بحوث ودراسات

الإعلام المتوحش للتنظيمات الرديكالية.. الغوطة الشرقية نموذجًا

أحمد عبد الحميد

شكّلت الغوطة الشرقية وخلال سنوات الثورة منذ اندلاعها هاجسًا وكابوسًا لدى نظام الأسد، بحكم الجغرافيا والموقع الحساس المحاذي للعاصمة دمشق، بالإضافة بوجود تجمع من التنظيمات العسكرية على أرضها بمختلف انتماءاتها وأيدولوجيتها، وخلال سنوات الثورة منذ العام 2011 إلى آذار 2017 شهدت الغوطة صراعات وتحولات وتبدلات سياسية ونزاعات عسكرية بين التنظيمات العسكرية، كانت جمرة هذه النزاعات العسكرية الماكينة الإعلامية من صبيان كل طرف، بهدف التأثير على الرأي العام والحصول على الولاء المجتمعي في أي عمل عسكري لطرف ضد الآخر أو لسحب البساط على الأقل والتصدر سياسياً.
بدأت التنظيمات العسكرية وفي مقدمتها تنظيم جيش الإسلام الراديكالي بإنتاج مظاهرة إعلامية جديدة، وتأمين قنوات وممارسات ومضامين إعلامية ساهمت في استقطاب الآراء والحراك لصالحها، في مجتمعات كانت مادة خامة لاستقبال أي بضاعة تحمل نفس العداء لنظام يحاصرها.
كان الفيديو الذي نشره جيش الإسلام في الشهر السابع من العام 2015 على الإنترنت، أهم مظهر لتوحش إعلامي بدأ يصمُ تنظيمه به، كان مدة الشريط المصور حوالي 20 دقيقة بعنوان: “قصاص المظلومين من الخوارج المارقين”
إذ اعتمد التنظيم على تقنيات تصويرية ومؤثرات صوتية وموسيقية شبيهة بتلك التي يستخدمها تنظيم داعش في أشرطته الترويجية، وحاكى أسلوبه في التعاطي مع الأسرى، موجها رسالة في غاية الأهمية: “أن الأدوار تبدلت”..

وظهر في الشريط 18 رجلاً باللباس الأسود بقناع يغطي الوجه، موثوقين بقيود وكرات حديدية ثقيلة في أقدامهم، مع سلاسل حديدية ضخمة في أيديهم وأعناقهم، وهم يسيرون إلى جانب عناصر من جيش الاسلام ارتدوا اللباس البرتقالي الذي يجبر تنظيم الدولة ضحاياه على ارتدائه قبل إعدامهم..

ولايخفى على كل ذي عقل مدى الأثر السلبي الذي أحدثه الشريط المصور، ووسم الإسلام بالصورة السيئة التي تصيّدها نظام الأسد ليشرعن حملته الهمجية على البقعة المحاصرة التي تحوي خلايا داعشية فعلاً، معتدلة ادعاءً.

لم تقتصر فلسفة المقاطع المصورة التي أنتجها جيش الإسلام على الصور والخطب والوجوه الملثمة والاستعراضات والتي شغل فيها العرض العسكري 29/4 من نفس العام في فوج الشيفونية العسكري حيزاً واسعاً، بل ركّز على مواقع التواصل الاجتماعي في متابعة بث إصدارات مرئية تحمل في طياتها رسائل وأهداف لجمهور مستهدفٍ عمدًا، إضافة لتسريب مقطع مصور صادم للعقل والإنسانية يظهر قتل قيادي في لواء شهداء دوما يكنى (أبو علي خبية) على الطريقة الداعشية في الشهر التاسع من العام 2015، عن طريق استهداف رأسه من الخلف وأمام جمهرة من الناس في ساحة عامة وسط مدينة دوما.

أمام تلك الفوضى النفسية التي اجتاحت المجتمع المدني، والتي كان تنظيم جيش الإسلام يتعمد خلقها للوصول لمرحلة توحش أخلاقي وإعلامي، يهدف من خلالها فرض نفوذه على مفاصل الحياة المدنية ترهيباً، ما انعكس ذلك سلباً مقصوداً على عناصره بهدف زرع بذرة تحفيزية للتمادي في أعمال القتال والبغي والعنف والخطف، واللصوصية دون أي رادع أو اعتبار آخر مهما كان.

وسائل التواصل الاجتماعي

امتلك معظم مقاتلي التنظيمات العسكرية، وسائل تواصل، خاصة أن أغلب العنصر الشبابي الذي شكّل عماد التنظيمات قد واكب عصر الإنترنت والاتصال، وأجاد التعامل مع هذه الأدوات التي توجهت فيما بعد إلى صناعة غرف عمليات نفسية، وبخاصة في نشر الدعاية الممنهجة خلال مرحلة القتال والصراعات العسكرية فيما بينها.
إذ استخدمت الترهيب والترغيب، في الدعوة لمنهجها عبر نشر الخطابات الدينية التسويقية، ومقاطع مصورة لإعدامات شخصيات معارضة، وإثارة الفتن الدينية بغرض الانتصار لمنهجها وضرب أسس المنهج المخالف، وخاصة ما بين قطاعات الغوطة التي تكتلت كل تنظيم حسب مذهبه وتياره.
كما ساهمت تلك الأدوات الاعلامية بجمع التبرعات من المنظمات العاملة هناك، إضافة إلى نشر أخبار الجبهات والمعارك والفتوحات وضرب نقاط النظام، والتقدم الميداني، يساعدهم في ذلك حسابات إلكترونية قوية لشخصيات موالية ومؤثرة خارج سوريا، أو في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الأسد.

مع انسحاب جيش الإسلام من معركة (الله غالب) من الجبال المطلة على العاصمة دمشق، بدأت مرحلة الانحسار، سببت تمادياً في خطاب الاستعطاف والمظلومية، وخاصة بعد الاقتتال مع فصيل فيلق الرحمن واستحواذه مع جبهة النصرة على معامل وآلات صناعة القذائف المحلية، والتركيز على صور قتلاه التي مثّل بها عناصر متطرفة من جبهة النصرة كما نشر على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة له.

كما بدأ يُلاحظ تراجع الإصدارات المرئية نتيجة التوقف عن خوض المعارك، والاقتصار على الغزوات كما كان يطلق عليها التنظيم وخسارة جيش الإسلام للعديد من النقاط العسكرية، واستقطابه عناصر من الإداريين بعد الخسائر البشرية، إثر ضربات النظام من جهة وتوجيه عناصر لمواجهة الصراع مع الفصائل الأخرى على الجبهات الداخلية، ليختم آخر إصداراته في الغوطة الشرقية بمقطع مصور سطحي، يظهر فيه إحراقه لدبابات النظام قبل تسليمها مع بروبوغاندا خطابية من أحد قياديه يتحدث عن مآثر التنظيم وشجاعته، متجاهلاً تسليم التنظيم عشرات الدبابات في منطقة القلمون لقوات النمر المقاتلة في صفوف الأسد.

على الطرف الآخر لم يكن للتنظيمات الأخرى كجبهة النصرة أو فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام نفس الزخم الإعلامي، الذي اعتمده جيش الإسلام، منذ التأسيس، باستثناء فيلق الرحمن الذي اقتصر على بعض الإصدارات بين الحين والآخر، إذ وصل في مرحلة ما لحالة إفلاس إعلامي، باستثناء تلك الفيديوهات المصورة التي تظهر عمليات تفجير إنفاق حفرتها ميليشيات الأسد في جوبر الحي الدمشقي، وبعض البروموهات التي أصدرتها مؤسسة واحدة رديفة تعمل لصالح المكتب الإعلامي لتنظيم الفيلق.

المنابر والوسائل:
_ إدارة التوجيه المعنوي الخاصة بجيش الإسلام، تتألف من عدة أقسام، منها:
_ قسم الحرب النفسية الذي يهتم ببث إشاعات مدروسة لصالح التنظيم، من تجهيز لحملة أو انسحاب من نقطة أو غير ذلك من الشائعات التي من شأنها أن تغير في تركيبة موقف ما أو عمل ما، وبشكل عام لم يكن يقدّم أي فائدة إيجابية تذكر، عكس ما كان يسوّق بأهميته.

_ إذاعة نداء الاسلام:
إذاعة محلية تبث من مدينة دوما، تعد إحدى القنوات المهمة للتنظيم، حظيت بمتابعة كبيرة من السكان المحليين، واختصت بنشر الأخبار العسكرية والقتالية والبيانات الرسمية الصادرة من التنظيم، إضافة إلى تقديم برامج لرجال دين معروفين أو أشخاص عاديين، وطرح الخطب لخطباء محسوبين على التيار السلفي.

_ مجلة نداء الإسلام
مجلة ورقية اهتمت بتفريغ خطب وكلمات قياديين للتنظيم، إضافة إلى نشر الأخبار العسكرية والأخبار المحلية السورية التي ترصد الوضع السياسي، وتهتم كذلك بنشر عدة زوايا متنوعة دينية وثقافية ورسوم كاريكاتورية ممنهجة، ومسابقات دعائية بهدف جذب العنصر المدني.

_ قنوات تلغرام رسمية ورديفة
الرسمية كانت تنشر أخبار كل تنظيم من حيث المعارك والإغارات والدورات الشرعية والعسكرية والبيانات والصور الفوتوغرافية من التخوم الحساسة،
قنوات تليجرام رديفة موجهة بشكل خاص للرأي العام المحاصَر، تعرّف نفسها أنها لا تتبع لأحد، وأنها محايدة خاصة إذا ما علمنا شيوع استخدام التطبيق بشكل واسع، حيث أُطلقت عدة قنوات كانت تتناول تأليب الرأي ضد التنظيمات المنافسة، من نشر لمقاطع صوتية مسربة، وصور فريدة، وتجاوزات مدنية محسوبة على طرف، أو انتهاكات عسكرية تكون مرفوضة شعبياً..

_ مؤسسة المبين للإنتاج الإعلامي
تبعت هذه المؤسسة لتنظيم جيش الإسلام وكان من أبرز إصداراتها الفيلم الأخير (الله غالب)، حيث اهتمت المؤسسة بإنتاج مقاطع فيديو وعملت على الاهتمام بترجمة المقاطع، كما اهتمت بإنتاج اسكتشات إذاعية ومرئية ترصد واقع الحصار والوضع المعيشي بأسلوب مدروس ممنهج يمتص سخط الشارع المدني المتأزم.

_ موقع نداء الإسلام
استعمله تنظيم جيش الإسلام في نشر أفكاره وأيدولوجيته وأخبار معاركه وجبهاته، ووفّر تفاعلًا واسعًا للجمهور وعمل فيه على تخزين عدد كبير من الصور والفيديوهات يمكن الرجوع اليها في أي وقت، كما عمل على تخزين جميع الإصدارات والبيانات.

_ قناة جيش الإسلام على اليوتيوب
والتي تصف نفسها، بأنها القناة الرسمية لجيش الإسلام، جهة عسكرية جهادية لا تنتمي لأي تنظيم أو حزب أو جهة داخلية أو خارجية، تتبنى العمل المسلح ضد النظام الأسدي على أنه جهاد في سبيل الله، تنشر كل العمليات العسكرية والاشتباكات والمقاطع القتالية، والخطب الدينية لرجال دين موالين للتنظيم داخلياً.

_ مكتب التوجيه المعنوي التابع لفيلق الرحمن
لم يكن فاعلا كمنافسه واختص بإصدار بروشورات ومنشورات دينية، ونشر أخبار الجبهات والمعارك بشكل متقطع.

_ مجلة شباب الهدى
مجلة ورقية تتبع لتنظيم الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام المنضوي تحت جناح فيلق الرحمن فبراير/ 2016
وهي مجلة تهتم بنشر أخبار التنظيم وأخبار الجبهات العسكرية ونقاط الرباط وإعلانات المعسكرات التدريبية وشروط التجنيد لصفوفها، إضافة إلى خطب توعوية إسلامية واقتباسات لعلماء دين محسوبين على التيار الإخواني الذي ينتمي إليه التنظيم.

  • النتيجة
    اهتمت التنظيمات العسكرية في الغوطة الشرقية بالمضمار الإعلامي، كل تنظيم بالقدر الذي رأه كفيلًا بفرض دعايته وأفكاره، واهتمت التنظيمات باستقطاب الشباب والتجنيد، وطرح الفتاوى، وقولبة الرأي العام عند احتدام الصراع الداخلي، كلٌّ لصالحه إلا أن تلك الأدوات الإعلامية، سرعان ما تلاشت بعد تهجير الأسد القسري، وباتت تقتصر على أدوات أقل فاعلية، تقف عند البيانات الرسمية، ونشر الصور للمقاتلين في الجبهات، وزيارة القادة الميدانية، وتخريج الدورات العسكرية، لتبدأ مرحلة جديدة تتناسب مع الظروف الجديدة في الشمال السوري، بعد أن استثمرت كل الوسائل الإعلامية الموجهة لجمهورها المؤيد والمعارض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى