بتمويل خارجي وبدعم من ميلشيا “قسد” لمشروع انفصالي، تحت شعارات: “محاربة العصابات”، و”إعادة الاعتبار للجبل”، و”إقامة حكومة إدارة ذاتية بالتعاون مع الأكراد”.

واعتمد الحزب على شخصيات مشبوهة في بناء جناحه العسكري، منهم المشهود له بولائه للأفرع الأمنية، ومنهم الذي يعمل في عصابات الخطف وتهريب المخدرات، وقام بشن عمليات دموية تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” ولكن الهدف الفعلي منها تمثل في محاولة احتكار أحد أهم طرق المخدرات، واستعداء أبناء العشائر وإشعال الفتنة بين السنة والدروز، خاصة بعد أن نزحت عشرات العائلات من ريف درعا الشرقي إلى السهول والأراضي الزراعية في ريف السويداء.

وفي 11 أغسطس؛ أخلى كل من ميلشيا “الدفاع الوطني” التابعة للنظام، وحزب “اللواء”، مقارهما في بلدة “الرحى” بالسويداء، بناء على طلب من أهالي البلدة، بعد توتر كاد أن يتحول إلى اقتتال مسلح داخل المدينة، حيث سلم عناصر “الدفاع الوطني” أسلحتهم المتوسطة والثقيلة في البلدة لقيادتهم في مدينة السويداء.

وشهدت المحافظة موجة احتجاج شعبي في شهر أكتوبر الماضي، ضد اعتماد البطاقة الذكية لتوزيع الخبز، حيث تم الإيعاز للقائمين على الأفران في عدد من بلدات المحافظة بالتوقف عن العمل.

وتحدثت مصادر محلية، في شهر نوفمبر، عن مقتل 11 مدنياً، وإصابة عشرة آخرين بجروح، وسط تنامي أعمال العنف نتيجة تفشي الفلتان الأمني في المحافظة التي تشهد حالة من الغياب الشبه التام لأجهزة النظام الأمنية.

11- شرق الفرات: “روجافا” سراب يتلاشى

تعاني “الإدارة الذاتية” الكردية من ظروف عصيبة عقب سلسلة إجراءات اتخذتها الإدارة الأمريكية في الأشهر الماضية، تضمنت سحب ترخيص شركة “دلتا كريسنت إنرجي” الأمريكية للعمل في حقول النفط في شمال شرقي سوريا.

ولم تُجدِ توسلات قائد “قسد”، مظلوم عبدي، بإبقاء نشاط الشركة، ولم تلق مناشداته بإنشاء منطقة عازلة جوية، وتقديم إمدادات عسكرية تتضمن طائرات بدون طيار، واعتراف بقية سوريا بما يسميه “روج آفا” أية آذاناً صاغيةً في واشنطن.

وعبّر قادة “قسد” عن قلقهم من إطلاق الولايات المتحدة يد تركيا لاستهداف عناصر تنظيم “حزب العمال الكردستاني” المنضوين في صفوف “قسد”، ما دفع الإدارة الأمريكية للتأكيد على أن مهمة الجيش الأمريكي في سوريا تنحصر بمحاربة تنظيم “داعش” وليس: “الدخول في أي صراع مع أية دولة مجاورة”، الأمر الذي دفع بقيادات الحزب للانسحاب إلى العمق السوري تفادياً لقصف مسيّرات الجيش التركي.

وعلى الرغم من تطمين واشنطن لقادة “قسد”؛ إلا أن ذلك لم يخفف من قلقهم إزاء المخططات التركية، حيث ألقى عبدي خطاباً “عاطفياً” في القامشلي استهله بمقارنة مؤلمة بين مناطق حكمه وأفغانستان، مؤكداً أنه لن يكون كالرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني، فيما عبرت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، إلهام أحمد، عن قلقها من إمكانية انسحاب القوات الأمريكية من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، شمال شرقي سوريا، محذرة من أن: “انسحاب الأمريكيين من سوريا سيؤثر على إستراتيجيتهم في الشرق الأوسط ككل”.

وبعد أن أعيتهم الدبلوماسية مع واشنطن؛ توجهت أنظار قادة “قسد” نحو دول أخرى، حيث أجروا لقاء مع الرئيس الفرنسي في باريس، كما التقى وفد من “مسد” بالممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، بموسكو، وطلب منه بذل وساطة روسية للتفاوض مع النظام.

واعتبرت مصادر مطلعة أن لقاءات “مسد” الأخيرة جاءت نتيجة الخوف من انسحاب أمريكي مفاجئ من سوريا، على غرار ما حصل في أفغانستان، موضحةً أن “المجلس يحاول أحياناً التواصل مع الروس أو الإيرانيين أو مع رئيس النظام بشار الأسد بصورة مباشرة، بالإضافة إلى أطراف أخرى، بهدف الحفاظ على مكتسباته التي حصل عليها، في حال انسحاب القوات الأمريكية”… دون طائل.

12- الساحل: تذمر حاضنة النظام

أثار امتناع موسكو عن دعم النظام في خطة تشغيل خطوط الملاحة سخطاً شعبياً في اللاذقية، حيث صرح السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، بأن مسألة تقديم روسيا أموالاً للنظام السوري: “ليست سهلة، لأن روسيا اليوم نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني من ركود اقتصادي بسبب جائحة كورونا”، ما دفع برئيس غرفة التجارة الإيرانية-السورية المشتركة، كيوان كاشفي، للإعلان عن تشغيل خط الملاحة البحرية (بندر عباس-اللاذقية) مع النظام.

وتبنت صفحة “البهلولية نيوز” الدعوة إلى الاحتجاج باللاذقية (12 فبراير)، في ظاهرة تعتبر الأولى من نوعها، وذلك بالتزامن مع انتشار صفحات “فيس بوك” التي تعلن معارضتها للنظام وتهاجم فساده، وصدور عدة مقاطع ظهر فيها رامي مخلوف منتقداً النظام على صفحته.

وتسبب دخول ورقة “5000 ليرة سورية” بحالة من السخط في اللاذقية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في أسواق المحافظة بين 10 و20 %، وأسهم في تنامي مظاهر الفقر نتيجة التدهور الاقتصادي، فيما استمر تكديس المتنفذين من آل الأسد ثرواتهم، واستعراضهم بها في شوارع المدينة دون أية مراعاة للظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون.

وفي شهر مايو؛ سجلت أسعار المواد الأساسية في أسواق اللاذقية ارتفاعاً كبيراً عقب الانتخابات الرئاسية، حيث وصل سعر البيضة الواحدة إلى 275 ليرة لأول مرة، وعزت المصادر الرسمية ارتفاع الأسعار إلى انقطاع التيار الكهربائي في منشأة الفروج، حيث تشهد مناطق سيطرة النظام انقطاع التيار الكهربائي وفق نظام تقنين صارم.

ويدور الحديث في المحافظة عن سرقة أراضي المواطنين التي احترقت نهاية العام الماضي بجبال ريف اللاذقية، من قبل يسار الأسد (أبو الحارث)، ابن عم بشار الأسد، والذي يعمل على سرقتها من أصحابها بالتعاون مع مديرية الزراعة في اللاذقية، حيث يقوم باستصلاح الأراضي الزراعية بحجة إعادة تأهيلها للزراعة، ولكن بشروط قاسية ومجحفة.

وشهدت مدينتي اللاذقية وجبلة سلسلة احتجاجات، تخللها قطع للطرقات عن طريق إحراق الإطارات المطاطية، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات في طرطوس بين “المخابرات العسكرية” وعناصر من “ميلشيا العرين” التي يقودها سليمان بن هلال الأسد، بسبب عدم وقوف سيارة يقودها عناصر “العرين” على الحاجز، ليتم بعدها تبادل لإطلاق النار واستخدام قنبلة يدوية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. 

وأسفر سقوط عدد كبير من القتلى من أبناء الساحل في معارك درعا (أغسطس 2021) عن سخط شعبي عارم، فيما استمر غض النظام طرفه عن الأنشطة التخريبية التي تقوم بها الميلشيات العلوية في الساحل، والتابعة لكل من: سليمان بن هلال الأسد، ويسار بن طلال الأسد، وحافظ بن منذر الأسد.

ودفع ذلك بأحد مشايخ الطائفة، زياد هواش، لكتابة ثلاث منشورات بعنوان “الحاضنة العلوية”، تحدّث فيها عن تحويل: “الطائفة أو أكثرها إلى مجرمين”، بالإضافة إلى منشورات  الكاتب العلوي الموالي، قمر الزمان علوش، الذي هاجم رأس النظام، وكذلك الحال بالنسبة للمدرس، أمين صقر حسن، الذي اختفى بعد انتقاده الأسد.

واضطرت تلك الانتقادات بشار الأسد إلى الإعلان عن مجموعة تعيينات في صفوف الضباط العلويين، لإعادة بسط سيطرته على حاضنته المتذمرة، وإبعاد الشخصيات غير الموثوقة تحت ذريعة بلوغ السن القانونية للتقاعد أو النقل لمناصب رمزية لا تمثل خطورة على رأس النظام.

وفي شهر أكتوبر؛ عاد رفعت الأسد عاد بصفقة روسية-فرنسية، مقابل تعهده بعدم لعب أي دور سياسي والامتناع عن استقبال مريديه من ضباط ومسؤولي النظام، لكن سومر بن رفعت، الذي عاد مع والده، لم يلتزم بتلك التعهدات، ما أثار مخاوف في دمشق من إمكانية فتح صفحة جديدة من التنافس على السلطة، خاصة وأن دريد، الابن الأكبر لرفعت، استمر في ممارسة دور الناقد لسياسات حكومة النظام الاقتصادية، حيث انتقد السياسة الزراعية للنظام (17 أكتوبر) نتيجة السماح باستيراد الموز اللبناني  تزامناً مع موسم الحمضيات السوري وهو ما ألحق خسائر بمزارعي الساحل.

13- البادية السورية: داعش “تتمدد”

صعّد تنظيم “داعش” هجماته ضد قوات النظام وحلفائه منذ مطلع 2021، مركزاً على الطرق الرئيسة التي تصل محافظات الشمال والشرق السوري مع محافظات الوسط والعاصمة، خاصة طريق “ديرالزور-دمشق” وطريق “أثريا”، حيث تكبدت “الفرقة الرابعة” على طريق “ديرالزور-تدمر” 35 قتيلاً و20 جريحاً في كمين نفذه التنظيم، مطلع العام.

وجاءت تلك العملية بالتزامن مع هجوم طال قوات “الحرس الجمهوري” في حافلة عسكرية تقلهم على طريق منطقة “الشولا” جنوب دير الزور، ما أسفر عن سقوط نحو 30 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وتكبدت “كتيبة المهام الخاصة” في الفترة نفسها خسائر بالأرواح والعتاد جراء هجمات متفرقة شنّها التنظيم ضدهم في باديتي حماه وحلب، حيث فُقدت مجموعة تضم ثلاث سيارات بعتادهم الكامل، وكان على متنها 20 عنصراً بعد خروجهم من حلب بحملة تمشيط في المنطقة ضد خلايا التنظيم في بادية “السخنة”، ونتج عن تلك الهجمات تدمير دبابتين وعدة آليات، ومقتل وجرح 10 عناصر من قوات المهام الخاصة وتدمير دبابتين، فيما قُتل وجرح عدد من عناصر الكتيبة إثر انفجار آخر بعبوة ناسفة استهدف سيارة عسكرية للنظام على طريق “الطبقة-أثريا”.

وفي 16 يناير 2021؛ قُتل خمس عناصر من ميلشيا “لواء القدس” الفلسطيني إثر انفجار لغم أرضي بسيارتهم العسكرية في محيط بادية “السخنة”، بالتزامن مع مقتل عنصرين من ميلشيا “الدفاع الوطني” إثر انفجار عبوة ناسفة بسيارة كانا يستقلانها بريف الرقة الجنوبي الشرقي.

ونفّذ تنظيم “داعش” كميناً في البادية السورية، أسفر عن مقتل 10 عناصر من “الفرقة الرابعة” بعدما احترقت الحافلة التي تقلهم جراء دخولها إلى حقل ألغام في البادية السورية شرق الرقة (10 يناير 2021)، ولقي عناصر من فرقة “الرضوان” اللبنانية حتفهم بغارات شنتها الطائرات الروسية عليهم بالخطأ، أثناء مطاردة عناصر من تنظيم “داعش” بريف حماه الشرقي.

وفي 17 يناير؛ قُتل جفران النافع العفارة، أحد أبرز قادة “الدفاع الوطني” بريف حماة، إثر انفجار لغم أرضي بسيارته ضمن البادية الشرقية السورية بريف حماة الشرقي.

وتصاعدت وتيرة العمليات بصورة ملحوظة في شهر يونيو، مُسفرة عن مقتل وجرح عدد من عناصر النظام خلال اشتباكات مع التنظيم (15 يونيو 2021) بالقرب من “السخنة”. وتحدث موقع (topwar) الروسي (16 يونيو) عن فشل قوات النظام في وقف عمليات “داعش شرق حماة، مؤكداً أن العملية العسكرية ضد معاقل التنظيم “انتهت بالفشل” عقب وقوع خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام. 

وتَمَثَل الهجوم الأكبر للتنظيم في عملية استهدفت رتلاً يتبع “الفرقة 25” وهو في طريقه لمطار “كويرس” على طريق خناصر بريف حلب، وأسفرت عن مقتل وإصابة 15 عنصراً بينهم ثلاثة ضباط، فيما سقط عدد من عناصر الميلشيات الإيرانية بهجوم استهدف سيارة عسكرية في بادية “الرصافة” جنوب غربي الرقة، بالتزامن مع سقوط قتلى وجرحى بهجوم مسلح استهدف حاجزاً مشتركاً للمليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” في بلدة “عياش” غرب دير الزور، ومقتل أربعة عناصر من ميلشيات “حزب الله” العراقي و”النجباء” قرب “جبل البشري” شرقي الرقة.

وفي 6 أغسطس؛ كشف تنظيم “داعش” عن قتل عشرة عناصر وأسر ضابط من صفوف النظام خلال كمين بمنطقة “السخنة”، وأقر “لواء القدس الفلسطيني” بتعرضه لكمين في منطقة “خربيات” شرق حقول “توينان”، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصره وأسر أربعة آخرين، وتكبد عناصر “الدفاع الوطني” خسائر كبيرة نتيجة انفجار لغم أرضي بحافلة مبيت.

وتعرضت ميلشيا “النجباء” الشيعية العراقية لهجوم في محيط بلدة العامرية شرق حمص (18 أغسطس)، أسفر عن مقتل وإصابة عنصرين، بالتزامن مع استهداف حاجز مشترك لميلشيا “حزب الله” اللبناني، والفرقة “25 قوات خاصة” في بادية الرصافة، نتج عنه مقتل ثلاثة عناصر وإصابة آخرين. وفقد “حزب الله العراقي” قرب قرية “أنباج” على طريق “الرقة-سلمية” خمسة عناصر، فيما أسر أربعة آخرون، وسقط بمنطقة البوكمال عدد من القتلى والجرحى من عناصر الميلشيا ذاتها. 

وتزامنت تلك العمليات مع مقتل سبعة عناصر وإصابة تسعة آخرين وتدمير ثلاث آليات لميلشيا “فاطميون” على طريق “تدمر-السخنة”، فيما تعرضت نقاط “الدفاع الوطني” في منطقتي “المدحول” و”المسرب” في بادية دير الزور لهجمات أسفرت عن مقتل وإصابة عدد غير معلوم  في صفوفها، وخسرت الشرطة العسكرية ثلاثة عشر عنصراً، فُقدوا في محيط بلدة “معدان عتيق” شرق الرقة.

وتحدث تقرير صادر عن المفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية (نوفمبر) عن توطيد تنظيم “داعش” قوته في الصحراء، وتأهبه لزيادة نشاطه فيما وصفته وكالة استخبارات الدفاع الأميركية بأنه “المرحلة التالية من تمرده”.

وأحصى مصدر مطلع (29 نوفمبر) نحو 560 غارة جوية نفذها الطيران الروسي على مواقع يُعتقد أنها تابعة للتنظيم في مناطق متفرقة من البادية السورية بين محافظات حماة وحمص ودير الزور والرقة، منذ مطلع نوفمبر 2021، وقدر حصيلة الخسائر البشرية في المواجهات مع التنظيم بنحو 1597 قتيلاً من قوات النظام والميلشيات الموالية لها، من بينهم 3 عناصر من القوات الروسية على الأقل، بالإضافة لمقتل 153 من الميلشيات الإيرانية من جنسيات غير سورية، قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن للتنظيم.

14- السوريون: واقع مجتمعي جديد

كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (9 مارس 2021) أن نحو 13 مليون سوري اضطروا للفرار من أماكن سكناهم، من أصل 23 مليوناً في عام 2010، مقدرة أن نحو 6,7 ملايين منهم غادروا خارج الأراضي السورية بحثاً عن الأمان، وانتشروا في أكثر من 130 بلداً في العالم.

وتحدثت المفوضية عن نزوح 6,7 ملايين آخرين داخل بلادهم، حاول القليل منهم العودة إلى بيوتهم طلباً للحياة الطبيعية، لكنهم تفاجأوا بحجم الدمار والخراب والنهب الذي تعرضت له بيوتهم، فيما تعيش الكثير من العائلات في بيوت مهدمة.

ووفق إحصائية نشرها فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري (يناير 2021)؛ فإن أعداد النازحين السوريين بلغت نحو 2,1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة، حيث بلغ عدد سكان المخيمات مليوناً و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1,293 مخيماً، من بينها 282 مخيماً عشوائيا أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

وبلغ عدد الأيتام في مناطق سيطرة المعارضة نحو 197 ألفاً و865 يتيماً، بينما بلغ عدد الأرامل السوريات اللاتي لا معيل لهن 46 ألفاً و302 أرملة. أما أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة فقد بلغت 199 ألفاً و318 حالة إنسانية، معظمهم لا يتلقون رعاية خاصة أو مساعدات طارئة.

وكشف تقرير مشترك بين البنك الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن جائحة كورونا ضاعفت مستويات الفقر في صفوف اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم في الأردن ولبنان وإقليم كردستان العراق، مؤكداً وقوع نحو 4,4 ملايين شخص في المجتمعات المضيفة، ومليون لاجئ سوري من النازحين داخلياً، في براثن الفقر.

وقدّرت الدراسة أن جائحة “كورونا” أدت إلى زيادة معدلات الفقر في الأردن بين اللاجئين الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل الجائحة، بحوالي 18 بالمئة، بينما ارتفعت معدلات الفقر في لبنان إلى نحو 56 بالمئة بين اللاجئين السوريين، فيما يعجز حوالي 90 بالمئة من اللاجئين السوريين عن تأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، وشهد اللاجئون في إقليم كردستان العراق زيادة في معدلات الفقر بلغت 28 بالمئة.

وحذر تقرير صادر عن “مجلس اللاجئين النرويجي” (8 مارس 2021) من أن الأزمة السورية قد تشهد نزوح ما لا يقل عن ستة ملايين سوري إضافي، خلال السنوات العشر المقبلة، إذا استمر الصراع السياسي وانعدام الأمن والتدهور الاقتصادي في سوريا.

في هذه الأثناء؛ يرتسم مشهد مجتمعي جديد خارج إطار الجغرافيا السورية التقليدية، إذ يتوزع أكثر من نصف السكان خارج مناطق سكناهم في مناطق النزوح واللجوء، وفي المهجر، حيث تحدث تقرير أصدرته منظمة “يونسيف”، في شهر مارس الماضي، عن ولادة خمسة ملايين طفل سوري منذ عام 2011، ما يعني أن مجموع عدد مواليد الفترة (2000-2020) يبلغ نحو 10 ملايين نسمة (منهم 4,95 مليون ولدوا في الفترة 2000-2010، وخمسة ملايين ولدوا في الفترة 2011-2020). 

علماً بأن أرقام “يونسيف” تقديرية ولا تشمل فئات كثيرة من السوريين، وخاصة لدى الجاليات التي توطنت في الخارج وحصلت على جنسيات دول أخرى، أو القابعين الجدد في الشتات من الذين لم يتم تصنيفهم بعد، ما يؤكد خطأ توقعات سابقة بتناقص سكان سوريا خلال العقد الماضي، إذ بات من المؤكد أن جيل “ما بعد الألفية” (2000-2020) يفوق في تعداده الجيل السابق، “جيل الألفية” (1980-2000)، والذي بلغ تعداد مواليده 7,48 مليون نسمة.

ووفقاً لتلك الأرقام؛ فإن التقدير الفعلي لعدد السوريين اليوم يتراوح بين 28 و30 مليون، نحو 70 بالمئة منهم دون سن الأربعين، ويؤدي ذلك إلى زيادة نسبة الضخ البشري إلى سوق العمل من نحو 350 ألف نسمة سنوياً قبل عام 2000، إلى نحو نصف مليون نسمة سنوياً بعدها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغالبية العظمى من أبناء الجيل الجديد لم يدخلوا مجال التفاعل السياسي والاقتصادي بعد.

وإذا كان الجيل السابق (1980-2000) هو الذي أوقد نيران الثورة عام 2011؛ فإن أبناء جيل ما بعد الألفية يعانون اليوم من أكبر كارثة بشرية يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، حيث تقدر مصادر الأمم المتحدة أن 90 بالمائة من السوريين بحاجة للمساعدات الإنسانية، منهم مليون ولدوا في دول الجوار، ونحو 2,5 مليون طفل لاجئ و3 ملايين طفل نازح، لا يذهب نحو 3,5 مليون منهم للمدارس، ومن غير المتوقع أن يعودوا إلى البلاد في غضون السنوات الخمسة المقبلة، على أقل تقدير.

وتُفرز هذه المعطيات حزمة جديدة من التحديات التي لم تكن واردة في الحسبان قبل عشر سنوات، ما يدعو إلى بحث خطورة وحجم التحول المجتمعي الذي طرأ على المشهد السوري، حيث يشهد المجتمع السوري أكبر زيادة سكانية عرفتها البلاد في تاريخها المدون (تضاعف عدد سكان سوريا نحو خمسة أضعاف خلال العقود الخمسة الماضية، حيث قُدّر بلغ عددهم بنحو 6,7 مليون نسمة عام 1970).

ويصاحب تلك الزيادة السكانية والهجرات واسعة النطاق؛ ثورة في الاتصالات تسهم في تشكيل رأي عام سوري فاعل خارج إطار الجغرافيا التقليدية للقطر السوري، ما يتيح لملايين الأفراد مجال المشاركة اليومية في سائر الأحداث والتفاعل معها، ويدفع بتيارات منظمة كشبكات الغلو والتطرف إلى ركوب موجة ثورة الاتصالات، والمحاولة في التأثير بالملايين من الشباب السوري الذي لا يجد من يخاطبه أو يتفاعل معه في أوساط النخب السياسية أو الدينية التي لا تزال تتحرك من خلال الأطر التقليدية التي اعتادت عليها في الحقبة الماضية.

وبالإضافة إلى الزيادة السكانية؛ تؤثر تلك التحولات الديمغرافية على مفهوم “المركزية السياسية” بصورة أساسية، حيث يفقد نظام دمشق السيطرة (العسكرية والاقتصادية) على العديد من المحافظات، وخاصة في الشمال السوري، مع عجزه عن استعادة السيطرة على تلك الأقاليم في المستقبل المنظور.

وتعزز تلك التحولات مشاريع التقسيم الخارجية، ففي ظل التنافس الروسي-الإيراني على النفوذ، وصراع القوى الأخرى الفاعلة معها، تتنامى ظاهرة تباين ولاءات الميلشيات وتضعف قدرة السلطة على استعادة مركزيتها، وتعجز عن بسط السيطرة على مواردها، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى إفراز نظام حكم “فيدرالي” أو تشكل أقاليم “إدارة ذاتية” تتمتع ببنية اقتصادية مستقلة وبدعم خارجي.

وسواء أبقي بشار في سدة الحكم، أو غادر خلال السنوات المقبلة؛ فإن التحديات التي تشهدها سوريا في العقد الثالث من الألفية تتخطى مسألة بقاء الأسد من عدمه، خاصة وأن التحول الأكبر يتمثل في تغير مفهوم “سوريا” الوطن، على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتبرز ظاهرة أقرب ما تكون إلى تجربة “الشتات” الفلسطيني حيث يكمن الثقل الفعلي والتنظيمي خارج الجغرافيا السورية، ويصبح التأثير الفعلي مرهوناً بقدرة الجاليات السورية في الخارج على الفاعلية والتأثير أكثر من قدرة المقيمين داخل البلاد على تحقيق ذلك.

وبناء على تلك المعطيات فإن مواجهات العقد المقبل ستندرج ضمن إطار “معركة الهوية”، بمختلف أبعادها، كالعلاقة بين الدين والسياسة في نظام الحكم، والإشكاليات المتنامية حول الهوية الوطنية والقومية في ظل الانسياب الإقليمي، وفي الأدوار التخريبية التي تمارسها الميلشيات العابرة للحدود، وتدهور العلاقة بين الهوية الجامعة والهويات الفرعية داخل الوطن، وتحديات تشكل الهوية السياسي ضمن مشاريع: اللامركزية والحكم الذاتي والفيدرالية، وتنامي المطالب الفئوية بإعادة الفرز على أساس إثني-طائفي، بالإضافة إلى مشاكل العولمة السياسية والتي تدفع بعض الشباب المهاجر لتقمص هويات بديلة مغايرة للغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم.

ويمكن القول إن التحول الذي شهده المجتمع السوري خلال العقد الماضي، قد غير صورة “سوريا” كوطن جامع للسوريين، وأفرز مشهداً جديداً يتطلب معالجة وأدوات مغايرة لتلك التي اعتاد عليها الفاعلون في العقود الماضية.

15- أين المعارضة؟

لا تزال مؤسسات المعارضة تمثل الحلقة الغائبة عن المعادلة السورية عام 2021؛ حيث استمرت في النأي عن حاضنتها الشعبية، وعجزت عن القيام بدور فاعل في الصراع الدولي المحتدم، فيما تراجعت قدرة “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة” على أداء دور فاعل وإيجابي، وذلك نتيجة عجزه عن مواكبة المتغيرات التي طرأت في المشهد الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالحراك الذي قام به المبعوث الأممي إلى سوريا بمجلس الأمن غير بيدرسون، حيث أكد (أكتوبر 2020) أن وضع دستور جديد للبلاد عبر مفاوضات اللجنة الدستورية لا يمكن أن يكون كافياً للحل، ودعا إلى: “تدشين عملية سياسية أوسع وأكثر مصداقية”، ثم قام بجولة مهمة أسفرت عن توافقات -غير معلنة- لصياغة مقاربة جديدة من خلال الدول العربية الفاعلة على أساس “خطوة مقابل خطوة” لحل القضايا التي تتجاوز اللجنة الدستورية ومخرجاتها.

وأسفرت تلك الجولة عن إصدار عدة مسودات في كواليس الدبلوماسية العربية، تحصر المعالجة السياسية بتعاون دمشق، وتُحيّد مؤسسات المعارضة التي بقيت قاصرة دون مواكبة الحراك الدبلوماسي.

وبينما كانت الولايات المتحدة وفرنسا تفتحان القنوات الدبلوماسية الخلفية مع النظام؛ كانت الأبواب توصد أمام المعارضة، فيما دفعت الدول الغربية بالملف الكردي إلى الواجهة بهدف تعزيز التمثيل السياسي للإدارة الذاتية في المحافل الدولية.

في هذه  الأثناء لم تنجح مؤسسات المعارضة في تحقيق أي إنجاز سياسي أو دبلوماسي عبر مراهنتها على أعمال اللجنة الدستورية والترويج لها، ناهيك عن بلورة موقف من تلك التحولات.

وبدا من الواضح أن وفد النظام قد نجح -للمرة السادسة- في تمرير اجتماعات اللجنة الدستورية من دون تحقيق أية نتائج تُذكر، ولم يكن من المفاجئ إعلان مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا غير بيدرسون (22 أكتوبر 2021) أن الجولة السادسة لاجتماع اللجنة الدستورية السورية كانت “محبطة للغاية”، ولم تصل إلى تفاهم لصياغة مسودة دستور جديد أو الاتفاق على موعد الجولة المقبلة.

أما على الصعيد الداخلي للائتلاف؛ فتستمر الأزمات المتعلقة باستقلالية القرار وضعف التمثيل الشعبي، فيما تهيمن مظاهر المحاصصة، والتكتل، وبناء التحالفات الشخصية، والضغوط الخارجية على الاحترافية في الأداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى