مقالات

أمريكا تتخذ من “المسألة الكردية” شماعة لزعزعة الجوار !

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

لا زالت التساؤلات تدور عما تعتزم أمريكا القيام به في شرق الفرات، وما إذا كانت تحضّر لسحب قواتها من سوريا، كما  فعلت في أفغانستان، وما تداعيات الإنسحاب الأمريكي، إذا حصل، على المنطقة.

وقد شعر قادة الأكراد، مجلس سوريا الديمقراطي (الذراع السياسي)ل قوات سوريا الديمقراطية (التنظيم العسكري) بالقلق من احتمال تكرار خذلان أمريكا لهم كما حصل في عهد ترامب الذي “طنش” عن قيام تركيا بعملية نبع السلام في اوكتوبر 2019، ما عُدّ يومها أنه “ضوء أخضر” من أمريكا للعملية العسكرية التركية. فأرسلت القيادات التركية وفودا رفيعة المستوى للقاء الساسة الروس في موسكو، و لقاء الساسة الأمريكان في واشنطن بقيادة إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطية.

وقد صرحت أحمد أكثر من مرة بأنها تلقت وعوداً من الساسة الأمريكان باستمرار الدعم لقسد حليفة أمريكا في مكافحة تنظيم الدولة الاسلامية، و الذي يبقى “الشماعة المفضلة” لتبرير الاحتلال الأمريكي في سوريا من قاعدة التنف إلى سلسلة القواعد العسكرية شرق الفرات.

ولكن القائد العسكري مظلوم عبدي، في مقابلة مفصلة مع موقع المونيتور الأمريكي (نشرت 9-11-2021)[1] قدم إجابات أكثر صراحةً وتفصيلاً عن الضمانات التي تلقتها القيادات الكرية من الادارة الأمريكية، ومن القيادة الروسية على حد سواء..فقد قال عبدي بأن الرئيس الأمريكي بايدن أخبر الرئيس اردوغان، في لقائهما الأخير في روما على هامش قمة الدول العشرين، بأن أمريكا لن تسمح بأي عملية عسكرية من تركيا ضد قسد، ونقل عبدي أيضا عن القادة الروس بأن روسيا لن تقبل بأي عملية عسكرية تركيا ضد قسد. وأن واقع اليوم يختلف عن الأمس (2019). مع أن عبدي ترك الباب مفتوحا لاحتمال قيام تنظيمات سورية مدعومة من تركيا ببعض العمليات، وفي هذه الحال فهو يحمل تركيا المسؤولية. ومع تكرار السؤال في المقابلة عن احتمال توصل روسيا إلى “صفقة ما” مع تركيا بحيث يتم التنازل عن مناطق في إدلب مقابل غض النظر عن عملية عسكرية في شرق الفرات، كان جواب عبدي حاسماً صريحاً: روسيا أعطت وعوداً بعدم السماح بأي عملية  تركية شرق الفرات.

وهكذا وقفت القوات العسكرية التركية في موقف صعب لا تحسد عليه: فالقيادة السياسية صرحت مراراً وتكراراً بأن العملية العسكرية أصبحت وشيكة لتجفيف منابع الإرهاب في مناطق قسد، ورغم كل الضجة الإعلامية إلا أن التصريحات بقيت حبراً على ورق، ولم تنتقل إلى التنفيذ العملي. وليست هذه المرة الأولى فقد سبق للرئيس التركي أردوغان أن صرح عشرات المرات في 2018 و 2019 بأن “منبج هي الهدف التالي لقواتنا” وأنه “ما لم تنفذ أمريكا تعهداتها بإخراج قوات قسد منها فإن الجيش التركي سيتولى تحقيق ذلك” ولكن هذه التصريحات تبخرت أمام الفيتو الأمريكي، وهذا ما تكرر في صيف 2021 فرغم عشرات التصريحات عن قرب إطلاق عملية لتحرير مواقع تل رفعت وعين عيسى وما بينهما، فقد حال الفيتو الأمريكي الروسي دون تنفيذها.

وهذا يفرض التساؤل: ماذا تريد أمريكا في سوريا؟ فقد شاهدنا التساهل الأمريكي في تنفيذ قانون قيصر على الأطراف التي تتعامل مع نظام بشار الكيماوي بحجة توريد الغاز المصري(وهو ليس بمصري بل مستقدم من الكيان الصهيوني) إلى لبنان وبحجة توريد الكهرباء من الاردن إلى لبنان عبر دمشق، وهذا تطبيع صريح مع نظام بشار الكيماوي…وفي الوقت نفسه فإن أمريكا أشهرت الفيتو في وجه أي عملية عسكرية تركيا جديدة  ضد قسد شرق الفرات، كما سخرت أمريكا روسيا لمنع أي عملية تركية جديدة.

وهذا ما عبر عنه المبعوث الأمريكي جيمس جيفري[2] بقوله إن الأزمة المستعصية في سوريا ستؤدي حكما إلى ولادة “دويلة كردية” شرق الفرات، لعدم التمكن من التوصل إلى حل سياسي.

لم يبد عبدي، في أجوبته، مستعجلا للتوصل إلى اتفاق سياسي مع نظام بشار الكيماوي، بل تمسك برؤية قسد للحل السياسي في سوريا، وبينما أكد حرص قسد على الحفاظ  على وحدة سوريا، ولكنه بدا جازما بتمسك قسد بضرورة احترام دمشق لخصوصية منطقة الادارة الذاتية شرق الفرات، أي أن قسد ليست في وارد التنازل عن صفة “الكيانية” الذاتية في أي حل سياسي مستقبلي. و واضح أن قسد تتكيء على دعم أمريكي تام بهذا الصدد، يواكبه مساندة من روسيا. وفي هذا السياق حرص عبدي على التبشير بإجراء الانتخابات المحلية في شرق الفرات في الربع  الأول من 2022، فهذه الانتخابات، كما وصفها عبدي، ضرورية لاكتساب المشروعية الشعبية لكيان الإدارة الذاتية، و رغم ترحيب قسد بالتفاوض مع المجلس الكردي الوطني للتوصل الى وحدة الصف الكردي، إلا أنه ذكر أن الانتخابات ستتم بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق مع المجلس الوطني.

وبين حانا ومانا يبقى القول الفصل في واشنطن، وهي غير مستعجلة على حسم الأمور، بل تعمل بصمت لإنضاج الظروف لما تريد فرضه في المنطقة وليس فقط في شرق الفرات.


[1]  نص المقابلة كاملة  https://www.al-monitor.com/originals/2021/11/syria-kurdish-commander-assured-washington-turkey-wont-invade-again

[2] يرجى مراجعة مقالتنا سفير الإجرام روبرت فورد يبق البحصة ولادة دولة “روجوفا” بحماية أمريكا !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى