فنجان سياسي

الظواهر الصوتية وإفلاس بعض الإسلاميين…!


فراس العبيد – رسالة بوست
توطئة:
ما إن تبدأ قراءة المشهد على الساحة الشامية خاصةً، حتى تتشكل لديك قناعة، يمكن أن تسقطها على عموم المسرح العربي بدايةً والإسلامي بوجهٍ خاص، وتترسخ الفكرة بأنّه ثمة فوارق بين نوعين من العاملين في المجال الإسلامي.. وأن ثمة إفلاسًا واضحًا لدى أحد أطرافه، وضرورة إعادة هيكلية جديدة للعمل بإطاره النظري والعملي.
دعاة التعايش وتفنيده:
وبناءً على قناعاتي فإنّ العاملين في المجال الإسلامي، هم إمّا “مجاهدون” وهنا أقصد بهم من حمل على عاتقه البندقية على بصيرة، والصنف الثاني؛ “أصحاب النظريات الكلامية”، أو من يطلق عليهم عرفًا “الدعويين” ومفردهم “داعية”.
ولعل المتابع خطاب الصنف الثاني؛ وأحاول هنا التركيز والدندنة حوله، يجده لا يخرج عن فكرة “إيصال رسالة للطرف الآخر، العدو، بالاعتدال، ونبذ التطرف والإرهاب، وما إلى ذلك من العبارات، التي ظاهرها حضاريّ، وباطنها (انهزامية وانكسار)، للأسف”.
فالتركيز عادةً لدى الطرف “الدعوي”، قائمٌ على قاعدة؛ “إن لغة الحوار هي لغة القوة”.
والخلل في الفكرة السابقة_ لا أقول قاعدة، من وجوه، أختصرها بما قاله؛ لويس عطية الله، في إحدى مقالاته؛ التي تدور حول فكرةٍ مقاربة، يقول؛ “فكلمة لغة في الجملة الأولى مفسدة للمعنى.. والمفترض أن يقال (إن لغة الحوار هي القوة، ومن الخطأ أن نجعل القوة لغة للحوار)، لأن للقوة لغات كثيرة أولها السلاح وآخرها العفو، وليس الحوار لغة من لغات القوة بل هو بديل لها.. ولا أدل على الفرق بين (الحوار) و (القوة) من هذا البيان الضعيف!)”. وجميعنا يذكر أحد “دعاة الكوميديا”، الذين صدرتهم منابر إعلام الطواغيت، قبيل انتكاسته التي سقط فيها أساسًا، منذ بداياته، ولعلي أقف عند أحدها لأنه يلامس ما نتحدث عنه، وكان عنوانه؛ “دعوة إلى التعايش”، وكلماته التي صدّعت الرؤوس؛ “ما تيجوا نحضن بعض، ما تيجوا نحب بعض”، وأترك هذه العبارة لك سيدي/سيدتي، لمراجعة القاعدة الشرعية في مسألة “الولاء والبراء”، التي نصت عليها النصوص الشرعية، وبني عليها أحكام شرعية غاية في الخطورة. قال تعالى:  لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  (المجادلة:22) وأخبر بقوله: [والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض] التوبة – 81. [والذين كفروا بعضهم أولياء بعض] الأنفال: 73. [والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض] التوبة – 67. وقال تعالى:  وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ  الجاثـية: 19، فهما نسبتان وجنسيتان، وآصرتان ورابطتان فقط، (مسلم يوالي مسلماً) … و(كافر ومنافق يوالون بعضهم بعضاً). وقد أمر الله باعتقاد هذه العقيدة، وأخبر أننا إن لم نفعلها  تكن فتنة في الأرض وفساد كبير  الأنفال: 73. والناظر في آيات القرآن الكريم، يجد أنها غطت مسألة الأمر بولاية المؤمنين وما يترتب عليها، والنهي عن ولاية الكافرين والأمر بالبراءة منهم وما يترتب عليها، بكل التركيز والوضوح. وكما أسلفت “لن أطيل النفس في تقديم النصوص الشرعية في هذا الباب، ومن أراد الاستفادة، فكتاب الشيخ الدكتور؛ هاني السباعي، حفظه الله، تحت عنوان؛ “دورة في الولاء والبراء”، كافٍ بإذن الله ومختصر”. دعاة المكيفات: وأذكر أنّ أحد المشايخ، في دمشق، كان يكرر أمامنا عبارة؛ “أنتم دعاة ولستم قضاة” أمام مسامعنا يوم كنا من مريديه، حسب المفهوم الدارج آنذاك. ويذكرنا دائمًا بمقولة؛ “من يحمل همّ الدعوة؟”، بل وأكد كغيره_ أن الاسلام مستهدف من الغرب الصليبي واليهود..
والمشكلة أن حروب أولئك الدعاة القدامى والجدد، لم تخرج عن “الصراخ من فوق المنابر”، وبقيت حتى ما إن أتت الفرصة المواتية، انتكسوا ورجعوا على أعقابهم، على مبدأ ذلك الشيخ الذي أقرّ وجود الفرنسيين في الجزائر، بفتوى أنهم “قدر الله، ومحاربتهم، تعني حتماً محاربة الله” تعالى الله عما يقول علوًّا كبيرًا.
وبالمحصلة؛ فإن الفتوى والترقيعات تدور حيثما دارت المصلحة، ورغبة أذناب الكافرين من طواغيت العرب، وبتوقيعٍ ممن يطلقون على أنفسهم “دعاة” وهم أهل “الدعة والموادعة” لأنّ أنفسهم مالت وهوت إلى “القعود” وعزفت عن “الحرب” إلى “المكيفات والفنادق”… ومرت السنوات ونحن نعتقد أن هذا هو الدين.. وأن الله خلقنا لهذه الغاية… ألا ليت شعري.
وبدل صمتهم خاضوا حربًا ضروسًا ضد المجاهدين بأنفسهم، وحصروا المسألة في “التخلية والتحلية”، ومضى على سنة التخلية قرونًا، ولا ندري متى نرتقي إلى التحلية.
ويأبى الله إلا أن يخرج رجالا تشربوا وتشربت نفوسهم بمبدأ (حتمية المواجهة).. فحملوا رؤوسهم على أكفهم يطلبون الشهادة في سبيل الله والموت من أجل ماذا؟ من أجل ردع الكفر وإخراجه من بلاد المسلمين، ودفع تسلطه وطغيانه علينا..
أولئك أثبتت لهم التجارب أنّ المسلمين مهما حاولوا التخلص من ربقة الذّل والعبودية، لن يكون المسار إلا عبر المواجهة الحاسمة حتى وإن طال الزمن في حربٍ طويلة الأمد، يستنزف فيها عدوهم، أليس الله قال؛ (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال، (ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبه من النفاق)؟ ولا أقل من الدعاء للغزاة والقنوت من أجلهم.. أليس الله يحب أن تسفك الدماء في سبيله وإقامة شرعه ودينه؟
ولنضرب مثلاً قريبًا لما يجري في الأمة، التي احتلت بما تحمل الكلمة من معنى، “رجلٌ دخل منزله، فوجد شخصًا يعتدي على عرضه، وينهب ماله، فإنه وفق منطق دعاة التعايش، المفترض أن يدعوهم للمحكمة، علمًا أنها وشرطتها تحمي المغتصب، ولديه قناعة المعتدى عليه بالأمر، فهل يجوز وهل من الرجولة أن يقبل بالدعاء وطلب التعايش وحسن الجوار، هل يتقاسم مع المعتدي في عرضه مناصفة، على مبدأ يوم إلك ويوم لي؟! عجبي، أين المروءة، ووالله إن شهامة وكرامة العرب في جاهليتهم أحبّ إلينا من هؤلاء المخنثين ولا يصح توصيفهم حتى أنصاف رجال”.
ومثال آخر؛ “مدجج بالسلاح يقف على رأسك.. قتل أبناءك.. وينتهك حرماتك، ثم يتلو عليك بيانًا لماذا يقاتلك! ما أنت صانع؟
تقول له: تعال إلى الحوار؟ تعال لنتعايش؟ “
إنّ الطبيعة البشرية، تحتم القول في أقل تقدير؛ “سأقاتلك”.. فكيف وإسلامي يقول لي إنني لو قتلت في الدفاع عن (حذائي) أكرمكم الله فإنني شهيد سأدخل الجنة فورا! (من قتل دون ماله فهو شهيد)!
قال تبارك وتعالى؛ (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، فكيف بنا وأولئك المخنثين بدعوتهم يصرّون في بياناتهم وبرامجهم وكتبهم ورسائلهم على مبدأ “التعايش وأسسه”.
ظواهر صوتية:
وبالجملة؛ وليست سرًا، فإنّ “الغرب لا يتعايش معنا بل هو يتعيّش فوقنا ويستولي على ثرواتنا وينتهك أبسط حقوقنا”!!
ثم إننا نسأل دعاة “المكيفات والبرامج الأبهى التي كلفتها ملايين الدنانير والدراهم” في وقتٍ تسبى فيه الأمة؛ حدثونا من هي الفئة المنصورة، التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (لا يزالون على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، يقاتلون في سبيل الله)، فما معنى “يقاتلون” وهل كان يقصد بها “يتعايشون”، حاشاه بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام.
وللتذكير فإنّ أولئك الدعاة أمرهم مولاهم أن يصفوا المقاتلين بأنهم “مجاهدون” أيام الحرب الأولى في “أفغانستان” فاستجابوا، ثم عاد فأمرهم بوصفهم “إرهابيون” فانصاعوا، فهل تغيرت الفتوى بتغير “رأي ولي نعمتهم ومولاهم؟”… عجبي.
بالمختصر؛ كل مرقعٍ متلون يميل حيث مال به الهوى، باسم الإسلام، ولن أطلق مسمياتٍ فهي كثيرةٌ في الشام وغيرها، مجرد (مجرد ظواهر صوتية) لم تقدم أي حلول عملية للأمة..
أزمة وانحراف:
ودون شك، فإنّ أمثال “الظواهر الصوتية” المنتشرة، تلك؛ يؤكد أننا نفتح أعيننا على أن الأمة تعيش أزمة ومشكلة أولئك جزء منها_ وللإنصاف ليسوا كلها، وهم يعرفون الحل لكنهم لا يريدون أن يدفعوا الأمة باتجاهه.. باعتبارهم جزء من الأزمة، يكمن في أنهم ذات يوم، وعلى غفلة بل قدرًا أراده الله تعالى_ دفعوا الشباب عبر محاضراتهم ودروسهم وندواتهم، وكتاباتهم في مواجهة الثور، فلما حصلت المواجهة وغرس الشباب رماحهم في رأس الثور وهاج الثور على الجميع أتونا يتحدثون عن (التعايش)! وتأسيس أجواء تفاهم مشترك؟
ولأمثالهم نقول؛ إن كان وصلكم لهيب الحرب مع الأمريكان وحلفهم وأتباعهم، فإننا قد أحرقتنا تلك النار، واسأل الله أن يبدلنا بردا وسلاما في الجنة..، وهل يصح مع الرافضي والنصيري والصليبي الروسي والأمريكي، وجميع تلك الملة إلا “السيف”؟
ومن يقرأ التاريخ، واللبيب من الإشارة يفهم، ودونكم تجربة “إخوان سوريا، ومصر” إلى أين انتهت، والأمثلة كثيرة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل؛ (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا).
كما أنّ العدو الصليبي /النصارى والغرب لن يرضى عنكم حتى تتبعوا ملته، فأفيقوا من نومكم وشخيركم، واخلعوا عنكم كل لباس ليس من لباسكم.. وكفوا عن “المقامرة” و”لعب الورق” في لعبة “الحظ” الساذجة… واتركوا مسرحية “الأدوار العبثية” التي تدّعون فيها أنكم “حضاريون، تنويريون”، وابتعدوا عن ذلكم المستنقع الآسن، وتذكروا “أنتم أصحاب رسالة قائمة على التدين والعبودية لله”.
وأخيرًا؛ “العبيد لا ينتصرون فتحرروا.. “
لن أعتذر عن شدتي، لأننا سنلتقي يومًا ونتخاصم فيه عند ربنا سبحانه وتعالى، فآثرت أن أكون مخاصما في الدنيا عن الحق لا خصيما له في الآخرة.. وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.
وكالعادة ختمت، “لا تخافي يا حبيبتي: فأنتِ آمنة”.
والعاقبة لمن اتقى….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى