فنجان سياسي

وشوشات أنثى مجاهدة


فراس العبيد – رسالة بوست
وجهها الشاحب دفع فضولي، لسبر أغواره، ربما بل حتمًا، الإحساس الصحفي، والرغبة في ملامسة تلك المشاعر، وتدوينها، على وريقاتٍ للحب، في “مقهىً” لا يعير اهتمامًا، إلا لـ”قبض ثمن التسلية”.
اقتحمت حياتها، قبل ميلاد تلك الجلسة بأعوامٍ ما زلت احتفظ بها، دونتها أنا الذي ما اعتاد أن ينسى الحكايات المتعلقة بالسياسة والعشق، منذ عانق “حلمًا” أخضر العينين، أبيض أو أسمر، بملامح عربيةٍ وأخرى غربية… مزيجٌ تعلّقت به ورحت أطوي الأرض، من أجله…
لكنها اقتربت على استحياءٍ من وريقاتي، أمسكت القلم، وبدأت تحكي همسًا ناعمًا، كأنما “وشوشاتٌ” تريد الخلاص من أعباء الدنيا، ووجدتني أمسك منديلًا من الحبر، بل كان “ممحاة”… فالكاتب لا يحمل عادةً إلا “ورقةً، قلم رصاصٍ، وممحاة”، لامست خديها… في ثورةٍ عارمة، ربيع ذلك العام… لم أكن يومها لأتخيل أن يتحول إلى “خريفٍ” أفقد معه كل وريقاتي التي لملمتها، فتساقطت، خضراء!! لم تكن صفراء البتة… كانت “شهادةً” على كل تلك الحوارات “الحمراء” و”الخيانات”، و”القهر”.
انتصرت لها، واختفى طيفها، لكنني وكعادتي في اقتحامي “حوارات النساء”، دخلت خيمةً أخرى، هناك كانت تجلس نسوةٌ، وصبية مجاهدةٌ، دون بندقية، بعضهنّ يحملن أعقاب السجائر، وعلى وجههن يعلو خطوطٌ من الهموم، ومساحاتٌ فارغة شقتها “دمعاتٌ” كأنها “طرقات”… وكثيرٌ من الكلام على قارعة الطريق، و”ثرثرة فوق سطح العالم”…
امتطي الخيال… أصغي لحوارٍ طريف، في تلك الزيارة الصباحية، حيث فنجان القهوة الأسود يتصبب دخانًا، ورائحة “الهال” تلامس قلبي، وأصواتهن ترتفع “يداعبنّ فؤادي”، لا أذكر أعدادهن، فأنا لم أنجح يومًا واحدًا في حساب السنوات والأعمار، كما لم أحصد درجة عالية في “الحساب” إلا يوم غفوت في “حضنٍ عابر لوريقاتي”.
مجرد “ثرثرةٍ فوق سطح العالم”… مشاكل ونميمة، حاكمٌ ظالم، زوجٌ فاسقٌ، جارٌ “معتدٍّ”، والكثير من “الأطماع” التي أحاطت حياتهن، فكل واحدةٍ لديها من الثروة والجمال، ما يغري بهنّ، مع رقةٍ أنثويةٍ، ربما كانت تحتاج لمسات “غريبٍ” أو “غرباء” من “الرجال” في “زمن الذكورة” و”تصحر العواطف”.
أمّا مادة الموضوع اليومي: فـ”مقارنة” ما بين فترة “الخطوبة” وما بعد “مصيبة الزواج” كما تسميه “سارة”…تلك التي أحبتني، وتنصلت لما تأكدت أني “إرهابي”، كانت هي الأخرى مثلي “مجاهدة”… بل دخلت “الزنزانة” قبلي بأشهرٍ قليلة… هي إحدى اللواتي كتبت لي على ورقةٍ لحظة اعتقالها “وامعتصماه”، وفهمت المغزى، رغم أني كنتُ مشغولًا بأميرةٍ أخرى، وثالثةٍ ورابعةٍ، آخرهنّ “أفغانيةٌ” لم أفهم من حوارها وحروفها “البشتونية” إلا أننا “شركاء”… كنت صغيرًا عندما “علمتني تلك الأفغانية الإرهاب، بكل لطائفه ودقائقه”.
وتروي ثانيةٌ أنّ ما بعد “مصيبة الزواج”، وكانت حديثةُ عهدٍ به، تقول؛ “الثورةُ تبددت وصارت ثروة”، تلاشت كل تلك الأحاسيس الجياشة… نضاله لملامسة يدي والحصول على إحساس النشوة بعد تبادل القبلات، سرّا… بعيدًا عن عين “الرقيب”… بل دون “خوفٍ من المطاردة”… والعبارات الكثيرة التي تهتف بـ”بروحي وفدائي”، ما عادت في “حياتنا”.
وثالثةٌ تحكي، أنّ؛ “مشاوريهما” في “سوق الحميدية” وبعض الحارات الضيقة… شاهدٌ أن “كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما”، وثابةً لتمسك أناملي وكأني على وشك الفرار… لكنّ الأمر اختلف بعد “مصيبة الزواج”، فاليد المعطاءة لا تكاد تلمس خصلةً من شعري إلا في حالةٍ نادرة، يشتم فيها “رائحة الطعام”… يصرخ ساخراً؛ “اتحممي بس تخلصي شغل”… وفي سهراتنا يختلف الأمر تمامًا، لا يخفي مقولته المعتادة؛ ” استخدمي كريمات للتنعيم.. ملمس إيديكي خشن… صايرة مثل عامل البناء”… وقهقهةٌ ترتفع بذكوريةٍ مقيتة.
أوصافٌ كثيرة للذكور مرّت أمام خاطري، دونتُ بعضها؛ “أبو كلبشة”، “نسونجي”، وهذه الأخيرة لعلي أقف معها وقفةً إن كان في العمر بقية، وأتممت شرب فنجاني السياسي، في مقهى أشبه بالملهاة وحياةٍ أقرب للتغريبة.
وثمةَ امرأةٌ على كرسيٍّ خشبي، سمراء، تؤكد بصوتها الخشن، الشبيه بنبرة الذكور، من أثر السجائر، “يداه مغلقتان خشية الإنفاق”، نسيتُ أصناف الورد الدمشقي، وباقة السبانخ والخبيّز هي البديل، للمعدة الله وكيلكون، وحديثٌ مقتضب، ما عاد يشبه قصائده التي سرقها من “إبراهيم ناجي، و”نزار”.
كأننا في حضرة “أم كلثوم”، انتهت وتلاشت واختصرت، وصارت على مبدأ “أغاني الطقطوقة”، غالباً ما تنتهي بموال لـ”حسن الأسمر”: كتاب حياتي يا عين)).
ومن كان “لبن العصفور يرخصلها”، كما تقول تبددت تلك القصة، بعد عبورٍ ذكوريٍّ محض، و”صارت التبولة وجبة للأثرياء صعب نشوفها، لأنها بتحوي مكونات كتيرة… بقدونس، بندورة، برغل، زيت، نعنع، وخلافو”.
قررت أنّ أحط رحالي فوق شفاه تلك السيدات… كان عددهنّ يزيد عن العشرين، أمّا صاحبكم المتكلم، فلم يكن يملك “جواز سفرٍ واحدٍ للعبور إلى أحضانهن”، لكنه كان يغوص في “أرواحهنّ”، ويلثم ثغرهنّ آلاف المرات، ووقائع صدقه، مدونةٌ في “إصداراتٍ حيرت العالم”… إمكانياتٌ ضعيفة… بمشاعر صادقة… ودويّ العشق يتفجر ويتشظى معه “كل يومٍ خائن، جبان، عدوّ”… لم أحمل همّا لانتظار عناقٍ حقيقي، فأنا “غريبٌ” أعشق الانتظار، ولدي نفسٌ طويل في “حرب العصابات” التي اخترتها، لتحرير “قيود حبيباتي اللواتي يزدن عن الـ20”!!
ولم تغادرني، كلمات “علياء”، تلك الكهلةُ في المظهر، ذات الوجه المفعم بالعطاء، تقول؛ “والله الرجال ما بيبين معها تشعلي أصابعك العشرة شموع… إزا طلع وزير… وإزا رجع أمير… وبالسياسة والملاطفة بعيد عنكنحمير…. ومن الحب ما بيعرفوا غير كلمة “أوحشتني”… ولك يضرب الحب شو بيزل”!!
وما بين “أنا والعذاب وهواك” وبين “مشيت على الأشواك”، و”فوق الشوك مشاني زماني”، تبقى هذه حياتنا اليومية…. ووحدي أقف مع بعض أصحابي من “الرجال” نحمل “بندقيةً، وقلم رصاص، وممحاة” نثرثر بطريقتنا، فوق سطح العالم، لعله يصدق فينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “طوبى للغرباء”، نستذكر “بياع الورد، خالد، نضال، مصطفى الغريب”… وآخرين من “النزاع من القبائل”.
أما في عالمكم فإننا نراقب، ونصغي، لغياب “الحب” في “ثرثرات جاراتنا”… إنها باختصار؛ “الذكورية في مقابل الأنوثة… معادلةٌ للطرح والضرب، بعد أن كانت للجمع والقسمة…
كتبت تلك الكلمات… أمّام مرآةٍ للذكريات… مرّت أطياف كثيرة من النساء أمامي، وأسماء مختلفة… جميعهن فضفضن همومهنّ على عجالةٍ وتركنني على قارعة “الشوق” أودعهنّ لعلي أثأر أو انتقم.
وكالعادة ختمت، “لا تخافي يا حبيبتي: فأنتِ آمنة”.
والعاقبة لمن اتقى….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى