بحوث ودراسات

هل تنسحب القوات الإيرانية من سوريا؟

المرصد الاستراتيجي
الاستجابة للتحولات الإقليمية
انشغل المجتمع الأمني الغربي في شهر نوفمبر الماضي بتحليل دوافع عودة الجنرال في الحرس الإيراني، جواد غفاري (اسمه الحقيقي أحمد مدني) إلى طهران، بعد أن أمضى ستة سنوات في سوريا، حيث خلف الجنرال حسين حمداني عقب مقتله في أكتوبر 2015.
ورأى مصدر مطلع (15 نوفمبر) أن استدعاء “غفاري” إلى طهران يأتي نتيجة لعدم استيعابه: “تغير قواعد الحرب التي أوشكت على الانتهاء”، مؤكداً أن قرار عزله قد تم بناء على طلب بشار الأسد، الذي بعث برسالة إلى القيادة الإيرانية يطلب منها اتخاذ هذه الخطوة: “حفاظاً على العلاقات القوية بين البلدين”.
وأكدت الكاتبة الإسرائيلية، “ليلاخ شوفال”، في مقال نُشر بصحيفة “إسرائيل اليوم” (17 نوفمبر) أن بشار الأسد، لم يكن راضياً عن دور “غفاري”، وربطت عودته بقلق القيادة في دمشق من: “نشاطه الزائد وتآمره على السيادة السورية”.
ويُعتبر غفاري أحد آخر الوجوه التي تمثل حقبة قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، حيث أشرف (خلال الفترة 2013-2016) على تشكيل “قوات الدفاع الوطني في سوريا، ولدى مقتل سابقه، حمداني، عام 2016؛ رافق سليماني إلى طهران للقاء المرشد، وتم إقناع المسؤولين في طهران بغض النظر عن زواجه من “غير إيرانية” مقابل تكليفه بمهمة الإشراف على المهام القتالية للحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وتميز “غفاري”، في هذه الأثناء، بصلافته وعناده، ومناكفته للقوات الروسية في العديد من المناسبات، حيث اعتبره جنرالات النظام وروسيا: “مسبباً للمتاعب”، نظراً لرفضه التنازل عن سلطاته، ما جعله: “عبئاً اتفق الجميع على ضرورة رحيله”.
وتحدثت مصار أخرى عن صورة مغايرة، تتمثل في رغبة القوات الإيرانية بتغيير إستراتيجيتها في المنطقة، والتي تزامنت مع انتهاء فترة خدمة “غفاري” في أكتوبر 2021، وذلك قبل أيام من الهجوم الإيراني على قاعدة “التنف” الأمريكية، وقبل ثلاثة أسابيع من زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق، وذلك أثناء انهماك القيادة العسكرية الإيرانية في إعادة نشر قواتها خارج منطقة “السيدة زينب”، بالقرب من مطار دمشق الدولي.
فيما ربط مصدر ثالث (24 نوفمبر 2021) بين عودة “غفاري”، وتراجع دور رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، لصالح مدير إدارة المخابرات العامة، اللواء حسام لوقا، في خضم تنافس مرير بين الطرفين الروسي والإيراني، للاستحواذ على الأجهزة الأمنية، وعدم تفضيل الروس التعامل مع مملوك نظراً لصعوبة التعامل معه.
تأتي تلك التطورات في ظل تحولات أمنية مهمة تشهدها المنطقة، أبرزها؛ قيام رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي (رئيس جهاز المخابرات الوطنية العراقية سابقاً) بتشكيل فريق يتضمن ضباط استخبارات عراقيين كبار للتعامل مع ملف التطبيع مع النظام السوري عبر البوابة العربية (خارج وصاية الحشد الشعبي)، وعلى رأسهم؛ عبد الأمير الشمري، الذي رقاه الكاظمي إلى أعلى رتبة عسكرية، وأحمد طه أبو رغيد، الذي كان مسؤولاً عن عمليات “وحدة خلية الصقور” لمكافحة الإرهاب والتي تلقت تدريبات عالية من الولايات المتحدة وبريطانيا وقاتلت إلى جانب التحالف الدولي، بالإضافة إلى قائد جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي. وذلك في مقابل إضعاف مجلس الأمن القومي، برئاسة قاسم الأعرجي، العضو البارز في ميلشيا “الحشد الشعبي” ووزير الداخلية السابق.
وتمثلت المهمة الأولى للفريق الأمني الجديد في الانخراط بالمنظومة الأمنية العربية، وتنسيق المواقف الأمنية مع الدول العربية الأخرى للتطبيع مع النظام السوري، حيث أكد وزير الخارجية العراقية، فؤاد حسين، أن: “علاقات العراق الدبلوماسية مع النظام لم تنقطع أبداً، ولطالما شجعنا الدول العربية على أن تكون لها علاقات طبيعية مع دمشق”.
واعتبر المصدر أن عودة “غفاري” إلى طهران، تأتي ضمن ذلك السياق، حيث ترغب إيران في إعادة ترتيب علاقاتها مع دمشق ضمن إطار التمثيل الدبلوماسي بدل العسكري، خاصة وأنها رحبت بزيارة عبد الله بن زايد، وتواصلت مع عدد من الدول العربية، أبرزها الجزائر وعُمان، للدفع باتجاه عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وتدشين عملية “إعادة إعمار” سوريا بأموال خليجية، مقابل التعهد بتحقيق تراجع فعلي للقوات الإيرانية على الأرض.
ونقل موقع “المونيتور” (15 نوفمبر) عن مصادر مطلعة تأكيدها وجود جناح من الحكم في دمشق، يرى أن الحرب في سوريا قد انتهت، وأنه آن الأوان لخروج القوات الإيرانية من سوريا، وعلى رأس ذلك التيار؛ أسماء الأخرس وماهر الأسد.
ومن غير الواضح إن كانت إيران ستتخذ المزيد من الخطوات لخفض التصعيد الإقليمي، والعمل على إنجاح الحوار القائم مع خصومها الإقليميين بوساطة عراقية، إلا إنه من غير المتوقع أن تتخلى القيادة الإيرانية عن سوريا كأحد أبرز أقطاب “محور المقاومة” وأن تتنازل عن نفوذها في دمشق بعد عشر سنوات من القتال.
إلا إنه من المؤكد أن القيادة الإيرانية تعاني من مصاعب في الآونة الأخيرة بسوريا، وأنها تعمل تقليل خسائرها نتيجة تكثيف القصف الإسرائيلي، خاصة وأن حكومة نفتالي بينيت قد تلقت ضوءاً أخضر من موسكو باستئناف العمليات الجوية ضد القواعد الإيرانية في سوريا.
وكان تقرير، نشره موقع “ستراتيجي بيج” (7 نوفمبر)، قد تحدث عن نتائج مخيبة للآمال مُنيت بها القوات الإيرانية في محاولة يائسة لتنظيم ميلشيا شيعية في سوريا على غرار “حزب الله” في لبنان، وذلك نتيجة تراجع عدد الشيعة السوريين الذين يرغبون في الانخراط بتنظيم “حزب الله” السوري، أو الخدمة في أية ميلشيا جديدة تمولها إيران، في حين يجد “حزب الله” اللبناني نفسه في مأزق نتيجة تراجع شعبية الحزب محلياً، وتنامي احتمالات اندلاع حرب أهلية في لبنان.
ووفقاً للتقرير؛ فإن الجهود الإيرانية الأخيرة لتشكيل ميلشيا شيعية في سوريا قد واجهت مصاعب جمة، وذلك نظراً لعزوف حاضنة النظام عن التجنيد، خاصة وأن التمويل الإيراني آخذ في التراجع، فيما تتضاعف الخسائر البشرية في صفوف عناصر الميلشيات في سوريا، والذين يتم الزج بهم في جبهات القتال، بينما تعاني أسرهم من أكبر ضائقة اقتصادية تشهدها البلاد.
كما أسهمت الغارات الإسرائيلية في إضعاف تلك الميلشيات، حيث تحدثت مصادر محلية عن فرار عناصر من الميلشيات عقب مقتل زملائهم جراء التصعيد الإسرائيلي، فضلاً عن تقلص الراتب الذي لا يكفي العنصر للإنفاق على أسرته مدة أسبوعين.
ودفعت تلك العوامل بعناصر مجموعات: “لواء الباقر”، و”كتائب الإمام الرضا” بريف حلب الشرقي للتسرب من تشكيلاتهم، فيما تنخفض حركة الانضمام للمجموعات التابعة لإيران بريف حلب الجنوبي، إذ ليس هناك تقبّل من العناصر القدماء لضم عناصر جدد، بالإضافة إلى أن الطيران الإسرائيلي لا يستهدف مواقع القوات الروسية، بل يركز قصفه على المواقع التابعة لإيران، ما يدفع بهؤلاء العناصر للانخراط في الميلشيات المدعومة من قبل روسيا، وخاصة منها “الفرقة 30” المدعومة من القوات الروسية، والتي لا تتعرض مواقعها للقصف الجوي، كما تقدم امتيازات أفضل بالنسبة للمجندين، حيث يصل راتب العنصر إلى نحو 250 دولاراً أمريكياً، ونحو 100 ألف ليرة سورية، بدل طبابة وأدوية، تُدفع كل شهرين للعناصر الذين ينضمون إلى التشكيلات العسكرية المنضوية تحت مظلة “الفيلق الخامس” التابع للقوات الروسية.
ويستغل الروس تلك العوامل لاستقطاب العناصر المحلية إلى “الفرقة 25” و”الفرقة 30″، واللتان يشرف عليهما ضباط روس، ما يدفع بمنسوبي الميلشيات الإيرانية في “كتائب الإمام الرضا” للتسرب والانضمام إلى التشكيلات الروسية بريف حلب الشرقي.
وتحدثت المصادر نفسها عن تنامي رغبة عناصر الميلشيات الإيرانية بترك المجموعات التي يقاتلون ضمنها لعدة أسباب، منها: الراتب القليل، وعدم حصولهم على مخصصات الطعام، وتعرضهم للاشتباكات والهجمات المستمرة، وخشيتهم من القصف الإسرائيلي المستمر للمواقع الإيرانية، فضلاً عن الإجازات القصيرة التي يمنحها الإيرانيون مقارنة بالروس.
ودار الحديث في مطلع شهر ديسمبر الجاري عن اندلاع خلاف بين “المجلس الأعلى للأمن القومي” الإيراني مع جنرالات في الحرس الثوري حول طبيعة الانتشار العسكري في سوريا، بعد تلقي مواقع ومعسكرات الحرس ضربات جوية مكثفة، ما دفع بالأمن القومي للتوصية بتقليص القوات الإيرانية في سوريا.
وجاءت تلك التوصية عقب تلقي تأكيدات أمنية إيرانية بأن موسكو قد أعطت الضوء الأخضر لكل من واشنطن وتل أبيب بتوجيه ضربات: “مكثفة ومميتة” ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وتوصية الحرس الثوري الإيراني بإعادة التموضع وتقليص القوات لتفادي الضربات المقبلة، الأمر الذي رفضه “غفاري” ما أدى إلى استدعائه إلى طهران.
تفعيل أدوات “القوة الناعمة”
حذرت صحيفة “هآرتس” (21 نوفمبر 2021) في تقرير لها بعنوان: “لعبة إيران للسيطرة: تعزيز العلاقات مع شركاء إسرائيل”، من مخاطر عودة العلاقات السعودية-الإيرانية، والاتصالات المتبادلة بين طهران وأبوظبي، فضلاً عن الإشارات الإيجابية التي تقدمها الولايات المتحدة تجاه إيران للدفع بالمفاوضات النووية.
ورأت الصحيفة أن الزيارة المرتقبة لمستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى إيران (6 ديسمبر)، تمثل إشارة خطيرة، خاصة وأن طحنون يقوم في الآونة الأخيرة بدور مبعوث ولي عهد أبو ظبي للمهام الدبلوماسية الخاصة، والتي شملت تمهيد الطريق لتجديد العلاقات مع تركيا، وصياغة اتفاق السلام مع إسرائيل، وتنمية العلاقات مع الصين وسوريا مؤخراً.
وتأتي هذه الزيارة ضمن إطار التقارب الخليجي مع إيران، حيث عقدت المملكة العربية السعودية ثلاث جولات ثلاث من المحادثات مع مسؤولين إيرانيين في بغداد، فيما أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إلى أن المحادثات السرية بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين قد بدأت منذ شهر يناير الماضي، وأكدت مصادر أخرى عقد خمسة اجتماعات غير معلنة بين الطرفين، وحضور مسؤولين من الإمارات ومصر والأردن، بعض هذه الجلسات، التي تناولت الحرب في اليمن، والأوضاع في سوريا ولبنان.
وتمثل الدبلوماسية أحد أبرز أدوات القوى الناعمة التي يستخدمها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، منذ انتخابه في شهر يونيو الماضي، حيث تسير المفاوضات مع بعض دول مجلس التعاون بالتزامن مع المفاوضات النووية، وذلك بهدف تأهيل إيران في المجتمع الدولي، وإعادتها إلى سوق النفط، واستعادة زبائنها القدامى مثل الهند وكوريا الجنوبية والصين.
ولا تقتصر المفاوضات الجارية بين إيران والقوى الغربية على الملف النووي، بل تشمل كافة القضايا الأمنية في المنطقة، حيث أكد نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، الذي يرأس الوفد الإيراني المفاوض، أن: “المفاوضات لن تدور عن مشكلة الأسلحة النووية، بل ستتركز على رفع العقوبات”، فيما ألمحت مصادر أخرى أن تعطل المفاوضات ناتج عن “أسباب سياسية”، تتمثل في المطالبة برفع العقوبات الغربية المفروضة عن الأشخاص والشركات المرتبطة بانتهاكات البلاد لحقوق الإنسان ودعم الإرهاب.
وتحدث موقع (MENA Affairs) عن لجوء إيران إلى تكثيف أدوات القوة الناعمة في الآونة الأخيرة، مشيراً (23 نوفمبر 2021) إلى النشاط التي تقوم به فروع الجامعات الإيرانية في سوريا، وعلى رأسها: “جامعة المصطفى” و”جامعة الفارابي”، و”جامعة آزاد العالمية”، وتعاقد جامعة حماة مع ثلاث جامعات إيرانية، هي: “جامعة الفردوس”، و”جامعة الأمير الأعظم”، و”جامعة الزهراء” للبنات، للتعاون العلمي، بالإضافة إلى افتتاح فروع لتعليم اللغة الفارسية في جامعات: “دمشق”، و”تشرين”، و”الفرات”.
وتتبع التقرير النشاط “التبشيري” الإيراني المتمثل في إحياء مراسم زيارة الأضرحة الشيعية، وخاصة في “السيدة زينب” بدمشق، وإشراف السفارة الإيرانية على الحسينيات المنتشرة في كافة مناطق سيطرة النظام، والتي قدّر الموقع عددها بنحو 500 حسينية.
وفي مدينة البوكمال؛ يقوم “اللواء 47” التابع لكتائب “حزب الله” بتقديم يقدم الدعم للجمعيات الإيرانية التي تنشط في صفوف طلاب المدارس والروضات بمحافظة دير الزور، مستغلة حالة الفقر الشديد الذي يسود المنطقة.
وعلى رأس هذه الجمعيات تقف “منظمة الجهاد والبناء” الإيرانية، التي تقدم وجبة غذائية في روضة للأطفال تابعة لمنظمة “اليونيسف” بحي الكتف في مدينة البوكمال، إلى جانب القرطاسية للأطفال، مقابل تخصيص حصة دراسية يومية لتدريس الأطفال العلوم والمناهج الدينية وفق المذهب الشيعي.
كما تخصص المنظمة منحاً دراسية قيمتها 75 ألف ليرة سورية شهرياً، لطلاب الثانوية، فيما تشرف “مؤسسة الشهيد” (التي تديرها منار الأسعد، زوجة قائد ميلشيا “الدفاع الوطني”) على توزيع القرطاسية واللباس المدرسي على عائلات عناصر الميلشيات، وذلك بالتعاون مع المركز الثقافي الإيراني، الذي يتولى توزيع المستلزمات المدرسية على الأهالي، كما يشرف المركز الثقافي على مدرسة للأطفال بمدينة الميادين، إلى جانب عدد من الحسينيات والمزارات في المنطقة.
وحذر التقرير من غفلة القوى الفاعلة عن الدور الخطير لأدوات القوة الناعمة، حيث يركز المجتمع الدولي على تقليص القوات الإيرانية في سوريا، في مقابل غض الطرف عن انتشار النشاط الديني، والذي تتدفق لدعمه ملايين الدولارات المقدمة من الجاليات الشيعية بدول الخليج، معتبراً أن أدوات القوة الناعمة لإيران ونفوذها في العراق وسورية ولبنان تشكل الخطر الأكبر على دول الخليج، وتعتبر السلاح الأقوى لضمان بقاء سوريا إلى جانب لبنان والعراق ضمن المحور الشيعي.
ويمكن ملاحظة تحول السياسة الإيرانية نحو شراء عقارات في مواقع حيوية بدمشق وحلب، وتعزيز حركة التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات الطاقة والاتصالات، بالإضافة إلى توسيع دائرة “النفوذ الثقافي” المتمثل في نشر التشيع، حيث أعلن رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، علي رضا رشيديان (16 نوفمبر)، توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة النظام السوري، تقضي بإرسال 100 ألف حاج إيراني إلى سوريا سنوياً، وذلك بعد توقفه بسبب تفشي جائحة “كورونا”.
وجاءت تلك الإجراءات بالتزامن مع تعبير المدير العام للمكتب العربي والإفريقي لمنظمة “تنمية التجارة الإيرانية”، فرزاد بيلتن (17 نوفمبر)، عن قلقه من أن حصة إيران في السوق السورية لا تتعدى 3٪ من إجمالي السوق، ولا تتمتع بأيِّ نصيبٍ تقريباً في سوق مواد البناء والتشييد، مقابل نشاط تركيا في مشاريع الإسكان وبناء المدن في البلاد، مشيراً إلى إعداد الحكومة التركية خطة شاملة لإعادة إعمار حلب وتشييد شبكة المياه والكهرباء في المحافظة والبنية التحتية لها.
ولتجاوز تلك المشكلة؛ أعلن المدير العام لمنظمة “تنمية التجارة” في إيران، علي رضا بيمان باك، في مطلع شهر ديسمبر الجاري، أن سوريا وإيران بصدد تأسيس بنك مشترك، بهدف لتسهيل التجارة بين البلدين، حيث تم توقيع أربعة اتفاقيات مع حكومة النظام خلال زيارة وزير الصناعة الإيراني إلى دمشق.
وتزامن ذلك الإعلان مع الكشف عن مشروع إيراني لتوسيع النفوذ الإيراني جنوب دمشق، في المنطقة الممتدة ما بين “السيدة زينب” ومطار دمشق الدولي، وذلك بهدف إنشاء “ضاحية جنوبية” سورية على شاكلة الضاحية الجنوبية ببيروت.
وتشمل عمليات توسيع النفوذ الإيراني جنوب دمشق؛ منطقة “البحدلية” التابعة لناحية “ببيلا” في ريف دمشق الجنوبي، والتي تعد من أبرز معاقل الميلشيات الإيرانية في سوريا، بالإضافة إلى تكثيف حركة البناء في “مخيم قبر الست” الملاصق لمنطقة “السيدة زينب”، بهدف إيواء عوائل الميلشيات المتمركزة في تلك المنطقة.
كما تنشط عناصر إيرانية في شراء العقارات والأراضي الزراعية “بشكل خفي” في الغوطة الشرقية، وفي العديد من مدن وبلدات ريف دمشق الجنوبي، بهدف تعزيز سياسة التغيير الديمغرافي بالمنطقة.
الاتجاه شرقاً: ديناميكيات صراع جديد
أكد تقرير نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” (5 نوفمبر 2021) أن كلاً من؛ وزارة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري يعملان على إنشاء قنوات اتصال مع الأفغان الأوزبكيين، ويحاولان إضعاف علاقة الأوزبك مع وكالة الاستخبارات التركية (MIT) الماهرة في التفاوض مع طالبان.
وبالإضافة إلى رغبتها في بناء علاقات مع الأوزبك الأفغان؛ تقدم طهران نفسها كحامية للأقلية الشيعية من الهزارة، حيث يرسل الحرس الثوري رجالاً من الهزارة لقتال الفصائل التي تدعمها أنقرة في سوريا.
كما يحتدم التنافس التركي-الإيراني في مواقع أخرى، كأرمينيا، وأذربيجان، وفي شمال العراق، حيث تدعم تركيا البرزانيين فيما تدعم إيران الطالبانيين، وكذلك في اليمن حيث يدعم الأتراك حزب الإصلاح فيما تدعم طهران الحوثيين.
وفي ظل تراجع الموقف السعودي بلبنان؛ عملت أنقرة على تعزيز نفوذها من خلال دعم عدد من الجمعيات الثقافية والدينية بصيدا وطرابلس، وعلى تقوية نفوذ شخصيات نافذة تبدي تعاطفها مع مصالح تركيا في البلاد، وعلى رأسها؛ مدير قوى الأمن الداخلي اللبناني السابق ووزير العدل الأسبق أشرف ريفي، ورجل الأعمال بهاء الحريري، الأمر الذي أثار امتعاض طهران.
وكانت السلطات التركية قد أعلنت (14 أكتوبر) إلقاء القبض على عنصرين بمخابرات النظام الإيراني بعد محاولتهما اختطاف معارضين إيرانيين على الأراضي التركية بالاشتراك مع ستّة مواطنين أتراك، وتمّ توجيه تهمة التجسس لهما، ومحاولة خطف عسكري إيراني سابق.
وتشير التوقعات إلى أن النظام الإيراني يتجه لتخفيض قواته في سوريا مقابل نحو تعزيز نفوذه وسط آسيا، بدعم من قائد “فيلق القدس”، إسماعيل قاآني، الذي ظل مسؤولاً لسنوات عن تجنيد مقاتلين للفيلق من أفغانستان وباكستان، ولا يزال يولي اهتماماً خاصاً بتغذية النزاعات الطائفية في وسط آسيا.
وأكدت تقارير أمنية قيام الحرس الثوري بتنفيذ خطة انتشار للواء “فاطميون”، في: “كابول”، و”هرات”، و”فرح” بأفغانستان، لمنافسة النفوذ الباكستاني، والزج بالمزيد من عناصر اللواء، بعد سحبهم من سوريا، في المناطق الحدودية مع أفغانستان.
ويعمل “قاآني” على خطة طموحة تتضمن تغطية أفغانستان بشبكة “شيعية” من مقاتلي الميلشيات الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية كالأوزبك والطاجيك في مواجهة الأغلبية السنية من البشتون الذين يفضلون التعامل مع الاستخبارات الباكستانية، والتي ترغب بإبقاء أفغانستان تحت قبضتها.
وتحدث التقرير عن تنامي القلق لدى الاستخبارات الباكستانية من تبعات سحب إيران عدداً كبيراً من مقاتليها نتيجة انحسار العمليات القتالية في سوريا، وخاصة منهم عناصر ميلشيا: “زينبيون”، الذين قاتلوا إلى جنب النظام منذ عام 2013، ما دفع بوزارة الداخلية الباكستانية وجهاز الاستخبارات (ISI) لإرسال وفد إلى طهران، للتباحث مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شامخاني، حول مصير لواء “زينبيون” الذي تنوي إيران تسريح المزيد من عناصره.
وحاول أعضاء الوفد معرفة نوايا إيران بشأن نحو سبعة آلاف عنصر باكستاني من الميلشيا المذكورة، منبهين إلى مخاطر عودة هذا العدد الكبير من المقاتلين الشيعة بصورة مفاجئة، وما يمكن أن يتسبب به من توتر طائفي في الدولة ذات الأغلبية السنية.
وطمأن شمخاني الوفد الباكستاني أنه سيعمل على: “إيجاد حل مناسب بهدف عدم تقويض العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان”، مقترحاً نقل العدد الأكبر منهم إلى اليمن للقتال إلى جانب المتمردين الحوثيين الموالين لطهران، مقابل 300 إلى 500 دولار شهرياً، وهو الأمر الذي يرفضه معظم عناصر الميلشيا في الوقت الحالي.
كما دار الحديث عن إمكانية إعادة أعضاء الميلشيا إلى المراكز التي كانوا قد تدربوا فيها بإيران، وضمهم فيما بعد إلى قوات “الباسيج”، والتي يطلق عليها اسم: “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”، أو ضمهم إلى قوات حرس الحدود، كما فعلت مع المقاتلين الأفغان بلواء “فاطميون”، والذين وعدتهم طهران بمنحهم الجنسية الإيرانية فيما بعد.
إلا أن تلك التطمينات لم تكن كافية لتهدئة مخاوف الوفد الباكستاني، حيث أكد مسؤولون في الاستخبارات الباكستانية، عودة نحو ألف عنصر من ميلشيا “زينبيون” إلى باكستان بطرق غير قانونية، وذلك بعد تراجع الطلب على خدماتهم في سوريا، ما دفع بأجهزة الأمن الباكستانية لشن حملة مداهمة واسعة، أسفرت عن اعتقال نحو ثلاثمائة عنصر.
وتتخوف الاستخبارات الباكستانية من إمكانية استخدام طهران عناصر الميلشيا المتطرفة للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدهم، وشن حروب الوكالة نيابة عنهم.
وكان قسم مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية الباكستانية قد أعلن عن تفكيك خلية في ولاية البنجاب ضمت سبعة عناصر من ميلشيا “زينبيون” بتهمة التخطيط لاغتيال شخصيات سنية.
وتعكف الاستخبارات الباكستانية، بفرعيها: “مديرية الاستخبارات” و”الاستخبارات العسكرية”، على تنفيذ خطة تتضمن قطع الروابط بين عناصر الميلشيا العائدين إلى باكستان، ومشغليهم الإيرانيين، حيث تشير التوقعات إلى أن النظام الإيراني سيتمتع بنفوذ أكبر في باكستان من شأنه تغيير الموازين في المنطقة عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وتبدو إسلام آباد مصممة على الاحتفاظ بدورها المركزي في الشؤون الأفغانية عقب الانسحاب الأمريكي، حيث تعمل الاستخبارات الباكستانية على تشكيل جهاز أمن واستخبارات احترافي بمعدات حديثة، برئاسة عبد الحق واثق (الموالي لباكستان من ولاية غزنة)، ومساعدة طالبان في إنشاء جيش نظامي لحماية الحدود وسلامة الأراضي ومكافحة الإرهاب، على أن يضم جنوداً من جميع المجموعات العرقية الأفغانية لضمان تغطية كامل البلاد.
ونتج عن سياسة “الاتجاه شرقاً”؛ سحب إيران عدد كبير من عناصرها من محافظة درعا، في إطار ترتيبات رعاها الجانب الروسي من أجل خفض التوتر، فيما انكفأ المقاتلون التابعون لميلشيا “حزب الله” إلى مدينة “القصير” وإلى قواعد تابعة لهم في الداخل اللبناني، وذلك بالتزامن مع أنباء عن انسحاب بعض ميلشيات “الحشد الشعبي” العراقي من سوريا إلى مواقع حدودية داخل العراق.
وتشيع بعض المصادر العربية أن تلك الانسحابات تأتي ضمن ترتيبات إقليمية تم التوافق بوساطة روسية، وتتضمن تسريع وتيرة التطبيع مع النظام وانتشاله من أزمته الاقتصادية الخانقة، مقابل انسحاب جزء من القوات الإيرانية من سوريا، ما دفع بوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لزيارة دمشق ومناقشة سبل فتح آفاق الاستثمارات الاقتصادية في سوريا، وإدماج الدول العربية الفاعلة الأجهزة الأمنية الموالية لإيران ببغداد ودمشق وبيروت في المنتدى الاستخباراتي العربي الذي رعته القاهرة في شهر نوفمبر الماضي.
وبعيداً عن تلك التحليلات؛ يجدر التنبيه إلى ضرورة عدم التسرع في الاحتفال بتقليص القوات الإيرانية في سوريا، خاصة وأن الميلشيات الموالية لإيران لا تزال تكدس المزيد من قواتها شمال غربي سوريا، وتُعد العدة لشن عمليات عسكرية واسعة النطاق، كما تعمل على تصعيد الموقف العسكري ضد واشنطن وتل أبيب من خلال استهداف قاعدة “التنف” بالطائرات المسيرة، فضلاً عن سيطرتها على قطاع لا يُستهان به من القطعات العسكرية والأمنية السورية، وتأكيد قادتها على أنهم لن يتخلوا عن سوريا كقاعدة أساسية لعمليات “محور المقاومة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى