مقابلات

عن مفاوضات فيينا أمريكا تستعمل “الفزاعة الإيرانية” في محاربتها للإسلام والمسلمين في المنطقة !

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

نقلت جريدة الغارديان البريطانية ، في عددها في 25 أيلول 2008، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش، في زيارته الوداعية لكيان يهود في 14 أيار 2008، رفض تلبية طلب رئيس الوزراء أيهود اولمرت لمقابلة وزير الدفاع أيهود باراك قائلا: أنا أعرف ما يريده باراك، يريد مني الموافقة على توجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، وأنت تعلم جوابي وهو لا! ولكن أولمرت أصر بطلبه فاستجاب بوش، وعند دخول باراك انطلق يشرح بإسهاب الأسباب التي توجب توجيه ضربة ساحقة للمنشآت النووية في إيران، حتى وإن لم تُنه المشروع النووي إلا أن الضربة ستؤخر المشروع النووي لسنوات قادمة، إلا أن بوش انفجر غاضبا، مقاطعا كلام باراك:” قلت لك لا يعني لا، ألا تفهم! لن يكون هناك هجوم على المنشآت طالما أنا في البيت الأبيض”.

وفي 2009 صرح زبغنيو بريجنسكي معقبًا على احتمال قيام كيان صهيون بشن هجوم على إيران قائلا:”يجب على الجيش الأمريكي في العراق التصدي لأي هجوم من (كيان يهود) على المنشآت النووية في إيران”..

بمراجعة مسيرة مواقف القادة الأمريكان من المشروع النووي في إيران يلمس بوضوح لعبة “القط والفأر” القائمة على تهديدات و وعود بأنه لا يمكن السماح لإيران بحيازة السلاح النووي، ثم ضغوطات متواصلة على قادة يهود لمنعهم من السير في أي هجوم يستهدف تدمير المنشآت النووية، وتطمينهم  المرة تلو الأخرى بأن أمريكا لن تسمح بحيازة إيران للسلاح النووي، وأنها تضمن أمن كيان يهود. ولهذا الغرض قام الرئيس أوباما بعقد الاتفاق النووي مع إيران في 2015 JCPA ، في الوقت نفسه الذي أطلقت أمريكا يد إيران لتوسيع نفوذها في سوريا ولحماية نظام بشار من السقوط.

وكان إتفاق 2015 وضع سقفا على المشروع النووي لجهة حد التخصيب لليورانيوم (3.67%) و حدد الكمية المسموح بها لليورانيوم المخصب، وعدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول وتحت اشراف مباشر متواصل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، مقابل رفع العقوبات التي فرضتها أمريكا على إيران وفتح الباب أمام التعامل التجاري والمصرفي مع إيران. إلا أن  الرئيس ترامب ، بعد أن أصدر التقرير الدوري في 17 تموز 2017،  الذي يفيد بالتزام إيران باتفاقية 2015 ، عاد في تقريره التالي ، 13 تشرين الأول 2017 وذكر أن إيران خالفت الاتفاقية، ممهدا للإنسحاب منها في 8 أيار 2018. ولم يشفع لإيران التقارير  الدورية المتوالية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستمرارية التزام إيران ببنود الاتفاقية!

ورغم توسل إيران للأطراف الخمسة الموقعة على الإتفاقية (فرنسا، بريطانيا، المانيا، روسيا والصين) المتكرر بضمان السير في الاتفاقية، إلا أن هذه الأطراف لم تستطع مقاومة العقوبات الأمريكية رغم قيامها ببعص المبادرات الخجولة في سبيل ضمان حرية تعامل الشركات الاوروبية مع ايران، و حمايتها من سيف العقوبات الأمريكية، فما من شركة مستعدة للوقوع تحت سيف العقوبات وفقدان السوق الأمريكية مهما كانت السوق الإيرانية مغرية.

بعد سنة من انسحاب أمريكا من الاتفاق  بدأت إيران تتملص من بعض التزامات اتفاقية 2015 واتباع عدة خطوات لجهة تحسن نوعية أجهزة الطرد المركزي وتطوير جيل ثان ورابع وسادس منها وهي أكثر فعالية ما مكّنها من زيادة درجة التخصيب إلى 4.5% في تموز 2019 ثم إلى 20% في أول  2021   وصولا الى 60% في تشرين الثاني ،و في كل مرة كان المسؤولون الإيرانيون يصرحون باستعدادهم للعودة إلى الالتزام ببنود اتفاقية 2015 متى عادت أمريكا إلى الالتزام بها. ومع أن قادة الكيان الصهيوني كانوا يتميزون من الغيظ ويهمهمون بوجوب توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي، بل وقيامهم ببعض عمليات التخريب ولكن أثرها جزئي ومحدود، بالإضافة الى اغتيالهم المهندس محسن فخري زادة رئيس المشروع النووي، ولكن هذا كله لم يمنع إيران من السير قدمًا و دفع المشروع إلى الأمام. وفي ظل الفيتو الأمريكي الصارم لم تنفع يهود مناوراتهم وتدريباتهم و زمجرتهم الاعلامية.

وهذا كله يكشف عن أن أمريكا لم تتخذ الموقف الحاسم لوقف المشروع النووي الإيراني، لا في بداياته في 2002 ولا عبر السنين التي تلت ذلك. وهذا يغاير بعيداً سياسة أمريكا في محاصرة العراق الخانقة  تحت حكم الرئيس صدام حسين، حتى منعت العراق يومها من تصدير أي برميل نفط إلا عبر الامم المتحدة التي تحكمت بالإيرادات، وكلنا نذكر جواب وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت بأن تسبب العقوبات على العراق في وفاة نصف مليون طفل هو أمر مبرر!

والان في ظل الجولة الأخيرة من المفاوضات الدائرة في فيينا، يحبس العالم أنفاسه متسائلا عما إذا كان الدخان الأبيض سيظهر من فيينا أم أن المنطقة ستعيش أجواء البركان الذي يهدد بالانفجار؟

هنا نقول إن مفاوضات فيينا هي بمثابة “قمة جبل الجليد” الظاهرة، فلا بد من إدراك ما تريده أمريكا من إيران والمنطقة: هل تسعى أمريكا، بحسب رؤيتها ومزاعمها الكاذبة، إلى الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في شرق السويس؟ وبالتالي تعمل على نزع فتيل الصدام، الظاهر، مع إيران ومنع وقوع اشتباك بين إيران ويهود؟

الكل يعرف أن قادة إيران حريصون على توسعة النفوذ الإيراني في المنطقة، وبعد تحكمهم بأربعة عواصم عربية فهم يتطلعون إلى العاصمة الخامسة والسادسة ودوما تحت المظلة الأمريكية، وبالتالي فهم بعيدون كل البعد عن الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا أو تهديد مصالحها، وما شعار الزحف الى القدس إلا دجل وتضليل…وكذلك قادة يهود لا طاقة لهم بتحمل الغضب الأمريكي، وقد برهنوا على رضوخهم للفيتو الأمريكي المتكرر عبر أربعة إدارات أمريكية: جورج بوش باراك أوباما دونالد ترامب وصولا إلى بايدن حاليا. فما من طرف يغامر باستجلاب سخط أمريكا.

إذن ما  الذي تسعى إليه أمريكا؟

لاستكمال صورة “الجزء المخفي من جبل الجليد” علينا ملاحظة تكثف قطار الخيانة مع يهود وتسارع الأنظمة في عقد اتفاقيات “تطبيع الخيانة” من المغرب حتى الخليج، وهذا يتزامن مع تبني الحكام لسياسة فرض الديانة الابراهيمية الجديدة التي تستهدف تمييع مفاهيم العقيدة الإسلامية في المنطقة، وفرض المفاهيم المنحرفة وما يتطلبه ذلك من تعديل المناهج التعليمية، الذي يشمل منع النصوص الشرعية المنادية بوجوب الجهاد ووجوب أقامة الحدود على المرتدين وإيقاع العقوبات الزاجرة على الشواذ وأمثالهم، كما يتطلب الترحيب باليهود في العواصم ودمجهم في النشاط الاقتصادي والثقافي تحت عناوين شتى، وآخر ذلك توقيع  

اتفاقية التعاون العسكرية بين المغرب والكيان الصهيوني في تشرين الثاني؛ هذه الاتفاقية غير المسبوقة، فلم يسبق لمصر و الأردن عقد اتفاقية مشابهة! ثم استقبال الإمارات لرئيس وزراء الكيان الصهيوني..وهكذا تتوالى هذه الخطوات في الوقت نفسه  الذي شهدنا فيه  ما حصل مؤخرًا في سوريا في المناطق المحررة، حيث وزعت كتبًا تعليمية تضمنت صورًا للرسول صلى الله عليه وسلم، و كذلك اعتماد كتب التعليم في مناطق قسد لمفاهيم الديانة الابراهيمية، وتزيّن ديانات بوذا وزرادشت ،و تتضمن الذم بأحكام الإسلام، وبخاصة أحكام الجهاد، وتصويرها بأنها تحض على الكراهية  والتطرف والإرهاب، وتبني الأزهر لمقولة مكافحة الإرهاب (أي التنظيمات المتطرفة)، هذا دون ذكر حملات التغريب وفرض العلمنة السافرة في أرض الحرمين مهبط الوحي، والتنكر لشرع الله والبطش بكل من تسول له نفسه الإنكار على الحكام الظلمة.

إذن يبدو أن أمريكا تحتاج إلى إبقاء “الفزاعة الإيرانية” في سماء المنطقة، وإشعال التوترات تحت عنوان التصدي للغول الإيراني، وتحت ستار دخان مواجهة هذه الفزاعة، يسير قطار الخيانة مع يهود و محاربة الإسلام بسرعة هائلة، وبين حين وآخر تحرص أمريكا على افتعال تسخين هنا أو هناك لصب الزيت على نار الخصومة والعداوة بين أهل المنطقة. بينما يتنافس الحكام في خطب ود أمريكا بكل غالي ورخيص في محاربة الإسلام وفي سفك الدم الحرام، وفي نشر ثقافة المجون والمنكرات وفي البطش بالعاملين لإعلاء

كلمة الله.

هذا لا يبريء صفحة قادة إيران، ولا يبرر مضيهم في غيّهم في تواطؤهم مع أمريكا رأس الأفعى، فهم وحكام العرب يقومون بما تريده أمريكا، ويبؤون بالوزر العظيم. غرد الإعلامي فيصل قاسم عبر التويتر  قائلا:”من أكبر مآسينا أننا نستعين بالصياد على كلب الصيد. كم نحن مغفلون. وهل يمكن للصياد ان يعاقب كلبه الذي يصطادنا له؟” فعلينا، في دوامة إنشغالنا بكلاب الصيد، ألا نغفل عن “المعلم” الذي يطلقها  ويوجهها لتنهش لحومنا تسحق عظامنا.

وبرغم هذا كله فثقتنا المطلقة لا تتزعزع  قط  في قول الحق سبحانه:

 (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (ويمكرون  ويمكر الله والله خير الماكرين).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى