حقوق وحريات

القرامِطة الجُدُد في سورية ” المذاهب الفكرية والمذاهب الفقهية “

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


تعقيباً وتفنيدا لما أورده وزير أوقاف النظام السوري من مغالطات وأكاذيب وتدليس التي جاء فيها : ” إن تنوع المذاهب ضمن المجلس العلمي الفقهي هو إغناء لسعة الاجتهاد الفقهي فنحن ننظر إلى المذاهب الفقهية على أنها مدارس فكرية لا على أنها طوائف وهذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد في أكثر من لقاء مع السادة العلماء .وأن المرسوم ” 28 ” أغلق النوافذ الطائفية التي كان أعداء الوطن يحاولون من خلالها تمرير المخططات التقسيمية والفتنوية .
وانطلاقا من القاعدة المشهورة عند علماء المِلل والنِحل والفِرق والمقالات التي تقول : ” أن القائل لكل ظاهرٍ باطن، ولكل تنزيلٍ تأويل. وإن الظاهر بمنزلة القشرة والباطن بمنزلة اللبِّ كل قائل لذلك يعتبر باطنياً .
المذاهب الفقهية والمذاهب الفكرية :
تعريف المذهب : جمعه مذاهب ، وهو ما يذهب إليه الشخص ويعتقده صواباً ويدين به سواء أكان ما يذهب إليه صوابا في نفس الأمر أو كان خطأ، ومعنى هذا أن المذاهب تختلف باختلاف مصادرها وباختلاف مفاهيم الناس لها من دينية وغير دينية وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها من فقهية أو لغوية أو رياضية أو علوم عقلية تجريبية أو فلسفات أو غير ذلك.
المذاهب الفكرية: تسمية تطلق على ما ينتجه العقل الإنساني من فكرٍ فيما يعرض له من قضايا الوجود والحياة سواء أكان صوابا أو خطأ ، دون أن يستند في ذلك على الوحي الإلهي أو الاستعانة به ، والذي ربما كانت تلك الأفكار تتناقض معه او تحاربه ، فتنسب إلى مؤسسيها مثل الفكر الماركسي أو الفكر الفلسفي اليوناني أو الفكر الباطني أو غير ذلك من الأفكار التي تنسب إما لشخصيات مؤسسيها أو لبلدانهم أو لاتجاهاتهم وغير ذلك. ومن هنا يتضح أنه إذا أطلق لفظ الفكر فإن المراد به هو ما يصدر عن العقل من شتى المفاهيم والمبتكرات الدينية أو الدنيوية.
المذاهب الفقهية : القرآن الكريم وسنة نبييه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هما المصدر الأول للفقه الإسلامي عند أهل السنّة والجماعة، فالقرآن هو كلِّيُ هذه الشريعة الذي يتضمن كل قواعدها وأصولها وإن كان لا يشتمل على اكثر فروعها ، والسنّة هي التي فصّلت هذه الفروع وأتمّت بيان الكثير منها ، ووضعت الأسس والقواعد ليبني على هذه النصوص ما يجدّ للناس من أحداث ، ولم يكن لأحد أن يفصل الشريعة عن هذين الأصلين لانهما عمودها والمرجع الذي يرجع إليه . وذلك لأن الشريعة دين يجب اتباعه وليست قائمة على العقل المجرّد او التجربة الإنسانية وحدها ، إنما هي شريعة الله الخالدة الى أهل الأرض ما بقيت وما بقي الناس حتى يوم الدين .
والدين ليس مرجعه الأول الى النقل وإن كان الإسلام موافقا في كل قضاياه للعقل . واذا كان الأصل في الدين هو النقل والشريعة الإسلامية دين فلابد أن يكون أساسها النقل ، ودور العقل في الشريعة الإسلامية هو استنباط الأحكام النقلية في ميداني ” معرفة المقاصد الشرعية ” للنصوص ، ومعرفة حكم ما لم يوجد فيه نص من الحوادث المستجدّة ، من خلال الاستنباط مما وراء النصوص “. فكانت علوم أصول الدين وأصول الفقه ، علم الحديث والتراجم ، وكان أئمة هذه الأمة ثمانية ” الإمام زيد بن علي زين العابدين ، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر ، و الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، و الإمام مالك بن أنس ، والإمام محمد بن إدريس الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل، و الإمام بن حزم الأندلسي ، و الإمام تقي الدين بن تيمية ” ثم كانت المذاهب الفقهية الإسلامية الأساسية وهي الأربع من أهل السنة والجماعة ” الأحناف – الشافعية – الحنابلة – المالكية ” و كانت المذاهب الأخرى والتي يقاس قربها و بعدها عن السنة من خلال التزامها بأصول العقيدة مع الأخذ بعين الاعتبار اختلافها في بعض الفروع ” .
التاريخ ليس ملكاً خاصّا او وقفاً لاحدٍ دون آخر حتى يتلاعب فيه كل مدّعٍ او يحتجّ به كل مارقٍ كما فعل وزير الأوقاف بافترائه من أنه لا يوجد في الإسلام مقام المفتي وأن هذا المقام بِدعة ابتدعها ” الاحتلال العثماني “.
ألم يكن سيدنا معاذ بن جبل مفتي وقاضي اليمن في عهد سيدنا عمر رضي الله عنهما ، وكذلك سيدنا أبي موسى الأشعري ، ألم يكن عبد الله بن مسعود إمام العراق ويرجع اليه فقهاء ومفتيّ العراق ؟ ألم يكن سادتنا عمر وابنه عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أئمة ومفتين أهل المدينة ؟ . ثم ظهرت فتن الازارقة والإباضية والنجدات والشيعة الذين كانوا نحلا متباينة ومنهم من خرج بآرائه عن الإسلام ومنهم من كانوا دخلاء عليه مهمتهم أن ينقضوا أساسه لاستعادة ملتهم القديمة قوتها او سلطانها او الثأر ممن أزالوا شوكتها او يعيش المسلمون في ظالمة ، ينطفئ نور الله في نفوسهم فكان اختلاف المذاهب .
إن اختلاف المذاهب الفكرية ، القائم في البلاد الإسلامية نوعان : اختلاف في المذاهب الاعتقادية . واختلاف في المذاهب الفقهية .
فأما الاختلاف الاعتقادي : وهو الاختلاف في أصول العقيدة الذي يؤدي إما الى الإيمان وإما الى الكفر ، وهو في الواقع المصيبة الكبرى التي جرّت إلى كوارث في البلاد الإسلامية ، وشقت صفوف المسلمين ، وفرقت كلمتهم .ومن خلاله تم استهداف أهل السنة والجماعة ، حملة وحُماة الفقه الإسلامي النقي السليم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وعهد الخلافة الراشدة الى يومنا هذا والتي أعلن الرسول أنها امتداد لسنته بقوله : ” عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ “.
وأما اختلاف المذاهب الفقهية : الاختلاف في المذاهب الفقهية اختلاف في الفروع و في بعض المسائل ، تحكمه قواعد علمية ، اقتضته حكمة الله البالغة ، ومنها الرحمة بعباده ، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص ، ثم هي بعد ذلك نعمة ، وثروة فقهية تشريعية ، تجعل الأمة إسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها ، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد حصرا لا مناص لها منه إلى غيره ، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحج الأئمة الفقهاء في وفت ما ، أو في أمر ما ، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقا ويسرا ، سواء أكان ذلك في شؤون العبادة ، أم في المعاملات ، وشؤون الأسرة ، والقضاء والجنايات ، على ضوء الأدلة الشرعية .
دلالات وآثار وتبعات هذا النصوص :
1- تكريس بشار أسد ووزير الأوقاف ” الاختلاف العقائدي ” مع أهل السًنة وتكفيرهم من خلال الفقرة ” د ” من المادة الثانية من قانون تنظيم وزارة الأوقاف التي تنص على : ” مُحاربة الفكر التكفيري المتطرف بتياراته ومشاربه كافة وتجفيف منابعه وحماية الوحدة الوطنية من مخاطر هذا الفكر، والمواجهة الفكرية لكل من يحمله، وفق ما يحدده المجلس العلمي الفقهي، كالوهابية وتنظيم الإخوان المسلمين وما يماثلها من الحركات والتنظيمات المتطرفة” . وبالتالي تطبيق القانون ” 49″ لعام 1980 والحكم بالإعدام على كل من يخالف تعليمات والفكر الذي ينتجه المجلس العلمي الفقهي ” حتى لو لم يكن منتمياً للإخوان المسلمين .
2- يحيل الفقه الإسلامي ومرجعياته الفقهية الى مجرّد نتاج فكري يحكمه منطق العقل و إمكانية نقده و نقضه ومحاكمته و تجريمه ، باعتباره منتجا فكريا مثله مثل أي انتاج فكري لاي كاتب او أديب او فنان أو عالم رياضيات او عالم في بقية علوم الطبيعة ، وهذا أيضا يستهدف علوم أصول الدين و أصول الفقه و علم الحديث من خلال اعتبارها تراثا فكرياً قد يأتي عليه الدهر فيفقد صلاحيته في زمان دون زمان او في مكان دون مكان ، ومنه يتم الدخول الى تكريس شرعنة نسف الكتب الصحاح و أهمها صحيح البخاري الذي اكثر ما تعرّض للاستهداف من أعداء الدين والسنة ، باعتباره مرجعا للوهابية والسلفية ” من وجهة نظرهم ، ونسف تراث الأئمة العظام مثل سيدنا الإمام بن تيمية و شيوخه وتلاميذه .
3- وبدعوى نبذ التعصب والطائفية المنصوص عنها بالفقرة ” ز” من المادة الثانية من القانون المذكور التي تنص على : ” نبذ التعصب والطائفية انطلاقاً من كون أئمة المذاهب قدموا اجتهادات متعددة، ولم يؤسسوا طوائف لتفريق الأمة، وذلك من خلال اعتماد الفقه الإسلامي بالشكل الذي يشمل آراء جميع المذاهب ويستفيد منها، والتأكيد على احترام الأديان الأخرى كافة، وإذكاء روح التجانس بين أبناء الوطن على اختلاف أديانهم ومذاهبهم. يُعطي المذاهب الفكرية مقام المذاهب الفقهية من حيث الحجيّة والاحترام وعدم نقدها او نقضها، مما يفرض على الناس عقائد بالية أو مستحدثة هي نتاج عقلي يأتلف مع التوجّه السياسي للسلطة والتركيز على التجانس المنبثق من نظرية ” سورية المفيدة الذي يؤسس عليها نظام الأسد قواعد حكمه المستقبلي والتي تنسف القواعد فقهية أصولية مما يساهم في فساد عقائد الناس وتضليل تفكيرهم ، بالتالي اضطراب علاقاتهم .
4- عدم التفريق بين الفكر الإسلامي والتشريع الإسلامي يؤدي الى فهم المقصود بها هو الإسلام ومبادئه الأساسية وبالتالي قابلية التشريع للمقارنة بينه وبين الأفكار الفكرية الوضعية ، واستبعاد الإسلام عند بحث أي قضية ما بين الإسلام وبين غيره وهذا تغليب للرأي على النص الشرعي ونسفه ، مما يفتح الباب لسنّ تشريعات وضعية تخالف الشريعة الإسلامية .
5- نسف إجماع الأمة في قضايا النوازل والفتن الكبرى التي منشؤها الاختلاف أصول العقيدة .
6- الغاء الفقه كمرجعية للتشريع وإمكانية استبعاده من النصوص الدستورية ، مما يفتح الباب الى إمكانية تولي الشيعة الحكم في سورية سواء كانوا سوريين أصلا او مجنّسين .
7- إن ما يقوم به نظام أسد هو امتداد لما قامت به الولايات المتحدة في القضاء على المسلمين من أهل السنة والجماعة في أفغانستان و العراق و الصومال ، وما فعلته روسيا في الشيشان و ما فعله اليوغوسلافيون في البوسنة والهرسك بذريعة الإرهاب ، واستغلالهم هذه الذرية استغلالا فاحشا، فأقصيت الشريعة الإسلامية وتطبيقها في معظم ديار المسلمين، وحرم على الخطباء والوعاظ ورجال الفكر طرق الجوانب التي تمس معالجة الإسلام للقوانين المدنية والتي استوردتها الحكومات الموالية للشرق أو الغرب، أو تبين خطورة المذاهب الفكرية الضالة وخاصة الباطنية والشيعة الإيرانيين ، وحددت فيها العقوبات الصارمة بحجة أن طرقها يفضي إلى التدخل في السياسة العامة للدولة، أو هو خروج عليها، ومن خرج على الدولة فقد أخل بالأمن وناصب الشعب العداء فتصدر القرارات العاجلة باسم الشعب بمعاقبة كل من يجرؤ على مخالفة النظام العام للدولة. فسُلبت الحقوق وقُمِعت الحريات ، وانتُهِكت الحرمات ودُنِست المقدسات.
وكأن لسان حال بشار أسد ووزير أوقافه ومجلسهما العلمي الفقهي يقول لقد عادت أمجاد القرامطة وأحفادهم من الفاطميون والزينبيون، وكأن بشار يظن نفسه المستنصر بالله الفاطمي ، ووزيره السيد يظن نفسه الوزير بدر الجمالي .
رحم الله القائل فيهم :
زنادقة شيعة باطنية مجوس يسرون كفرا يظهرون تشيعا
وما في الصالحين لهم أصل ليستروا سابور عمهم الجهل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى