مقالات

أهل السنة و الباطنيون ما بين عامي ” 1420 و 2021 “

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


كان السلطان مراد الثاني هو أول من أنشأ مؤسسة شيخ الإسلام والذي تحوّل فيما بعد الى قاضي القضاة ثم الى ” المفتي ” ، و السبب في ذلك هو ما واجهه في زمنه من غزو التتار الدولة الإسلامية و البلبلة السياسية على يد حركات خروج على الدولة تحت عباءات دينية منحرفة، من مثل حركة الشيخ بدر الدين سنة 1420م،الذي أعلن لأتباعه أن كل محرمات الأديان قد رفعت وأن كل شيء محلل وجائز. وكذلك الفرق الباطنية التي كانت تعمل في الظلام لتقويض السلطنة، وأيضا تحت مسميات وشعارات دينية، فأدرك السلطان مراد الثاني أنه بحاجة ماسة إلى عالم يذعن الجميع لسلطته وهيبته الدينية والأخلاقية في كافة أنحاء البلاد، يستطيع أن ينقذ الناس من الضلالات والترهات الباطنية وأن يحل المسائل الدينية للشعب والدولة ،وأنه لا بد من توحيد كلمة المفتين المنتشرين في كافة أرجاء السلطنة ليشكلوا بذلك تيارا علميا صحيحا يقف بوجه الأفكار الهدامة، فكان أن جعل مركز الإفتاء في العاصمة هو المركز الأول، وأعطاه حق تعيين المفتين. وكان هذا بداية تقنين للمؤسسة. وجعل المذهب الحنفي مرجعا فقهيا للدولة زيادة في ضبط الأمور .
وكان من سيوخ الاسلام في ذاك التاريخ ، بن حجر العسقلاني الشاقعي في القاهرة، وكان قاضي القضاة في الدولة المملوكية، ومن مثل القاضي الأكبر سعد الدين الديري الحنفي، والقاضي الأكبر بدر الدين التونسي المالكي، والقاضي الأكبر بدر الدين البغدادي الحنبلي، فأفتوه بوجوب قتل إبراهيم الثاني. وكل هؤلاء الأئمة كانوا يعيشون يومها في مصر تحت حكم المماليك .
وكان شيخ الإسلام يحد من قرارات السلطان المخالفة للشرع ، وكان يتدخل لدى السلطان إذا وجده أصدر أمرا فيه مخالفة شرعية، كما حصل مع شيخ الإسلام زمبلي علي جمالي عندما بلغه أن السلطان سليم الأول يريد إعدام مئة وخمسين رجلا من موظفي بيت المال، فتدخل لدى السلطان لمنع ذلك، فقال له السلطان: أنت تتدخل في شؤون السلطنة مما ليس من شأنك. فأجابه: بأن العكس هو الصحيح، وأنه يقف إلى جانبه، وأن عفوه عن المحكومين أفضل من إعدامهم الذي قد يستجلب
غضب الله تعالى.
وكذلك يوم أراد السلطان (ياوز سليم) تحويل الكنائس في السلطنة إلى مساجد، ومنع إقامة الطقوس المسيحية، وأراد إلزام المسيحيين بالإسلام، تدخل أيضا شيخ الإسلام الورع ” زنبلي علي جمالي” ، ومنع ذلك في مجلس الدولة مذكرا بوثيقة الحرية الدينية التي كتبها السلطان محمد الفاتح للمسيحيين في اسطانبول، ومن الموافقات أن هذه الوثيقة التي كانت عند بطريرك النصارة احترقت، فأحضر شيخ الإسلام اثنين من الانكشارية ممن شهد فتح اسطانبول وقبلت شهادتهم في مجلس الدولة وتراجع السلطان عن قراره لمخالفته للشرع.
بل إن بعض شيوخ الإسلام، وهو شمس الدين الفناري، شهد عنده السلطان بايزيد يوما فرد شهادته، فسأله عن السبب، فقال: إنك تارك للجماعة. فبنى السلطان لنفسه جامعا أمام قصره، ولم يترك بعدها صلاة الجماعة.
أما البعث فقد أعادنا الى زمن الباطنية ومكنّهم من التغلغل في المجتمع و الدولة السورية عبر قرار القيادة القطرية المؤقتة المؤرخ في 25/ 2/ 1966 والذي استطاع حافظ الاسد من خلاله أن يسيطر على الحكم في عام 1970 والذي نسف المرجعية الاسلامية السنية من خلال اصدار المرسوم التشريعي رقم /216/ للعام 1970 ، القاضي بتعديل احكام المرسوم الاشتراعي رقم 31 تاريخ 6-3-1941 المتعلق بالتصنيف الموقت و المرسوم التشريعي رقم /70/ للعام 1970 المتضمن تعديل المرسوم التشريعي رقم – 204 – لسنة 1961 المتضمن تنظيم وزارة الأوقاف وإلغاء المادة – 10 – من القانون – 474 – لسنة 1949.
ثم خلفه وريثه بشار الذي اصدر القانونين 31 لعام 2018 و 28 لعام 2021 ليلغي مقام المفتي و يًسند أمر الفتوى في ديننا الى الفِرق الباطنية الشيعية المرتبطة بحكم الملالي في ايران .
سبحان الله في تقديره فكل هذه الدورة التاريخية كانت بدايتها مع الشيخ بدر الدين ونهايتها مع بدر الدين حسون . وما بينهما مجموعة من البدور السُنية الوضّاءة الوقّافة للحق و قلعة الدين و حصن الشريعة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى