بحوث ودراسات

ضرورة الحذر من الإسرائيليات التي شوهت قصة نوح والطوفان العظيم

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب


علينا الحذر من الخرافات والأساطير والإسرائيليات والموضوعات التي ألصقت بقصة نوح عليه السلام، وقد لعبت الإسرائيليات دوراً عكر صفاء قصة نوح عليه السلام في كثير من الأحايين، فيرون مثلاً أن الله أمر نوحاً أن يغرس شجراً ليصنع منه السفينة وأن النبي غرس هذا الشجر، ثم انتظره مائة عام، ثم نجره مائة أخرى على رواية، وفي أربعين على أخرى.(مهران، 1988،ج 4 ص76).
والأمر كذلك بالنسبة إلى طول السفينة فهي ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً، وقد قام الأستاذ حامد أحمد الطاهر البسيوني في كتابه: صحيح قصص القرآن بالتحذير من هذه الخرافات والأساطير والموضوعات والإسرائيليات، وتصدى لهذه الإسرائيليات وكشف عوارها وبين مخالفتها للشرع والعقل، فمن أراد التوسع فليرجع إليه.(البسيوني، 2005، ص94)
وهناك روايات كثيرة عن دخول الحيوانات والطيور إلى السفينة، ومن الأسف أنها روايات أشبه بالأساطير منها بحقائق التاريخ، ومن أمثلة ذلك: دخول إبليس إلى السفينة في ذيل حمار ، (مهران، 1988، ج4 ص 81)
والرواية التي تذهب إلى أن (عوج بن عناق) لم يغرق في طوفان نوح، وأنه قد عاش من قبل عهد نوح وإلى أيام موسى، وأنه كان جباراً عنيداً كافراً متمرداً، وأن أمه عنق بنت آدم قد ولدته من زنا، وأنه كان طويلاً بدرجة لا يمكن أن تحدث، حتى أنه كان يأخذ السمكة من قرار البحار ثم يشويها في عين الشمس، وأنه كان يستهزئ بسفينة نوح وبصاحبها وأنه كان يسميها القصعة، والواقع أن هذه الأسطورة لا تستحق أن تناقش فلا عقل يقبلها، ولا شرع يقبلها.(مهران، 1988، ج4 ص 82)
ومن هذا النوع من الروايات كذلك: رواية تذهب إلى أن السيد المسيح عليه السلام وبناءً على رغبة الحواريين قد أعاد ( حام بن نوح ) إلى الحياة، ثم سأله عن فلك نوح فأخبر أن طولها كان ألف ذراع ومائتي ذراع، وأن عرضها ستمائة ذراع.
ومن هذا النوع كذلك: رواية تذهب إلى أنه لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر، وأن مياه البحار إنما هي من بقية الطوفان.
ومن هذا النوع كذلك: رواية تذهب إلى أن القوم بعد أن استوت بهم السفينة على الجودي، هبطوا إلى أسفل وابتنوا قرية سموها ثمانين، وأنهم قد أصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ـــ إحداها اللسان العربي ـــ فكان بعضهم لا يفهم كلام بعض، وكان نوح يعبر عنهم.(مهران، 1988، ج4 ص 82)
وليس هناك باحث منصف يستطيع أن ينكر أثر الإسرائيليات في هذه الروايات التي تجنح إلى الخيال أحياناً، وإلى منافاتها العقيدة الإسلامية الصحيحة أحياناً أخرى، وإلى تعارض بعضها مع البعض الآخر في أحايين كثيرة، وإذا ما اردنا أن نقدم الدليل على ذلك وأخذنا على سبيل المثال قصة تبلبل ألسنة الناجين من الطوفان لوجدنا أثر التوراة واضحاً فيها، ــ إن لم تكن منقولة أو تكاد ــ ذلك أن التوراة حاولت أن تقدم تفسيراً ساذجاً غير علمي لاختلاف اللغات والأجناس، فروت أن الناجين من الطوفان أرادوا أن يبنوا برجاً عالياً بغية الصعود إلى الله عز وجل في علياء سمائه، إذ كانوا يحسبون السماء أشبه شيء بلوح زجاجي يعلو على الأرض بضع مئات من الأمتار، فخشي الله شرهم سبحان الله عما يقولون، واحتاط لنفسه فهبط إلى الأرض وبلبل ألسنتهم فتفرقوا شذر مذر، ومن ثم فقد سميت المدينة ( بابل )؛ لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض.(مهران، 1988، ج4 ص 83)
ومن الإسرائيليات: ما ذكره ابن كثير نقلاً عن التوراة فقال: وقد ذكر أن (حاماً) ــ ولد نوح ــ واقع امرأته في السفينة فدعا عليه نوح أن تتشوه خلقة نطفته فولد له ولد أسود، وهو ( كنعان بن حام ) جد السودان، وقيل: بل رأى أباه نائماً وقد بدت عورته فلم يسترها، وسترها أخواه، فلهذا دعا عليه أن يغير نطفته وأن يكون أولاده عبيداً لإخوته. (البسيوني، 2005، ص97)
وغير ذلك من الأخطاء والموضوعات والإسرائيليات المخالفة للمعقول والمنقول والتي للأسف تأثرت بها كتب التواريخ وأيام الناس وتسربت إلى التفاسير.
لقد نسجت خرافات وأساطير يجب تنقية كتب التراث منها، والاعتماد على الرؤية الحضارية القرآنية التي قدمها القرآن الكريم في قصة نوح عليه السلام.

مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، نوح عليه السلام والطوفان العظيم (ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية)، دار ابن كثير، بيروت، 1441ه -2020م، صص365-367
محمد بيومي مهران، دراسات تاريخية في القرآن الكريم، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية، 1408ه- 1988م.
حامد البسيوني، صحيح قصص القرآن، القاهرة، دار الحديث، القاهرة، دار البصائر، الجزائر، طبعة 1426ه- 2005م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى