منوعات

من حياة التسعينيات!

محمد طلال بريجع
الحياة كتاب، الأيام فيها صفحات تطوى ولا يبقى منها إلا الذكرى، عام1992وبعد انتهاء 7 سنوات من العمل الوظيفي، وخدمة الجيش كمهندس معماري بوزارة الصحة “إشراف على مشاريع مشافي ومستوصفات ومعاهد صحية بمناطق مختلفة من سوريا” وخدمة الجيش كملازم في مفرزة أشغال بقيادة الفرقة 14 قوات خاصة بإنشاء أبنية عسكرية يذهب الملايين منها كمواد بناء وآليات للضباط الذين أغلبهم من الساحل، وأجبرونا على العمل الوظيفي كمهندسين خريجي الجامعات السورية دون إعطائنا أي وثيقة تخرج أو وثيقة سفر خلال خمس سنوات الخدمة، وبعد هذه المدة حصلت على وثيقة سفر واتخذت قرار مغادرة البلد بلاعودة حتى تتغير الظروف فيها.
وكانت وجهتي أوروبا وتحديداً ألمانيا، ولكن بعد توحد الألمانيتين أصبح السفر لألمانيا صعباً والعمل صعباً، فوجدت فرصة السفر لروسيا براً عبر تركيا فجورجيا فأبخازيا فالقفقاز وتحديدا نالتشيك عاصمة كبردينيا بلقاريا، حيث الرحلة نظمتها شركة شركسية سورية تحصل على الفيز مجاناً وتبيعها بحدود المائة دولار وأجرة الباص سوفيتي الموديل 150 دولار، والمسافرين أغلبهم من الشراكسة السوريين تحت اسم العائدين إلى أرض الأجداد! استمرت رحلتنا 5 أيام بالباص السوفيتي، الذي تعطل بمناطق جبلية مثلجة بتركيا ليوم ونصف كدنا أن نتجمد من البرد، حتى وصلنا الحدود التركية الجورجية التي بدت كيوم المحشر، حيث مئات الألوف من سكان الاتحاد السوفياتي السابق يعبرون هذه الحدود مشياً مع حقائب وصناديق مملوؤة بالبضائع لبيعها بتركيا، وإحضار بضائع بديلة تركية لبيعها ببلادهم، وكانت الحركة بالاتجاهين ليلا نهاراً، وهم من شرائح اجتماعية مختلفة فقدوا أعمالهم بعد انفكاك الاتحاد السوفياتي، وإغلاق أغلب المعامل والمؤسسات، وأصبح أغلب سكان الاتحاد السوفياتي السابق تجار حقائب وبائعين على الطرقات وفي البازارات والأكشاك، والذي حصل منهم على أموال غير قانونية من عمله أصبح تاجر جملة والبقية تجار صغار يبيعون بضائعهم في البازارات وعلى الطرقات، فترى الطرقات على مدى كيلومترات بكل المدن السوفيتية السابقة مملوؤة بهؤلاء البائعين، وتراهم في محطات الباصات والمترويات والقطارات وفي أسواق الخضار وحتى في الملاعب الرياضية، وصلنا بنهاية الرحلة إلى مدينة نالتشيك الشركسية، ونزلنا في فندق نارت وهو الأفضل في المدينة بسعر يومي أقل من دولار واحد-60روبل روسي، وكان الدولار وقتها يعادل100روبل وبقيت عدة أيام بالمدينة التي تسودها الفوضى ومافيات الشوارع ومدمني الخمر والمخدرات، وقررت بعدها السفر إلى منسك عاصمة روسيا البيضاء حيث لي بعض الأصدقاء من طلبة الدراسات العليا هناك، وانطلقت بالقطار عبر موسكو باتجاه منسك القريبة من حدود بولونيا عبر مدينة خاركوف الأكرانية حيث كان خط القطار كذلك، واستأجرت شقة وسط منسك في شارع طلبوخنا بسعر شهري يعادل عشرة دولارات أمريكية والشقة مكسوة بخشب السنديان والزان وثريات الكريستال ومطلة على شارع طلبوخنا، وحصلت بمنسك على عقد دراسات عليا مجاني وإقامة مجانية، ولكن مستوى العلم كان متدنياً جداً مقارنة بمستوى العلم الذي حصلنا عليه بجامعة حلب على يد أساتذة فرنسيين، وكذلك يتم عبور الامتحانات بالرشوة التي تقدر بعشرين دولار لكل مادة امتحان! وبالنتيجة تحصل على شهادة دكتوراة مزيفة لا تملك أي معلومات لها مستوى الدكتوراة، فقررت التوقف والاتجاه للعمى التجاري باتجاه القفقاز بشحن بضائع سورية المنشأ من موسكو للقفقاز حيث أرباحها تصل100%، وأحيانا أكثر، وعدت مع بضائعي من موسكو إلى نالتشيك بفندق نارت حيث حجزت غرفتين واحدة للإقامة وواحدة للبضائع.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى