فنجان سياسي

اعترافات مواطن عربي!

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

عذراً منكم، وأعترف لكم أيها السادة قادة العالم المتحضر ، بأنني “أنا العربي”قد أصبحت إنساناً شكّاكاً، مرتاباً، تركبه الهواجس والمخاوف من كل ما يدور من حوله ،و لا يثق بكل المواثيق وبكل التعهدات والإتفاقيات الدولية -التي صدرت ولا زالت تصدر- واتفقت عليها دولكم من خلال منظماتها وهيئاتها الراعية لشؤون خلق الله، بشراً وحجراً وبقراً ومخلوقات أخرى!

أعترف لكم بأنني لم أعد أفكر إلاّ بطريقة”نظرية المؤامرة”،وأن هذا العالم هو أسير مؤامرة كبرى تقف وراءها قوى مجهولة لا أعرف من تكون،ولكنني على يقين بأنها تتآمر عليّ أنا بالذات “أنا العربي”!

أليس من حقي أن أفكر بهذه الطريقة بعد كل تلك المآسي والكوارث التي حلّت بي، وكنت ضحيتها نتيجة تآمر الآخرين علي أنا بالذات”أنا العربي”؟

تبين لي أيها السادة، ولو بعد دهر من الزمن، أنني كنت ضحية مؤامرة كبرى ابتدأت من اتفاقية “سايكس- بيكو” أي منذ ما يزيد عن قرن من الأعوام ، ولا زالت مستمرة، ولا زالت تستهدفني وما تبقى من كيان لي، حتى ولو كان هذا الكيان هزيلاً ضعيفاً لا يشكل خطراً على من حوله، ولا يقدر على درء الخطر عن نفسه، وأنه أصبح تابعاً وليس متبوعاً،ويدور في فلك محاور الآخرين.

كيف لي لا أفكر بطريقة “نظرية المؤامرة” وأنا أشاهد بأم عيني ما آلت إليه الأمور في بلداننا وما أصبحت عليه أحوال شعبنا ،وكيف وقف العالم بمنظماته وهيئاته الإنسانية والحقوقية والقانونية من قضايانا، وكيف تعامى أحياناً عن الجرائم التي ترتكب بحقنا، وكيف تغافل وتجاهل في أحايين أخرى عن رد حقوقنا المسلوبة ولو بأدناها وأبسطها!

كيف لي أن لا أفكر بطريقة “نظرية المؤامرة” وأنا أقرأ مذكرات قادة دول وسياسيين غربيين وهم يشاركون في حياكة المؤامرة علينا ، منهم من مات وودع الدنيا ولم يحمل معه سوى أوزار ما حل بنا من كوارث، ومنهم من لايزال على قيد الحياة يتفاخر بجريمته التي ارتكبها بحقنا ويعتبرها إنجازاً تاريخياً له ولدولته -أوباما مثالاً على ذلك في كتابه “أرض الميعاد”-!

أليس من حقي أن أتوجّس الخيفة من علاقة الغرب وأمريكا بإيران وما هي عليه الآن؟ وكيف يتعاملون معها بكل أناة وتمهل ورضى، وكيف يجرون معها مفاوضات ماراثونية تتيح لإيران متابعة أنشطتها وعدوانيتها وتمددها في بلاد العرب ،مبتزين فيها قادة دول العرب تحت ذريعة حماية أنظمتهم من الخطر الإيراني!

أليس من حقي أنا في سوريا أن أتساءل عن السبب الذي جعل أمريكا ودول الغرب يتركون النظام المجرم في دمشق ومن يقف معه من الروس والإيرانيين مستمرين في قتل شعب سوريا وتدمير مدنه وتهجيره عن ارضه ومدنه وقراه؟

إذا لم تكن هذه هي المؤامرة، فكيف تكون ؟ وكيف لي أن أفكر بطريقة أخرى غير التفكير بعقلية و”نظرية المؤامرة”؟
لم يعد يهمنا -نحن العرب -ما يقوله الآخرون عنا، وما يصفوننا به، فقد قالوا عنا الكثير، ووصفونا بكل الصفات، وصنفونا تصنيفاً ينتقص من إنسانيتنا، ووضعونا في زمرة المخلوقات التي هي بين الحيوانية والبشرية، ولا يحق لهذه المخلوقات أن تمتلك زمام أمورها وترعى شؤونها بنفسها، لذلك لا بد ل”قطعان العرب” من راع لها هو أدرى بكيفية احتلاب نياقها وشياهها.
و”كل شاة برجلها معلّقة”.
وأخيرا،ً وللتذكير أيها السادة، نقول :ماذا لو تفلّت القطيع العربي من عقاله، وحطّم سور حظيرته، فما هو السبيل أمامكم لإعادته إلى الحظيرة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى