مقالات

الذكرى الأليمة لمقتل إمام العصر حسن البنا

د. موفق السباعي

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

تمر بنا في هذه الأيام، الذكرى الخامسةُ والسبعون لمقتل أعظم رجل أنجبته البشرية في العصر الحديث حتى الآن، وهو الإمام والمرشد حسن البنا.. على يد زبانية ما يُسمى الملك فاروق، التعيس، البئيس، المأفون، وبأوامر بريطانية صهيونية ماسونية، للقضاء على فكرة الإخوان المسلمين كلياً.
هكذا خططوا، وهكذا مكروا، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
( ففي الرابع عشر من ربيع الآخر 1386 هج الموافق الثاني عشر من شباط 1949 م وفي الساعة الثامنة مساءً كان حسن البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين ويرافقه رئيس الجمعية لوداعه، ودق جرس الهاتف داخل الجمعية، فعاد رئيسها ليجيب الهاتف، فسمع إطلاق الرصاص، فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا؛ وقد أصيب بطلقات تحت إبطه، وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، وأخذ رقمها، وهو رقم “9979” والتي عُرف فيما بعد.. أنها السيارة الرسمية للأميرالي محمود عبد المجيد، المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية، كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952.
لم تكن الإصابة خطرة، بل بقي البنا بعدها متماسك القوى، كامل الوعي.. وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة، ثم نُقل إلى مستشفى القصر العيني فخلع ملابسه بنفسه، ولكن أوامر القصر، كانت ألا يسعفه أحد من الأطباء .. وتُرك بدون إسعاف؛ ليلفظ البنا أنفاسه الأخيرة، في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، أي بعد أربع ساعات ونصف من محاولة الاغتيال، بسبب فقده للكثير من الدماء. نقلاً عن ويكيبيديا بتصرف.
وبعد الاطمئنان على قتله، كانت أوامرُ القصر؛ أن يُدفن سراً، وألا يحضرَ جنازته أحدٌ، إلا أبوه فقط ، وألا يحمل نعشه أحدٌ من الرجال، وإنما تحمله النساءُ، كما ورد في شهادة أبيه، كما تنقله ويكيبيديا.

شهادة والد الإمام الشهيد

يقول والد حسن البنا عن دفن ابنه:
{ أبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة، وقيل: إنهم لن يسلموا لي جثته إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا بدون أي احتفال، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى قصر العيني إلى القبر، واضُطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة، رغبة مني أن تصل جثة ولدي إلى بيته، فألقي عليه نظرة أخيرة، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت متسللين، فلم يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواي.
وظل حصار البوليس مضروبًا حول البيت وحده، بل حول الجثة نفسها، لا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته بالفقيد.
وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن، فإن أحدًا من الرجال المختصين بهذا لم يسمح له بالدخول، ثم أنزلت الجثة حيث وضعت في النعش، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير.
وطلبت إلى رجال البوليس، أن يحضروا رجالًا يحملوا النعش فرفضوا، فقلت لهم: ليس في البيت رجال، فأجابوا: فلتحمله النساء! وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء.
ومشت الجنازة الفريدة في الطريق، فإذا بالشارع كله رصف برجال البوليس، وإذا بعيون الناس من النوافذ والأبواب تصرخ ببريق الحزن والألم والسخط على الظلم الذي احتل جانبي الطريق!
وعندما وصلنا إلى جامع «قيسون» للصلاة على جثمان الفقيد، كان المسجد خاليًا حتى من الخدم ، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليس قدموا إلى بيت الله، وأمروا من فيه بالانصراف، ريثما تتم الصلاة على جثمان ولدي.
ووقفت أمام النعش أصلي، فانهمرت دموعي، ولم تكن دموعًا؛ بل كانت ابتهالات إلى السماء أن يدرك الله الناس برحمته.
ومضى النعش إلى مدافن الإمام، فوارينا التراب هذا الأمل الغالي، وعندما عدنا إلى البيت الباكي الحزين، ومضى النهار وجاء الليل لم يحضر أحد من المعزين؛ لأن الجنود منعوا الناس من الدخول، أما الذين استطاعوا الوصول إلينا للعزاء، فلم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، فقد قبض عليهم إلا شخصًا واحدًا هو مكرم عبيد باشا }.
رثاؤه
وقد رثاه المغربي عبد الكريم الخطابي وقال ” يا ويح مصر والمصريين، مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا.. فليس لله ولي.”

مقتل الإمام حسن البنا.. كان عيداً عند الغربيين

وقد كان يوم مقتل الإمام المرشد؛ عيداً كبيراً! ويوماً مشهوداً حافلاً، ومثيراً، لم يحصل من قبله، ولا من بعده، مثيلاً له، في أوروبا وأمريكا على الإطلاق.
حيث خرج الناس بالملايين – لحظة انتشار خبر استشهاده – إلى الطرقات، والساحات، والشوارع، يرقصون؛ ويغنون؛ ويشربون نخب احتفالهم بموته؛ ويعزفون ألحان الانتصار الكبير الباهر، على رجل وحيد، ضعيف، لا يملك أي قوة مادية، ولا أي منعة، ولا حماية تذود، وتدافع عنه. غير أنه كان يشكل خطراً ساحقاً، ماحقاً لأعداء الإسلام.

الهدف من قتل البنا

كان الهدفُ الرئيسي، والأساسي لقتل البنا هو: القضاءُ المبرم على فكرة الإخوان المسلمين.
هكذا زين لهم الشيطانُ اللعينُ! أن قتل البنا؛ سيؤدي إلى محو الفكرة التي أسسها، وإلى إلغائها من الوجود، وإلى فنائها، واستئصالها.
وما علم هؤلاء البؤساء، الأوغاد، البلهاء.. أن دمَ الشهيد! سيكون زيتاً، يؤجج شعلة الفكرة، ويجعلها تتوهج، وتتعالى بأشعتها النورانية، لتضيء سماء الدنيا كلها.
وما علم هؤلاء التعساء، الأغبياء، أعداء الله، وأعداء دينه الحق.. أن دمَ الشهيد؛ هو السمادُ العضوي الطبيعي، لشجرة الفكرة، كي تُورق، وتُزهر، وتُثمر أحلى الثمار، وأطيبها، وأينعها.
وهكذا..
“مات الرجلُ وفني الجسدُ، ولم تمت الفكرةُ، ولم تخمد جذوتُها، بل توهجت، وعاشت، وانتشرت من مصر إلى سائر بقاع الأرض.
رحل المرشدُ، والقائدُ، وبقيت الدعوةُ، وبقيت الفكرةُ، والجماعةُ؛ تحمل رسالة الحق، والقوة، والحرية، وتوسعت في كل قارات الدنيا المعمورة”.
وأفرادها الصادقون يهتفون…
“الله غايتنا، والرسولُ قدوتُنا، والجهادُ سبيلنا، والموتُ في سبيل الله أسمى أمانينا”.
وبالرغم من أن الجماعةَ.. تمر الآن في أضعف مراحلها، وفي أسوأ أيامها، وفي أتعس حالاتها، وقد تشرذمت، وتشتت، وتمزقت، وتكالب عليها الأعداءُ من كل حدب وصوب، وأفرادها تبعثروا في بقاع الدنيا كلها، وقادتها، في حالة وهن وضعف شديدين..
إلا أن مجرد ذكر اسمها؛ يجعل الطغاة، والحكام العرب، والعجم، والروم، والفرس.. ترتعد فرائصهم ، وترتعش أطرافهم، وتتشنج أعصابهم، وتنتفخ أوداجهم، وتتزلزل أركانهم، وتتهدج أصواتهم، وهم يكيلون لها التهم الباطلة، الكاذبة، وتقضُ مضجعهم، وتؤرق ليلهم، فلا ينعمون بنوم مريح.
إن فكرةَ الإخوان المسلمين.. ستبقى أبد الدهر، تُغيظ الكافرين، والمنافقين، والطغاة المتجبرين، ودهماء الناس، وأوشابهم، والعبيد الخانعين، المستذلين، لحكامهم المستبدبن.
وستبقى فكرة الإخوان المسلمين.. تتألق، وتتسامى، وتتعالى مشرئبة بعنقها، تُطاول أجواز الفضاء، وتعانق السحاب، وتنشر عبقها الذكي، وأريجها الفواح، في الأرض قاطبة.. رغم أنف العدا، ورغم أنف الصعاليك، والعبيد المتضعضعين، والمستخذين.
وسينتصر الحقُ، ويُهزم الباطلُ، ولو بعد حين.
14 ربيع الآخر 1443
19 تشرين الثاني 2021
موفق السباعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى