تقارير

معلمو الشمال المُحرر ….معاناة مستمرة وضغوط متزايدة

باسل المحمد – مدير الأخبار


لا يختلف اثنان على أن التعليم يشكل اللبنة الأساسية في بناء أو إعادة بناء المجتمعات التي تعرضت للحروب والنكبات، ولنا في التاريخ الحديث أمثلة كثيرة عن ذلك؛ منها ما قرأناه عن النهضة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كان التعليم والبعثات العلمية هو حجر الأساس فيها، ومنها أيضاً ما شهدته ألمانيا من نمو اقتصادي وتطور صناعي بعد أن دمرتها تقريباً جيوش الحلفاء، إذ كان سبب هذا النمو هو اهتمامهم بشكل أساسي بالتعليم والبحث العلمي.
ولو تساءلنا هل هناك منطقة في العالم تعاني من الحرب وويلاتها أكثر من سوريا؟ وهل هناك منطقة في سوريا يجب أن نعمل على دعمها وتطويرها أكثر من المناطق المحررة من نظام الأسد؟
فبعد أن حُرِّرت هذه المناطق بدماء خيرة شبابها، أخذ باقي أبنائها على عاتقهم مهمة بناء وتطوير هذه المناطق، وقد كان للمعلمين دور هام جداً في هذا البناء، من خلال عملهم (كمتطوعين) بدايةً في تعليم الأطفال وافتتاح المدارس، وتنوير طريق الأجيال بالعلم والمعرفة، ومحاربة الجهل والتطرف.
ولكن الناظر في أحوال المعلمين اليوم في المناطق المحررة يرى أنهم يعيشون ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة جداً ولا تناسب أبداً الدور التنويري الذي يقومون به، إضافة إلى شعورهم بالتهميش والتجاهل، مما اضطر كثيراً منهم إلى ترك هذا المجال والسفر خارج البلاد أو البحث عن مهنة أخرى.
الضغوط الاقتصادية:
المشكلة الأساسية التي يعاني منها المعلمون هي تدني مستوى الرواتب، فهم كما قلنا بدأوا متطوعين، ومن ثم بدأت الحكومة التركية بدفع رواتبهم، التي وصلت بعد عدة زيادات إلى 750ليرة تركية شهرياً، يقول عنها أحد المعلمين أنها كانت تكفي إلى نصف الشهر، ولكن بعد الانهيار الكبير لقيمة العملة التركية لم تعد تكفي سوى أسبوع واحد فقط، مما يدفع المعلم إلى البحث عن مهنة أخرى (ونادراً مايجد) أو أن عليه أن يستدين حتى يكمل باقي الشهر، في ظل ظروف معيشية قاسية جداً تعاني منها المناطق المحررة، إذ بلغت نسبة البطالة فيها أكثر من 90%، وهم في سبيل إسماع صوتهم لجؤوا في الفترة الأخيرة إلى الإضرابات علَّها تساهم في لفت الأنظار إلى أوضاعهم السيئة، لكنهم اصطدموا بـ…

الضغوط الأمنية وتهديدات بالفصل:
على الرغم من التحركات السلمية للمعلمين في الشمال المحرر، والتي تتمثل في الإضرابات والتظاهرات، إلا أن بعض القوى المسيطرة تعاملت معهم بشكل قمعي، تمثل في إجبار بعض المعلمين على العودة إلى المدارس وإنهاء الإضراب بالقوة والتهديد، كما حدث ففي بعض قرى الريف الشمالي، وتطور الأمر أيضاً على الشتم والسب والتهديد المباشر بالفصل من الوظيفة، وهذا ما قام به بعض رؤوساء المجالس المحلية وبعض أصحاب السلطة في الإضراب الأخير للمعلمين – علماً أن المستوى التعليمي لكثير من المعلمين هو أعلى من مستوى هؤلاء المسؤولين- وفي هذه الحالة يضطر المعلم إلى العودة إلى مدرسته ومتابعة عمله خوفاً على مرتبه الشهري في ظل الأوضاع المعيشية القاسية. وهذا الأمر دفع بمعلمين مدينة الباب مثلاً إلى تشكيل نقابة للمعلمين؛ لأنهم شعروا بضرورة وجود جسم قانوني يدافع عن مطالبهم، وقد امتد هذا الأمر ليشمل أغلب مناطق المحرر؛ ليتم فيما بعد تشكيل “نقابة المعلمين السوريين الأحرار” على الرغم من معارضة الكثيرين لهذه الخطوة.
ويؤكد المعلمون في هذا السياق أنهم حريصون جداً على مصلحة الأطفال وعلى استمرار تعليمهم، ولكن هذه الإضرابات هي محاولات لإسماع صوتهم إلى الجهات المسؤولة، علها تجد آذاناً صاغية.

مطالبات بوجود تأمين صحي واجتماعي:
ومن جملة المطالب التي ينادي بها المعلمون هو وجود تأمين صحي لهم ولعائلاتهم، إضافة إلى ضرورة وجود تأمين ضمان اجتماعي يكفل حياة كريمة لأسرة المعلم في حال حدوث وفاة لأحد المعلمين، وفي هذا السياق يقول المعلم م.ع إن زميله توفي أثناء عمله في المدرسة، وهو المعيل الوحيد لأسرته، ولكن هذه الأسرة لم تتلقَ أي دعم أو مساعدة من المجالس المحلية أو من الجهات التربوية، ويضيف م.ع يجب أن يكون هناك على الأقل مساعدة مادية تعين هذه الأسرة لبعض الوقت، كما هو الحال في بعض الوظائف التي يوجد فيها دعم مادي أو مساعدات متنوعة في حال الحوادث أو الوفاة.

طبعاً لايتسع المجال هنا لتبيان الواقع الذي يعيشه المعلمون في المناطق المحررة، وما يعانوه من ضغوط وأزمات، ولكننا كلنا أمل بالمخلصين والشرفاء من القائمين على هذه المناطق المحررة أن ينظروا لحال المعلمين، الذين لايقل شأنهم أبداً عمن يقف على جبهات القتال، فمحاربة الجهل والتخلف والتطرف لايقل أهميةً عن محاربة نظام الأسد وحلفائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى