أخبار

الليرة التركية إلى “قاع تاريخي”.. ماذا يقول الاقتصاديون؟

تخطّى هبوط الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية حاجز “الذروة التاريخية”، التي كانت بلغته قبل أيام، في مؤشر خطر لا يبدو أنه سيرسو على محطة معينة خلال الأيام المقبلة لعدة اعتبارات، تتعلق بجزء كبير منها بإصرار الحكومة، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على خفض سعر الفائدة.

وصباح الأربعاء خرج إردوغان بخطاب أمام المجموعة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية” قال خلاله: “ما دمت في المنصب فإن كفاحي ضد الفائدة سيستمر”، مضيفا: “الفائدة هي السبب والتضخم هو النتيجة. لا يمكنني أن أكون مع (أصدقائنا) الذين يدافعون عن سعر الفائدة”.

وفي إشارة منه إلى اجتماع اللجنة النقدية للبنك المركزي، المقرر عقده الخميس، تابع إردوغان: “أليس البنك المركزي مستقلا؟ إذن ليقرر بشكل مستقل”.

ومن المتوقع أن يلجأ البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة مجددا، وتوقع اقتصاديون أتراك أن تكون نسبة الخفض من 16 بالمئة إلى 15 بالمئة، مما سيزيد من تصدعات سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار.

وبعد كلمات أردوغان، حطم سعر صرف الليرة التركية مستويات قياسية جديدة، حيث تجاوزت حاجز 10.48 مقابل الدولار الأميركي.

وربط اقتصاديون أتراك، من بينهم الخبير حقان كارا، هذا الانخفاض الجديد بسببين، الأول تصريحات إردوغان التي أكد فيها على سياسة سعر الفائدة من جهة، بينما يتعلق السبب الآخر بترقب الأسواق لما سيتم الإعلان عنه عقب اجتماع اللجنة النقدية للبنك المركزي.

وفي الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، كان البنك المركزي خفّض سعر الفائدة من 19 إلى 18 بالمئة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ تولي محافظ البنك الجديد، شهاب قافجي أوغلو، منصبه.

وتكررت الخطوة مجددا في 21 من شهر أكتوبر الماضي، بتخفيض بمقدار 200 نقطة أساس من 18 بالمئة إلى 16 بالمئة.

ومنذ عامين يصر إردوغان على مسار خفض سعر الفائدة، في سياسة كانت كفيلة بإقدامه على إقالة أربعة محافظين للبنك المركزي، وأخيرا نائبين للمحافظ الحالي، شهاب قافجي أوغلو.

ولطالما أبدى إردوغان، المؤيد لنمو قوي مدعوم بقروض متدنية الكلفة، معارضته لنسب الفوائد المرتفعة التي يصفها باستمرار بأنها “أصل كل الشرور”، مؤكدا أنها “تشجع التضخم”.

لكن وعلى الطرف المقابل ينظر الشارع التركي، وخاصة المعارض منه إلى تلك السياسة على أن “تحدٍ”، وأنها تعزز عدم بقاء البنك المركزي كمؤسسة مستقلة.

تحدي الفائدة والتضخم

تعتبر الفائدة أداة من أدوات السياسة النقدية ضمن السياسة الاقتصادية، وتستخدم عندما يكون الاقتصاد في حالة ركود (ضعف النمو الاقتصادي).

ومع ازدياد مؤشرات البطالة في البلاد يتم خفض معدل الفائدة، من أجل تحفيز الطلب الكلي ومن ثم تنشيط الاستثمار ونمو الاقتصاد وفرص العمل.

وعندما يكون هناك تضخم، أي ارتفاع مستمر للأسعار، فإنه يجب رفع معدل الفائدة لكي يتم كبح الطلب الزائد في السوق، ومن ثم تهدئة الأسعار والتضخم.

وكان معهد الإحصاء التركي (TUIK) قد أعلن عن أرقام التضخم لشهر أكتوبر، وعليه ارتفع المعدل بنسبة 2.29 بالمئة في الشهر المذكور، وأصبح 19.89 على أساس سنوي.

وفي أكتوبر أيضا ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 2.39 بالمئة، كما ارتفع مؤشر أسعار المنتجين المحليين (D-PPI) بنسبة 5.24 بالمئة على أساس شهري.

بينما بلغ معدل التضخم السنوي 19.89 بالمئة في أسعار المستهلك و46.31 بالمئة في أسعار المنتجين المحليين.

آراء اقتصادية 

منذ بداية العام الحالي بات سعر صرف الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية حديثا يوميا بالشارع التركي، وأيضا حديثا للاقتصاديين، الذين يرفضون بجزء كبير منهم السياسة الاقتصادية التي يسير عليها إردوغان، ويرون أن خفض سعر الفائدة ليس حلا لمكافحة التضخم في ظل الظروف الحالية.

وبين عامي 2020 و2021 مر الاقتصاد التركي بظروف صعبة، على خلفية عدة تطورات، وأحداث سياسية وعسكرية وأيضا اقتصادية، أثرت بشكل كبير على سعر صرف الليرة.

وإلى جانب العوامل السياسية والعسكرية التي ارتبطت بسياسات تركيا في عدة ملفات إقليمية، كان لأزمة كورونا الدور الأبرز من ناحية التداعيات السلبية على الاقتصاد، بعدما تسببت في انخفاض كبير بأعداد السياح.

كما تسببت قرارات مفاجئة أصدرها إردوغان في زيادة الضغط على الليرة التركية، كان أبرزها سلسلة الإقالات التي طالت منصب محافظ البنك المركزي، وصولا إلى تعيين شهاب قافجي أوغلو، في مارس الماضي.

واعتبر إردوغان، في خطابه الأربعاء، أن “الدول المتقدمة على أعتاب كساد اقتصادي كبير، وأن الأزمات الاجتماعية والسياسية ستتبعها”، مشيرا: “نحن نقف في مكان جيد بفضل بنيتنا التحتية القوية والإنتاج والعمالة”.

وبشأن المستثمرين، أضاف إردوغان: “لا أفهم رجال الأعمال أيضا. اجتمعوا معا وتحدثوا عن أسعار الفائدة المرتفعة. إذا كنت تفضل الاستثمار فإليك قرض بفائدة منخفضة. لكن يهربون”.

وفي المقابل يقول الخبير الاقتصادي التركي، حقان كارا، إن “التخفيضات الإجبارية في أسعار الفائدة التي تتم قبل استيفاء الشروط تعود دائما في شكل تضخم أعلى”.

وأضاف عبر “تويتر”، الأربعاء: “أتساءل بجدية من يكسب من هذه الحلقة المفرغة التي حدثت مرارا وتكرارا. ما هي نتيجة دفع أهل هذه البلاد لهذا الثمن الباهظ”؟

فيما كتبت الخبيرة الاقتصادية، أوزليم شينغول عبر “تويتر”: “ما يحتاج الرئيس وإدارة الاقتصاد إلى فهمه أن ما يحتاجه عالم الأعمال أسعار فائدة منخفضة، وأسعار صرف منخفضة، وتضخم منخفض، وعجز منخفض في الحساب الجاري، وعجز منخفض في الميزانية”.

وتابعت: “أيضا وبطالة منخفضة، وفي نفس الوقت خلق بيئة نمو مستدامة. لقد خفضت الفائدة، حسنا، ماذا عن البقية”؟

واعتبر الخبير الاقتصادي، فيسيل أولوسوي، في تصريحات نقلتها صحيفة “جمهورييت” أن “خفض سعر الفائدة الإضافي سيؤدي بشكل طبيعي إلى عبء ثقيل على الاقتصاد التركي”.

وأضاف: “سيؤدي هذا العبء إلى زيادة سعر الصرف، الذي شهد بالفعل حركة تصاعدية. بالنظر إلى هيكل الإنتاج والتصدير المعتمد على الاستيراد في بيئة يكون فيها العرض العالمي مكسور ستزداد الآثار السلبية في جميع الأسواق”.

أما سياسيا فقد قال المتحدث باسم حزب “المستقبل”، سيركان أوزكان: “تحولنا جميعا إلى سفينة غير موجهة في الظلام الدامس، وليس من الواضح أي من المنحدرات سنضرب وبأي سرعة. منذ بداية العام وصل ارتفاع الدولار أمام الليرة التركية إلى مستوى 40 بالمئة”.

وأضاف أوزكان: “أي نوع من الحسابات هو أن تقدير سعر الصرف الخاص في نهاية عام 2022 كان 9.22 ليرة تركية، وبالنسبة لعام 2023 كان 9.77 ليرة تركية، وفي نهاية عام 2024 كان 10.27 ليرة تركية. وصلنا الآن بالفعل إلى نهاية توقعات 2024”.

من الرفع إلى الخفض

وبالنظر إلى تطورات سعر الفائدة في تركيا منذ عام 2020 حتى الآن، يمكن رصد سلوكين متناقضين، الأول بعهد وزير المالية السابق بيرات ألبيرق، ومحافظ البنك المركزي الأسبق مراد أويصال، والثاني بواسطة المحافظ السابق ناجي أغبال، ووزير المالية لطفي علوان، الذي استلم عقب استقالة ألبيرق.

ومنذ شهر يناير 2020 وحتى مايو، شهد سعر الفائدة انخفاضا من 11.25، وصولا إلى سعر 8.25، ليبقى على هذا السعر حتى شهر سبتمبر ليرتفع من جديد إلى نسبة 10.25.

ثم ارتفع بعد ذلك حتى 17 بالمئة في الأشهر الأخيرة من 2020 من جانب ناجي أغبال، وصولا إلى رفعه في مارس 2021 إلى 19 في المئة، وهو ما دفع إردوغان إلى إقالة الأخير وتعيين شهاب قافجي أوغلو خلفا له، الذي حافظ بدوره على نسبة 19 بالمئة لفترة وجيزة، قبل أن يبدأ الآن في خفضها بشكل تدريجي.

وكان قافجي أوغلو كتب في صحيفة مؤيدة للحكومة منتقدا بشدة ميل سلفه أغبال لرفع معدلات الفائدة، وأكد محللون أن رئيس البنك المركزي الجديد يدعم رؤية إردوغان بأن رفع معدلات الفائدة يؤدي إلى التضخم.

وبات قافجي أوغلو الرئيس الرابع للبنك المركزي الذي يعيّنه إردوغان منذ يوليو 2019، وعليه الآن تحقيق هدف الرئيس، المتمثل بخفض معدل الفائدة السنوي إلى خمسة في المئة، بحلول موعد الانتخابات المقبلة في 2023.

المصدر: الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى