سياسة

مناورات وتوترات!

محمد علي صابوني

كاتب وباحث سياسي.
عرض مقالات الكاتب

من نافلة القول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تمسك بمفاتيح اللعبة، ليس فقط في المنطقة بل في معظم أنحاء العالم
نعم هي من أدخلت روسيا إلى سوريا بعد أن سمحت لإيران بالتغلغل وذلك لخلق توازن في المنطقة، فهي في المرحلة الحالية لن تسمح لجهة من الجهات أن تستفرد بالمصير السوري لا إيران، ولا روسيا، ولا تركيا، ولا قسد، ولا حتى النظام السوري ولا غيرهم، إنما رسمت لهم هوامش ليتحركوا خلالها دون أن يتخطوها أو تتعارض تحركاتهم مع رؤيتها لتلك الرقعة الحساسة 
وهي ذاتها التي تعمل اليوم على توريط روسيا بالدخول إلى أوكرانيا وتمهّد لها الطريق بتصريحات تبدو متناقضة من مسؤوليها وتلميحاتهم ورسائلهم غير المباشرة  بأن موقفهم المتشدد القديم قد تغير وأنهم لن يقفوا في وجه الروس -إن اجتاحوا الأراضي الأوكرانية-  على حساب قضيتهم الكبرى مع الصين.
وها نحن اليوم نرى بايدن يطلب من الجيش الأمريكي وضع خطط لإخلاء الدبلوماسيين الأمريكان من أوكرانيا -في حال غزت روسيا أوكرانيا-  وفي الوقت ذاته تقول “بلومبيرغ”:  إن أمريكا ستدفع ألمانيا لوقف خط أنابيب (نورد ستريم 2) في حال دخلت روسيا إلى الأراضي الأوكرانية
والواقع أثبت أن أميركا انتقلت مؤخراً من مرحلة التدخلات المباشرة، إلى مرحلة جديدة وهي التحكم برقعة الشطرنج وتخطيط المعارك وتنفيذها بأدوات على شكل أشباه دول قد أثبتت الأعوام الأخيرة أنها صُنفت إلى نوعين :

  • نظام تابع مسيطَر عليه و مجبر على تنفيذ الإملاءات الأمريكية بحذافيرها
  • ونظام أحمق يعتقد أنه “ذكي مستقل” وقد تم استدراجه ليبتلع الطعم و ليتحول إلى بيدق في الرقعة ذاتها من حيث لا يشعر.
    أما التحول الآخر بالسياسة الأمريكية فيما يخص قضايا المنطقة فهو أنها لن تسمح -قدر الإمكان- بالمزيد من العمليات العسكرية التقليدية الكبيرة التي ستتمخض عن مشاهد القتل و الدم والدمار والتي يمكن أن تؤثر سلباً على موقف الناخب الأمريكي البسيط ودافع الضرائب، إلا أن الثابت هو أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي فيما لو أصرت روسيا أو غيرها على فعل ما يمكن أن يضرّ بمصالحها أو يضعف من موقعها كقطب متحكم بمعظم الخيوط السياسية في العالم فهي التي ترسم الهوامش وهي التي تحدد متى تبدأ النزاعات وأين، ومتى يجب أن تتوقف.
    أما اليوم فالمنطق السياسي يقول ان هذا التوتر الذي طغى على المشهد ليس من مصلحة الطرفين، فروسيا لا ترغب بصدام مباشر مع الولايات المتحدة
    وها هو بوتن يصرح مؤخراً : (( …لا نريد أي مواجهات، ويبدو أن “النيتو” لديه توجهات صدامية تجاه موسكو وتمدده باتجاه حدودنا غير مقبول ولن نقبل بتقويض أمننا))
    أما عن موقف الأمريكيين الداخلي فقد أجرت مؤسسة “رونالد ريغان” دراسةً استقصائية للأمن القومي :  فقام الأمريكيون بتقويم التهديدات الرئيسية للولايات المتحدة في الساحة الدولية، و تتجلى أهمية مسح مؤسسة ريغان في أنه أول مسح جاد وواسع النطاق للسكان الأمريكيين منذ انسحاب القوات من أفغانستان، حيث وضع الأمريكيون الصين في المرتبة الأولى في قائمة التهديدات، فنسبة الذين يرون في الصين الخطر الأكبر على الولايات المتحدة 52٪، وهو ما يزيد بنسبة 31٪ عن أربع سنوات مضت. بينما 14٪ فقط من المستطلعة آراؤهم وضعوا روسيا في المرتبة الثانية. وبحسب رؤيتهم تشمل التهديدات الثلاثة الأولى كوريا الشمالية التي وضعوها في المرتبة الثالثة.
    وقد لفت مدير معهد ريغان، “روجر زاخيم” الانتباه إلى الزيادة الملحوظة في نسبة أولئك الذين يخشون الصين في كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
    إذاً فالولايات المتحدة وفي ظل الظروف الراهنة لا ترغب بتوترات إضافية تلهيها عن عدوها الأول ، ولا سبيل لدى الطرفين لأجل الخروج من المأزق اليوم سوى بتغليب اللغة الدبلوماسية على “طبول الحرب” والعودة إلى حرب الأدوات ، خاصة وأن الصين قد تسحب روسيا إلى معسكرها في حال نشوب نزاع كبير ويجب أن لا نتجاهل المناورات المشتركة الأخيرة التي أجرتها الصين مع روسيا حيث أجرى الجيشان الروسي والصيني، في 9 أغسطس/ آب المنصرم تدريبات عسكرية مشتركة في الصين، حملت اسم “التفاعل 2021″، واستمرت حتى 13 من الشهر ذاته، وشارك فيها نحو 10 آلاف جندي من البلدين.
    إذا فالمشهد الدولي يبدو متوتراً وضبابياً اليوم
    فهل آن أوان الملحمة الكبرى التي حاول الجميع الهروب منها؟
    أم أنها توترات كسابقاتها سرعان ما سيتم احتواؤها وهضمها ونزع فتيلها قبل حدوث الكارثة؟
    أعتقد أن الأمر لن يطول قبل أن نحصل على الأجوبة الشافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى