مقالات

المتحوّر أسد “2015 ” أسد توينتي فيفتين!

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

كثر الحديث عن المتحوِّرات الوبائية و آخرها المتحوِّرات عن كوفيد 19 ، أي ” الكورونا “، و ما إن يتنشر خبر ظهور متحور جديد حتى تلتهب وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات التحذير و التخويف مما يثير الرعب في النفوس و إرباك الناس في التعاملات اليومية ، ويتسبب بخسارات اقتصادية هائلة و ربما إلى الإفلاس ، وربما يؤدي الأمر بالبعض للدخول في حالة من الاكتئاب و الفوبيا من أي عارض صحي حتى لو كان طبيعيًا ، أو فوبيا الاقتراب أو مخالطة الناس ، هذا كله يحدث قبل أن يتعرّف الناس على طبيعة المتحوّرات أو قبل أن تنشر مراكز البحث العلمي و منظمة الصحة العالمية أي نشرات طبية توضح طبيعة المتحورات ،وآلية التعامل معها لحين إيجاد الدواء او اللقاح المناسب للسيطرة عليه .
حالنا نحن السوريين ،يشبه حال شعوب العالم التي تعاني من هذه الأوبئة والجائحات الفيروسية و متحوِّراتها ، فنحن نعاني منذ اكثر من ستين عامًا من وباءٍ فتّاكٍ متجدِّدٍ متحوّرٍ متقلِّبٍ ، لم ينفع التعامل معه بسياسة الإحتواء أو تغيير السلوك أو السيطرة والتحكم بتصرفاته ،هذا الوباء جيناته معلومة ، وآليات عمله معروفة ، و أساليبه في التحوّر والتحوّل و التقلب أيضا أصبحت معروفة ، فهذا الوباء معروف البنية و الأداء و الأسلوب ، والأعراض ، والنتائج ، والآثار الجانبية ، مما لا يُعجِز أي باحثٍ يسعى للقضاء عليه ، فكل ما ينقصنا هو الإقرار بخطر هذا الوباء و الإقرار بوجوب القضاء عليه ، وهذا يتطلب منا جميعا تسخير الجهود و توجيه القوى بهذا الاتجاه ، وعدم الدخول في محاولات إصلاحه أو تعديل سلوكه أو احتوائه ، لآن هذا يبدِّد الجهود و يضيع الوقت ويذهبها هباءً منثورا.
المفاوضات التي تجري بين ” المعارضة ” وبين النظام ما هي إلا سباق مارثون لا ضوابط له ولا حكّام فيه ولا جمهور يشاهده ، وهو سباق في مضمار بعيد عن الأنظار ، لا يهم إلا أصحابه ، لذا فإن نتائجه ستكون حِكرًا ووقفًا عليهم فهم الملتزمون مع بعضهم ، ولا يملكون لا الشرعية ولا المشروعية فيما يفعلون .
الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومن خلال المبعوث الدولي ، ومن خلال المبعوثين الخاصّين للدول يتعاملون مع وباء ” الأسد ” على أنه ” بلازما ” يمكن بواسطتها تحصين الشعب السوري من الأخطار التي تحيق به وهي كما يرونها من وجهة نظرهم ” تغوّل الأكثرية العربية السُنيّة ، والإسلام ، التقسيم ، الإرهاب ” ، فكانت وصفات معالجة هذه الأخطار هي ” حماية الأقليات – العلمانية – الجندرة – الفيدرالية – القضاء على الإرهاب …… وغيرها من الذرائع والحجج .
انطلق هؤلاء من قاعدة أن النزاع في سورية ،هو حرب أهلية بين مكونات الشعب السوري فيما بينهم من طوائف وعرقيات و مذاهب وبين السلطة وأن الهدف من هذا الصراع هو الاستيلاء على السلطة ، فتدخلت روسيا على خلفية طائفية وهي ذريعة حماية المسيحيين و الأقليات الأخرى ، و تدخلت إيران على خلفية مذهبية بذريعة حماية المراقد الشيعية ، وتدخل التحالف الدولي على خلفية القضاء على الإرهاب ، فاتحدت هذه القوى مع وباء الأسد الطائفي و انتج هذا الاتحاد متحوّرا جديداً مع اصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم ” 2254 ” لعام 2015 يمكن تسميته ” المتحوّر أسد “2015 ” أسد توينتي فيفتين ” كان أشد فتكاً و إجراما من وباء الأسد ونظامه ، فكان نتيجته تحصين الأسد و تقوية مناعته ، وكان دِرعُ حماية تحالف الأقليات مع السلطة الدكتاتورية الاستبدادية ، وكان التحالف الدولي شريكا للنظام فيما سموه ” الحرب على الإرهاب ” .
وكان ضحية هذا المُتحوِّر 85% من الشعب السوري من المسلمين من أهل السنة والعرب ، وهذا المتحور يعمل فتكاً في عقيدة السوريين وفي أخلاقهم ، وفي ثقافتهم وحضارتهم ، وفي بنيتهم الاجتماعية ، وفي تركيبتهم الديموغرافية ، فكان مصيرهم الإبادة الجماعية البشرية ، من قتلٍ واعتقالٍ واغتصابٍ وتهجيرٍ وتدميرٍ ونهب ٍ وسلبٍ وحرمانٍ من كل مقومات العيش . وإبادة ثقافية من خلال تدمير تاريخ وممتلكات هذا الشعب الثقافية والحضارية ونهب وتدمير آثاره ، وتغيير ثقافته ونزع هويته العربية والإسلامية .
ولكي يتم تقنين هذا التحالف وشرعتنه وإفراغه في قوالب دستورية وقانونية اخترعوا لنا اللجنة الدستورية والتي يُمكن تشبيهها بلقاح ” سنوفاك ” الروسي الذي يَتم من خلالها تكريس آثار هذه الإبادة الجماعية والثقافية للشعب السوري ، والذي يقوم المبعوث الأممي ” بيدرسون ” بما يُشبه دور منظمة الصحة العالمية في التعاطي مع وباء كورونا ، حيث يقوم بالترويج له وإقراره وإقناع الجميع بقبول التعاطي معه كعلاج وحيد للصراع في سورية .
التركيز على اللجنة الدستورية وعلى المُنتج الدستوري ” المُسردَب المُنتظر ” الذي رسم معالمه اتحاد الكنائس العالمي ، ووضع مبادئه فوق الدستورية مجموعات عمل لا يعلم السوريون لا أصلهم ولا فصلهم ، ويقوم على ترويجه مجاهيل ينتشرون في مناطق محددة مدروسة ومُختارة بدقّة وهي الأكثر رخاوة والتي يمكن من خلالها التأثير على الرأي العام وفرض الدستور في غفلة من الشعب الذي أشغلوه في البحث عن ملاذ آمن ، او اشغلوه بالبحث عن لقمة عيشه .
لا منجا ولا ملجأ لنا من خطر هذا المتحوّر إلّا بالتمسك بحقوقنا و ديننا وأخلاقنا ووطننا ، والدفاع عنها بيد واحدة وصف واحد ، فلا مكان لغريبٍ ، ولا لخائنٍ ، ولا لجبانٍ ، ولا لمٌفرّطٍ بيننا ، فنحن أصحاب الحقوق ونحن أولياء الدم وأصحاب الأرض وأهل العرض ، والدستور مُلكنا وكتابته حقنا ، في بيئة آمنة مُستقِّرة نطمئن فيها على حياتنا ، وحرياتنا ، وحُرماتِنا ، ومُقدساتنا ، ولا شرعية لأي قانونٍ أو دستورٍ يُفرض علينا ، أو يكتبه خائنٌ أو مفرّطٌ أو غريبٌ .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى