مقالات

جنازة صباح فخري والنعيب الحسوني!

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

أثارت تصريحات أحمد حسون مفتي النظام كالعادة، حفيظة كثير من الناس، وهو يلقي كلمة تأبين في جنازة المطرب صباح فخري، تلك الجنازة التي جعلها النظام المجرم عرساً وطنياً، واحتفى به كما لم يحتفي بغيره، ولبست المذيعات السواد، وعمَّ الحزن المكان. وعلت أصوات الكثيرين هنا وهناك بشحيج منقطع النظير، ويكاد من لم يسمع أول الكلام يظن أنهم يتكلمون عن أحد الأولياء أو الصالحين. تذكرت وأنا أتابع هذه المسرحية الساخرة قول الناس في الشام، (الجنازة كبيرة والميت…..) تذكرت مقولة أحد الأصدقاء وهو من كبار القراء قال: حضرت آلاف التعازي فما رأيتهم إلا يعظمون الميت ويذكرون له من الخيرات والصلاح والكرامات والتقوى ما يذهل العقل، فأقول: الناس كلها جيدة، القرف اللي عايشينه والمفسدون من أين يخرجون ومن هم؟
نعود لحسون، بعد أن أثنى على المرحوم أروع الثناء، وأثنى على “قائد الوطن” الذي كرم بتكريمه للمتوفى دماء الشهداء، ولست أدري ما علاقة دماء الشهداء بصباح فخري مطرب السكارى وربيب الراقصات. ولكن هذه عادة حسون، وليس بجديد عليه تاجر الأخلاق، أعظم الربح أو أقل الخسارة، حسون لمن لا يعلم، هو من يحمل لواء الممانعة والمقاومة ضد الصهاينة، قام في البرلمان الأوربي واعتبر إسرائيل الدولة الخامسة في بلاد الشام !..
لقد رأيت وسمعت ملحدين، ويهود، ونصارى وسمعت عن بوذيين، كلهم اعتبروا الصهاينة كيان محتل غاصب، وحسون يعتبره دولة وجزء من الشام. أنا لا أتكلم عن “صباح فخري” شخصياً أو فنياً فهو مؤسس الطرب بلا منازع، وصاحب صوت لا نظير له، لكن أتكلم عنه من ناحية دينية وأخلاقية. أتكلم عن رجل باع آخرته بدنياه، وتحول من مؤذن مسجد، ومنشد ديني، وقارئ قرآن، إلى مطرب في الكازينوهات والمراقص ومؤنس للسكارى. لم تبق عارية أو ساقطة إلا ورقصت على أهازيجه، وتمايلت طربا على أغانيه. لم يبق كبريه في البلد إلا وصدع صوته فيه شرق الأرض وغربها.
حدثني أحده المنشدين، أنه قال له: هل أنت راض فيما وصلت إليه؟ فقال: وهو في أرذل العمر، نعم كامل الرضا، وكله بتوفيق الله!!، أنا أقدم رسالة!! يعتبر الخلاعة والمجون توفيقا من الله تعالى. قال الرجل وهو يلومه: كيف تترك الأذان والمسجد والقرآن وتلحق بأماكن المجون والخلاعة والسقاطة؟ فقال له: المشيخة لم تطعمنا خبزاً!! فهو يظنها رسالة وهي سفالة. ولا يقف الأمر عند ذلك.
كلام يحمل في طياته استهزاء بالدين ومجاهرة بالفسق، ومجونا صريحاً، كيف تؤلهه يا حسون؟ ويامن ترحمتم عليه، ويا من حزنتم عليه، وهو الذي ينشد (لو شاهد نوح دمع عيني غرقا، أو شاهد لوعتي الخليل احترقا، لو حملت الجبال ما أحمله، صارت دكا وخر موسى صعقا)، هو المنشد (هات كاس الراح واسقيني الاقداح)، هو المنشد (كشفت على صدرها وقالت تعا تفرج، دكان تاجر فتح يانظر عينيا)، إلى آخر هذه المجونيات.
أي حسون: هل تعلم حقيقة من وقفت تهلل له، وتثني وتصلي عليه؟ ولعلي كنت أحسب أنه ليس المصلي بأحسن من المصلى عليه، وليس عجبا منك فقد هللت وكبرت لأفجر منه ومنك، لقاتل الأطفال المجرم وقرد روسيا المدلل، وعميل إسرائيل الوفي، وأفتيت بسفك الدماء، واستباحة البلاد، وتهجير الناس، وهددت وتوعدت وأرعدت وأزبدت، وإن كنت أنسى فلا أنسى يوم مات المفتي السابق لسوريا كفتارو، وفي البلد علماء لا تساوي أنت غرزة في نعلهم، رشحوا عددا من السفلة لشغل المنصب فوقع الاختيار عليك حيث لم يجدوا أقذر منك لهذا المنصب.
أي حسون: وقف تشمت وتظهر الشفقة فيمن غادروا البلاد فارين بدينهم، من آلة القتل والسلب، والهلوكست المحرم، وتقول لن يجدوا من يصلي عليهم! ولا أدري ما أي حاليك أعجب لي؟ “شيئا من الحياء يا حسون”، الموت لا ريب مصيبة، وأعظم منه أن تصلي أنت على المتوفى. في الغربة منحتان عظيمان لا نجدهما في الوطن
الأولى: أن يعيش الإنسان حراً كريماً، والثانية: أنه لن يصلي عليه أمثالك. ماذا بينك وبين الله يا صباح كي يختم لك بأن صلى عليك كبير أساقفة المعبد، ورأس النفاق في البلد؟
أي حسون: أتعلم من صلى على العلامة محمد علي الصابوني؟ المفسر العالم الزاهد، الذي وقف في وجه الطغيان والإجرام، وهو ويا لمفارقة الزمان من حلب – بلدك – صلى عليه في مسجد الفاتح، آلاف الشيوخ وحفظة كتاب الله والعلماء والصالحون، بجنازة مهيبة لم تشهد مثلها إسطنبول.. وشيعته آلاف العمائم واللحى الطاهرة. هل تعلم من منحه جنسية البلاد وكرمه؟ إنه الطيب أردوغان في قصره، على مشهد عظيم.
خبرني يا حسون: من صلى على فخري؟ طغمة من الشبيحة، ورجال المخابرات، وأمن الدولة والجيش المجرم، ممن لا يعرفون وضوء ولا طهارة ولا قبلة، وثلة من العوام ممن لا حيلة لهم، وأنت. حتى صباح فخري لو قدر له أن يعيش لخرج من التابوت ينشد (كذاب كذاب والله العظيم كذاب)..
اي حسون: لمَ لمْ نسمع نشيجك يوم مات محمد علي الصابوني رحمه الله.
يموت المرء فيترك علماً نافعاً، أو ولدا صالحا، أو صدقة جارية، فماذا ترك فخري يا حسون؟ حفلات الرقص والمجون والخلاعة والطرب، وولد (مطرب) وكفى به إثماً، وسيئة جارية من أغاني وطربيات، تكتب في صحيفته كلما رقصت راقصة أو مغنية على صوته مدى الزمان. نقول هذا ونحن لم يصلنا أنه تراجع قبل الموت أو أحدث توبة، أو رجع عن غيه وتنكر له. وليته فعل، لنجد مساغا لقولنا (رحمه الله).
هناك يا صباح لن تغني عنك (المليحة بالخمار الأسود التي سألتها- ذات هبل – ماذا فعلت بناسك متعبد)، ولا أدري من تقصد بالناسك المتعبد؟ هناك يا صباح لن تجد من يسقيك (خمرة الحب) ولا من (يترع لك الكأس)، هناك لن تدافع عنك تلك التي (هيمتك وتيمتك وعن سواها أشغلتك)، ولست أدري من تقصد بسواها؟ هناك يا صباح لا يوجد (قد مياس) بل ثعبان أقرع، ولا (جنينة تكون فيها مع حبيبك).
هناك يا صباح لا يوجد من (تبعت لك جواب وتطمنك)؛ لأن الجواب الوحيد الذي سيصلك هو {اليوم تجزون عذاب الهون}، هناك يا صباح عيشة لا نهاية لها وجدول مليء بالمعاصي والمنكرات (أما عيشتك التي لا حب فيها فهي جدول لا ماء فيه) فلا وجود لها.
إلى ديان يوم الدين نمضي، وعند الله تجتمع الخصوم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الآيتان الكريمتان 10 و 11 من سورة تبارك (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) فيهما اعتراف من جهة هؤلاء البشر بأن صيرورتهم إلى جهنم و ملازمتهم للسعير الذي فيها هو لعدم استعمالهم للأدوات – التي منحهم الله إياها مجاناً – من أجل السير في طريق الهدى . منطوق كلامهم أنهم كانوا بلا سمع و بلا عقل ” أي مصابين بآفتي الصمم و الجنون” لكن مفهوم كلامهم أنهم أغلقوا على أنفسهم بابين للخير بإرادتهم فلا استمعوا للقول حتى يتبعوا أحسنه و لا ربطوا بالعقل بين حقائق الأشياء و بين رسالة المبعوث رحمة للعالمين -عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم – حتى يصلوا إلى الصواب في مسيرة الحياة الدنيوية الفانية . هذا الفعل من جانبهم ، بتقرير من الله تعالى ،هو ذنب فظيع يستحقون عليه البعد من الله و الخسارة و الشقاء .
    يدرك السامع لصوت الحق و من يعقله فيتبعه أن الدنيا في عصرنا هذا تحت سيطرة إبليس و جنوده من شياطين الأنس و أنهم قد أصابوا الناس بنصب و عذاب ، فلا خيار للناس سوى الرفض للسير في خطواتهم و الاستعاذة بالله منهم و من شرورهم و هذا فرض على كل من وصل سن البلوغ.
    من الطبيعي أن يخوض إبليس و جنوده حروباً ضد أهل الحق بهدف (حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) و وسائل هذه الحروب متنوعة منها التجهيل و الإفقار . لا عذر لأمة بدأ دينها ب “إقرأ ” أن لا تقرأ و تقرأ حتى تصل في القراءة إلى القمة في الدنيا و تكتسب العلوم النافعة لها في دنياها و أخرتها .
    أما الإفقار فهو سياسة استعمارية متعمدة و منهجية حيث لا يمكن – بحساباتهم الاستعمارية – إخضاع الشعوب إلا إذا كان هنالك شظف في العيش و ضنك فيه . أمتنا تعيش في بلدان مليئة بالثروات لكن الاستعمار – بنوعيه القديم و الجديد – نهبوا و ينهبون هذه الثروات بطريق مباشر قديماً و عن طريق “غير مباشر” من خلال الطراطير النواطير الذين فرضوهم . ينبغي على هؤلاء الأدوات أن يتبعوا سياسات اقتصادية فاشلة و أن لا يقيموا مشاريع صناعية إنتاجية و أن لا يكون اكتفاء ذاتي في المنتجات الغذائية و أن تكون بلادنا حائزة على لقب البطولة العالمية في الاستيراد و الاستهلاك . المعادلة بسيطة ، خسارتنا نحن هي كسب مادي لغيرنا ، و خيرنا لغيرنا ، و مصائب قوم عند قوم فوائد .
    في هذه البيئة الملوثة ، تبدأ انطلاقة شاب في الحياة و حين يكون وعاء الفكر عنده فارغاً فما أسهل عند الأعداء و جواسيسه من أن يصطادوه من خلال مساومته على حاجاته أو غرائزه أو أطماعه . في عصور أمتنا الذهبية ، تعلَم الجيل الشاب حكمة ” قطعت المطامع أعناق الرجال ” و حكمة “من رضي بالخل و البقل لم يستعبده أحد” و حتى في العصر الجاهلي كان لديهم شعار ” و لقد أبيت على الطوى و أظله ** حتى أنال به كريم المأكل ” و شعار “لا تسقني كأس الحياة بذلة ** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل” . في هذه الفقرة من المقال ، يتضح ما الذي أفسد أهل الطرب و أهل الكهنوت الذين “صلوا عليهم” بل و ما الذي أفسد “قوادين” للثورة باعوا أنفسهم و دينهم و أمتهم وأوطانهم بثمن بخس. هؤلاء “القوادون” عليهم كفل أو ذنب على كل مصيبة حصلت و تحصل لأي مسلم /مسلمة في سوريا و لن تنفعهم يوم القيامة البترودولارات و الريالات و الدراهم و الطومانات في الحساب عند الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى