منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة 85

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


الجزء الثالث: الدولة العباسية
29- المسترشد بالله الْفضل بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي
مولده يوم الاثنين 7 شعبان سنة 486هـ في حياة المقتدي جده
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَبِيه المستظهر فِي ربيع الآخر سنة 512هـ.
مَاتَ قَتِيلا فِي 17 ذِي الْقعدَة سنة 529هـ
وكان عمره لما قتل 45 سنة. وقيل : 43 سنة
وخلافته 17 سنة و8 أشهر وأياماً.
ولي بعده ابنه الراشد بِاللَّه أَبُو جَعْفَر مَنْصُور
اسمه ونسبه:
المسترشد بِاللَّه أبو مَنْصُورٍ الْفَضْلِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ بالله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُقْتَدِي بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القَائِم بِأَمْرِ اللهِ أَبُو جَعْفَرٍ عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المكتفي علي بن المعتضد أحمد بن الأمير الموفق طلحة العباسي، الْهَاشِمِي، الْبَغْدَادِيّ، أَمِير الْمُؤمنِينَ. (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 257، شذرات الذهب 6/ 143، العبر في خبر من غبر 2/ 434، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503)
أمّه أمّ ولد تدعى ست السادة نزهة، (مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205)، وقيل: تسمى: لبَابَة، (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503)
مولده:
كان مولد المسترشد باللَّه في يوم الاثنين سابع شعبان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة (486هـ) في حياة المقتدي جده. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص210) وقيل يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 144، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258)
وقيل : كانت ولادته يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول، سنة خمس وثمانين وأربعمائة (485هـ)، (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 143، مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205)
صفاته وسماته الشخصية:
كَانَ المسترشد أشقر رقيق البشرة تام الطول،(مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205) شهماً، ذَا همة وَمَعْرِفَة وعقل. مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216) وَكَانَ شجاعاً ديناً، مشتغلاَ بِالْعبَادَة، لم يلِ الْخلَافَة بعد المعتضد أشهم مِنْهُ (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503) سلك فِي الْخلَافَة سيرة الْقَادِر، وَقَرَأَ الْقُرْآن، وَسمع الحَدِيث، وَقَالَ الشّعْر، (مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216) وكَانَ شَدِيد الهيبة ذَا رَأْي ويقظة، وهمة عالية ،ضَبَطَ الْأُمُور، وَأَحْيَا مجد بني الْعَبَّاس وجاهد غير مرّة(سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503)
وكان فصيحاً، وهو آخر من خطب على منبر وصلّى بالناس صلاة العيد، (مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205) فحل بنى العباس ونجيبهم وفاضلهم وكاتبهم وأشجعهم. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص210) وَكَانَ مليح الْخط، مَا كتب أحد من الْخُلَفَاء قبله مثله يسْتَدرك على كِتَابه وَيصْلح أغاليط فِي كتبهمْ(طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258)
وَكَانَ المسترشد لما تَغَيَّرت أَحْوَال مَمْلَكَته صَار يُبَاشر الْقِتَال بِنَفسِهِ؛ فَمَاتَ قَتِيلا فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة. (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216)
وَأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فَأمر أشهر من الشَّمْس وَقت الزَّوَال، وأوضح من الْبَدْر لَيْلَة الْكَمَال، وَلم تزل أَيَّامه مكدرة بِكَثْرَة التشويش والمخالفين، وَكَانَ يخرج بِنَفسِهِ لدفع ذَلِك، إِلَى أَن خرج الخرجة الْأَخِيرَة إِلَى الْعرَاق فَكُسِرَ وَأُخِذَ وَرُزِقَ الشَّهَادَة على يَد الْمَلَاحِدَة. (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258)
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: كَانَ ذَا رَأْي وهيبة ومضاء وشجاعة أَحْيَا رمائم الْخلَافَة وشيَّد أَرْكَان الشَّرِيعَة وَضبط أُمُور الْخلَافَة وردهَا ورتبها أحسن التَّرْتِيب (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 259) وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء، رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 146) ولم يل الخلافة بعد المعتضد بالله أشهم منه. كان بطلاً شجاعاً مقداماً شديد الهيبة، ذا رأي ويقظةٍ وهمةٍ عالية.
بيعته وخلافته:
وهو الخليفة التاسع والعشرين من خلفاء الدولة العباسية (المختصر في أخبار البشر 2/ 231) خطب لَهُ أَبوهُ بِولَايَة الْعَهْد وَنقش اسْمه على السِّكَّة فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ (488هـ) (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258) فكان وليّ عهد قد خطب له ثلاثاً وعشرين سنة. (تاريخ ابن خلدون 3/ 611، البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 226، تاريخ مختصر الدول 1/ 201)
بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت أبيه المستظهر بثلاثة أيام وذلك بعد الفراغ من العزاء على الرسم والعادة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص210، تاريخ مختصر الدول 1/ 201) لَيْلَة الْخَمِيس الرَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة (512هـ) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 143، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258، مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205) وقيل: كانت بيعته في صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة (512هـ). (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص210)
فَأول من بَايعه إخْوَته أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَأَبُو طَالب الْعَبَّاس وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم وَأَبُو نصر مُحَمَّد وَأَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل وَأَبُو الْفضل عِيسَى ثمَّ تلاهم عمومته أَبُو جَعْفَر مُوسَى وَأَبُو إِسْحَاق وَأَبُو أَحْمد وَأَبُو عَليّ أَوْلَاد الْمُقْتَدِي ثمَّ جلس بكرَة الْخَمِيس جُلُوسًا عَاما وَدخل النَّاس لمبايعته (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258) ثم بايعه أَبُو الْقَاسِم الزَّيْنَبِي ثمَّ أَرْبَاب الدولة ثمَّ أسعد الميهني مدرس النظامية ثمَّ النَّاس على طبقاتهم ثمَّ أخرجت جَنَازَة المستظهر فصلى عَلَيْهَا المسترشد(طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258)
وَكَانَ الْمُتَوَلِي لأخذ الْبيعَة قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الدَّامغَانِي (تاريخ ابن خلدون 3/ 611، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258، البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 226، المختصر في أخبار البشر 2/ 231) وكان نائبا عن الوزارة فأقرّه المسترشد عليها، (تاريخ ابن خلدون 3/ 611) ولم يأخذ البيعة قاضٍ غير هذا للمسترشد، وأحمد بن أبي دؤاد للواثق والقاضي أبو علي إسماعيل بن إسحاق للمعتضد. (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 216)
استحلف المسترشد بعد أبيه، وسنُّه وَقت الْمُبَايعَة ابْن سبع وَعشْرين سنة (27سنة) (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 258، العبر في خبر من غبر 2/ 434)
فحين اشتدت بالمستظهر العلّة في الليلة التي مات فيها قال: ادعوا لي ولىّ عهد المسلمين فجاءوا بأبي الحسن ففتح عينه فرآه فقال: ما أريد هذا أريد أخاه الأكبر، وكان ميل الجماعة إليه لأنه كان صاحب لهو وهزل، وكان المسترشد- رحمه الله- صاحب جدّ، فخلوه ساعة ثم اقتضاهم فقالوا: قد ثقل وهو لا يعلم ما يقول ولا يفرّق بين الأخوين فجاءوا بأبي الحسن ثانيا، فقال: لست أريد هذا، أريد أبا منصور الفضل ابني الأكبر فلما رأوا الجد منه مضوا وجاءوا به فحين رآه استدناه وقبّل بين عينيه وقال له: يا عزيزي أنا ماض إلى جوار الله تعالى وسعة رحمته فارفق بأهلك وأحسن السيرة في رعيّتك وانظر في ما وصل إليك واعلم أنك مسئول عن القليل والكثير في آخرتك والله خليفتي عليك؛ ومات في تلك الساعة. (تاريخ ابن خلدون 3/ 611، الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208)
وَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْبَيْعَةُ لَلمسترشد هَرَبَ أَخُوهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي سَفِينَةٍ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَقَصَدَ دُبَيْسَ بْنَ صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بْنِ مَزْيَدٍ الْأَسَدِيَّ بِالْحِلَّةِ، فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فقلق أخوه الخليفة المسترشد مِنْ ذَلِكَ، فَرَاسَلَ دُبَيْسًا فِي ذَلِكَ مَعَ نَقِيبِ النُّقَبَاءِ الزَّيْنَبِيِّ، فَهَرَبَ أَخُو الْخَلِيفَةِ مِنْ دبيس فأرسل إليه جيشاً فألجأوه إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَلَحِقَهُ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيَهُ بَدَوِيَّانِ فَسَقَيَاهُ مَاءً وَحَمَلَاهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَحْضَرَهُ أَخُوهُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَا وَتَبَاكَيَا، وَأَنْزَلَهُ الْخَلِيفَةُ دَارًا كَانَ يَسْكُنُهَا قَبْلَ الْخِلَافَةِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَطَيَّبَ نَفْسَهُ، وكانت مدة غيبته عن بغداد إحدى عَشَرَ شَهْرًا، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ بِلَا مُنَازَعَةٍ لِلْمُسْتَرْشِدِ. (البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 226، الإنباء تاريخ الخلفاء ص208، تاريخ ابن خلدون 3/ 612)
مقتله:
واستشهد المسترشد بمراغة يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة (529هـ) (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503، العبر في خبر من غبر 2/ 434، تاريخ مختصر الدول 1/ 204، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 145، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217) وقيل: يوم الخميس سادس عشر(شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 146، مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205) ودفن بها. (مجمع الآداب في معجم الألقاب 5/ 205)
وَسَبب مقتله: أَنه لما تغيّر السلطان مَسْعُود بن مُحَمَّد شاه بن ملكشاه السلجوقي؛ وعزم على قصد بغداد، فخرج الخليفة المسترشد بالله فِي عساكره لمحاربته؛ فَخَالف عَلَيْهِ عسكره ودار به عسكر السلطان وهو ثابت لم يتغير من مكانه وانهزم عسكره ؛ وأخذ أسيراً ؛ وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة (529هـ) وَقبض على المسترشد بِاللَّه وعَلى خَواص دولته، وحملوا إِلَى قلعة بِقرب همذان، فحبسوا فِيهَا، وَبَقِي المسترشد مَعَ السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى النّصْف من ذِي الْقعدَة، وَحمل مَعَهم إِلَى مراغة من بِلَاد أذربيجان، فَأرْسل سنجر شاه – عَم مَسْعُود – يلوم مَسْعُود فِي قتال الْخَلِيفَة المسترشد؛ فَرجع مَسْعُود عَن قِتَاله، فأنزله السلطان مسعود في خيمة ووكل به من يحفظه وقام بما يجب من الخدمة وتردّدت الرسل بينهما بالصلح وتقرير القواعد على مال يؤديه الخليفة، وأن لا يعود يجمع العساكر ولا يخرج من داره، وأجاب السلطان إلى ذلك، وأُركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه، ولم يبق إلا أن يعود إلى بغداد، فوصل الخبر بقدوم رسول من السلطان سنجر وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه، وفارق الخليفة بعض من كان موكلاً به،، وكانت خيمته منفردة عن العسكر فقصده أربعة وعشرون رجلاً من الباطنية، ودخلوا عليه فقتلوه، وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة، ومثّلوا به، وجدعوا أنفه وأذنيه وتركوه عرياناً، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلّا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم وكان قتله يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة (تاريخ مختصر الدول 1/ 204، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 145، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 260، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217، الإنباء في تاريخ الخلفاء ص221) وغطي الْخَلِيفَة بسندسية خضراء، لفوه فِيهَا. مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217) وَدفن على حَاله بِبَاب مراغة. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 145، تاريخ مختصر الدول 1/ 204، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217)
ويحكى أَن المسترشد كَانَ إِذْ ذَاك صَائِما وَقد صلى الظّهْر وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 260)
ثمَّ إِن السُّلْطَان جلس للعزاء وَخرج وَمَعَهُ الْمُصحف وَعَلِيهِ الدَّم إِلَى السُّلْطَان وَخرج أهل المراغة وَعَلَيْهِم المسوح وعَلى وُجُوههم الرماد وهم يستغيثون وَدفن فِي مدرسة هُنَاكَ وَبَقِي العزاء فِي مراغة أَيَّامًا فَرضِي الله عَنهُ لقد عَاشَ حميدا وَمَات شَهِيدا فقيدا(طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 260)
واستشهد وله خمس وأربعون سنة. (العبر في خبر من غبر 2/ 434، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217) وقيل: ثلاثاً وأربعون سنة (تاريخ مختصر الدول 1/ 204) وقيل: ثَلَاث أَرْبَعُونَ سنة، وَأحد عشر شهرا(سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 504)
وَمُدَّة خِلَافَته سبع عشر سنة وَسَبْعَة أشهر(تاريخ مختصر الدول 1/ 204، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 503) وقيل سبع عشرة سنة ونصف سنة. (العبر في خبر من غبر 2/ 434) وقيل كانت مُدَّة خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وأياماً، (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217) وقيل: ثَمَان عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر(طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 260)
وانقضت أيام المسترشد باللَّه- رضوان الله عليه- عاش سعيداً ومات شهيداً. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص221) ووصل الخبر إلى بغداد في عشية يوم الجمعة السابع والعشرين من ذي القعدة من سنة تسع وعشرين وخمس مائة (529هـ). وجلس الناس للعزاء على العادة ثلاثة أيام ثم في ضحوة اليوم الثالث بايعوا ولده بالخلافة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص221) واستخلف بعده ابْنه الراشد ، وَكَانَ بِبَغْدَاد. (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 217)
أعماله وأهم الأحداث في خلافته:
الصليبيون:
في سنة (512هـ) توفي بغدوين ملك القدس وكان قد سار إلى ديار مصر في جمعٍ من الفرنج قاصداً ملكها، وبلغ مقابل تنيس، وسبح في النيل فانتقض جرح كان به، فلما أحسّ بالموت عاد إلى القدس فمات بها، ووصى ببلاده للقمص صاحب الرها، وهو الذي كان أسره جكرميش وأطلقه سقاوو جاولي. (تاريخ مختصر الدول 1/ 201)
وفي سنة (513هـ) كانت وقعة بين أيلغازي بن أرتق، وبين الفرنج، بأرض حلب، فهزم الفرنج وقتل منهم عدة كثيرة، وأسر عدة، وكان فيمن قتل، سرجال صاحب أنطاكية، ثم سار أيلغازي وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا. وكانت الوقعة في منتصف ربيع الأول عند عفرين، (المختصر في أخبار البشر 2/ 231)
وفي هذه السنة (513هـ) سار جوسلين صاحب تل باشر إلى بلاد دمشق ليكبس العرب من بني ربيعة، وأميرهم إذ ذاك مر بن ربيعة، فتقدم عسكر جوسين قدامه، فضل جوسلين عنهم، ووقع عسكره على العرب،. وجرى بينهم قتال شديد، انتصر فيه مر بن ربيعة، وقتل وأسر من الفرنج عدة كثيرة. (المختصر في أخبار البشر 2/ 231)
آق سنقر:
أرسل المسترشد باللَّه، قسيم الدولة آقسنقر البرسقي لدفع دبيس قبل أن يستفحل أمره، فسار إليه في خمسة آلاف لابس فهزمهم دبيس ونهبهم وعادوا عراة حفاة إلى بغداد فحينئذ أمر الخليفة بمكاتبة الأطراف واستدعى أصحابها فقدم عليه السعدية من واسط وزنكي بن آقسنقر من البصرة وطغان رسلان من ديار بكر وبنو صلتق وبنو بوقة وقفجاق التركماني وإخوته واجتمع ببغداد اثنا عشر ألف فارس وظهر الخليفة بنفسه يوم الجمعة بعد الصلاة وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة سنة ست عشرة وخمس مائة (516هـ). وعزل وزيره جلال الدين واستوزر قوام الدين أحمد بن نظام الملك وغيّر لقبه وجعله «نظام الدين» وسار إلى الحلة والعساكر في جملته وكسر دبيس وفرّق جمعه وقتل على دم واحد ستة آلاف بدوي. ومضى دبيس على وجهه آخذا طريق الشام . (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص215)
وكان قد خرج مع الخليفة من بغداد نحو من ثلاثين ألف شاب بعضهم بالسلاح وبعضهم رماة البندق وبعضهم بأيديهم المقاليع. وحين انهزم دبيس قتل من عسكره الذين قتلوا، والأتراك اشتغلوا بالنهب، وهؤلاء الرجّالة ما اشتغلوا بشيء سوى أسر الأعراب فأسروا أكثر من خمسين ألف بدوي وأخلوا منهم البلد والقرى والصحراء وجاءوا بهم إلى بغداد وكانوا يشوّهون بهم ويقطعون أوصالهم وهم أحياء، وربما قالوا لأحدهم أيّ شيء تريد أن نطبخك فلا يجيبهم فيعاقبونه ويعذّبونه بأنواع العذاب حتى يقول من تحت العذاب: حصرمية أو سكباج أو هريسة أو أيّ شيء فيطبخونه ذلك اللون ويرمونه للكلاب. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص215)
في سنة ثماني عشرة (518هـ) سار بلك بن بهرام إلى منبج وملكها وحصر القلعة فبينما هو يقاتل من بها أتاه سهم فقتله، واضطرب عسكره وتفرقوا وملك آقسنقر البرسقيّ حلب وقلعتها وملك الفرنج مدينة صور. (تاريخ مختصر الدول 1/ 202)
وفي سنة عشرين وخمسمائة (520هـ) في ذي القعدة قُتِلَ قسيم الدولة آقسنقر البرسقي صاحب الموصل، بمدينة الموصل، قتلته الباطنيّة يوم الجمعة بالجامع، وملك ابنه عزّ الدين مسعود الموصل، ولم يختلف عليه أحد. ومن العجب أن صاحب أنطاكية أرسل إلى عزّ الدين مسعود يخبره بقتل والده قبل أن يصل إليه الخبر، وكان قد سمعه الفرنج قبل، لشدّة عنايتهم بمعرفة الأحوال الاسلاميّة. (تاريخ مختصر الدول 1/ 202)
وفي سنة إحدى وعشرين (521هـ) توفي عزّ الدين مسعود بن آقسنقر، وتولّى أخوه أتابك عماد الدين زنكي الموصل وأعمالها. (تاريخ مختصر الدول 1/ 203)
وفي سنة اثنتين وعشرين (522هـ) ملك عماد الدين زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وقلعتها وبعد سنة ملك مدينة حماة. (تاريخ مختصر الدول 1/ 203)
وفي سنة سبع وعشرين (527هـ) أرسل المسترشد الشيخ بهاء الدين أبا الفتوح الاسفرايني الواعظ إلى عماد الدين زنكي برسالة فيها خشونة وزادها أبو الفتوح زيادة في الجبة ثقة بقوة الخليفة وناموس الخلافة. فقبض عليه زنكي وأهانه ولقيه بما يكره. فسمع الخليفة فسار عن بغداد في ثلثين ألف مقاتل فلما قارب الموصل فارقها أتابك زنكي في بعض عسكره وترك الباقي بها مع نائبه نصير الدين ونازلها الخليفة في رمضان وقاتلها وضيّق عليها. فتواطأ جماعة من الجصّاصين بالموصل على تسليم البلد فسعي بهم فصلبوا. وبقي الحصار على الموصل نحو ثلثة أشهر ولم يظفر منها بشيء ولا بلغه عمّن بها وهن ولا قلّة ميرة وقوت، فرحل عنها عائدا الى بغداد. (تاريخ مختصر الدول 1/ 204)
وفي سنة ثماني وعشرين (528هـ) تقرّر الصلح بين الخليفة المسترشد وأتابك زنكي. (تاريخ مختصر الدول 1/ 204)
الآمر بأحكام الله أبو عليّ بن المستعلي العلوي:
وفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة (524هـ) ثاني ذي القعدة قُتِلَ الآمر بأحكام الله أبو عليّ بن المستعلي العلويّ صاحب مصر كانت ولايته تسعاً وعشرين سنة وخمسة أشهر، وعمره أربعا وثلاثين سنة. وهو أيضاً العاشر من ولد المهدي عبيد الله الذي ظهر بسجلماسة وبنى المهدية بافريقية. وهو أيضاً العاشر من الخلفاء العلويين من أولاد المهدي. خرج إلى منتزه له فلما عاد وثب عليه الباطنيّة فقتلوه، ولم يكن له ولد فولي بعده ابن عمّه أبو الميمون عبد المجيد بن أبي القاسم ابن المستنصر العلويّ صاحب مصر ولقّب الحافظ لدين الله ولم يبايع له بالخلافة وإنما بويع له لينظر في الأمر نيابة حتى يكشف عن حمل إن كان للآمر فتكون الخلافة فيه ويكون هو نائبا عنه. (تاريخ مختصر الدول 1/ 203)
أحداث أخرى:
وفي سنة (512هـ) قتل أرسلان شاه ابن مسعود السبكتكيني قتله أخوه بهرام شاه بن مسعود، واستقر بهرام شاه في ملك غزنة، حسبما قدمنا ذكره في سنة ثمان وخمسمائة (508هـ). (المختصر في أخبار البشر 2/ 231)
في هذه السنة (513هـ) أمر السلطان سنجر بإعادة بهروز إلى شحنكية العراق، فعاد إليها. وفيها ظهر قبر إبراهيم الخليل، وقبور ولديه إسحاق ويعقوب عليهم السلام بالقرب من بيت المقدس، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة،
وفي سنة خمس عشرة (515هـ) اقطع السلطان مدينة ميّافارقين للأمير ايلغازي ابن ارتق ومدينة الموصل والجزيرة وسنجار للأمير آق سنقر البرسقيّ. (تاريخ مختصر الدول 1/ 202)
وفي سنة ستّ عشرة (516هـ) في شهر رمضان توفي الأمير ايلغازي بن ارتق بميّافارقين وملك ابنه حسام الدين تمرتاش قلعة ماردين وملك ابنه سليمان ميّافارقين. وكان بحلب ابن أخيه بدر الدولة سليمان بن عبد الجبّار بن ارتق فبقي بها إلى أن أخذها منه ابن عمه. (تاريخ مختصر الدول 1/ 202)
وفي سنة سبع عشرة (517هـ) لما رأى بلك بن بهرام بن ارتق ضعف بدر الدولة سليمان ابن عمه عن حوط بلاده من الفرنج سار إليه إلى حلب وضيّق على من بها فتسلمها بالأمان. (تاريخ مختصر الدول 1/ 202)
وفي شعبان من هذه السنة (527هـ) توجّه المسترشد باللَّه نحو الموصل وكان نزوله على بابها في شهر رمضان وهرب زنكي بن آقسنقر وأقام بسنجار واستخلف بالموصل جغر بن يعقوب والملكين ولدى السلطان محمود وهما ألب أرسلان وفروخ شاه وأقام الخليفة على باب الموصل إلى ثالث ذي الحجة ما حصل له من النزول عليها إلا سماع الشتيمة وانخراق الهيبة. ورحل عنها في ثالث ذي الحجة عائدا إلى بغداد ودخلها في يوم عرفة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص218)
وفي سنة تسع وعشرين وخمس مائة (529هـ) وصل السلطان مسعود بن محمد بن ملك شاه إلى بغداد هارباً من أخيه طغرل فأكرمه الخليفة وخلع عليه وطوّقه وسوّره ونفذ معه جماعة من عسكره لدفع أخيه. فحين وصلوا إلى النهروان جاء الخبر من همذان بموت الملك طغرل فجدّ مسعود في السير إلى همذان ودخلها واستولى على الملك واستوزر شرف الدين نوشروان بن خالد . (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص218)
ثم لما وصل الخبر إلى بغداد بموت الوزير الربيب نظام الدين بأصفهان استوزر الخليفة عميد الدولة أبا عليّ بن صدقة ولقّبه «جلال الدين صدر الوزراء، صفيّ أمير المؤمنين» . وكان كاتباً بليغاً فصيحاً كريماً كافياً يملأ العين والقلب. وكان له رواء ومنظر وسكينة وكان حسن التدبير للأمور محبّاً لأهل العلم كثير الميل إلى أرباب الصلاح والدين. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص210)
وأما ما كان من أمر مغيث الدنيا والدين أبى الثناء محمود بن السلطان غياث الدنيا والدين أبى شجاع محمد بن ملك شاه فإنه حين توفى أبوه في سنة إحدى عشرة وخمس مائة (511هـ) بأصفهان وأجلسوه على سرير الملك، استوزر الربيب نظام الدين وزير أبيه، وحين مات الربيب المذكور في ذلك العام استوزر عز الدين، مشرف الممالك المعروف بالكمال عليّ بن أحمد بن عليّ السميرمى ولقّبه «نظام الدين» واجتمع عليه عسكر الدنيا من العراق والجبال والشام ولقي بهم عمّه سنجر بن ملك شاه فانهزم محمود على باب ساوة وكرّ راجعا إلى أصفهان ثم تقرّر الصلح بينهما على أن يخاطب سنجر بالسلطان الأعظم سلطان السلاطين، ومحمود بالسلطان الأعظم سيد السلاطين وأن يقرّر على محمود ولاية العراق والجبال والشام سوى همذان والرىّ وساوة وخوى وأشياء اقتطعوها من أصفهان كانت في زمن السلطان محمد مقطعة لأمه، وسوق الغنم وسوق الظباء ببغداد ومبلغ ذلك كله في كل سنة ثلاث مائة ألف دينار، وأن يتسمّى محمود باسم السلطنة وتضرب له النوب الخمس وينفرد عن العسكر بالمضارب الحمر والرايات السود. وحين وقع الصلح زوّجه عمه السلطان معزّ الدنيا والدين أبو الحارث سنجر بن ملك شاه المذكور بابنته «مهملك خاتون» وعاد إلى خراسان. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص211)
وأما ما كان من أمر الأمير أبى الحسن عبد الله بن المستظهر باللَّه فإنه حين قدم الحلة وبها دبيس بن سيف الدولة صدقة خيّره بين المقام عنده ليكون في خدمته أو الانتزاح ليزيح علّته في جميع ما يحتاج إليه من العدّة والسلاح والكراع فاختار الرحيل وطلب منه العسكر فأزاح علّته وضرب له سرادقا من الديباج وعدة خيم من الديباج وخدمه بألف ثوب من الأنواع ونفذ معه ألفى فارس فانحدر إلى واسط وملكها وملك جميع البلاد السفلى واجتمعت عليه العساكر وقويت شوكته. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص211)
وفي سنة ثمان وعشرين وخمس مائة (528هـ) توجّه القاضي ابن الشهرزوريّ من الموصل إلى بغداد ومعه التحف والهدايا والخيل والسلاح يطلب الصلح فخرج خط الخليفة إلى الديوان في جواب ذلك الإنهاء الّذي أنهاه الوزير شرف الدين نوشروان «بل أنتم بهديتكم تفرحون، ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّة وهم صاغرون» فأعاد الوزير القول وكرّر الشفاعة فرضى الخليفة عنه وقبل عذره بشرط أن يكون ابنه غازى دائما على الأبواب في ألف فارس فالتزم هذا الشرط ونفذه مع ألف من التركمان جمعهم ابن الكرباوى له من نواحي البوازيج ، وبعد دخوله بعشرة أيام لم يبق منهم أحد وصار ابن زنكي يدور وحده في الأسواق. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص218)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى