مقالات

إضاءاتٌ في مواجهة العدو

د. موفق السباعي

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

ابتداءً! قبل أن يَطْلُعَ علينا بعضُ الصعاليك، وناقصو العقل والدين، ويتفذلكون، ويتحذلقون، ويتفيهقون قائلين: إن هذا الكاتبَ، حاقدٌ على الشعب السوري.    

نقول: إن الكاتبَ هو من أصل الشعب السوري، ومن جرثومته الأصيلة. وعائلتُه هي من أكبر العائلات في سورية، بل في الوطن العربي كله.

لأن فروعها تمتد من الخليج إلى المحيط ، وتنتمي إلى الحظيرة النبوية الشريفة، والدوحة الهاشمية العريقة، ويعرفها القاصي والداني. وهذه وثيقة من رابطة الأشراف في المغرب ، تثبت ذلك.     

  1. القتال في الإسلام ! لا يجوز أن يكون إلا في سبيل الله.. انقياداً لأمر الله تعالى ( وقَاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الذينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) البقرة 190.
  2. وهذا يمكن أن يكون معلناً، ومصرحاً لكل المقاتلين، إذا كانوا جميعاً يقاتلون ضمن مجموعة مؤمنة ملتزمة ؛ ترفع راية ( لا إله إلا الله ). وكان القائد مؤمناً صادقاً، ويحرض جنوده على القتال في سبيل الله أيضاً. 
  3. أما إذا كان المقاتلُ المسلمُ الملتزمُ ، لا يجد مجموعةً مؤمنةً مستقلةً ، تُقاتلُ في سبيل الله.. فعليه واجبٌ أن يعمل على تشكيلها، من أصحابه ، وإخوانه ، وجيرانه الذين يحملون نفس أفكاره ؛ وينحاز بعيداً عن كل المجموعات الجاهلية الأخرى ، التي تُقاتلُ في سبيل التراب ، أو تُقاتلُ في سبيل الدرهم والدينار ، أو تُقاتلُ في سبيل المحتل الأجنبي ؛ لتحقيق مصالحه الأمنية والقومية ، أو تُقاتلُ في سبيل الممول الأجنبي الخارجي.
  4. فإذا لم يستطع هذا المقاتلُ المسلمُ الملتزمُ ، العثورَ على مجموعة مقاتلة مؤمنة ، تقاتل في سبيل الله ، ولم يستطيع تكوين مجموعة مؤمنة تقاتل في سبيل الله ، فليبحث عن مجموعة مقاتلة مستقلة ، لا تقاتل في سبيل مصلحة أجنبية ، وتقاتل بجد وصدق في سبيل الدفاع عن الأهل ، والأرض ، والعرض ، وفيها خليطٌ من المقاتلين الذين بعضهم يقاتلُ في سبيل الله ، وبعضهم الآخر يقاتلُ في سبيل الأرض ، فلينضمَ إليهم ، وينوي القتالَ في سبيل الله ؛ للدفاع عن أرضه ، وعرضه ، وماله.

لأن القتالَ في سبيل اللهِ ، هو عبارة عن نية قلبية ، لا يعلمها إلا الله  تعالى ؛ تطبيقاً للحديث الصحيح ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) فإن قُتل يكون شهيداً. 

  1. وأما إذا استعرت الحرب في بلد ما.. فلا يحق للمسلم أن يهرب ؛ لينجوَ بنفسه!! فهذا عملٌ انهزامي ، وجبنٌ ، واستخذاءٌ ، وخيانةٌ لله ورسوله وللمؤمنين..

 بل عليه أن يقاتلَ حتى آخر رمق ، ويعملَ بقول الله تعالى ﴿ قَاتِلوهُمْ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمࣲ مُّؤۡمِنِینَ ﴾ التوبة 14. ( وَقَاتِلوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ ) الأنفال 39.

  1. لا يجوزُ للمسلمِ بأي شكلٍ من الأشكال ، أن ينهزمَ ، ولا أن يفرَ ، ويولي الأدبار ؛ لأجل دنيا فانية ، ولأجل متعها الزائلة ؛ أو بسبب الخوف من الموت.

 والصحابةُ الكرامُ! كانوا ينتظرون لحظة بدء القتال على أحرٍ من الجمرِ ؛ ليموتوا في سبيل الله ، ويحظوا بوسام الشرف الأعلى ( الشهادة في سبيل الله).

  1. ومما يؤكد قولنا.. الحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم ( جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ)..
  2. فإذا كان في دين الإسلام ! مرفوضاً إعطاءٌ المالِ للسارقِ ، أو اللصِ ؛ للنجاة من القتل.. فمن باب أولى ألا يكون مقبولاً ترك الأرض وما عليها ، وتسليمها للغاصب الغشوم ؛ للنجاة من القتل.
  3. وإذا كان هذا يريد أن يهربَ ، وهذا يريد أن يفرَ ، وهذا يريد أن ينجوَ بريشه ، وهذا يريد أن يتخاذلَ ، وهذا يريد أن يستكينَ، وهذا يريد أن يقعدَ ويستريح. فمن الذي سيدافع عن البلاد إذن ؟! ومن الذي سيدافع عن حرمات الله ، وعن الحرائر ، وعن المستضعفين من الشيوخ ، والعُجَّزِ ، والرُضَّعِ ، والنساء المحصنات ، والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً.
  4. هل في دين السماء ، أو في دين الأرض ، أو في أخلاق ، وقِيَم شعوب الأرض قاطبة.. أن يخرج ثلثُ سكان بلد ما ، سبعة ملايين نسمة ، يخرجون من أرضهم ، زُرافاتٍ ووحداناً ؛ يهيمون على وجوهم ؛ خوفاً من الموت الذي سيلاحقهم عاجلاً أو آجلاً ، وأينما كانوا ، ولو كانوا في بروجٍ مشيدةٍ ، ويركبون البحر في زوارق مطاطية ممزقة ضعيفة ، ولا يخافون من الموت ! فيا للعجب العجاب ! 
  5. هل قرأ أحدٌ في تاريخ الأمم ، والشعوب الغابرة، أو سمع في أخبار القبائل ، والعشائر الماضية، أو شاهد في أسفار ، وكتب الأديان السابقة، أن شعباً ما ! قام بثورة على حاكمه المجرم ، السفاح ، القاتل.. ثم هربَ ، وفرَ كالفئران من خلال الزواريب ، والجحور ، والأنفاق تحت جنح الظلام ؟! وتركَ إخوانه ، وأخواته في المعتقلات ، وفي أقبية السجون ، يئنون من العذاب ، والتعذيب ، قبل أن يقضيَ على الحاكمِ المجرمِ؟!
  6. وهل قرأ أحدٌ ، أو سمع ، أو شاهد.. أفراداً من شعب ثائر ، يحملون السلاح بذريعة أنهم يريدون حماية أهلهم ، وأرضهم من الطُغاة ، والبُغاة ، والبُغاث ، والصائلين.. وقد كانوا على بعد عدة كيلو مترات من جحر الطاغية السفاح.. فأبوا أن يقتلوه ؛ ويدمروا عليه جحره ؛ وانسحبوا صاغرين ؛ منهزمين ، مستسلمين ، وسلموا أسلحتهم ؛ وعتادهم لعدوهم ؛ لينجوا بريشهم ؟!
  7. وهل قرأ أحدٌ ، أو سمع ، أو شاهد.. مجموعات مسلحة عديدة تشكلت بحجة الدفاع عن الثائرين.. وإذا بها – بين عشية وضحاها – تنقلب للدفاع عن الطاغية المجرم ، وعن المحتل الأجنبي ؛ وتتحكم بالشعب الثائر المحشور في زاوية صغيرة من الوطن ؛ بالحديد والنار ؟!
  8. بالتأكيد لم يقرأ أحدٌ ، ولم يسمع ، ولم يشاهد في أمم سالف الزمان ذلك.. ولكن الجميع رأى رأي العين ؛ ما فعله ذلك الشعبُ الغريبُ الأطوارِ ، والغريبُ النشأة ، والتكوين ، والمتناقضُ في تصرفاته ، وسلوكه ، المسمى الشعب السوري.. الذي هيأ له الله فرصة ذهبية ؛ لم يكن يحلمُ بها ؛ ولم يكن يتوقعها ؛ للنجاة من طغيان ، واستبداد الطائفة النصيرية المارقة المجرمة.. لكنه أخفق في إدارة الثورة.. وخرج من بين صفوفه غربانٌ ، وثعالبٌ ، وضفادعٌ ، وعقاربٌ ، وأفاعي أكلت الأخضر واليابس.. ثم ولى الأدبار ؛ لا يلوي على شيء .
  9. لا يتولى من الزحف ، ولا يفرُ ، ولا يهربُ من مواجهة الأعداء.. إلا كلُ جبانِ رعديدٍ ، خسيسٍ ، متخاذلٍ ، عديم الشرف والدين ، والكرامة ، والعزة ، والإباء.. والشاعر المتنبي يقول لهم.. ولكل جبان رعديد: 

  عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ …… بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ 

هكذا الرجالُ الأبطالُ الشجعانُ يفعلون.. لا يهابون الموت ، بل يطلبون الموت ، لينتقلوا إلى حياة الجنان الأبدية ، بل يفرحون بالموت في سبيل الله.. 

وهكذا كان يفعل الصحابةُ الكرامُ.. يحرصون على الموت ؛ لتوهب لهم الحياة الكريمة العزيزة ؛ أو ليفوزوا بمقعد صدق عند مليك مقتدر..

  1. أما في حالة عدم وجود حرب ولا احتلال.. وإنما وجود حاكم ظالم طاغٍ متجبر.. فيمكن للمؤمن إذا شعر بالخطر على نفسه.. أن يترك البلد ليحفظ دينه..
  2.  والأفضل أن يبقى .. كما فعل الشيخ الحموي محمد بشير المراد ، في عهد حافظ ، الذي عرض عليه مناصب حكومية رفيعة ، وأموالاً طائلة ؛ لأجل أن يخفف الغليان الشعبي في الثورة الأولى ، في ثمانينات القرن الماضي. ولكنه ، أبى ذلك ، وأبى أن يترك البلد مثلما فعل مشايخ آخرون.. ونال الشهادة التي كان يطلبها ، ويطلبها كلُ مؤمنٍ صادقٍ. وغيره نال الخزي والعار ، والذل والهوان..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى