بحوث ودراسات

درعا: فشل أولى محطات التطبيع

المرصد الاستراتيجي


نشر موقع “ألمونيتور” دراسة بعنوان (Unprecedented COVID spread plagues health sector in Syria’s Daraa) تحدثت عن تجاوز عدد المصابين “المسجلين رسمياً” بفيروس “كورونا” عدد 52 ألف إصابة، وذلك وسط انهيار القطاع الصحي في المحافظة، وعجز المراكز الطبية عن احتواء الوباء، وعدم قدرتها على تقديم المزيد من الخدمات الصحية الأساسية.
ودفع ذلك التدهور إلى إطلاق مبادرة شعبية لجمع التبرعات من المواطنين لتأمين المستلزمات العلاجية اللازمة، حيث أدى العدد المتزايد للحالات إلى شغل مراكز العزل بشكل كامل، فيما فضل معظم المصابين البقاء في بيوتهم بعد ما رأوه في المستشفيات الحكومية من اكتظاظ وعجز عن تقديم الخدمات الأساسية.
ونقل الموقع عن مصدر محلي قوله: “إن عدد الإصابات المعلن عنها من قبل وزارة الصحة يبدو أقل بكثير من عدد الحالات الشديدة النشطة، وسط نقص في عدد أسرة المستشفيات و إمدادات الأوكسجين في المستشفيات الحكومية، فضلاً عن انخفاض معدل التطعيم”. مؤكداً أن: “أرقام الوفيات الرسمية لا تعكس الواقع إذا ما قورنت بإعلانات النعي والحالات التي يعلنها السكان المحليون في كل منطقة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي”.
وبلغت نسبة الإشغال في مشفى درعا الوطني نحو 130 بالمئة، حيث اضطر المشفى لاستخدام كامل أسرّة قسم العزل البالغة 40 سرياً، واللجوء إلى استخدام 15 سريراً إضافياً نظراً لوصول حالات حرجة جداً.
وعلى الرغم من تفشي الوباء في المحافظة؛ إلا أن أجهزة الأمن لا تزال تُمعن في الانتقام من السكان المحليين من خلال إرغامهم على حضور فعالية “تنظيم الولاء” بالذكرى (51) “للحركة التصحيحية”، حيث تم تكديس الآلاف دون مراعاة التباعد الاجتماعي أو وضع الكمامات، ناهيك عن امتناع السلطات الرسمية عن اتخاذ أية إجراءات وقائية رغم تفشي الوباء.
ودفع الغياب الرسمي بالمواطنين لاتخاذ مبادرات شعبية في ظل ارتفاع قيمة إسطوانة الأوكسجين التي بلغت قيمتها 450 ألف ليرة سورية (150 دولار) في السوق السوداء، حيث قام أهالي بلدة “إنخل” بتصنيع 25 ألف كمامة، وتوزيعها على المواطنين، وعمد سكان بلدة “جاسم” إلى إعادة ترميم مبنى المشفى الوطني المتضرر، وتبرع أحد سكان بلدة “تسيل” بمولد أوكسجين للتعامل مع الحالات المتزايدة، وجمع أهل مدينة “نوى” نحو: 80 مليون ليرة سورية (24 ألف دولار) في حملة أطلقوها لجمع التبرعات لإصلاح بعض الأعطال في وحدات الأوكسجين في المشفى الوطني، فيما جمع سكان “الحراك” والبلدات المجاورة نحو 60 مليون ليرة (18 ألف دولار) لإصلاح المشفى الحراك الوطني، الذي كان مغلقاً منذ 2018.
وأطلق نشطاء حملة “احموا درعا” بهدف: “وقف انتشار الفيروس بسرعة من خلال توعية المواطنين بضرورة الاستمرار في ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي وغسل أيديهم بانتظام”.
ونقل الموقع عن مصادر محلية تأكيدها تناقص عدد المستشفيات منذ استعادة نظام الأسد السيطرة على درعا عام 2018، بعد تعرض الكثير من الوحدات الطبية التي كانت تقدم العلاج لنحو 600 ألف مدني مجاناً للقصف أو النهب على أيدي قوات النظام.
ونتيجة للأوضاع الصحية الكارثية، وانخفاض قيمة الليرة، وغياب الرقابة الرسمية فقد عمد العاملون في الصيدليات إلى تجاهل السعر الموجود على علب الدواء، وفرض أسعار تختلف من صيدلية لأخرى ومن أسبوع لآخر، وتتضاعف معاناة السكان من ارتفاع أسعار الأدوية مع زيادة الطلب عليها في ظل تفشي “كورونا”، و”الإنفلونزا” و”الكريب” الموسميين في هذه الأشهر من السنة.
ومع زيادة الضغط على بعض أصناف الأدوية كالمسكنات والمضادات الحيوية وغيرها من الأصناف التي تُستهلك بكثرة هذه الأيام فقد عمدت صيدليات المحافظة إلى تخزينها لبيعها فيما بعد بأسعار مضاعفة.
ويشتكي المواطنون من ارتفاع سعر الدواء واختلاف أسعاره من صيدلية لأخرى في زيادة تصل في بعض الأحيان إلى 3 آلاف ليرة، فيما يشير بعض الصيادلة إلى أن قلة التصنيع من قبل المعامل وندرة الدواء هو الذي يرفع سعره من قِبل الموزعين وبالتالي يضطر الصيادلة لرفع الأسعار.
يُشار إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية واحتكارها من قبل الشركات والمعامل أدى إلى أزمة نقص حادّة في المستلزمات الطبية في محافظة درعا التي تعاني أصلاً سُوء الواقع الصحي وتدنِّي الخدمات الطبية.
ووفقاً لبيانات “منظمة الصحة العالمية” فإن 58 مشفى عام يعمل في سوريا من إجمالي 111 مشفى حكومي في سوريا، فيما تعرض الباقي لقصف ممنهج من قبل قوات النظام، واضطر نحو 70 بالمئة من العاملين الصحيين إلى مغادرة البلاد كمهاجرين أو لاجئين.
أما على الصعيد الأمني فقد عادت ظاهرة الاغتيالات لتتصدر الأخبار، حيث تم توثيق نحو 50 محاولة اغتيال منذ انتهاء التسويات بدرعا البلد في 6 سبتمبر الماضي، حيث قام مجهولون بتفجير مبنى أمن الدولة في بلدة “الشجرة” بالريف الغربي للمحافظة، كما تم استهداف مدرعة عسكرية روسية على طريق دمشق-عمان بعبوة ناسفة أدت لإصابة عنصر روسي.
وتزامنت تلك الأحداث مع كشف شرطي موالٍ عن تغوّل عصابات السلاح في مناطق سيطرة النظام بدرعا، وارتباطها بالأجهزة الأمنية، ودورها في عمليات الخطف، مؤكداً أن أجهزة الأمن لم تجرؤ على مدى عامين على اعتقال تاجر سلاح اعتدى عليه وذلك بسبب الحصانة التي يوفرها له ضباط وعناصر في الأجهزة الأمنية، وبدلاً من اعتقال التاجر، تم اعتقال الشرطي ذاته لمدة عشرين يوماً والتحقيق معه، كما حاول فرع الأمن السياسي دفعه للتنازل عن الشكوى التي قدمها.
وأشار الشرطي إلى أن وقوف جهات متنفذة، بينهم ضابطان برتبة لواء، خلف التستر عن التاجر مقابل المال، متسائلاً عما إذا كان ذلك بسبب أنه ينحدر من منطقة الأتارب، في إشارة إلى أن الظلم الذي تعرض له سببه أنه سني وليس علوياً.
وشابت عمليات التسوية الكثير من التجاوزات، حيث فرضت قوات النظام إتاوات مالية على أهالي “الجيزة”، واشترطت إخراج بعض الأسماء من التسوية بذريعة أنه يجب عليهم تسليم أنفسهم للنظام قبل ذلك.
وكانت قوات النظام قد حاصرت بلدة “ناحتة” بريف درعا الشرقي، وأحرقت منازل يملكها مدنيون، على خلفية رفض سكان البلدة إجراء “تسوية” أمنية، وتسليم كمية الأسلحة التي طالبت بها “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام. كما قامت “اللجنة الأمنية” بفرض تسويات على أهالي بلدات: “الحراك”، و”علما”، و”الصورة”، بعد أن حاصرت بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي.
وبالإضافة إلى حرق البيوت؛ أقدمت قوات النظام على اعتقال عدد من الأشخاص الذين وافقوا على إجراء التسوية، واقتحمت البيوت في كل من: “اليادودة” و”المزيريب” و”تل شهاب”، واعتقلت أشخاصاً على الرغم من موافقتهم على إجراء التسوية.
وفي بلدة “الشجرة” طالب العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري، الأهالي بترميم مبنى “أمن الدولة” على نفقتهم، مهدداً المواطنين بتفجير منازلهم في حال الرفض، وذلك في اجتماع حضره اللواء حسام لوقا رئيس اللجنة الأمنية في درعا، والذي هدد بتفجير جميع المنازل المحيطة بالمبنى، في حال لم يتم تجهيزه بشكل كامل وإعادته بشكل أفضل مما كان عليه.
وفي 9 ديسمبر؛ عُثر على جثتين ظهر عليهما آثار تعذيب وإطلاق نار في الرأس بالقرب من “جسر الغارية الغربية”، ورجحت مصادر محلية أن إحدى الجثتين تعود لأبي كفاح العيساوي من بلدة “صيدا حانوت” بريف درعا الغربي، والذي اتهمته السلطات الأمنية بتفجير سيارة تابعة للأمن العسكري في مدينة “نوى” (29 نوفمبر)، قُتل على إثرها ثلاثة ضُباط وجُرح اثنان آخران.
وطالت عمليات الاغتيال، منذ انتهاء “التسويات”، عناصر ومقربين من قوات النظام التي عملت على سحب حواجزها وقواتها الأمنية، تحت ما أسماه النظام “عودة الحياة الطبيعية إلى المحافظة”، كما شملت عدداً من الشخصيات المعروفة من أهالي حوران، أبرزهم الشيخ أحمد بقيرات، عضو “اللجنة المركزية” لريف درعا الغربي، وأحد اهم اعضائها المكلف بالاجتماع والتفاوض مع النظام، ومن أبرز الناشطين فيها، والذي سبق وأن شغل منصب قاضي في محكمة “دار العدل” بدرعا، وهو أحد أعضاء “هيئة الإصلاح” التي كانت تضم شيوخ ووجهاء من درعا، قبل سيطرة النظام.
وتزامن مقتل الشيخ بقيرات مع اغتيال القيادي في اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس والمدعوم من روسيا سامر الحمد والملقب “أبو صدام خربا” وذلك بإطلاق النار عليه بشكل مباشر أمام منزله بين بلدتي “معربة” و”خربا” شرقي درعا (9 ديسمبر)، وكان من القادة الميدانيين في فصيل “شباب السنة” الذي يقوده أحمد العودة.
واغتيل أيضاً نائب رئيس بلدية مدينة “إنخل”، مأمون أحمد الجباوي، وذلك عبر استهدافه من قبل مجهولين بإطلاق النار عليه مما أدى إلى مقتله، وكان “الجباوي” ضابطا متقاعدا برتبة عقيد في قوات النظام، ومن المتهمين بتعامله مع النظام وكتابة التقارير ضد الناشطين.
كما استهدف مجهولون يستقلون دراجة نارية (8 ديسمبر) القيادي السابق في “الجيش الحر”، محمود البردان، على الطريق الواصل بين بلدتي “الأشعري” و”طفس”، ما أدى إلى مقتله وإصابة زميله أدهم البرازي.
وتحدثت مصادر محلية عن اغتيال 13 رئيس بلدية في حوران، قُتلوا خلال عمليات متفرقة، وتعتبر عمليات الاغتيال والتصفية في درعا متبادلة وشبه يومية، إذ يعمل سكان المنطقة على استهداف عناصر في قوات النظام كرد فعل على استهداف سكان المنطقة بعمليات اغتيال، ففي 29 نوفمبر الماضي؛ استهدفت قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة مدينة “نوى”، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وجرح أكثر من عشرة آخرين، بعد ساعات من استهداف سيارة عسكرية تسبب بمقتل ثلاثة من عناصر قوات النظام.
وتمثل مظاهر التدهور التي تشهدها المحافظة بوادر الإخفاق المروع لسياسة “خطوة مقابل خطوة”، والذي راهنت فيه المملكة الأردنية الهاشمية برأس مال كبير من رصيدها الأمني والدبلوماسي، حيث تستمر شحنات المخدرات في التسرب عبر الحدود، وتتفاقم الأزمات الأمنية التي تجعل مشروع استجرار الكهرباء من الأردن السورية إلى لبنان، ومد شبكة أنابيب الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية أمراً متعذراً في ظل استمرار المواجهات وفقدان السيطرة على المحافظة المنكوبة.
وفي محاولة يائسة لإنقاذ المحطة الأولى في سلسلة التطبيع العربي مع النظام، حركت بعض العواصم العربية بيادقها خلال الأيام الماضية، في رحلات مكوكية شملت كلاً من موسكو وعمّان وأبو ظبي، لإقناع الروس بإعادة الاعتبار للواء “الثامن” التابع للفيلق “الخامس”، وتعهدت بتقديم التمويل والدعم اللوجستي، إلا أن القوات الروسية لا تزال مستمرة في إجراءات تفكيك “اللواء الثامن” وإلحاق عناصره بشعبة المخابرات العسكرية.
ولا تبدو السلطات الروسية متحمسة في الوقت الحالي لمناقشة مسائل إعادة الإعمار والبنية التحتية، أو التفاوض بشأن الترتيبات الأمنية والعسكرية في الجنوب، خاصة وأن المباحثات الأخيرة التي دارت بين موسكو وواشنطن حول سوريا لم تكلل بالنجاح، ما دفع الكرملين للتصلب في تمرير مشروع شبكة الغاز الأمريكي (بأيادٍ عربية) والذي لا يعترف بمصالح موسكو، ولا يتواءم مع المخططات الروسية في إنشاء شبكة مغايرة لمد أنابيب النفط والغاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى