فنجان سياسي

“الرجال أيضًا يبكون”… لحظات قبل الارتطام


فراس العبيد – رسالة بوست
أيهــــا الراكب الميمــــــــــــــــــم أرضي أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض وفؤادي ومــــــــــــالكيــــــــــــــــــــه بأرض
قدّر البين بيننا فافترقنــــــــــــــــــــــــــــــــــــا وطوى البين عن جفوني غمضي
قد قضى الله بالفراق علينــــــــــــــــا فعسى باجتماعنا سوف يقضي
يلاحقني “طيفه”… وتنسكب عبرات العين، أنا الذي لم أتعمد ملاحقة صورته، منذ رأيت “الأشلاء” تمتزج بالتراب في وطني، ولم أعرّ اهتمامًا للصحف والمجلات أو المواقع الإعلامية، لما تصفني أو تصفه، من أشنع العبارات، إلا أنني كنت محاطًا برائحة “حضوره/حضورهم”… كلما قرأت ما يقال “عنه/ـهم”.
ثمة عطرٌ يملأ كياني، كما ملأ الكون، “عطر الكرامة”، الذي عرفته من تلك الثلة المؤمنة الصابرة، نحسبهم والله حسيبهم، ولا نزكيهم على الله، ويطوف في خاطري أسئلةٌ عمن هم حولي؛ “هل هم مثلي يشتمون أريجًا وعبيرًا، قادمًا من الفردوس؟”.
تستنفر عيني بدمعةٍ في الطريق، أسكتها كرهًا، وعنوةً، وتبوء محاولاتي بالفشل، في التوقف أمام “محطة سفرنا مع تلك الثلة”، ولو قدّر الله أنْي لم أكتم عبرتي المصطلمة بين جوانحي، لخرجت “نفثة مصدور” سمعتها الدنيا بأسرها.
ولعلي بدايةً، أنعي نفسي، وصحبي الذين بقوا معي، خلف الركب… ننتظر، وعسانا، نبرّ القسم، فلا نبدل ولا ننقض العهد، (إنّ العهد كان مسؤولا).
وعادةً ما أكتب بعد تمعنٍ في “الخريطة السياسية” التي تدور حولي، باحثًا عن “مكامن، وخلفيات، ومآلات” المعركة أو ما أفضّل شخصيًا تسميته بـ”الصراع”، وهو العنوان ذاته الذي اختاره “العدو” تحت مسمى “صراع الحضارات أو صراع الأديان”، وهي حقيقة واقعة، مهما رقع لها “الغافلون” وزينها “التنويريون” وغيرهم من “رويبضات العصر”.
وتتجه بي الأفكار، بعيدًا، رغم أنها تتطلع إلى المستقبل، فالأمر مثير ومشوّق، خاصةً أمام مشهد الركام الهائل، وسقوط الصنم مجددًا، محطم المعنويات… وقد لحق به وبأذنابه “العار”… فيشتفي الصدر بانتصارٍ بعد حراسةٍ وانتصار.
ويرجع بصري وفكري إلى “مسرحنا الشامي”، حيث تهافت الدمى، و”الكركوزات” بلحىً مستعارةٍ أو ربطات عنق، وبمطلق الأحوال، فكِلا الحالتين باتت أشبه بـ”الرسن” الذي يقاد والخيوط التي تديرهم من خلف ستار، فيسجدون لها صبح مساء، ويسبحون بحمدها آناء الليل وأطراف النهار… وجمهورٌ بين غارقٍ في نومه وشخيره يعلو عنان السماء، وراتعٍ في حظيرة القطيع بانتظار علفه، يدير الرحى، لا حظ لهم إلا (العويل والنياح)، وآخرون يصفقون على نهب جيوبهم، وغيرهم يرقعون ويوقعون باسم (الدين)، و”ثلةٌ” محاصرة أبت “الضيم” ولم “تسقط السيف”، وآثرت البقاء في “الحراسة”.
ليسوقني المشهد السابق، على قسوته، وضبابية صورته التي أقرأها الآن، بينما ارتشف فنجان قهوتي، للتأكيد بأنّ “انتصار المجاهدين مسألة حتمية لا جدال فيها إن شاء الله، وانتصارهم تحقيق لسنن كونية وشرعية متكاثرة في نصوص الشرعية ودلت أحوال البشر والتاريخ على أن تلك السنن لا تتأخر عن وقتها، وأنه:

إذا جاء موسى وألقى العصا *** فقد بطل السحر والساحر..

تبددت رغبتي في البكاء، (الرجال أيضًا يبكون)، ويهيمون بـ”البطولة” عندما يرونها تتجسد أمام ناظرهم، بل ويصنعونها أو يشاركون في وضع مدماكٍ لرفع رايتها.
وطاف خاطري، أمام “أفلاك المعالي”، و”كواكب الرجولة”، جبال البطولة، ولن أذكر على عجالةٍ إلا “أمير الظل عبد الله البرغوثي”، و”بياع الورد”، و”خالد” و”نضال”، و”بسام”، و”مصطفى الغريب”، أمراء الشام، وآخرون ممن سبقوهم، أمثال؛ (عبد العزيز العمري ووائل ووليد الشهري ومحمد عطا وسطام السقمي).. وغيرهم ممن ينتظر اليوم، فرصته وهو يقول: ((اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى. اللهم لا تجعل لنا قبرًا، اللهم ما خرجنا إلا جهادًا في سبيلك وابتغاء مرضاتك.. اللهم فاقبل نفوسنا رخيصة من أجلك فقد استبشرنا ببيعنا الذي بايعناك).
تصاغرت الدنيا أمام نفسي، وتصاغر كلّ شيء، ورددت بهمسٍ بينما ارتشف “قهوتي العربية”:
هل تسمعون توجعي وتوجع الدنيا معي
يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي
يا راحلين إلى جنان الخلد أشرف موضع
أتراكم أسرعتم أم أنني لم أسرع؟
ما ضركم لو ضمني معكم لقاء مودعي؟
فيقال لي هيا إلى أرض الخلود أو ارجع
احتفظت بصور تلك الوجوه الصبيحة التي يساوي واحد منهم ملايين من (الغثاء) من “قطيع اليوم”؛ وغرقت في تأمل طويل في سيرتهم، تفاصيل حياتهم، صحبة بعضهم، وغيرها من الذكريات.
لا أذكر تلك اللحظة التي سبقت استشهادهم؛ إلا أنهم عايشوا وعاشوا، ورددوا عاليًا؛ ((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)).
ثم تأملت بين من صاحوا في القوم: أنْ قولوا: لا إله إلا الله.. كلمة تشفع لكم..
وبين تلك الوجوه التي تلونت وتسلقت وامتطت “ذروة السنام”، وهتفت سآوي إلى (حكومة الولايات المتحدة الأمريكية)، تعصمني من الطوفان!!
ألا ليت شعري… لا يدري قومي أنه إذا جاء نهر الله بطل نهر “الطواغيت وتهاوت الأصنام”، بل “ارتطمت” متكسرةً تحت “نعال الرجال” الذين حدثتكم أنهم “يبكون أيضًا” غيرةً على دينهم وأعراض المسلمين.
ألا ليت قومي يصغون السمع لأولئك الثلة وهو ينشدون:

في سبيل الله نمضي..

نبتغي رفع اللواء

فليعد للدين مجد

وليعد للدين عز

ولترق منا الدماء

ولترق منا الدماء

وبعضهم الآخر؛ يتلو علينا؛ “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص”.
وما ينتظر الرجال، تأويلات وترقيعات “المتهافتين على العلم” هذه الأيام، بل تراهم، يرون النصر قريب؛ وليس كما ادعى أحدهم، أنّه “يطيل عمره بالمناورة سنةً أو أكثر”، تحت ذريعة “منع سفك الدماء”، ألا في “الفتنة سقط”، وفيما “خافته نفسه هوى”، فيما أولئك الثلة يهللون؛ ” وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون”، ويؤكدون بدمائهم لمن خلفهم ويسطرون الرسائل أنه؛ “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه”…
في لحظة الارتطام تلك، أيقنت أنّ الأرض انقسمت إلى معسكرين، رأس الكفر العالمي، ومجمع الشيطان، في مواجهة “فرسان النهار، رهبان الليل”، مشوارهم “طويل” ربما، بل قطعًا، لديهم اليقين بأنه “قصير” ليدكوا “وكر إبليس”، عسى ربهم أن يفتح لهم “ملحمةً” في فلسطين فنتبر ما علونا تتبيرا..
رجعت إلى التأمل في ما سأكتب، من مآلات الصراع، وجدتني بين من “أحرق نفسه” بثمنٍ بخس، ومن “أحرقها” في طريق تقويض “عرش الطواغيت وأذنابهم”، بثمن باهظ، أولئك كما يصفهم “مروان حديد” رحمه الله، “الطليعة… التي تهاجم لتدك أسوار العدو وهم يتصورون أنفسهم أمام هذا الحصن الذي بدا أمام الناس منيعًا لا يقهر، ويريدون أن يدكوه حتى تقتحم الأمة من خلفهم ويثبتوا للمسلمين أنه يمكن دكه”.

ثم دعكم مما يخطه “المحللون” و”الرومانسيون” و”المنطقيون”، و”التنويرون”، وهرطقات البعض، وانتكاس المنتكسين، وتساقط المتساقطين، وتخاذل المتخاذلين، حتى وإن ألصقوا بأنفسهم مسمى (ولاة الأمر)، فهؤلاء ليسوا إلا أطراف الأخطبوط والصواب،” عليكم برأس الأخطبوط “فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان” الأنفال: 12 … تلك وصية الله ابتداء ومن ثم من سبقونا إلى “ديارنا” التي خرجنا من أجلها.
ابنتي وملاكي… حبيبي وقرة عيني:
أترك هذه الكلمات، التي سترجعان إليها، قريبًا، وأنتما تستحضران أننا، وأنكما، في مرحلةٍ تنقلون فيها المعركة إلى أفقٍ جديد، بل تنقلان الأمة من “طأطأة الرأس” إلى “العزّة”، فلا تبخلا بالمهج والغالي والنفيس.. واجعلا لكما ذكرًا عند ملك السماء والأرض…
وأنتِ يا زوجتي، وأنتِ يا أختي… وهناك أنتِ يا “أخيةُ” حيث أرى دمع العين حين تجلسين، تنظرين إلى حالنا، ترثين أو تتأملين:
لكل واحدةٍ دورها، و”ثغرها”، فأعيني واستعيني، واستحضري، أننا نمر باتجاه قفزة تاريخية هائلة تختصر مراحل من التغيير الاجتماعي وتنتشل المسلمين انشتالا من حالة الذل والتبعية والخنوع.
وأنت يا أخي… إياك أعنيك دون سواك:
أترضى أن ترى “أعراض المسلمات تنتهك؟”، “أتقبل نفسك أن ترى الشرك يستعلي؟”، إذًا.. دع عنك “الجدل” واسلك طريق بائع الورد، وبائع الروح، كنت أمير الظل، ومهندس النصر على الطريق…
ولكم جميعًا أقول:
كونوا الغرباء… كالبنيان المرصوص، “وسنشد عضدك بأخيك”، فتلقفوا تلك المعاني، وسيروا في دربها، و”حاسبوا أنفسكم، قبل أن تحاسبوا”، وأخيرًا؛ “طوبى للإرهابيين” الذين صمتت كل البنادق اليوم إلا بنادقهم بعد أن فهموا “طبيعة الوقت” وبدأوا مشوارا جديدًا عنوانه؛ “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة” إلى آخر قول الله تبارك وتعالى، استعدادًا وتجديدًا للجولة، فهي قادمة حاسمة، عسى الله أن يكتبنا ممن يكتبون ويصنعون سطورها ويرمون فيها بسهمٍ.
ابنتي وملاكي، حبيب قلبي العمري، والمريمية الغالية، وأبا إسلام:
لا تخافوا قلة السالكين… فالطريق طويل، وسيسقط فيه من لا يمتلك الإخلاص، أذكركم، ونفسي بدماء من سبقونا… فكونوا “على العهد”…
اللهم مثلما وفقت من سبقونا لدك حصون العدو
وطيب الذكر في الدنيا
فبلغنا ما بلغوا
وخذ من دمائنا مثلما أخذت من دمائهم
اللهم كثرت ذنوبنا وعظمت آثامنا
ولا خلاص لنا إلا بشهادة تطهر كل آثامنا
ونحن مقبلين غير مدبرين..
اللهم يسر لنا سبيلا للحاق بإخواننا المجاهدين.. آمين

وكالعادة ختمت، “لا تخافي يا حبيبتي: فأنتِ آمنة”.
والعاقبة لمن اتقى….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى