منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة 84

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

الجزء الثالث: الدولة العباسية
28- المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد
ولد في شوال سنة 470 هـ
تولى الخلافة بعد أبيه المقتدي سنة 487هـ، وعمره 16 سنة وشهران.
وكانت خلافته 24سنة و3 أشهر و11 يَوْمًا ، وقيل 25 سنة
وَمَات يَوْم الْأَرْبَعَاء 23 ربيع الآخر سنة 512هـ.
وكان عُمُرُهُ يوم مات 41سَنَةً وَ6أَشْهُرٍ وَ6 أَيَّامٍ، وَقيل 42 سنة.
ولي بعده ابنه المسترشد باللَّه أبو منصور الفضل بن المستظهر
اسمه ونسبه:
المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المكتفي علي بن المعتضد أحمد بن الأمير الموفق طلحة، بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن رشيد هارون بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، العباس بن عبد المطلب بن هاشم. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 396، المختصر في أخبار البشر 3/ 136، تاريخ الخلفاء ص303، الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54، تاريخ ابن خلدون 3/ 611، المختصر في أخبار البشر 2/ 230، تاريخ ابن الوردي 2/ 24)
وَأمه أم ولد، تركية تسمى: الطن. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 213)
ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ بيسير جَدَّتُهُ أَمُّ أَبِيهِ الْمُقْتَدِي، أرجوان الأرمنية وتدعى قرة العين ، وهي سرّية محمد الذخيرة. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54، تاريخ ابن خلدون 3/ 611)
كان لها بر كثير، ومعروف، وَقَدْ حَجَّتْ ثَلَاثَ حَجَّاتٍ، وَأَدْرَكَتْ خِلَافَةَ ابْنِهَا المقتدي، وَخِلَافَةَ ابْنِهِ الْمُسْتَظْهِرِ، وَخِلَافَةَ ابْنِهِ الْمُسْتَرْشِدِ، وَرَأَتْ للمسترشد ولداً.(تاريخ ابن خلدون 3/ 611)
مولده:
كان مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بدار الخلافة (470هـ). (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 396، تاريخ الخلفاء ص303، الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54)
صفاته وسماته الشخصية:
كَانَ المستظهر رَحمَه الله كريم الْأَخْلَاق، لين الْجَانِب، مشكور المساعي، مُحبًا للْعلم والعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ، صنفت لَهُ التصانيف الْكَثِيرَة فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَغَيرهمَا، وَكَانَ يُسَارع إِلَى أَعمال الْبر والمثوبات، سخي النفس، مؤثراً للإحسان، يحب اصطناع الناس، ويفعل الخير، فَاضلاً، أديباً شَاعِرًا. حَافِظًا لِلْقُرْآنِ حسن الخط، جيد التوقيعات، لا يقاربه فيها أحد، قويّ الكتابة، جيد الأدب والفضيلة، ذو فضل غزير، وعلم واسع، سمحًا جوادًا، منكراً للظلم، فصيح اللسان، له شعر مستحسن؛ وَكَانَتْ أَيَّامُهُ بِبَغْدَادَ كَأَنَّهَا الْأَعْيَادُ، أَيَّام سرُور للرعية، لكن لم تصفُ له الخلافة، واضطربت أيامه وبدأت الحروب. (تاريخ الخلفاء ص303، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 213، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 17/ 12، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/ 109)
ولم ير في زمانه أصبح وجها منه. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206) وكَانَ خَيِّرًا فَاضِلًا ذَكِيًّا بَارِعًا، كَتَبَ الْخَطَّ الْمَنْسُوبَ، وَكَانَ رَاغِبًا فِي الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، مُسَارِعًا إِلَى ذَلِكَ، لا يرد سائلاً، وكان جميل العشرة لا يصغي إلى أقوال الوشاة من النَّاسِ، وَلَا يَثِقُ بِالْمُبَاشِرِينَ، وَقَدْ ضَبَطَ أُمُورَ الخلافة جيداً، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير. (البداية والنهاية 12/ 225)
وكَانَ مَوْصُوَفاً بِالسَّخَاء وَالجُود، وَمَحبَّةِ العُلَمَاء، وَأَهْلِ الدِّين، وَالتفقد لِلمسَاكينِ، مَعَ الفَضْل وَالنُّبلِ وَالبَلاغَةِ، وَعُلوِّ الهِمَّة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ، وَكَانَ رَضِيَّ الأَفعَالِ، سَدِيدَ الأَقْوَال. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 397)
بيعته وخلافته:
لما توفي المقتدي بأمر الله، أحضر ولده أبو العباس أحمد فبويع له، ولقب المستظهر بالله وَذَلِكَ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وأربعمائة.(487هـ) (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 396، تاريخ مختصر الدول 1/ 195) في اليوم الثالث من وفاة أبيه، بعد الجلوس للعزاء على العادة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206) رابع المحرم (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206، مورد اللطافة 1/ 213) وَقيل تَاسع عشر المُحَرَّم (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 396)
وكان عمره يومها سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 396) قيل وشهران (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 17/ 12، تاريخ الخلفاء ص303) وقيل ستّ عشرة سنة. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54)
وحين دخل عليه أهل الحلّ والعقد للبيعة وسائر وجوه الأشراف والأجناد والقضاة، كان الوزير عميد الدولة واقفاً بين يدي سدّته ومعه قاضى القضاة أبو الحسن عليّ بن محمد الدامغانيّ، ونقيب النّقباء أبو القاسم عليّ بن طراد الزينبي، وبايعه الخلق كافة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص206)
وفاته:
مَات المستظهر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة (512هـ)، وقيل سحر لَيْلَة الخَمِيْس، سَادسَ عِشْرِيْنَ رَبِيْعٍ الآخرِ، (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 399) وقيل توفي في منتصف ربيع الآخر (تاريخ ابن خلدون 3/ 611) وقيل سَادِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ (الكامل في التاريخ 8/ 627، تاريخ مختصر الدول 1/ 200، المختصر في أخبار البشر 2/ 230، تاريخ ابن الوردي 2/ 24، البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 225، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/ 109)
وَمَرِضَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 399) ومات بعلّة الاستسقاء. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 215)
وَتُوُفِّيَ بالخوانيق، وغسّله ابْنُ عَقِيلٍ شيخ الحنابلة، وَابْنُ السُّنِّيِّ؛ وصلّى عليه ابنه المسترشد بالله، وخلّف جماعة أولاد. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54) سَبْعَة بَنِيْنَ (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 411)
وصَلَّى عَلَيْهِ وَلَدُهُ المُسْترشد بِاللهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْفَضْلُ، وَكَبَّرَ أربعاً (البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 225، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 411) ودفن في حجرة كان يسكنها، (البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 225، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/ 109)
وَكانت خِلَافَتُهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (تاريخ ابن خلدون 3/ 611، مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 215)، قيل: وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا (الكامل في التاريخ 8/ 627، البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 225، تاريخ ابن الوردي 2/ 24) وقيل: كانت خلافته خمساً وعشرين سنة وثلاثة أشهر(شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54، الإنباء في تاريخ الخلفاء ص209)
وكَانَ عُمُرُهُ يوم مات اثنتين وأربعين سنة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص209، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6/ 54) وَقيل: َبَلَغَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَيَّامٍ (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 399) أو وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ (الكامل في التاريخ 8/ 627، تاريخ ابن الوردي 2/ 24، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/ 109) وقيل وَقيلَ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَثَلَاثَةُ أشهر وأحد عشر يوماً. (البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 225، الروضتين في أخبار الدولتين 1/ 109)
وبويع بعده ابنه المسترشد باللَّه الفضل (مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة 1/ 215) وكان ولي عهده منذ ثلاث وعشرين سنة (تاريخ ابن خلدون 3/ 611)
وَبعدَه بقليل مَاتَتْ جَدَّتُه لأَبِيْهِ أَرْجُوَانُ الأَرمنِيَةُ، وَقَدْ رَأَتِ ابْنهَا خَلِيْفَةً، وَابْنَ ابْنِهَا، وَابْنَ ابْنِ ابْنِهَا، وَمَا اتَّفَقَ هَذَا لِسِوَاهَا. (سير النبلاء ط الرسالة 19/ 412)
وَمِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ لَمَّا تُوَفِّيَ السُّلْطَانُ أَلْب أَرْسِلَانَ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مُلْكِشَاهْ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ. (الكامل في التاريخ 8/ 627، البداية والنهاية ط إحياء التراث 12/ 226، تاريخ ابن الوردي 2/ 24)
وَمضى فِي أَيَّامه ثَلَاث سلاطين خطب لَهُم ببَغْدَاد من السلجوقية وهم ملكشاه تَاج الدولة تتش بن ألب ارسلان، وركن الدولة بكيارق بن ملكشاه وَأَخُوهُ غياث الدّين مُحَمَّد بن ملكشاه (تاريخ مختصر الدول 1/ 200، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/ 109)
وصيته لولي عهده:
وحين اشتدت به العلّة في الليلة التي مات فيها قال: ادعوا لي وليّ عهد المسلمين فجاءوا بابنه أبي الحسن، ففتح عينه فرآه فقال: ما أريد هذا أريد أخاه الأكبر، وكان ميل الجماعة إليه لأنه كان صاحب لهوٍ وهزل، وكان المسترشد- رحمه الله- صاحب جدّ، فخلوه ساعة ثم اقتضاهم فقالوا: قد ثقل وهو لا يعلم ما يقول ولا يفرّق بين الأخوين فجاءوا بأبي الحسن ثانيا، فقال: لست أريد هذا، أريد أبا منصور الفضل ابني الأكبر فلما رأوا الجد منه مضوا وجاءوا به، فحين رآه استدناه وقبّل بين عينيه وقال له: يا عزيزي أنا ماضٍ إلى جوار الله تعالى وسعة رحمته، فارفق بأهلك وأحسن السيرة في رعيّتك، وانظر في ما وصل إليك واعلم أنك مسئول عن القليل والكثير في آخرتك، والله خليفتي عليك؛ ومات في تلك الساعة. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208)
أعماله وأهم الأحداث في خلافته:

  • في ذي الحجة سنة (488هـ) توفي المستنصر بالله بن الظاهر لإعزاز دين الله العلويّ صاحب مصر والشام، وكانت خلافته ستين سنة وعمره سبعاً وستين سنة، وولي بعده ابنه أبو القاسم أحمد ولقّب المستعلي بالله. (تاريخ مختصر الدول 1/ 195، سير النبلاء ط الرسالة19/ 400) وَمَاتَ أيضاً أَمِيْرُ الجُيُوْش بدرٌ، وَوَالِي مَكَّة مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَاشِمٍ (سير النبلاء ط الرسالة19/ 400)
  • وفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة (489هـ) تملك العبيديون خلفاء مصر بيت المقدس، وبعد ذلك بثلاث سنين، أي فِي سنة إثنتين وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة (492هـ) ملكت الفرنج بَيت الْمُقَدّس منهم، وَأَقَامُوا يقتلُون فِي الْمُسلمين سَبْعَة أَيَّام، وَقتلُوا فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى مَا يزِيد عَن سبعين ألف نفس من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وغنموا مَا لا يَقع عَلَيْهِ الإحصاء. وكَانَ أَخذ بَيت الْمُقَدّس من سوء تَدْبِير المستعلي بِاللَّه أَحْمد – أحد الْخُلَفَاء الفاطميين بِمصْر – فَإِنَّهُ كَانَ ضعف أمره، وَخَربَتْ غَالب أَعمال مصر فِي أَيَّامه وَأَيَّام غَيره من الفاطميين. (تاريخ مختصر الدول 1/ 197، مورد اللطافة 1/ 214)
  • وفي سنة خمس وتسعين (495هـ) توفي المستعلي بالله الخليفة العلويّ المصريّ وكانت خلافته سبع سنين، وكان مولده سنة سبع وستين واربعمائة (467هـ)، وولي بعده ابنه أبو عليّ المنصور وعمره خمس سنين ولقّب الآمر بأحكام الله، ولم يقدر يركب وحده على الفرس لصغر سنّه، وقام بتدبير دولته الأفضل بن أمير الجيوش أحسن قيام. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 405، تاريخ مختصر الدول 1/ 197)
    وَفِي سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ (496هـ) سَارَ شَمْسُ المُلُوْك، فَحَاصَر الرَّحْبَة، وَأَخَذَهَا، وَجَاءَ عَسْكَرُ مِصْر، فَالتَقَوا الفِرَنْجَ بِيَافَا، وَخُذِلَتْ الفِرَنْجُ، وَتَصَالَحَ بَرْكْيَارُوْقُ وَأَخُوْهُ، وَملُّوا مِنَ الحَرْب، وَتَحَالفُوا، وَطَال حِصَارُ الفِرَنْج لِطَرَابُلُس، وَأَخَذُوا جُبيلَ، وَأَخَذُوا عكَّا، وَنَازلُوا حَرَّانَ، فَجَاءَ العَسْكَر، وَوَقَعَ المَصَافُّ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، وَأُبيد الفرنج، وَبلغت قَتْلاَهُم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَمَاتَ شَمْسُ المُلُوْك دُقَاقُ، وَتَملَّكَ وَلدُهُ بِدِمَشْقَ، وَأَتَابِكُهُ طُغْتِكِين. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 405)
    وَفِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ (500هـ) مَاتَ صَاحِبُ المَغْرِب وَالأَنْدَلُس يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَلِيّ، وَكَانَ يَخطُب لِبَنِي العَبَّاسِ، وَجَاءته خِلَع السَّلطنَة وَالأَلْويَةِ، وَكَانَ أَنشَأَ مَرَّاكُشَ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 406)
    وفي سنة إحدى وخمس مائة (501هـ) استوزر السلطان محمد بن ملك شاه أحمد بن نظام الملك ولقّبه «قوام الدين» وهو لقب أبيه- رحمه الله- فنقل الخليفة لقب وزيره الزعيم من قوام الدين إلى «مجير الدين»، وقتل سيفُ الدولة أبو الحسن صدقةَ بن بهاء الدولة أبا كامل منصور، وحمل رأسه إلى بغداد، وطيف به في الأسواق وأخذ ابنه دبيس أسيراً واختفى منصور ابنه الآخر وهرب بدران ابنه الأكبر إلى مصر. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص207) وقيل كان ذلك سنة خمس وخمسمائة (505هـ) (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص207)
    وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ (502هـ) سَارَ طُغْتِكِين فِي أَلْفَيْنِ، فَالتَقَى الفِرَنْجَ، فَانْهَزَم جَمعُه، وَثبتَ هُوَ، ثُمَّ تَرَاجعُوا إِلَيْهِ، وَنُصِرُوا، وَأَسَرُوا قُمّصاً، بَذَلَ فِي نَفْسِهِ جُمْلَةً من المال، فَأَبَى طُغْتِكِين وَذَبحه، ثُمَّ هَادن بغدوين أَرْبَعَةَ أَعْوَام. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 407)
  • وَفِي سنة (502هـ) أيضاً أَخذت الإِسْمَاعِيْليَّةُ شَيْزَر بِحيلَةٍ، فَرَجَعَ صَاحِبُهَا مِنْ مَوْكِبه، فَوَجَد بلدَه قَدْ رَاح مِنْهُ، فَوَقَعَ القِتَالُ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالملاَحدَةِ، وَكَانُوا مائَةً، قَدْ خدم أَكْثَرُهُم حَلاَّجِينَ فِي شَيْزَرَ، فَمَا نَجَا مِنْهُم أَحَدٌ، وَقُتِلَ مِنَ الأَجْنَادِ عِدَّة. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 407)
  • وَفِي سنة (502هـ) أيضاً تَزَوَّجَ المُسْتظهر بِأُختِ السُّلْطَان مُحَمَّد عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 407)
  • وفي سنة ستّ (506هـ) في المحرّم سار الأمير مودود صاحب الموصل إلى الرها فنزل عليها، ورعى عسكره زروعها ورحل عنها إلى سروج وفعل بها كذلك، ولم يحترز من الفرنج، بل أهملهم فلم يشعر إلا وجوسلين صاحب تلّ باشر قد دهمهم وكبسهم، وكانت دوابّ العسكر منتشرة في المرعى فأخذ كثيراً منها وقتل كثيراً من العسكر، وعاد إلى تلّ باشر. (تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
    وفيها (506هـ) مات باسيل الأرمني صاحب دروب بلاد ابن لاون وهو المسمّى كوغ باسيل أي اللص باسيل لأنه سرق عدّة قلاع من الثغور فتملكها الأرمن. (تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
    وفي سنة سبع وخمسمائة (507هـ) اجتمع المسلمون وفيهم الأمير مودود بن التون تكش صاحب الموصل ودخلوا بلاد الفرنج والتقوا عند طبرية واشتدّ القتال وصبر الفريقان. ثم إن الفرنج انهزموا فأذن الأمير مودود للعساكر في العود والاستراحة ثم الاجتماع في الربيع. ودخل دمشق ليقيم بها عند طغدكين صاحبها إلى الربيع فدخل الجامع ليصلّي فيه، فوثب عليه باطنيّ كأنه يدعو له ويتصدّق منه فضربه بسكين فجرحه أربع جراحات فمات من يومه. وقُتِلَ الباطنيّ وأخذ رأسه فلم يعرفه أحد فأحرق. (تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
    وفي سنة ثمان وخمس مائة (508هـ) أمر السلطان محمد بذكر اسم ابنه محمود على المنابر بعد اسمه وضرب الدنانير والدراهم باسمه وجعله ولىّ عهده. وكان يخطب للخليفة المستظهر باللَّه ثم لولىّ عهده، عمدة الدنيا والدين وعدة الإسلام والمسلمين أبى منصور الفضل بن أمير المؤمنين ثم لصنوه وأخيه وشقيقه وتاليه ذخيرة الدنيا والدين أبى الحسن عبد الله ابن أمير المؤمنين ثم بعد ذلك لمحمد بن ملك شاه ثم لابنه محمود. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208)
    ونفذ السلطان محمد إلى خراسان يخطب من أخيه سنجر ابنته لمحمود ولده فنفذها إليه إلى أصفهان مع خاتون أم سنجر وهي أم محمد أيضا. (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208) ونفذ السلطان محمد يطلب من الخليفة أن ينفذ وزيره وجماعة أركان دولته إلى أصفهان لتلقى المدد القادم من خراسان فخرجوا كلهم، الوزير الربيب نظام الدين ونقيب النّقباء شرف الدين الزينبي ونقيب العلويّين مجد الدين عليّ بن المعمر وظهير الدولة أبو طاهر بن الخرزي صاحب المخزن وأمير الحاج يمن القائمي. ولم يبق في دار الخلافة سوى المستظهر باللَّه وقاضى القضاة عليّ بن محمد الدامغانيّ ينفذ الأمور في الديوان نيابة عن الخليفة. وحين وصلوا إلى أصفهان وانقضى أمر العرس عادوا إلا الوزير فإن السلطان محمد استوزره. وكان عودهم في رمضان من سنة إحدى عشرة وخمس مائة (511هـ). (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208)
  • وفي سنة احدى عشرة (511هـ) في ذي الحجة مرض السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان، فلما أيس من نفسه أحضر ولده محموداً وقبّله وبكى كل واحد منهما وأمره أن يخرج ويجلس على تخت السلطنة وعمره إذ ذاك قد زاد على أربع عشرة سنة. فقال لوالده إنه يوم غير مبارك يعني من طريق النجوم. فقال: صدقت ولكن على أبيك، وأما عليك فمبارك بالسلطنة. فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين وكان السلطان محمد عظيم الهيبة عادلا حسن السيرة شجاعاً، وكان عمره سبعاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر. وأول ما دعي له بالسلطنة ببغداد سنة اثنتين وتسعين، وقطعت خطبته عدة دفعات. فلما توفي أخوه بركيارق اجتمع الناس عليه اثنتي عشرة سنة. (تاريخ مختصر الدول 1/ 200) وتوفى السلطان محمد بن ملك شاه بأصفهان بعلّة الاستسقاء ، (الإنباء في تاريخ الخلفاء ص208)
    وفي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة (512هـ) سأل دبيس بن صدقة الْأَسَدِيِّ مِنَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ أَنْ يردَّه إِلَى الْحِلَّةِ وَغَيْرِهَا، مِمَّا كَانَ أَبُوهُ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الأعمال، فأجابه إلى ذَلِكَ، فَعَظُمَ وَارْتَفَعَ شَأْنُهُ. (البداية والنهاية 12/ 225)
    الفرنج الصليبيون:
  • اسْتولى الفرنج على غَالب السواحل الشامية؛ لِأَنَّهُ كَانَ من مَدِينَة حلب إِلَى أقْصَى صَعِيد مصر مُتَعَلق بخلفاء مصر مَعَ الْحَرَمَيْنِ الشريفين، وَمَا عدا ذَلِك من بِلَاد الشرق كَانَ مَعَ خلفاء بني الْعَبَّاس. (مورد اللطافة 1/ 215)
    وكان ابْتِدَاءُ دَوْلتهم فِي سَنَةِ (478هـ) فَأَخذُوا طُلَيْطُلَة وَغَيْرهَا، ثُمَّ صَقِلِّيَّة، وَأَخَذُوا بَعْض أَفْرِيْقِيَة، وَجَمَعَ ملكهُم بَغْدَوِين جَمعاً، وَبَعَثَ يَقُوْلُ لرُجَّار صَاحِب صَقِلِّيَّة: أَنَا وَاصِلٌ إِلَيْك لِنَفتَحَ أَفْرِيْقِيَة، فَبَعَثَ يَقُوْلُ: الأَوْلَى فَتْحُ القُدْس، فَقَصَدُوا الشَّام. وَقِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ مِصْر لَمَّا رَأَى قُوَّةَ آلِ سَلْجُوق وَاسْتيلاَءهُم عَلَى المَمَالِك، كَاتَبَ الفِرَنْجَ، فَمرُوا بَسِيس، وَنَازلُوا أَنطَاكيَة، فَخَافَ صَاحِبُهَا يَاغِي بَسَان، فَأَخْرَجَ النَّصَارَى إِلَى الخَنْدَق وَحبسهُم بِهِ، فَدَام حصَارُهَا تِسْعَةَ أَشهر، وَفنِيَ الفِرَنْجُ قتلاً وَمَوتاً، فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية، راسلوا أحد المستحفظين للأبراج، وهو زراد يعرف بروزبه، وبذلوا له مالاً وأقطاعاً، وكان يتولى حفظَ برجٍ يلي الوادي، وهو مبني على شباك في الوادي، فلما تقرر الأمر بينهم وبين هذا الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه، وَطلعُوا مِنْهُ خَمْس مائَة فِي اللَّيْلِ، فَفَتح يَاغِي بَسَان، وَهَرَبَ، وَاسْتُبيح الْبَلَد – فَإِنَّا للهِ – فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ (491هـ)، وَسَقَطَت قوَة يَاغِي بَسَان أَسفاً، وَانْهَزَم غِلمَانه، فَذَبَحَه حَطَّاب أَرْمَنِيّ. ثُمَّ أَخَذُوا المَعَرَّةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَتَجَمَّعتْ عَسَاكِرُ المَوْصِلِ وَغَيْرُهَا، فَالتَقَوْا، فَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتُشْهِدَ أُلوفٌ (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 401)
  • وفي سنة احدى وتسعين (491هـ) جمع بردويل ملك الإفرنج جمعاً كثيراً وخرج إلى بلاد الشام وملك انطاكية. وكان الإفرنج قبل هذا قد ملكوا مدينة طليطلة من بلاد الأندلس وغيرها ثم قصدوا جزيرة سقليّة فملكوها وتطرقوا إلى أطراف أفريقية فملكوا منها شيئا. فلما سمع قوام الدولة كربوقا بحال الإفرنج وملكهم أنطاكية جمع العساكر وسار إلى الشام ونزل على أنطاكية وحاصرها وفيها من امرائهم بردويل وسنجال وكندفري والقومص صاحب الرها وبيموند صاحب أنطاكية. وقلّت الأقوات عندهم فأرسلوا إلى كربوقا يطلبون منه الأمان ليخرجوا من البلد فلم يعطهم وقال: لا تخرجون إلا بالسيف. وكان مع الافرنج راهب مطاع فيهم وكان داهية من الرجال فقال لهم: إن فطروس السليح كان له عكازة ذات زجّ مدفونة بكنيسة القسيان فان وجدتموها فإنكم تظفرون وإلا فالهلاك متحقق. وأمرهم بالصوم والتوبة ففعلوا ذلك ثلثة ايام. فلما كان اليوم الرابع أدخلهم الموضع جميعهم ومعهم عامّتهم وحفروا عليها في جميع الأماكن فوجدوها كما ذكر. فقال لهم: أبشروا بالظفر. فقويت عزيمتهم وخرجوا اليوم الخامس من الباب متفرّقين من خمسة وستة ونحو ذلك. فقال المسلمون لكربوقا ينبغي ان تقف على الباب فتقتل كلّ من خرج.
    فقال: لا تفعلوا لكن أمهلوهم حتى يتكامل خروجهم فنقتلهم. فلما تكاملوا ولم يبق بأنطاكية أحد منهم ضربوا مصافّاً عظيماً فولّى المسلمون منهزمون، وآخر من انهزم سقمان بن ارتق فقتل الإفرنج منهم ألوفاً وغنموا ما في العسكر من الأقوات والأموال والدواب والأسلحة، فصلحت حالهم وعادت إليهم قوّتهم وساروا إلى معرّة النعمان فملكوها. (تاريخ مختصر الدول 1/ 197)
    وَصَالَحَهُم صَاحِبُ حِمْصَ، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بَيْتَ المَقْدِسِ، نَصَبُوا عَلَيْهِ أَرْبَعِيْنَ منجنِيقاً، وَهَدُّوا سُورَه، وَجَدُّوا فِي الحصَار شَهراً وَنِصْفاً، ثُمَّ مَلَكُوهُ مِنْ شَمَاليِّه فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ (492هـ)، وَقتلُوا بِهِ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 402)
  • وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ (498هـ) سَارَتِ الفِرَنْجُ، وَمقدَّمهم كُندفرِي فِي أَلفِ أَلفٍ، مِنْهُم خَمْسُ مائَة أَلْفِ مقَاتل، وَعَمِلُوا بُرجاً مِنْ خشب أَلصقوهُ بِالسُّور وَسَارَ الأَفْضَلُ أَمِيْرُ الجُيُوْش مِنْ مِصْرَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً نَجدَةً، وَانضمَّ إِلَيْهِم عَسْكَر دِمَشْق، فَقَدِمَ عَسْقَلاَن وَقَدِ اسْتُبيحت القُدْسُ، وكَانَ المَصَافّ مَعَ بغدوين عِنْد عَسْقَلاَن، وَثبت الفَرِيقَان، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْج فَوْقَ الأَلف، وَمِنَ المُسْلِمِين مِثْلُهُم، ثُمَّ تَحَاجزُوا ثُمَّ كبست الفِرَنْجُ المِصْرِيّين، فَهَزموهُم، وَانحَاز الأَفْضَلُ إِلَى عَسْقَلاَن، وَتَمَزَّقَ جَيْشه، وَحُوْصِرَ، فَبذلَ لَهُم أَمْوَالاً، فَتَرَحَّلُوا عَنْهُ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 402)
    وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَة (501هـ) سَارَ لأَتَابك طُغْتِكِين فِي جُنْدِ دِمَشْقَ، فَهَزمَ الفِرَنْجَ، وَأَسَرَ صَاحِبَ طَبَرَيَّة جرمَاس؛ وَحَاصَرَ بغدوين الكلبُ صُوْرَ، وَبَنَى بِإِزَائِهَا حِصناً، ثُمَّ بَذَلَ لَهُ أَهْلُهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار، فَتَرحَّلَ عَنْهُم. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 407)
    وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ (503هـ) سار تنكري الفرنجي صاحب أنطاكية إلى الثغور الشامية فأُخِذ طَرَابُلُس فِي آخِر السّنَةِ بَعْد حِصَارِ سِتّ سِنِيْنَ أَخَذُوهَا بِأَبرَاجٍ خَشَبٍ صُنِعَتْ وَأُلْصِقَتْ بِسُورِهَا، وَأَخَذُوا بَانِيَاسَ وأذنة وَجُبيلَ بِالأَمَان، ثُمَّ طَرَسُوْس، ونزل على َحِصنَ الأَكرَادِ فسلّمه أهله إليه. وملك الفرنج مدينة بيروت وكانت بيدّ نوّاب الخليفة العلوي.. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 407، تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
    بركياروق:
  • في سنة ثمان وثمانين (488هـ) التَقَى بَرْكْيَارُوْق وَعَمُّه تُتُش، فَقُتِلَ تُتُش فِي المعركَة، وَتَملَّك دِمَشْق بَعْدَ تُتُش ابْنُهُ دُقَاقُ شَمْسُ المُلُوْك، وَقُتِلَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْد أَحْمَد خَان، وَكَانَ قَدْ حَسَّنُوا لَهُ الإِباحَة، وَتزندق، فَقَبَضَ عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ، فَأَفتَى العُلَمَاءُ بِقَتْلِهِ، وَمَلَّكُوا ابْن عَمِّهِ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 400، تاريخ مختصر الدول 1/ 195)
  • وفي سَنَةَ تِسْعِيْنَ (490هـ) قُتِلَ ملك خراسان، صَاحِبُ مَرْوَ أرسلان أرغون بن ألب أرسلان، وأَخُو السُّلْطَان مَلِكْشَاه، وَكَانَ ظَلُوْماً جَبَّاراً، قَتله مَمْلُوْكٌ لَهُ فقيل له: لم فعلت هذا. فقال: لا ريح الناس من ظلمه ، وَكَانَ حَاكماً عَلَى نَيْسَابُوْر، وَبلخ، وتَمرَّدَ وَخَرَّبَ أَسوَارَ بِلاَدِهِ. وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ بَرْكْيَارُوْق جَيْشاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجَر، فَبَلَغَهُم قتل أَرغون، فَلحقهُم السُّلْطَانُ، فَتَمَلَّك جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَخُطِبَ لَهُ بِسَمَرْقَنْدَ، وَدَانت لَهُ الأُمَمُ، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ سَنْجرَ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ حَدَثاً، وَأَمَّر بَرْكْيَارُوْق عَلَى خُوَارزم مُحَمَّد بن نُوشْتِكِين مَوْلَى السَّلجوقيَة، وَكَانَ فَاضِلاً أَدِيباً عَادِلاً، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ خُوَارزم شَاه أَتسِز وَالِدُ خُوَارزم شَاهُ عَلاَء الدِّيْنِ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 400، تاريخ مختصر الدول 1/ 196)
  • وفي سنة ثلث وتسعين (493هـ) جرى حرب بين السلطان بركيارق وبين أخيه السلطان محمد، وانهزم بركياروق وتنقّل في البلاد إلى أصفهان. ولم يدخلها وسار إلى خوزستان. وفي سنة أربع وتسعين (494هـ) كان المصاف الثاني بينهما وكان مع بركيارق خمسون ألفاً، ومع أخيه محمد خمسة عشر ألفاً، فالتقوا واقتتلوا فانهزم السلطان محمد وسار طالباً خراسان إلى أخيه الملك سنجر، وهما لأمٍّ واحدة، فأقام بجرجان وأتاه الملك سنجر في عساكره إلى الدامغان وخرب العسكر البلاد، وعمّ الغلاء تلك الأصقاع، حتى أكل الناس بعضهم بعضاً بعد فراغهم من أكل الميتة والكلاب. (تاريخ مختصر الدول 1/ 197)
    وَفِي سَنَةِ (495) كانت حُرُوْبٌ بَيْنَ الأَخوينِ بَرْكْيَارُوْق وَمُحَمَّد، وَبلاَءٌ وَحصَار، وَنَازلت الفِرَنْجُ طَرَابُلُس، فَسَارَ لِلْكشف عَنْهَا جُنْدُ دِمَشْقَ وَحِمْصَ، فَانكسرُوا، ثُمَّ التَقَى العَسْكَر وَبغدوين فَهَزمُوْهُ، وَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنْ أَبْطَاله، وَظَهرَ ثَلاَثَةٌ مِنَ البَاطِنِيَّة عَلَى جَنَاحِ الدَّوْلَة صَاحِب حِمْص، فَقَتَلُوْهُ فِي الجَامِع، فَنَازلتهَا الفِرَنْجُ، فَصُولحُوا عَلَى مَال، وَتَسَلَّمهَا شَمْسُ المُلُوْك، وَقَتلَتْ البَاطِنِيَّة الأَعزَّ، وَزِيْر بَرْكْيَارُوْق، وَمَاتَ كُربوقَا صَاحِبُ المَوْصِلِ بِخَوَيّ، وَقَدِ اسْتولَى عَلَى أَكْثَر أَذْرَبِيْجَانَ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 405)
  • وفي سنة سبع وتسعين (497هـ) وقع الصلح بين السلطانين بركيارق وأخيه محمد ابني ملكشاه واتفقوا على أن بركيارق لا يعترض أخاه محمداً، وأن لا يذكر معه على منابر البلاد التي صارت له وهي ديار بكر والجزيرة والموصل والشام. (تاريخ مختصر الدول 1/ 197)
  • وفي سنة ثماني وتسعين (498هـ) توفي السلطان بركيارق بن ملكشاه وكان قد مرض باصفهان بالسلّ والبواسير فلما آيس من نفسه خلع على ولده ملكشاه وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر، وأحضر جماعة الأمراء وأعلمهم أنه قد جعل ابنه وليّ عهده في السلطنة وجعل الأمير أياز اتابكه [أتابك مُرَكَّبة من بك وهي معروفة واتا ومعناها اب. كان هذا اللقب أولاً يعطى لمن يفوضه السلطان تربية أحد أولاده الصغار. وكان الأتابك يدبر باسم الولد المدينة التي كانت العادة أن يوليها السلطان لابنه. ثم توسعوا في معنى هذا القلب ومنحوه لاول المتوظفين لأمير الجيوش. ثم صار السلطان يعطيه للعظماء كلقب شرف.] فأجابوه كلهم بالسمع والطاعة وخطب لملكشاه بالجوامع ببغداد. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 406، تاريخ مختصر الدول 1/ 198)
  • وفي سنة تسع وتسعين وأربعمائة في الكامل سنة ثمان وتسعين سار السلطان محمد من أذربيجان إلى الموصل ليأخذها من جكرميش صاحبها وحصرها. فقاتل أهل البلد أشدّ قتال، وكانت الرجالة تخرج ويكثرون القتل في العسكر ودام القتال من صفر إلى جمادي الأولى. فوصل الخبر إلى جكرميش بوفاة السلطان بركيارق فأرسل إلى محمد يبذل له الطاعة. ودخل إليه وزير محمد وقال له: المصلحة ان تحضر الساعة عند السلطان فإنه لا يخالفك في جميع ما تلتمسه منه. وأخذ بيده وقام فسار معه جكرميش فلما رآه أهل الموصل قد توجّه إلى السلطان جعلوا يبكون ويضجّون ويحثون التراب على رؤوسهم. فلما دخل على السلطان محمد أقبل عليه وأكرمه وعانقه، ولم يمكنه من الجلوس، وقال: ارجع إلى رعيتك فإن قلوبهم إليك، وهم متطلعون إلى عودتك. فقبّل الأرض وعاد وعمل من الغد سماطاً بظاهر الموصل عظيماً وحمل إلى السلطان من الهدايا والتحف ولوزيره أشياء جليلة المقدار. (تاريخ مختصر الدول 1/ 198)
    الجاولي سقاوو:
    وفي سنة خمسمائة (500هـ) سار الجاولي سقاوو إلى الموصل محارباً في ألف فارس، وخرج إليه جكرميش صاحبها في ألفي فارس. فلما اصطفوا للحرب حمل الجاولي من القلب على قلب جكرميش، فانهزم من فيه وبقي جكرميش وحده لا يقدر على الهزيمة لفالج كان به فهو لا يقدر يركب، وإنما يحمل في محفّة، فأُسِرَ وأُحضِرَ عند الجاولي، فأمر بحفظه وحراسته، ولما وصل الخبر إلى الموصل وَلِيَ الأمر زنكي بن جكرميش. ثم إن الجاولي حاصر الموصل، وأمر أن يحمل جكرميش كل يوم على بغل وينادى أصحابه بالموصل ليسلموا البلد، ويخلصوا صاحبهم مما هو فيه، ويأمرهم هو بذلك فلا يسمعون منه، وكان يسجنه في جُبٍّ فأخرج يوماً ميتاً [كان عمره نحو ستين سنة.] . فكتب أصحابه إلى الملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلميش السلجوقي صاحب مدينة قونية وأقسرة يستدعونه إليهم ليسلموا البلد إليه، فسار في عساكره. فلما سمع جاولي بوصوله رحل عن الموصل (تاريخ مختصر الدول 1/ 198)
    فتوجه قلج أرسلان إلى الموصل وملكها، ونزل بالمغرقة، وخرج إليه زنكي ولد جكرميش وأصحابه وخلع عليهم وجلس على التخت وأسقط خطبة السلطان محمد وخطب لنفسه، وأحسن إلى العسكر ورفع الرسوم المحدثة في الظلم، ثم سار عنها إلى جاولي وهو بالرحبة، والتقيا على نهر الخابور، فهزم أصحاب جاولي أصحاب قلج أرسلان، وألقى قلج ارسلان نفسه في الخابور وحمى نفسه من أصحاب جاولي بالنشاب، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق. وظهر بعد أيام فدفن بالشمسانية. وسار جاولي إلى الموصل وملكها. (تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
  • وفي سنة اثنتين وخمسمائة (502هـ) استولى مودود وعسكر السلطان محمد على الموصل، وأخذوها من أصحاب جاولي. (تاريخ مختصر الدول 1/ 199)
    حسن بن الصباح:
    غَلَتِ الأَقطَارُ بِالبَاطِنِيَّةِ، وَطَاغُوتُهُم الحَسَن بن الصَّبَّاحِ المَرْوَزِيّ الكَاتِب، كَانَ دَاعِيَةً لِبَنِي عُبَيْدٍ (الفاطميين)، وَقَتَلُوا غِيلَةً عِدَّةً مِنَ العُلَمَاءِ وَالأُمَرَاء، وَأَخَذُوا القِلاعَ، وَحَاربُوا، وَقَطعُوا الطُّرقَ، وَظهرُوا أَيْضاً بِالشَّامِ، وَالتفَّ عَلَيْهِم كُلُّ شَيطَانٍ وَمَارِق، وَكُلُّ مَاكِرٍ وَمُتَحَيِّل. (سير النبلاء ط الرسالة 19/ 403)
    قَالَ الغَزَّالِي فِي (سِرِّ العَالمين) :شَاهَدتُ قِصَّة الحَسَن بنِ الصَّبَّاحِ لَمَّا تَزَهَّد تَحْتَ حِصن الأَلَموت، فَكَانَ أَهْلُ الْحصن يَتمنَّوْنَ صُعُوْدَه، وَيَتَمَنَّعُ وَيَقُوْلُ: أَمَا تَرَوْنَ المُنْكَرَ كَيْفَ فَشَا، وَفَسَدَ النَّاسُ، فَصَبَا إِلَيْهِ خلق، وَذَهَبَ أَمِيْرُ الحِصن يَتَصَيَّدُ، فَوَثَبَ عَلَى الْحصن فَتملَّكَه، وَبَعَثَ إِلَى الأَمِيْرِ مَنْ قَتَلَهُ، وَكثرت قِلاعُهُم، وَاشْتَغَل عَنْهُم أَوْلاَدُ مَلِكْشَاه بِاخْتِلاَفِهِم. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 403) وَلابْنِ البَاقِلاَّنِي، وَالغزَالِي، وَعَبْدِ الجَبَّارِ المُعْتَزِلِي كُتُبٌ فِي فَضَائِح هَؤُلاَءِ. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 403)
    وَفِي سَنَةِ (494) أَمر السُّلْطَانُ بَرْكْيَارُوْق بِقَتْلِ البَاطِنِيَّة، وَهُمُ الإِسْمَاعِيْليَّةُ، وَهُمُ الَّذِيْنَ كَانُوا قديماً يُسَمَّوْنَ القرَامِطَةَ، وَتَجرد بِأَصْبَهَانَ لِلانتقَامِ مِنْهُم الخُجَنْدِيُّ ، وَجَمَعَ الجمَّ الغفِيرَ بِالأَسلحَة، وَأَمر بِحفرِ أَخَادِيدَ أُوقِدَتْ فِيْهَا النِّيرَانُ، وَجَعَلُوا يَأْتُوْنَ بِهِم، وَيُلقُونَهُم فِي النَّارِ، إِلَى أَنْ قتلُوا مِنْهُم خَلقاً كَثِيْراً. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 404)
    قَالَ: وَكَانَ ابْنُ صَبَّاح شَهْماً، عَالِماً بِالهندسَة وَالنُّجُوْم وَالسّحر، مِنْ تلاَمذَة ابْنِ غَطَّاشٍ الطَّبِيْب الَّذِي تَملَّك قَلْعَة أَصْبَهَان، وَمِمَّنْ دَخَلَ بِمِصْرَ عَلَى المُسْتَنْصِر، فَأَعْطَاهُ مَالاً، وَأَمره بِالدعوَة لابْنِهِ نِزَار، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ مَنْ قتل نِظَام الْملك، وَقَدْ قتل صَاحِبُ كِرْمَان أَرْبَعَة آلاَف لِكَوْنِهِم سُنَّةً، وَاسْمُهُ تيرَانشَاه السَّلْجُوْقِي، حَسَّن لَهُ رَأْيَ البَاطِنِيَّة أَبُو زُرْعَةَ الكَاتِب، فَانسلخَ مِنَ الدِّينِ، وَقَتَلَ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَلْخِيّ شَيْخُ الحَنَفِيَّة، فَقَامَ عَلَيْهِ جندُه وَحَاربوهُ، فَذلَّ، وَتَبِعَهُ عَسْكَر، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا أَبَا زُرْعَةَ، وَصَارَت الأُمَرَاءُ يُلاَزمُوْنَ لُبْس الدُّرُوْع تَحْتَ الثِّيَاب خوَفاً مِنْ فَتكِ هَؤُلاَءِ الملاَحدَةِ، وَركب السُّلْطَان بَرْكْيَارُوْق فِي تَطلُّبِهِم، وَدَوَّخهُم، حَتَّى قتلَ جَمَاعَةً بُرَآء، سَعَى بِهِم الأَعْدَاءُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْل عَانَة، وَاتُّهم إِلكيَا الهَرَّاسِي الفقيه الشافعي بِأَنَّهُ مِنْهُم – وَحَاشَاهُ – فَأَمر السُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه بِأَنْ يُؤْخَذَ، حَتَّى شَهِدُوا لَهُ بِالخَيْرِ، فَأُطلق. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة 19/ 404)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى